قبل نحو شهرين تقريباً وأنا خارج في الصباح من بيتي في حي الواحة بكوبر وجدت كل أغطية المانهولات في الشارع الذي مررت به قد اختفت!
بعد ذلك علمنا أن أطفالاً يركبون كارو يجرها حمار قبض عليهم في بعض أحياء الخرطوم متلبسين بجريمة سرقة مانهولات بل وسرقة منازل خلال ساعات النهار .. بالطبع عصابات الكارو تعددت وتكررت بأشكال مختلفة.
في أول إشارة ضوئية بعد خروجي من المنزل في نفس ذلك اليوم وقف بجانبي طفل صغير في ملابس رثة وبدون أن يستأذنني (هوى) على زجاج السيارة بفوطة متسخة لينظفه ..التفت يميناً ويساراً لأرى ذات المشهد يتكرر مع العربات المجاورة .. بجانب السيارة التي تقف أمامي رأيت امرأة متسولة تحمل طفلاً صغيراً تمد يدها للسائق .. لا أشك البتة - من ملامحها - أنها ليست سودانية .
ذات المشهد تكرر أمام الإشارات المرورية الأخرى خاصة أمام كوبري كوبر من جهة الخرطوم مع اختلافات صغيرة في بعض التفاصيل .. ظاهرة المتسولين الأجانب الذين حكى مسؤولو الشرطة أنهم يعودون بعد أن يُرحّلوا إلى دولهم وكذلك ظاهرة التشرد تعبر عن الفشل الذريع والعجز عن التعامل معها.
أفتأ أردد ذكر مانشيت صحيفة (السوداني) الذي يقول :(ضبط (29) طفلاً سرقوا (38) سيارة بالخرطوم)
يقول الخبر إن شرطة ولاية الخرطوم ضبطت أربع مجموعات مختلفة من الأطفال تخصصت في سرقة السيارات الملاكي بالخرطوم وأوقفت الشرطة (29) طفلاً أقروا بسرقة (38) سيارة.
تخيلوا !!! عصابات أطفال بلغت بها الجرأة درجة سرقة السيارات والمانهولات وخطف الهواتف والشنط من السيدات والأطفال!
قبل عدة أشهر أرسلت طفلي ذا الـ (15) عاماً إلى الصيدلية ومعه هاتفي لكي يتصل بي حتى أذكر للصيدلي اسم الدواء، فإذا بمجموعة من المشردين ينتزعون منه الهاتف بعد أن ضربوه!
أود أن أسأل: هل يأمن شخص على حذائه (السمح) خارج أي من مساجد ولاية الخرطوم ؟! إذا كانت الإجابة بلا فكم بربكم يبلغ عدد المساجد وبالتالي عدد المشردين الذين يتربصون بها؟! بالقطع هناك عدة آلاف من المساجد يرقبها لسرقة الأحذية ربما عشرات الآلاف من المشردين.
المتسولون والأطفال المشردون والنيقرز الذين عادوا من جديد في بعض أحياء الخرطوم وولاياتها الطرفية مثل جبل أولياء التي أعلنت قبل أيام عن حملة جديدة للحد من اعتداءاتهم ، كل ذلك تتعامل معه الولاية بلا مبالاة بالرغم من الصورة السالبة التي رسموها لعاصمتنا (الحضارية) في أذهان الأجانب من السياح والمستثمرين.
لن أتحدث عن ستات الشاي وبائعات الكسرة اللائي ملأن شوارع وأزقة العاصمة في ظاهرة غريبة وفريدة لا توجد إلا في سودان العجائب ويحمد لمعتمد ولاية الخرطوم (أب شنب) أنه ضيّق على تلك الظاهرة غير الحضارية التي أحالت شارع النيل إلى مركز ضخم للاتجار في المخدرات وللسلوكيات الشاذة مما رأينا بعض مظاهره في صور شائهة ضجت بها الأسافير .
في آخر (كشة) لأحد معسكرات الجنوبيين قامت شرطة محلية أمبدة بإبادة (1200) بئر تصنيع خمور بلدية وإراقة (1700) برميل و(3000) جوال دبوبة وضبط ( 30) ألف كرستالة خمور بلدية مختلفة الأحجام.
في نفس اليوم وفي نفس المحلية داهمت شرطة قسم دار السلام شمال معسكراً آخر ضبطت فيه (5000) كرستالة خمور بلدية كانت محمولة في مركبة في طريقها إلى عدد من المناطق بالعاصمة.
هذه (الكشات) تتكرر في معظم محليات الخرطوم تلتي توجد بها معسكرات للنازحين ولكن هل هذا يكفي كحل جذري للمشكلة؟!
قبل فترة تحدث مسؤول حكومي أن الجنوبيين سيُرحّلون إلى ولايات حدودية مجاورة لموطنهم أسوة بما يحدث في كل العالم، ولكن هل نحن مثل العالم؟!
يؤسفني جداً أن الوالي عبدالرحيم محمد حسين له فهم غريب لمبدأ تفويض السلطات (Delegation of powers) على عكس فهمي المتواضع الذي ظللت أباشر به عملي .. تفويض السلطات لا يعني الصبر على العاجزين إنما يعني إبدالهم أو تولي المفوض (بكسر الواو) المهمة تجاوزا لمن فوضه فالمدير أو الوالي أو المسؤول المفوض يظل مسؤولاً لدى من فوّضه.
التشرد والتسول والوجود الاجنبي غير المرصود والفوضى الضاربة الاطناب في عاصمتنا (الحضارية) - ناهيك عن التدني في بعض الخدمات الحيوية مثل المياه والنظافة وغيرهما - تشكل قنبلة موقوتة تهدد امن العاصمة ما لم تواجه بحزم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة