التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية بقلم الشيخ محمد الشيخ

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 11:13 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-22-2017, 06:42 AM

الشيخمحمد


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� (Re: الشيخمحمد)


    كيف تيسر لي تطوير نظرية الفاعلية والنظرية الفيزيائية المعممة؟ بالطبع يوجد نسيج من الأسباب المترابطة ذات الصبغة الوجودية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والمعرفية. لكن بما أن الفاعلية تعني فيما تعني وعي المبادأة والتجاوز من خلال مواجهة الواقع، فان وعي الفاعلية يتجذر بصفة أساسية في الخبرة الذاتية، أي أن يخبر المرء منذ الطفولة والصبا الباكر تجارب تفصح عن مواجهته للواقع وتجاوز سلبيات المألوف على نحو ايجابي. لقد حفلت طفولتي وصبايا الباكر ببعض هذه التجارب، تجارب فحواها أن الفاعلية تأتي من الفاعلية. وهنا ينبغي أن نميز بين المعرفة والوعي، الوعي ينطوي على معرفة، لكنه ليس مجرد معرفة، لأن الوعي هو اتحاد المعرفة والسلوك الخلاق، أي اتحاد المعرفة والعمل الصالح. عليه كل من يمتلك وعياً يمتلك معرفة، لكن ليس بالضرورة أن يكون العكس صحيحاً. لذا أود أن أذكر أحد هذه التجارب التي كان لها أثر في نمو شخصيتي وتشكل وتطور وعيي.

    أعظم قرار اتخذته في حياتي ( قصة واقعية )


    كنت في الثانية عشر من العمر، الساعة السادسة مساء ، الشمس تتهادى للمغيب محمرة الوجنتين كفتاة تزف إلى زوجها. أذنت لي أمي بالذهاب إلى ( السينما )، حملت عصاي وانطلقت لا ألوي على شئ. كانت ( النهود ) نبع الحنان بأهلها الطيبين ، وهي مدينة صغيرة في غرب إقليم كردفان بالسودان، حديثة عهد ب ( السينما )، ولعلها كانت ( سينما) متجولة، كان ذلك منذ قرابة نصف قرن من الزمان. لا أذكر الآن العرض الذي حضرته ، وعما كانت تدور أحداثه، لأن الرعب الذي عايشته من بعده كفيل أن يمحو من الذاكرة كل تسجيلاتها السابقة فتصبح بلا ( أرشيف ). يقول علماء طبقات الأرض ( الجلوجيون ) أن النهود كانت في سالف العصور بحيرة ، ثم جفت البحيرة، ثم غرقت تحت أكمة من الأشجار، لدرجة أنك حينما تقترب إلى النهود من جميع الاتجاهات لا تراها، فهي مغطاة تماماَ ب ( ستيان ) من الأشجار.

    انتهى العرض حوالي التاسعة، وتفرق السمار، وكان علي أن أجد من استأنس برفقته إلى الحي الذي اقطنه. ذهب الجميع في كل الاتجاهات إلّا صوب حيّنا، صرت رهينة للوحشة والسكون، فانطلقت متوتراَ نحو منزلنا. لم تكن هناك سيارات أو كهرباء ، نذاكر دروسنا بمصباح الغاز ( الجاز ). الناس يصلون العشاء, فيتعشون وينامون مبكراَ، فتنطلق من أحلامهم كل الأرواح الشريرة من عفاريت وجان وغيلان لتعبث بالمدينة، والويل كل الويل لمن يخرق حظر التجوال. بعد معاناة قطعت خلالها قرابة كيلومترين متحسساَ طريقي في بحر ( الظلمات)، مستعيناَ بكل السور القرآنية التي أحفظها عن ظهر قلب، لم يقابلني إنس أو جان، كنت الكائن الوحيد. هاأنذا أقف أمام الزقاق الذي يؤدي إلى منزلنا، ظلام دامس وسكون مهيب، جميع الناس نيام ، حتى الآباء والأمهات فرغوا من غرس الأجيال القادمة واستغرقوا في سبات عميق. الأشجار الكثيفة تحيط بالزقاق الضيق من كل جانب، يخيل إليك أنك تدخل نفقاَ مظلماَ بلا قرار، على الرغم من أن المنزل كان على بعد أقل من 400 مترا. حينما قطعت ثلث النفق تبين لي أنني أرى شبحاَ ما على مسافة أربعين متراَ. تسمرت في مكاني ، شعرت بقشعريرة ، انتصبت كل شعرة في جسدي و صارت متأهبة للفرار، تمعنت النظر، فاستيقنت أنني أرى عفريتاَ ضخماَ يحمل حزمة ما على رأسه. صارت فرائصي ترتعد من الرعب، أعضائي تهرب مني وأتبعثر أشلاءَ في هذا الليل البهيم. ما زلت مسمراَ في مكاني أتصبب عرقاَ ، ولكنه لم يصل بعد إلى قدمي. فكرت أن أرجع وآخذ طريقاَ آخر، بيد أنه لا يوجد سوى طريق واحد، يمر خلف الحي موازيا الخلاء ( الغابة )، حيث لا يوجد سكان. و الأدهى أن الطريق يمر بمزبلة أو قمامة الحي، وبالطبع المشكلة ليست في القاذورات، بل في أن الكل يعتقد في أن المزبلة هي بيت العفاريت وموطن جبروتها وبأسها ومسقط رأسها. إذن لم يكن من خيار سوى التقدم، لم يخطر على بالي أن أوقظ الجيران واستعين بهم، كان عليّ أن أواجه قدري وحيداَ. قررت أن أتقدم، وكان هذا – كما سيتضح- أعظم قرار اتخذه في حياتي. تزودت بالمزيد من الجرعات الإيمانية القرآنية: آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، وتحركت صوب العفريت ، صوب منزلنا، صوب الهدف، وأنا أرتعد من الخوف. أخذت أقصى يسار النفق حتى كدت احتك بالسور، لأن العفريت كان على اليمين . عيناي وجميع حواسي مركزة على العفريت ، حتى إذا جاء بأي حركة أطلقت ساقي إلى الريح. كنت مشهوراَ بين أقراني بالعدو ( وصرت بالفعل في المستقبل عداءَ)، وخيل لي عقلي الصغير أنني سوف أسبق العفريت، إنه الوهم. بيد أن مسرح الأحداث في جملته آنئذ كان نسيجاَ من الخرافة والأساطير والأوهام. هاأنذا أقترب رويداَ رويدا من العفريت ، تتشكل ملامحه، ترتسم إحداثياته، ويعاد إنتاجه في مخيلتي حيث يعتمل الصراع بين الخرافة والواقع وبين الخوف والشجاعة والإقدام. أنا الآن على بعد 10 أمتار يبدو أن ما أراه ليس كائنا محدد المعالم. ربما ليس عفريتاَ. شعرت بشيء من الارتياح وقل خفقان القلب. لكن لا بد من التأكد حتى لا أصبح فريسة سهلة ولقمة سائغة للعفريت. وحين اقتربت أكثر تبين لي أن ما حسبته عفريتاَ كان قطعة من القماش ملقاة على قمة غصن جاف من شجرة سدر ( نبق ) بفعل فاعل أو فعل الريح. كانت أسوار المنازل تصنع من القصب مما يجعلها طعاماَ شهياَ للأغنام والأبقار والحمير، لذا درج المواطنون على تغطية السور بأغصان السدرة الشوكية حماية له.

    لا أستطيع أن أصف كم كانت فرحتي، وكم كنت مزهواَ بنفسي، كانت أول مرة تتعرى فيها ذاتي فأتحسس تضاريسها، أتعرف عليها وانتشي بانتصارها على نفسها. اقتربت من قطعة القماش وضربتها بعصاي، وواصلت سيري صوب المنزل أتغنى بصوت مسموع. ربما يرى البعض أن ما حدث كان عادياَ، أما على صعيدي الشخصي فقد كان مفعول التجربة مذهلاَ. لقد شكلت الأساس لصياغة وعيي بالحياة وتطور شخصيتي :

    أولاَ، لم أعد أعتقد في العفاريت والغيلان وما شابه ذلك من الخرافات والأساطير. وحينما كان يأتي أحدهم ليتحدث عن أنه رأى العفريت أو الشيطان، أقول لنفسي أنه دخل النفق ثم تراجع.

    ثانياَ، تشكل وعيي بالنهج العلمي في التفكير في مرحلة مبكرة. يتطلب التفكير العلمي ألّا تفترض وتسلم بما افترضت، ينبغي التحقق من صحة الفرضية. لقد تهيأ لي أنني أرى عفريتاَ، وفي تلك اللحظة كان اعتقادي جازماَ وراسخاَ. ولو أنني تراجعت تلك الليلة لظللت بقية حياتي أحكي بفخر وثقة أنني رأيت عفريتاَ. لكن تجمعت أسباب ذاتية وموضوعية فرضت علي التقدم والتحقق من خطأ اعتقادي، أنها فرصة نادرة بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين.

    ثالثاَ، علمتني هذه التجربة معنى الشجاعة، ليست الشجاعة ألا تخاف، فالخوف غريزة، الشجاعة أن تتقدم وأنت خائف. ليست الشجاعة ألّا تيئس، الشجاعة أن تتقدم رغم اليأس وحيداَ في الظلام. لأن من طبيعة الأشياء أن يكون الأمل في نهاية النفق.

    الشيخ محمد الشيخ
    رئيس قسم الرياضيات، جامعة التحدي

    ملحوظة: نشرت هذه القصة في جريدة جامعة التحدي، ليبيا، 2006























                  

العنوان الكاتب Date
التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية بقلم الشيخ محمد الشيخ الشيخ محمد الشيخ07-07-17, 08:14 PM
  Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� محمد حيدر المشرف07-11-17, 02:06 AM
  Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� يا زول وقف عندك !!!!! 07-11-17, 06:31 AM
    Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� الشيخمحمد 07-13-17, 12:00 PM
      Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� الشيخمحمد 07-15-17, 08:08 AM
        Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� الشيخمحمد 07-17-17, 08:52 AM
          Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� أحمد فضل 07-17-17, 08:15 PM
            Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� الشيخمحمد 07-18-17, 07:46 AM
              Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� الشيخمحمد 07-21-17, 11:03 AM
                Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� الشيخمحمد 07-26-17, 06:19 AM
                  Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� الشيخمحمد 07-30-17, 05:37 AM
                    Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� الشيخمحمد 08-04-17, 04:38 AM
                      Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� الشيخمحمد 08-08-17, 06:47 AM
                        Re: التحليل الفاعلي ومأزق النهضة السودانية ب� الشيخمحمد 08-22-17, 06:42 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de