هل فعلا قدل عمر الجزلى فى جنيفا ليقدم لنا بطل فضيحة التزوير إسماً فى حياتنا؟

Quote: المسافة الفاصلة بين ذاكرة الوطن وبرنامج "أسماء في حياتنا" ما هو المخرج من مأزق تشويش الذاكرة؟ هل نحتاج لسوبرمان لتقديم هذا البرنامج ؟؟ حسن طه محمد مستشار قانوني [email protected] الحوار بين الناس فن له اصوله وطرقه ووسائله وآدابه ومتطلباته وهو عملية يومية مستمرة بين الناس يحتاجون اليه في التواصل والتفاهم فيما بينهم . لذلك يعتبر الحوار حتي بين الناس العاديين فن اجتماعي يمارسه الجميع وتكون له نتائجه المؤثرة سلبا و ايجابا. لما كان الأمر كذلك ، فاذا ارتبط الحوار بموضوع هام مثل التوثيق لأخبار وأحداث الأمم والجماعات والأفراد ازدادت أهميته وأهمية تتبع أصوله وطرقه ووسائله وآدابه ومتطلباته . والتوثيق عملية تقوم علي عدة عناصر تأتي في مقدمتها المعرفة العلمية الدقيقة المطلوبة في توثيق الحقيقة. وهو - كما هو معلوم – مرتبط بالتاريخ والولوج الي بوابات التاريخ ليس بالأمر السهل ولا يمكن الولوج اليها الا لمن له المعرفة والدراية او ممن صنعوا ذلك التاريخ . وهذه البوابات هي جسر عبور ممتد للتواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل. هذه المقدمة المختصرة والمعلومة للجميع كان لا بد منها قبل ابداء الرأي في برنامج " أسماء في حياتنا " الذي جاء اقتراح بعضهم علي صفحات "ســـــــودانــــايـــــل " بتكوين مجلس او لجنة متخصصة من ذوي المعرفة والتخصص لتقوم باختيار ضيوف هذا البرنامج التلفزيوني الهام ووضع اطار عام للأسئلة التي تطرح علي ضيوفه. ان ما دعاني للدلو برأيي المتواضع عن هذا البرنامج هو اعتقادي الجازم في أهمية التوثيق التاريخي لمجريات الأحداث الهامة التي أثرت في مسيرة الوطن خلال العقود القليلة الماضية والتي سيمتد أثرها – بلا شك - الي الأجيال اللاحقة. وما دعاني ايضا للكتابة في هذا الموضوع هو ايماني القاطع بأهمية حماية ذاكرة الوطن من هذا التشويش الذي أحدثه ويحدثه برنامج " أسماء في حياتنا " . تنبع أهمية برنامج " أسماء في حياتنا " من هدفه المعلن من أنه برنامج توثيقي يعمل علي الحفاظ علي ذاكرة الوطن والمواطنين من خلال الحوار مع ضيوف البرنامج في الحقب الزمنية التي عاشوا فيها. لذلك فهو يختلف عن بقية البرامج التي ينتهي تاثيرها علي المشاهد بانتهاء زمن البرنامج . ان مثل هذه البرامج التوثيقية تحتاج الي اعداد جيد مسبق من خلال تجميع المعلومات المرتبطة بموضوع البرنامج ودراستها والبحث فيها والتقصي عنها بمنهجية علمية وصولا لهدف البرنامج. ولحسن الحظ فقد أتاحت المكتبات والتقنيات الحديثة بما فيها من كتب ومجلدات وبحوث علمية متخصصة امكانية الاستعانة بها والاستفادة منها في الاعداد والتحضير والطرح المميز للوصول الي قلب المشاهد العادي والباحث العلمي بما يريده من معلومات حقيقية تؤرخ لحقبة زمنية كان يعيشها ضيف البرنامج. وأمـــامــنــا الجهد المبذول في البرنامج الرائع " مع هيكل – تجربة حياة " الذي يقدم علي قناة الجزيرة الفضائية . من جانب آخر ، فان مثل هذه البرامج التوثيقية يجب أن تستضيف أشخاص كانت لهم بصمة واضحة وأكيدة في صنع الأحداث التي تجسد المرحلة التي يتناولونها أو أشخاص ممن زامنوا تلك المرحلة ولهم المقدرة في اثبات الحقائق بالرواية والبحث والتدقيق . لذلك فمن المتعين والمطلوب في آن أن تخضع هذه الشخصيات المستضافة الي عملية فرز دقيقة لا مجاملة فيها حتي يصل البرنامج الي هدفه المنشود وينال رضاء جميع المشاهدين بمختلف فئاتهم . أخيرا يأتي دور الاعداد والتحضير لمثل هذه البرامج التوثيقية فنيا وتقنيا بصورة متكاملة وبشكل يستطيع معه اثارة المشاهد وشده للمتابعة وابعاده عن الملل والفتور والعزوف . كنت أحسب أن الأستاذ / عمر الجزلي وهو الاذاعي المعروف الذي بدأ عمله مع الاذاعة السودانية منذ عقود مضت قد اكتسب من القدرات والخبرات ومهارات ادارة النقاشات ما يمكنه من استلهام المغزي الحقيقي لمثل هذا البرنامج ومن ثم العمل علي اعداده وتحضيره وتقديمه بما يليق. ولنا أن نتساءل : هل تنطبق هذه المعايير علي برنامج " أسماء في حياتنا " ؟؟؟؟؟؟ الجواب بالقطع : لا . ابتداءا - وحتي لا نبخس الناس أشياءهم - أقول أن الأستاذ/ الجزلي يحسب له صبره في متابعة الحوارات مع ضيوفه ولكن اسلوبه في اعداد وادارة هذا البرنامج معتمدا فقط علي الارتجال المتسم بالتكرار والتطويل والاستطراد بعيدا عن نهج الاختصار المفيد وفي اختيار شخصيات غير مؤثرة لم يكن لها دور في الشأن العام مثلهم مثل أي مواطن عادي قد تولد منه الحزن الثقيل والملل المنبوذ . يقول الخليفة الراشد علي رضي الله عنه " خير الكلام ما قل ودل ولم يطل فيمل " المتابع للبرنامج يلاحظ بوضوح افتقاره للمعايير التي سبق ذكرها ، حيث لا اعداد جيد ولا اختيار موفق للضيوف ولا تحضير فني مهني راقي ومثير يبعد الملل والفتور عن المشاهد. وحقيقة أقول ان البرنامج بدا مقبولا ولكن مع مرور الوقت بدأ لمعانه يخفق ولا تجد فيه اثرا لجهد مبذول . يتضح ذلك جليا من عديد السلبيات التي اكتنفت هذا البرنامج ، الأمر الذي جعله عرضة لشديد النقد اللاذع. ويمكن تلخيص تلك السلبيات فيما يلي: اختيار كثير من الشخصيات غير المؤثرة في الحياة العامة من ذوي الرغبة الذاتية في النفخ في بطولات زائفة في محاولة لحجب ضوء الشمس من خلال سرد قصص وبطولات شخصية بعيدة عن الواقع وغير مقنعة لا تهم المشاهد لا من قريب أو بعيد. العجيب في الأمر ، أن بعض هؤلاء المستضافين يتحدث عن عنترياته هذه المنفوخة بالبطولات التي يقول أنها حدثت في زمن صباه بفكر وعقل من تعدي الستين من عمره ، لتضيع مع الهواء الذي يتنفسه وهو جالس أمام كاميرا البرنامج. وبالأكيد لن ينالوا عزا أو شرفا من تلك البطولات الزائفة .و أين هم من بطولات علي عبداللطيف و عبداللطيف الماظ؟ الفشل في ادارة دفة الحوار مع ضيوف البرنامج وضعف الأسئلة التي تطرح و الارتجال والتطويل غير المفيد للمشاهد داخل اطار القهقهات التي تميز واشتهر بها مقدم البرنامج ، مما يحرم البرنامج مع مرور الوقت من استضافة كثير من الشخصيات التي كان من الممكن لها أن تقدم ما يفيد. ألا يدري الجزلي أن الأعمار بيد الله وأن هناك أناس مفيدين يمكن أن يلحقوا بالرفيق الأعلي قبل ان يتم تسليط الضوء عليهم وقد بلغوا من العمر عتيا؟؟ تسييس البرنامج واختيار شخصيات لها مرام وأهداف اخري!!!!!!!! من الواضح أن اختيار شخصيات هذا البرنامج يؤشر - دون أدني شك – الي أنه ليس بمنأي عن تأثير المراحل السياسية . عدم افساح المجال للآخرين لادارة هذا البرنامج بدل الاحتكار وفرض أسلوب النمط الواحد. عدم التخصص في التوثيق من أفواه ناس متخصصين في المجال الذي يتحدثون عنه وفيه. خلو البرنامح من استضافة معلقين ومحللين من شهود المرحلة لتحليل ما يرد في البرنامج والتعليق عليه. ان مثل هذه البرامج التوثيقية في حاجة ماسة الي مؤسسة اعلامية متكاملة لتوثيق الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والادبية والرياضية والفنية وغيرها من ضروب الحياة ذات الشأن العام الذي يهم كل الأجيال السابقة منها واللاحقة . المطلوب أيضا من الأكاديميين والباحثين والدارسين اخضاع هذا البرنامج للفحص والتدقيق والتقييم وكيفية الاستفادة منه في التوثيق لحقب مختلفة . كما يمكن استضافة معلقين من شهود المرحلة للتعليق علي ما يرد في البرنامج. ان الاعداد الجيد والاختيار الموفق لضيوف البرنامج والتحضير الفني بالصورة المهنية والتقنية الراقية سوف يصل بالبرنامج الي قلوب المشاهدين كوجبة تاريخية ثقافية ادبية دسمة . لم أجد احدا ينادي بالغاء هذا البرنامج ، بل الجميع ينادي بتطويره وتقديمه بالصورة التي تتماشي وتتواكب مع هذا العصر – عصر المعلوماتية والتوثيق . في الختام ، نقول أن التغيير ضرورة حتمية لتلافي العجز في التوثيق والتزوير في التاريخ ، فالتوثيق أمانة قبل كل شيء. ولا أعتقد أننا في حاجة الي سوبـر مان لتحقيق ذلك.