أمر منطقي ان يكون للهجرات الضخمة للبشرية والتغييرات الديموغرافية العظيمة الاثر الابلغ في التشكلات الوجدانية والثقافية الكبيرة واستحداث حضارات جديدة نتاج المجتمعات الجديدة التي تتشكل وفقا لهذه الهجرات . واذا سلمنا بالمغالطة التاريخية المروية وادعاءات كثير من المؤرخين بان السودان الحالي هو نتاج تشكل هجرات عربية كبيرة امتزجت مع شعوب ( كوشية ) موجودة نجد انفسنا امام منطق مقبول يستطيع ان يتقبله العقل بكل طمأنينة .
ولكن الذي يضع هذه النظرية موضع شك ويجعلها غير مقبولة ان كل القبائل (السودانية ) التي تسمى نفسها بالعربية تجدها تنتمى في سلالة نسبها لرجل واحد ينتمى لحقبة تاريخية معينة لا تتعدى الاربعة عشر قرن أي حقبة الصحابة ومادون . إذ ان التاريخ لم يدون هجرات ضخمة من الجزيرة العربية خلال هذه الحقبة المفترضة تستطيع ان تكون ثلثي السودان المتواجد الان ، حتى ان جيش عبد الله بن ابي السرح الذي اعياه التوغل في الداخل السوداني ظفر بإتفاقية حافظت على الفاصل الديموغرافي بين المد العروبي والتواجد الكوشي المستقر، ولكن إنساب الاسلام سلسلا بإتجاه الجنوب نتيجة للحركة التجارية التي انتظمت المجتمعين.
لم تستطع جحافل المؤرخين التي زجت بنا في الطيف العربي ان تثبت من خلال الممارسات الثقافية الموروثة للشعب السوداني بشقيها المادي والغير المادي باعتبارها الركيزة الاساسية في التعريف بالهوية ان تجد ذلك الرابط الثقافي القوي الذي يجعل ملايين من البشر يتناسلون من بضعة ( أفراد ) من حضارات اخرى ، ولكنها اكتفت بعنصري اللغة والدين كشاهدي اثبات وهما عنصريين يحتملان الكثير من الطعون التي تضعف من موقفهما . فاللغة لسان لا ترمز لعنصر وقد تكون انتشرت في هذه البقاع منذ الآف السنين او انها انتقلت بفعل الحركة التجارية بين المنطقتين المتجاورتين . والدين لا يمكن ان يكون بحال من الاحوال دليلا على عروبة منتسبيه وقد انتشر الى جميع انحاء العالم .
استغرب لماذا لا يأخذ مؤرخو عربنة السودان قبيلة (الرشايدة ) وهي مثال حي للهجرات الجماعية كنموزج يمكن دراسته لاثبات نظرية اندغام الشعوب العربية البدوية في اللحمة السودانية أو ضحدها ، وهي الان قد قاربت القرنين من الزمان داخل السودان ولم نرى او نسمع باندماجها داخل المجتمع السوداني بل ظلت طوال هذه الفترة كيان غريب بعاداته وثقافاته واعرافه يعيش موازيا للمجتمع السوداني داخل اراضيه ، لم يستفد السودان من استضافتها سوى استيراد العقل الرعوي البدوي بكل اشكالاته المجتمعية وانكفاءه على نفسه ولفظه لكل القيم السودانية السمحة التي تدعو للتعايش والتسامح .
استطراداً ، كانت اسوأ مخاوف الصغار هؤلاء الذين ترعرعوا في الشرق خصوصا ان يختطفهم ( الرشايدة ) ويتخذونهم سخرة وعبيدا بعد ان يتم خصيهم ، لا ادري ان كانت هذه الفذاعة حقيقية ام انها من نسج خيال الكبار يخوفون بها الصغار ولكن من واقع الحال الذي كنا نرى عندما يمرون بعند منازلنا بمراحاتهم الضخمة وبمعيتهم اطفال ورجال سود البشرة يشبهوننا تماما حفاة عراة وهم يركضون خلف الجمال ، تتسع اعيننا من الهلع وتخفق قلوبنا رعبا وتتشبث اناملنا الصغيرة بأبواب منازلنا خوفا ، لتبقى الأسئلة والحيرة قائمة ليومنا هذا هل مقولة ( عبيد الرشايدة ) التي يتناقلها بعض اهل الشرق حقيقة قائمة ؟ وهل حقيقة اكرمنا هؤلاء القوم وانزلناهم منازل صدق عندما تنكر لهم اهليهم فأتخذونا عبيدا ؟ اسئلة تفتح الباب مشرعا امام تحقيق شجاع نتمنى ان تمن به علينا اجهزتنا التشريعية والقانونية والتنفيذية فهي الوحيدة القادرة على اختراق حاجز الخوف والرهبة الذي تعيشه المجتمعات الشرقية من هذه الفئة .
إذا كنموزج كان يمكن ان يضحد اقوال كل الناقمون على ادعاءات العروبة لم تستطع مئات الآلاف من الجنس العربي ان تذوب في المجتمع السوداني وتحدث ذلك التغيير الديموغرافي الهائل المنتظر منها ( الحلم السوداني ) يبقى السؤال ماهو المنتظر من استيراد دفعه جديدة من نفس هذا الاتجاه الجغرافي بإشكالاته المعروفة!!؟؟ ونقصد(البدون)
رفعا للحرج عن مدعيي العروبة نسوق مخرجين في حالة قبيلة الرشايدة لنفهم عدم انصهارها في المجتمع السوداني مما يعني بقاء نظرية العروبيين متأرجحة كما كانت بين الحاقدون والآملون . أولهم هيمنة العقلية القبلية عليهم ومعروف ان مثل هذه العقلية تقاد بشكل جمعي من محور واحد وليعلم الجميع ان محور هذه القبيلة ونواتها العميقة قد لا توجد في السودان فهي قبيلة تنتشر بين اكثر من دولة . وهذا الزعم يقود للمخرج الرئيسي وهو ان للرشايدة قضية مثل الفلسطينيين تماما فهم قد اخرجوا قسرا ورافضيين التوطين خارج اوطانهم ويحلمون بالعودة يوم ما ، لهذا هم متمسكون بلحمتهم اين ماحلو نزولا عند قرارت عليا منبعها قادة هذه القبائل . وهذا هو السبب الرئيسي الاول والاخير في رفض هذه القبيلة الانصهار في البوتقة السودانية وتتعامل مع السودان كمرحلة فرضها الواقع اقتضى الاستفادة منها بقدر المستطاع وان طال الزمن لحين العودة لارض الميعاد.
نعود لقضية البدون وتماثلها مع قضية الرشايدة وعن مآلات توطينها في السودان رغم قناعاتنا الذاتية بإستحالة تهجير الاف من البشر قسرا في عصر الحريات هذا ولكن مع جشع حكومتنا المتسولة وظلم اولي القربى لهؤلاء الناس لا نستبعد التحايل عليهم بمنحهم جوازات سودانية لتوفيق اوضاع اقامتهم في بلادهم ومن ثم تطبيق قانون الاقامة عليهم بلوائحه المجحفة والغاء اقاماتهم لاتفه الاسباب وترحيلهم على دفعات الى السودان . والحقد الذي يتولد نتيجة لهذا سيطفو في شكل ظواهر اجرامية انتقامية من هذا المجتمع البرئ ولن يستطيع المواطن البسيط الذي سيمارس عليه هذا الاجرام بطبيعة الحال تداركه بأي حال من الاحوال مع تواطؤ الجهات الرسمية ( قابضة الثمن ) مع هؤلاء الدخلاء ضده مما يعني اطلاق يدهم ونفوسهم الناقمة بما يشتهون دون مخافة او رادع .
وبنفس الاشكال الذي واجه السودان لمئات السنين من غرس مجتمع غريب وسطه ورفض ولفظ هذا الغريب للمجتمع ستتنامى هذه الكتلة وتتماسك لتولد مخاوف لا يعلم بحجمها وسوءها الا الله إن تم توطينهم جبنا لجنب مع قبائل الرشايدة كما تقول الاخبار . مما يعني مضاعفة التحديات الامنية والمجتمعية والسياسية فالتحالفات التي قد تنشأ من اتفاق هاتين الكتلتين غير مأمونة الجانب قد يرفع سقف مطالبها لدرجة كبيرة . وكالرشايدة تماما يرفض البدون التوطين خارج بلادهم مما يعني عدم ركونهم للضوابط القانونية المقيدة واشعالهم نيران الفتنة والفوضى للفت انظار العالم اليهم الامر الذي قد يولد الحلم من جديد في اخوانهم الرشايدة ويشعل فتيل آمالهم القديم فتتحد التطلعات وتتجدد المقاصد لتعم الفتنة والفوضى شرقنا الحبيب وهو المخطط المأمول لبعض ضعاف النفوس.
في تصريح كان سياقه النفي حث السيد ادم جماع والي ولاية كسلا في لقاء ببرنامج حوار مفتوح على قناة النيل الازرق مجتمع الشرق الانتفاض في وجه هذا القرار اذا ما تم . ورغم ان الرجل كان كلامه في سياق نفي شائعة التوطين الا اننا المتوجسون دائما والمتوقعون الاسوأ نعتبره تلميح شجاع وخطير قد يعبر عن نية الحكومة الفعلية الانطلاق قدماً في هذا المخطط لهذا نقول للسيد ادم الجماع وهو الرجل الشجاع ، اجمع السلاح !!؟؟
حيدر الشيخ هلال
الدوحة 14/3/2018
العنوان
الكاتب
Date
الرشايدة والبدون في خاصرة الوطن بقلم حيدر الشيخ هلال
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة