صباح كل سبت، وصباح كل أحد، كانت هناك أوراد أخلاقية يلتزم بها الكثيرون حول العالم وخصوصا في المملكة المتحدة، حيث تقف مجموعات من البريطانيين في انجلترا واسكتلندا وايرلندا وويلز أمام بعض المتاجر الكبيرة ضمن حملات تضامن دولية مع المستضعفين، رافعة لافتات مكتوب عليها قاطعوا المنتجات الاسرائيلية Boycott Israeli Goods، ويبدو أن سلاح المقاطعة قوي جدا للدرجة التي قرأنا فيها قبل يومين في الأسوشيتدبرس أن اسرائيل منعت الناشطة الأمريكية اليهودية ايرييل قولد من دخول الأراضي المحتلة، وصرح وزير الشؤون الاستراتيجية بأن كل من ينشط في حملات مقاطعة البضائع الاسرائيلية لن يسمح له بدخول البلاد.
ومما أذكره أنه كان يحرج بعض العرب في بريطانيا محاولتهم دخول المتاجر والمطاعم المدعومة صهيونيا، فكان بعض من اليهود البريطانيين المحترمين يوضحون لهم أن مسلكهم هذا يدعم الاحتلال الصهيوني والتصفيات العرقية والمجازر في فلسطين ولبنان، ويتم رفع لافتة (التسوق يمكن أن يقتل) Shopping can kill .
والتسوق يمكنه كذلك أن يقتل بصورة أخرى، حين يتم امتصاص دماء الأسر، بل وحرق دمائها باشتعال الأسعار مثلما نرى في دولنا.
في العام 2000 قاطعنا الوقود مع سائقي المركبات في بريطانيا لارتفاع سعره فوق مقدرة المواطن البسيط، ثم كانت حملة بريطانية شعبية كبرى لمقاطعة اللحوم الحمراء بعد فضيحة بيع لحوم الخيول، ثم مقاطعة الحليب واللحوم بعد فضيحة أخرى للحيوانات المستنسخة ! وقبل أعوام بسيطة قام وزير الزراعة والصناعات الزراعية اسماعيل صبري في ماليزيا بدعوة المواطنين لمقاطعة جشع التجار، واصفا ذلك بالمعركة الاستراتيجية التي سيفوز فيها المواطن في النهاية، وما أبلغه من موقف محترم من الوزير الماليزي الذي يحس بمعاناة شعبه !!
وقبل أشهر قام الناشطون في تونس بتحريك حملة مقاطعة الألبان والبيض والموز والطماطم و اللحوم والأسماك ! وفي نفس الفترة حدثت حملة مقاطعة البنزين والحليب في المغرب، وحينها أشار الاقتصاديون في البلدين إلى أن سبب ارتفاع الأسعار هو اتباع وصفات مجموعة البنك الدولي و (صندوق النقد الدولي). وفي مصر حدثت حملات كثيرة ومتكررة لمقاطعة اللحوم حتى قام السودان بنجدتها بالتصدير إليها، فانخفضت الأسعار ولكن المعاناة مستمرة.
إن المقاطعة هي سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه بصورة لا أخلاقية تستوجب العقوبة، عندما تقاطع فئة عرقية أو دينية مثلما حدث للنبي محمد حين حاصرت قريش بني هاشم ثلاثة أعوام حتى أكلوا أوراق الشجر وجلود الحيوانات بعد حرقها وطحنها !! والمقاطعة جريمة دولية عندما تقاطع دولةً وشعباً كاملا مثلما حدث للسودان من طرف الولايات المتحدة الأمريكية لحوالي العشرين عاما، لم تستجب فيها الدولة الدكتاتورية الأولى على مستوى العلاقات الدولية لنداءات حقوق الإنسان، فاستغلت سيطرتها العسكرية والمالية لتجويع وإذلال الشعوب والحكومات معا. ولكن المقاطعة تكون سلاحا شرعيا للدفاع عن النفس، حين تكون في مواجهة تماسيح الأسواق، ومغتصبي ميزانيات الأسر في دولة توصف بأنها تمتلك ثروة حيوانية هي بين الأضخم في العالم ! وفيها من الأفدنة الزراعية ما لا تعرف وزارات الزراعة تفاصيله.
وفي هذه الأيام، مما يدعو للتفاؤل في حملة مقاطعة اللحوم في السودان أن الحملة لا تقودها جمعية حماية المستهلك ولا أي جهة يمكن التفاهم معها، وإنما هي حملة لمواطنين ناشطين في الانترنت ليس بينهم أي رابط هيكلي، مما يرسل رسالة واضحة للمعنيين، بأنه لا مجال للنقاش !
وفي معركة المقاطعة لتخفيض الأسعار، يفوز الطرف صاحب (البال) الأطول والأنفاس الأهدأ، ولكن على المقتدرين أن يسهموا في خفض الأسعار بالمشاركة في المقاطعة مع عامة المواطنين، فهذا موقف أخلاقي ووطني، وينبغي أن يكون المسلمون بنفس إنسانية اليهود رافضي الصهيونية ممن التقيناهم في بريطانيا وينتشرون في أمريكا، وقد قال رسول الله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
فلتستمر مقاطعة اللحوم ولتبدأ مقاطعة الطماطم وكل ما تبقى من ضروريات الحياة في السوق !! وليقم المواطنون متكاتفين بما لم تستطع الحكومة أن تقوم به، في مواجهة جشع التجار وسماسرة قفة الملاح، ولتقم القوى الشعبية بالتكاتف ومحاربة الغلاء وتأديب الأسواق وهو ما لم تستطع الحكومات أن تقوم به في عدد من الدول المذكورة شرقا وغربا، ربما لتضارب المصالح.
في إيران، حدثت حملة كبيرة جدا قادها لاعب كرة القدم الشهير"علي كريمي"، بعد أن كتب في صفحته مطالبا بمقاطعة كل السلع الأساسية الغالية، وكان اسم الحملة المشهورة بالفارسية (من نمي خرم)، وتعني (أنا لن أشتري). وهذه دعوة لمشاهير مجتمعنا لقيادة حملات أخرى من المقاطعة يتبناها لاعبو الكرة والفنانون والمطربات، فيتبنى كل واحد منهم مقاطعة سلعة بعينها كل فترة، على شاكلة (من نمي خرم)، فقد كثرت (الأخرام) في ميزانيات الأسر وموازنة الدولة لهذا العام، حتى صارت خرما واحدا كبيرا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أ ُبي عزالدين عوض
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست