|
Re: (التشَنُّج) لم يعهد في مجالس العلماء بقلم � (Re: عارف عوض الركابي)
|
ليت الإمام مالكاً قال لا أدري عندما سُئِلَ عن العرش والاستواء عليه، لكان أراحنا من عقيدة الجسمية وأساسها الأخرق حيث قيل لهم إذا كن الله تعلى معتلياً على العرش فقد خلت عنه بقية الأمكنة وكذا إذا علا وارتفع في السماء أو نزل السماء الدنيا يوم عرفة فقد خلا عنه العرش!! فردوا بأنه يرتفع في السماء وينزل وهو لازال معتلياً على العرش!! ويعنون أنه تعالى جسم ولكن من غير تشبيه! أي لا يشبه أجسام المخلوقات ناسين أن مجرد كونه جسم فقد شبههوه بمخلوقاته ون لم يشبهها شكلاً طالما تحققت فيه خواص الجسم المعروفة، فأي منطق هذا؟
وتبعاً لقولهم بالتجسيم فقد حملوا كافة معاني الألفاظ القرآنية المعبرة عن أمور حسية في القرآن على الحقيقة دائماً كما عرفوها واستبعدوا تماماً فكرة المعنى المجازي رغم وضوح ارادتها وتوفر استخداماتها الاستعارية في لغتهم، مثل ذكر أعضاء الجسم كالعين واليد واللسان. فمن منا يفهم أن الله تعالى يبثبت لنفسه اللسان بمجرد تسليمنا بأن القرآن كلام الله، والكلام يقتضي وجود اللسان؟ بل تعاموا تماماً عن حتى المعاني الذهنية المشتركة لذات اللفظ المعروفة في القاموس مثل العرش أو استوى وخلافها، فلم يقنعوا إلا بالمعنى الحسي لإسم العرش من ثقافة عروش الملوك المعروفين في عصرهم، وتجاهلوا تماماً مادة عَرْش المشتقة من فعل عَرَشَ لأنهم لا يعلمون ما المعروش كما أن فعل استوى باختيارهم لمعنى علا على الشيء واستقر عليه من دون كافة المعاني المعجمية الأخرى له، ما زادهم إلا ابهاماً وبالتالي ارتداداً إلى المعنى المحسوس المعروف لديهم وبذا فقد ابتعدوا كل البعد عن التفسير المراد حال استبعادهم لمفهوم الجسمية عن ذات الله تعالى والذي ليس كمثله شيء، بمعنى أن الله تعالى (ليس بشئ)، لأن الشيئية هي التجسم من المادة فكل شيئ هو مادة وجسم وإن لم يرى بالعين المجردة. والله تعالى عن المادية فهو خالق المادة كما أن المادة لا تخلق المادة. ويخشى المتأخرون من التجسيميين أن يقروا بهذا لاعتقادهم بأن القول بهذا يساوي نفي وجوده تعالى في ظنهم لأن عدم التشيؤ عندهم يعني العدم! إذ كل ما هو ليس بمادة لا وجود له، فتأمل حجم الضلال العقدي لدى هؤلاء وهم يعتبرون أنفسهم هم الفرقة الوحيدة الناجية لتمسكهم بالسنة ونهج السلف بوهمهم أنهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه بذكر العين واليد في القرآن مضافة إلى نفسه (بأعيننا، على عيني، بأييد) فحسبوا ذلك إثباتاً واعتبروا تفسيره بخلاف ذلك نفي وتعطيل للفظ القرآني، تجنبوه هم بالوقوع فيما هو أسوأ من التعطيل وهو التشبيه! فسياق النصوص التي ذكرت هذه الأعضاء الجسمية مجازي باستخدام العبارات المعروفة في لغة الاشارة إلى أعضاء الحواس لدى البشر للمبالغة في زيادة وتقريب المعنى المستفاد من عملها؛ فعبارة أنني أراك أو أراقبك أبلغ منها عبارة أنت في عيني، وعبارة أني أدعمك وأقويك وأشد من أزرك الخ أبلغ منها أن تقول يدي فوق أو في يدك! وهي عبارة يستطيع أن يقولها فاقد العينين أو اليدين من البشر للدلالة على المعنى المراد، ولا يفهم منها مطلقاً أن قائلها أراد أن يثبت أن له عينين أو يدين. وإذا قيل لهم إن مجرد إثباتكم الأعضاء الجسمية لله فقد شبهتموه بمخلوقاته وهو القائل ليس كمثله شيء، قالوا نثبتها من غير تشبيه، كما أن آخر الآية (وهو السميع البصير) يقتضي لهاتين الصفتين وجود آلة السمع والبصر (ولكن من غير تشبيه) حسبما يحترسون دائماً رغم وقوعهم في التشبيه بمجرد القول بأن الله أثبت لنفسه هذه الأعضاء مثل ما لمخلوقاته، فهم كمن يحترس من حدوث شيء بعد وقوعه! بعبارتهم البلهاء (من غير تشبيه) والتي تعادل هنا (التشبيه من غير تشبيه)، وهذا لغوٌ ليس إلا.
|
|
|
|
|
|