فجأة وبدون مقدمات نقل قائد ما يعرف بقوات الدعم السريع في السودان التي تضم 6 آلاف مقاتل معركته مع والي إحدى الولايات المهمة وأحد أهم كوادر النظام إلى العلن. وذلك في لقاء مباشر على الهواء عبر إحدى القنوات الفضائية. اتهم ذلك القائد الذي منح رتبة الفريق بشكل استثنائي، والي ولاية كردفان بشن حملة منظمة لاستهداف قواته وتشويه صورتها بالتزامن مع جهات معارضة في الخارج. واعتبره أكثر من ساهم في رسم صورة ذهنية سالبة عن قواته. وكان الوالي قد طالب قبل سنوات مليشيات الدعم السريع بالخروج من ولايته على خلفية جريمة قتل اتهم أحد المنتمين لهذه القوات بارتكابها. وذهب قائد تلك القوات المثيرة للجدل بعيدا عندما قال أن ذلك الوالي ينبغي أن يحاكم، ومكانه السجن وليس أن يكون حاكما للولاية. ويبدو أن ذلك اللقاء التلفزيوني الذي تم التحقيق مع مقدمه (مدير القناة) وايقاف البرنامج اليومي الذي كان يقدمه، قد قصد منه مواجهة انتقادات حادة من جانب الشارع السوداني لتلك القوات، حيث شكا عدد مقدر من سكان العاصمة الخرطوم من تعرضهم لمضايقات من قبل عناصر مسلحة، من بينها إجبار الشباب على حلق رؤوسهم تحت التهديد. لكن يبدو أن ذلك اللقاء قد يكون محطة فارقة في مصير هذه المليشيات أو على الأقل في مصير ذلك القائد الذي يفتقد للكياسة والذكاء السياسي فجاءت تلك المعالجة الكارثية التي كشفت عن حجم القلق الذي ينتابه وخشيته من أن تدور عليه الدائرة ربما بسبب انتهاء دوره. في السطح لم يبد أي اجراء ضد الرجل لحساسية موقعه وخطورة القوات التي يقودها وصعوبة السيطرة عليها إذا ما انفلتت الأمور وسرى فيها فيروس التمرد. لقد تحولت قوات الدعم السريع وهي عبارة عن ميليشيا شكلها الرئيس عمر البشير إلى قوة ضاربة قصد منها التصدي لمواجهة الحركات المسلحة في دارفور. بيد أنها ظلت محل انتقاد من جانب عسكريين مهنيين وكذلك من جانب أطراف سياسية وشعبية بسبب تجاوزات أفرادها، ونفوذها الطاغي، الذي بات يثير القلق. وهكذا نشأت قوات الدعم السريع بشكل استثنائي لتغطية عجز ما وهذا النشوء الاستثنائي والمتسرع انعكس على قوام وماهية وكفاءة هذه القوات من الناحية المهنية. فهي لا قوات نظامية ولا هي قوات غير نظامية وتم ضمها للجيش شكليا لكنها احتفظت بطبيعتها غير النظامية. ويبدو أن هذه القوات بها إشكالات تكوينية من حيث الانتماء الجهوي لأفرادها ومن حيث التزامها العسكري وفقا لما هو متعارف عليه في الجيوش النظامية حول العالم. ويتساءل بعض المراقبين عن ما صرفته الحكومة في تجهيز قوات الدعم السريع، هل كان من الممكن ان يرفع من قدرات الجيش؟. الآن ينظر بعض العسكريين لقوات الدعم السريع باعتبارها مسجدا ضرارا بالنسبة للجيش القومي الذي يشعر بعدم الارتياح تجاهها. يبلغ عمر الجيش السوداني اليوم نحو 65 عاما اطلع خلال هذه السنوات بمسؤولية كبيرة في الحفاظ على أمن البلاد. لكن لا يمكن أن يرجى خيرا من مؤسسة تنهار معنويات أفرادها يوما بعد يوم كأوراق الخريف بسبب العبث السياسي. كان من المفترض قبل أن تقع الفأس في الرأس انهاء الحالة الاستثنائية للدعم السريع بالدمج الكامل في الجيش ونتعامل مع قوات قومية واحدة دون ازدواجية وتحت قيادة هيئة الأركان المشتركة. الخلاصة ان الدعم السريع بوضعه الحالي رغم ما قدمه لاستباب الأمن - وربما أمن النظام وحده - يعد خطرا على الأمن القومي مما يستعدي اعادة النظر فيه بأسرع فرصة.
العنوان
الكاتب
Date
الخرطوم.. أزمة مليشيات الدعم السريع بقلم د. ياسر محجوب الحسين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة