الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لسلطة او طائفة ..! بقلم يحيى العوض

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 07:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-26-2017, 04:46 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� (Re: يحيى العوض)

    للتوثيق : حوار الدكتور عصام محجوب الماحي مع الاستاذ سيد احمد سيد أحمد الحسين وحوار "خارج النص" مع "أخبار اليوم":
    أجرى الحوار في فبراير 2002: د. عصام محجوب الماحي

    [email protected]
    يجب العودة لسودان ما قبل سبتمبر 1983!
    المعادلات الخاطئة والمقلوبة: انتشر الإسلام السياسي في ظل العلمانية وانتشرت المسيحية في ظل الدولة الإسلامية!
    *****
    تشتتت سبحة الوطن.. والسودانيون يفترشون المطارات بحثا عن مهرب وملجأ وإعادة توطين
    البشير، الميرغني، المهدي والترابي.. لكل كسبه وأرادوا خيرا للبلاد كل من رؤيته وعليهم الخروج بما يحفظ للوطن وحدته
    الشيوعية كانت خارج الفطرة الإنسانية ومُكَبِلة ومُقَيِّدَة وتختصر الحياة في ضيق.. وتضيق واسعا
    انهارت الشيوعية بالسلطة التي أخذتها بالقوة، والإسلام السياسي لم يهزم الآخرين إلا بأدوات الديكتاتورية ومناخها
    ****
    الغرب استعمل الحركات الإسلامية لغرضه فطبقت فيه نظرية "علمته الرماية فلما اشتد ساعده رماني"!
    الخروج من المأزق بغير الدولة العلمانية الديمقراطية يتضرر منه الإسلام ببناء "سور المناطق المقفولة" من جديد
    ****
    اعترف ان هذا الحوار الصعب؛ سجلته، فَرَّغت شريط التسجيل، أعدت كتابته؛ وعدت به راجعا للأستاذ سيد احمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي وقلت له: هذا هو كلما جرى من حديث دار بيننا استطيع ان اسميه حوارا، ولك حرية التصرف والاختيار مع المجازفة ان أخسر لا السبق وانما محاولة الاستنطاق وتعرية التفاصيل.. إذا أردت ان تسحب الحوار، أسحبه.. وإذا أردت ان تعدل فيه، عَدِّل.. وإذا أردت حتى ان تحذف منه، أحذف.. أما إذا أردت ان تدفنه، أدفنه فلن أبوح بالسر!
    بالطبع لم أكن أقصد سر الآراء التي طرحها.. وإنما سر خوفي من الإثارة.. إثارة أزمة، إثارة حملة، إثارة علامات استفهام دون أجوبة، إثارة ما هو مثير بالفعل في زمن صارت فيه كل المتناقضات مسائل عادية أو على أفضل الحالات أشبه بعادية فهي مكررة. ان يُرى الأسود ابيض.. أمر عادي في ظل التحذير من التدويل والسير في أجندته.. ان يتم تعاطي (المعلبات) السياسية منتهية الصلاحية، أمر مهضوم في ظل ابتلاع حديث الأمس الذي لا يمحوه النهار فحسب بل يصبح نسيا منسيا وكأن الوطن، كما الناس يفقد الذاكرة.
    أخذ الحسين سيد أحمد الحوار مكتوبا.. مَرَّ عليه بالقلم، لم يضف، لم يحذف، لم يشطب، وأعاده إليَّ وقال: أنشر.
    فالي مضابط حوار ذهبت إليه لاصطاد فأرا.. فكان الصيد فيلا، أو كما قال!
    تبقى القول: لماذا أطلقت على الحوار .. مع سيد أحمد الحسين "خارج النص"؟ مهلا.. حتى نهايته، فقد لا احتاج لطرح الإجابة أو التوضيح.
    خط دفاع أول..
    فاجأني الأستاذ سيد أحمد الحسين قائلا: أرجو ان تضع في اعتبارك بان ما سأقوله يعتبر رأيا خاصا وشخصيا وإنني اعمل بان أجعله برامج للحزب الاتحادي الديمقراطي ولحين حدوث ذلك، تعتبر آراء ومواقف شخصية من القضايا التي سنتناولها كما طرحتها أمامي فيما جرى من حديث تمهيدي للحوار، كما إنني...
    * قاطعته قائلا: هل تخشى ان تحال للجنة الرقابة والضبط؟ اعلم ان الحزب الاتحادي الديمقراطي لم يشكل بعد مثل هذه الآلية التي تقمع بما يشبه المحاكمة الإيجازية. على كلِِ، للحزب الاتحادي الديمقراطي تقليد أخطر يقطع بقول مختصر تحت ترويسة "لمن يهمه الأمر سلام..."، وحتى هذه...
    ** قاطعني مستطردا: نعم حتى هذه استعملت في عهد مضى وبظروفها، ان كنت تريد قول ذلك. ودعني أقول لك بصراحة: كانت تلك مرحلة بانجازاتها وبإخفاقاتها أيضا، وإنني بصدد هذا الحوار ووفق تلك المحاور التي طرحتها أود أن اخرج من اجترار الماضي.. حتى المشرق منه. دعنا نتحدث عن الحاضر والمخاطر الواضحة التي أمامنا.. وعن المستقبل الذي نريد وذاك الذي يجب التحوط من الانتقال إليه بأمراض الماضي التي إن لم نعالجها ستصبح مزمنة وستلازمنا في المستقبل ونكون بذلك قد انتقلنا بالداء عبورا بكل الأجيال حتى القادمة منها.
    * قلت لمحدثي: حسنا.. لقد "تحوطت" تماما.. وجعلت أمامك سياجا يصعب اختراقه، وآمل أن يقع حديثك بردا وسلاما عليك داخل الحزب الذي لا أود أن يكون حوارنا هذا مدعاة لمزيد من خلافاته أو صراعاته وفي أخر الأمر تشتته وقعوده عن مواجهة قضايا العصر الملحة.
    ** فقال الأستاذ سيد أحمد الحسين: هذا هو (بالضبط) ما يشغلني.. ولأجل هذه المواجهة لابد من الصراحة.. الصراحة مع النفس أولا والصراحة مع الأشقاء في الحزب ومع الآخرين في الوطن. لا مفر من استعمال مصطلحات وإن فُرِّغت من محتواها، فالوطن بالفعل يمر بمنعطف حاد يعقبه مباشرة مفترق طرق ويتطلب مناصحة مكشوفة أمام أعضاء الحزب وأمام الشعب أيضا. فقضايا حزبنا هي بالفعل قضايا شعبنا.. ليس لدينا خصوصية قي قضية أو مشكلة. قد يظهر اننا مختلفون حول مسائل إجرائية حزبية.. وتلك ظاهرة نعدها حيوية ولا تصيبنا في مقتل برغم انعكاساتها السلبية على وحدة الحزب. غير ان اليوم ليس كالأمس، والوطن يطالبنا ان نبحث أزمته الحادة مقدمة على أزماتنا الحزبية في القيادة وفي المؤسسية لانه يكاد ان يدخل في منعطف ان يكون أو لا يكون. وتعلم يا أخي ان نهجنا لم يكن إطلاقا نهج تهريج أو عويل كما لم تدخل فيه المناحة ولا الضيق على ما أصابنا ونحن نقاوم الخطأ الذي كنا نراه ضارا بالوطن في وحدته وفي نسيجه الاجتماعي، وقرأنا ذلك قبل 30 يونيو 89 عندما توجهنا بصدق لحل إشكال الحرب والسلام.. فانطلق الضجيج والصراخ ووصمنا بالعمالة وبأرذل الصفات، وسكتنا على مضض باعتبار ان ما نقوم به هو بالفعل حالة إنقاذية لما سيترتب من استمرار الصراع والحرب دعك عن تأجيجها دينيا وجهاديا. وها قد صدقت قراءتنا، وها نحن أمام المفترق الذي أفضل خياراته سيئا للغاية وقد قَفَل باب التجريب الفطير لأهم وأفضل الحلول كالفدرالية مثلا، احتمالات الاتفاق عليها كحل.. فناطحتها الكونفدرالية والدساتير المتعددة والفصل العرقي أو الديني، سمه ما شئت، حتى للأحياء داخل العاصمة كمستقبل لحل مطروح يتم تداوله في (الورش) التي تُعقد بعواصم كل العالم تفقدا للحالة السودانية. والان يجب ان لا نخشى التدويل لاننا دَفعنا إليه قضيتنا بأيدينا.. ويجب التعامل معه بما يمكننا من إعادة شأننا إلينا وإلى داخل وطننا، ولكن ذلك الأمر يتطلب الشجاعة والإقدام.. أو الانزواء بعيدا. ففي الابتعاد بعض شجاعة مطلوبة لِيُترك الأمر لمن يستطيع تحمل مسؤوليته التاريخية والوطنية والإنسانية.
    قراءة في الوضع الراهن..
    * قلت للأستاذ سيد احمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي، وقد بدا لي حديثه السابق مشهيا لطرح القضايا من مفاصلها ولكني أردت ان أقود الحوار من المحاور التي قدمتها إليه مسبقا في لقاء تمهيدي لهذا الحوار، فقلت متسائلا: أستاذ سيد أحمد، كيف تقرأ الوضع الراهن في السودان وقد عدتم من جولة طويلة شملت واشنطن ولندن والقاهرة ولعلكم التقيتم ببعض المؤثرين في صناعة القرار في تلك العواصم أو الذين يقومون بما يُعرف بالتحضير الـ "home work" للقرارات، وقد التقيتم قيادة حزبكم بعد طول فترة ولا نقول قطيعة. فما هو تقييمكم للموقف الراهن والى أين سيقود البلاد؟
    ** فقال الأستاذ سيد أحمد الحسين: تقييمي للوضع الراهن واحتمالات مآلاته قد لا يرتبط بمجمل ما جمعته من معلومات وما أجريته من حوارات خلال جولتي الطويلة السابقة.. ولعلك تسألني لماذا؟ أقول لك، لان تطورات وأحداث مثيرة قد حدثت وقطعت التسلسل والترابط.. فأمامنا 11 سبتمبر ويطلق على ما أعقبها من حالة "معطيات 11 سبتمبر"، وأمامنا تحركات في الشأن السوداني لا تتم بعيدة عن الخرطوم ورحلات مكوكية ومهمات متصلة بدأت بعد ان جَهَزَت برنامجها وكل السيناريو.. وتَبَقى المفاوضات والحادثات والاتصالات وحتى الاتفاقات لوضعها في الإطار المحدد أصلا. أعرف ان العامة من الناس لا يدركون ما يجري من تغيير وتَحرك ويظنون ان الرتابة الممسكة بهم وبحياتهم جزء من رتابة الحركة بشكل عام.. وهذا خطأ وخطأ فظيع. فالتغيير يجري وبسرعة مذهلة، ولا أحد حاليا بقادر على ان يهضم لا مسوغاته ولا احتمالاته حتى الايجابية منها دعك عن السلبية، فالأمر للسودان يُعد في تسارع هو نفسه محل ريبة وشك لانه لا يربط القضية بما فيها من معطيات التاريخ والجغرافية والإنسان.. وإنما يبتسر كل ذلك في معادلات وأرقام وحسابات مؤثرات النتائج الحاضرة ويقرأ من خلالها المستقبل ويُجهز عدته وبرامجه ومواقفه تجاهها. لا ألوم الخارج الذي يتعامل بهذه النظرة مع القضية السودانية، فلهم مبرراتهم.. أضعفها وهي أقواها لديهم، انهم تركوا الشأن لأهله فما فعلوا فيه إلا المزيد من التعقيد.. وانهم، مع حقائق السيادة وأعرافها، عندما حاولوا اختراقها لم يؤثر ذلك في أهل القرار في السودان.. بل سدروا في لامبالاتهم وعَقَدوا خلافاتهم ونزاعاتهم وجعلوها بالتالي نزاعا إنسانيا يتطلب التدخل ولا يستطيع أحد ان يدين التحرك الخارجي في الشأن السوداني أو يقفل الباب أمامه في هذا العالم المفتوح أو يحمله مسؤولية التداعي, ويعود الأمر لأهل السودان وخاصة السلطة القائمة، لانها هي القائمة على الحكم.. والحكام هم وحدهم المسئولون عن ذلك. بالطبع قد يدعي آخرون ان المعارضة هي أيضا مسؤولة. نعم إنها مسؤولة لأنها فشلت في إسقاط النظام، هذه واحدة.. ومسؤولة لأنها فتحت الأبواب لحلول ظنها النظام طوق نجاة، فأخذها ليطبقها فأدخلت كل الوطن في المأزق والحرج واعني بذلك مسألة تقرير المصير، وتلك هي الثانية. أما الثالثة وهي في نظري الأهم، لم تباشر المعارضة في طرح القضايا مبسطة والحلول واضحة والخيارات المتاحة لكل حالة، سواء أكان في حديثها ومواثيقها فيما بينها داخل التجمع مثلا أو في حواراتها التي عقدتها مع الحكومة تحت نداء الوطن أو لقاء اسمرا أو في مذكراتها التي رفعتها للسلطة طوال الفترة الماضية.
    الخروج عن النص بالتقاط القفاز..
    * التقطت القفاز وخرجت عن محاور الحوار وسألت محاوري: ما هي القضايا مبسطة.. وما هي الحلول في رأيكم.. وما هي الخيارات والاحتمالات إذا كنتم تقصدون ذلك؟
    ** فقال الأستاذ سيد احمد الحسين بعد فترة صمت قصيرة: أري انك تقفز ما بين المحاور التي حددتها.. ولكن لا علينا قد نعود...
    * قلت مبررا تدخلي العاجل: نعم، أريد ان اختصر المسافات لا الزمن وقد اتفقنا ان لي الحق في التقديم والتأخير تمشيا مع طرحكم.. ولكم الحق في العودة للتفسير والتوضيح.
    ** (لاعب) الأستاذ سيد احمد الحسين جهاز التسجيل وخلته وكأنه سيطلب مني ان اقفل الجهاز لكنه لم يفعل، بل استعدل جلسته في المقعد الوثير وقال: السودان وطن متعدد الأعراق والأديان..هذا باختصار باعتراف الجميع، في الحكومة وفي المعارضة.. ومثل هذا الوطن يا أخي لا يحكم بإرادة أغلبية، والديمقراطية فيه لتتم عملية تداول السلطة لا لتحدد بأغلبيتها الناخبة شكل الحكم أو نظام الحكم أو توجه الحكم أو القوانين العامة التي يتحاكم أمامها الناس والتي تنظم علاقات المواطنة، أي علاقات الوطن بالمواطن.. والمواطن بالوطن. فوطن تحدد فيه الأغلبية توجه الدولة؛ وهي أغلبية متحركة نشأت بفعل التفاعل والتعايش في تسامح؛ لابد ان تشعر أقليته بالحرمان وبالتالي بدرجة مواطنة أقل. يا أخي، الأغلبية الحالية.. عربية كانت أم مسلمة، وبفضل التعايش مع الأغلبية التي كانت.. افريقية كانت أم مسيحية أو لا دينية، صارت أغلبية ولم تُلوَّ يدها عندما كانت أقلية ولم يتحدد لها شكل مشاركتها المواطنة بحيث تحس بانها مكبوتة أو مهضومة الحقوق. فلماذا في مثل هذا الوطن الذي لا زال مشروع التفاعل داخله متحركا تحدث فيه القطيعة التي تقترب من الفتنة باسم الدين؟ لماذا لم يصبر الناس على التفاعل والاندماج والتعايش؟ لِمَ كان الاستعجال، وكيف تحقق ذلك في ظل نظام قاهر وفاقد الشرعية؟ ثم نأتي ونُثبت الخطأ والفتنة باسم الديمقراطية وباسم الأغلبية وأيضا بالانقلاب على الشرعية التي أرادت مراجعة كل ذلك. و...
    * قطعت استرساله في الأسئلة التي تُطرح حاملة إجاباتها بداخلها في شكل إيحائي، وقلت للأستاذ سيد احمد الحسين: هل تدعو للعودة للدولة العلمانية أم انك....
    ** فجاء دوره لمقاطعتي قائلا: يا أخي كنت أظن انك قد لاحظت محاولتي الابتعاد عن ذكر المصطلحات التي ابتذلت لتكريه الناس فيها.. حتى (تشكيل) الكلمة أصابه ما أصابه ناهيك عن المحصلة أو المقصد أو المحددات للمصطلح. لقد سئمنا من دحض الافتراءات ومن الحالة المعاكسة أيضا، وعلينا ان نخاطب واقعنا الحالي بمسميات أو بشرح جديد لا يخشى الصراخ والضجيج وإثارة الغبار بالمعلبات الجاهزة من الأوصاف التي تكفر الناس والفتاوى التي تجلس محل الرب لتحاكم ضمائر الناس. سمي الأمر كما تريد ولك حرية التصرف.. فإنني أدعو بصراحة لشطب كلما نتج عما كان غير شرعي وما بُني على باطل، والعودة لسوداننا القديم لنبني السودان الجديد. فبالعودة إلى ما كنا عليه، نستطيع ان نتجاوز مرارات الحاضر والماضي الأسود. هنالك تغيير كبير وأساسي حدث في سبتمبر 83 هذا التغيير أدى للاختلاف وأجج الصراع الذي كان مفهوما.. وفتح باب جهنم للسودان فضاعت الموارد والجهد والطاقة في تثبيت الباطل وفي مصارعة الحق.. والحق ليس هو الدولة العلمانية، وإنما الباطل هو الدولة الدينية في وطن متعدد الأديان والأعراق والقبائل ويعيش حالة تفاعل مستمر وهويته مزدوجة.. وكل من أراد ان يفرض هوية حتى باسم الأغلبية التي قد توافقه على طرحه، فهو يبني على وفوق أنقاض، انه يهدم والهدم لا تقبل به الأقلية. هذه هي المعادلة التي أتت بالشريعة وبالقوانين الإسلامية برغم انها بعيدة كل البعد عن الإسلام. الإسلام يا أخي لم يواجه هجمة في ظل الدولة العلمانية التي كانت بل انتشر. أما الان، في ظل الادعاء بالدولة الإسلامية، انظر ماذا حدث ويحدث حولك.. لقد استمعت لأحد رجال الدين المسيحي الذي كان وزيرا ونقل لمؤتمر عقد خارج البلاد ما يفيد بان المشروع الحضاري في مفهومه يعني انتشار المسيحية، وقَدَّم للمؤتمر أرقاما تُثبت حديثه. هل هذا صحيح؟ ادعوك للتحقق منه. وبالطبع لست ضد انتشار الدين المسيحي ليعم ويربط الناس بالقيم الفاضلة. ولكنني أتساءل فقط عن المعادلات الخاطئة والنتائج المقلوبة رأسا على عقب. ان في الأمر تجارة باسم الدين وتلاعب بعواطف المسلمين والمسيحيين معا من اجل السلطة والاستمرار فيها. فان تدعو للفضيلة ويكون نتاج حكمك نشر الرذيلة ولو دون إرادتك، يجب ان يكون كل مشروعك تأسس بالباطل ولو لم يكن على باطل وإنما على حق.
    آلية العودة لما قبل 1983..
    * قلت: لا ادري كيف ستصيغ هذه الأفكار في برنامجكم بالحزب الاتحادي الديمقراطي.. ولكن يشغل فكري الوسيلة للعودة بالوطن لحالة ما قبل سبتمبر 83، لانني اعتقد بانكم توقفتم عند ذلك التاريخ وتنسبون إليه كل مآلات حالة اليوم التي يعيشها الوطن في حربه ومشروع سلامه وفي اقتصاده وحياة الناس فيه. دعني أسألك عن الآلية.. آلية العودة لما قبل سبتمبر 83. هذا الأمر يجب ان يتم باتفاق ووفاق بين زعماء الكتل السياسية وقادة البلد، وأنت ادري بالمصاعب التي قد يواجهونها لإقرار ذلك.
    ** فقال الأستاذ سيد احمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي: أراك تتحسس محددات الخوف والحرص عَلَيَّ وعلى كيفية طرحي لهذه الأفكار في برنامج الحزب الاتحادي الديمقراطي. تعال معي لنغلق أنفسنا في هذه (الحتة) أولا ثم نبحث ما تبقى من أمر. دع الخوف يبعد عنك واترك هذه المحاذير جانبا وتحرر منه حتى يقع لك كل الأمر في موقعه الصحيح.. ويقع لكل الاتحاديين أيضا. أنا الان لا أتحدث باسم موقف أو تيار أو حزب، إنما اعبر عن قناعتي التي سأدافع عنها، وإذا وَجَدَت قبولا وتجمع الاتحاديون حولها ستصير خطا وبرنامجا نافذا.. ولحين ذلك انتهز الفرصة التي أتحتها لي لأعبر عن نفسي بقدر ما استطيع لانني لن أضع هذا البرنامج أو الطرح كفرد وإنما يجب ان يتجمع حوله كثيرون بقدرات وأفكار فنجلس ونضع كل شيء على الورق وننزل به للقواعد تنويرا وشرحا وإقناعا.. فنحن لا نجر الناس جرا بالعاطفة بل نطرح حلولا وأجوبة لأسئلة هي أصلا تدور في أذهان الناس. الناس غير منفصلين عن تجربتهم ويجترون التجربة ويدرسونها ويقيمونها في هدوء ويتوصلون إلى نتائج. ولكن عندما لا يجدون الجهة التي تعبر عن إرادة تلك النتائج ينغلقون في ذواتهم وتعاركهم الحياة ومتطلباتها ويطرحون أراء واحدة في أمكنة مختلفة ولا تتوفر لهم البوتقة الواحدة التي تصهرهم وتَجْمَع آراءهم ليصبحوا كتلة مؤثرة وقادرة على صياغة التجديد للخروج من المأزق. هذه الحالة يا أخي هي حالتنا نحن الاتحاديين ونريد ان نعود لجذورنا وأصلنا ونبحث في مكونات الأزمة في الزمن والمكان.. قد تكون هنالك نفس الفكرة، وقد تطرح نفس الحلول للمصاعب التي يمر بها الوطن، ولكن بدون إيجاد الوعاء السياسي الذي يجمع كل ذلك لتصبح الإرادة قوية وذات توجه ضارب.. يبقى كل فعلنا منفردين كالحرث في البحر ونبقى هنا قاعدين وتبقى مشاكل الوطن مستعصية الحل. ان الحزب الاتحادي، ودعني أقول الحركة الاتحادية، حركة شجاعة وقادرة على تصحيح الخطأ أو لنقل على إحداث التغيير عندما تلم بكل المعطيات. وهذا ما أعنيه بالعودة إلى الجذور ولا أعني العودة لأسماء قُبرت ودفنت وإنما لأسلوب إدارة الشأن العام والوطني واتخاذ القرار بقراءة التفاصيل والمعطيات الحاضرة. الحركة الاتحادية يا أخي حملت مشعل الوحدة والاتحاد مع مصر، في وقت كان مثل هذا الطرح هو الترياق الحقيقي للاستعمار ولاستمرار بقائه.. وحققت عواطف الاتفاق حول الشعارات كل ما لم يكن منظورا واختلف الناس في آليات الوحدة والترابط بين شعبي وادي النيل وصار اللقاء في بوتقة واحدة تصهر كل التيارات ممكنا بذوبان الذاتية وشخصنة المسائل، وتحقق للحركة الاتحادية نصرها بوحدتها وفي وحدتها. تلك ملامح من تاريخ الحركة الاتحادية لا نجترها الان إلا لتبسيط الأمر لمن لا يعرفونها ولمن يظنون بها الظنون. ولكن.. تعال لندخل في الأهم، وهو (محك) وطني عظيم عندما اختار الأزهري ورفاقه شعار الاستقلال وقطع الطريق على المؤامرة التي تفتت السودان. نعم ما أشبه الليلة بالبارحة.. عبارة تجد نفسها في حالة اليوم.. وكل من يرددها لا يفارق الحقيقة. فالحركة الاتحادية أو الحزب الاتحادي الديمقراطي يعيش اليوم نفس المخاض الذي محدداته واحدة وتكاد تكون نفسها، أي تفتت السودان وضياعه وانفلات الأمر بين يدي الزعماء ودخول عالم التدويل ونخاسته، فماذا نحن فاعلون، واقصد أول ما اقصد بـ (نحن) نحن الاتحاديون؟ هل نقف ونرى كل شيء، الاستقلال والسيادة والوطن الواحد يتبدد من بين أيدينا؟ ألم أقل لك انه نفس المحك والامتحان؟ يجب ان نعود بالحزب الاتحادي الديمقراطي إلى مباشرته طرح الحلول بشجاعة والانتقال من خانة لخانة دون الخوف من غضب الأخ أو الشقيق. ان الأزهري وأشقاءه تألموا جدا؛ وهم يطوون صفحة الوحدة بين السودان ومصر لحين؛ عندما قرروا إعلان الاستقلال من داخل البرلمان وتبددت كل الجهود التي (صرفتها) مصر من اجل إنجاح تقرير المصير لصالح الوحدة مع مصر.. ولكن كان ألمهم سيكون اكبر إذا مرت المؤامرة ونجحت في تفتيت الوطن.. لذا قاوموها بجرأة وشجاعة واحتسبوا ألمهم وعذابهم ونكوصهم عن دعوتهم الوحدوية لكل الجسم من أجل الوحدة الوطنية للجزء.. وتلك كانت مدرسة وطنية بارعة. فماذا نحن فاعلون اليوم وقد ورثنا وطنا واحدا موحدا ونقترب من تسليمه لأجيال جديدة ممزقا ومشتتا ومجزءا؟ وهل في سبيل تطبيق القوانين الإسلامية تقايض وحدة الوطن ترابا وشعبا؟ وهل ابتعدنا وابتعد أجدادنا عن الإسلام عندما لم تكن مطبقة تشريعات البتر والقطع والجلد في عهودهم وفي عصرهم الأبيض الذهبي؟ وهل الحبوبات في النار لأنهن لبسن الثوب السوداني والحفيدات في الجنة بلبس الحجاب؟ وهل ما قام به أجدادنا من تعايش وتسامح وتواصل مع المسيحيين واللادينيين سيدخلهم النار ونحن أصحاب المصاحف المرفوعة في المظاهرات وأصحاب الهتاف الذي يدوي حتى السماء بأن لا بديل لشرع الله، سنكون في الجنة؟ ومن رعى مصالح هذه الأمة وهذا الشعب في معيشته ومسكنه وحله وترحاله وعمله.. هل هم أولئك الذين حكموا في ظل الدولة العلمانية أم (نحن) في ظل دولة الشريعة والجهاد وربط كل شيء بالدين؟
    عودة للمربع الأول والسؤال الأساس:
    * قلت للحسين سيد أحمد مقاطعا: دعني أعيدك لمربع السؤال الأساس.. فمرافعتك حتى الان تشخيصية.. ويبقى المحك كيف تفتح الحديث، مجرد الحديث حول هذا الأمر مع الزعامات الدينية وهي صارت زعامات سياسية. أراك مؤذنا في مالطا بهذا الطرح في ظل قيادة السيد محمد عثمان الميرغني للحزب الاتحادي الديمقراطي وزعامة ورئاسة السيد الصادق المهدي لحزب الأمة.. وأكثر من ذلك في ظل رئاسة الفريق عمر البشير وإخوانه علي عثمان محمد طه وبقية فريق المؤتمر الوطني الذين لهم اليد الطولي في هذا الأمر، تثبيتا لقوانين سبتمبر كتلاميذ لشيخهم صاحب كل السبق الدكتور حسن الترابي. ماذا انت وانتم، أصحاب هذا الطرح، فاعلون؟ وقبل ان تتوجه لإقناع الآخرين، المهدي والترابي والبشير وطه، عليك ان تقنع به الميرغني وروافد الإسلام السياسي في حزبكم.
    ** قال سيد أحمد الحسين: حسنا يا أخي.. دعني اثبت مسألة مهمة كبداية أرى انها ضرورية لإعطاء كل ذي حق حقه. فالميرغني والمهدي والترابي والبشير وإخوانه، لكل كسبه وموقعه في النسيج الاجتماعي السوداني برغم التغيير الذي حدث فيه.. هذه ثابتة أولى لا نغفلها. والثانية.. هي انهم جميعا دون تمييز أو محاكمات لضمائرهم أو حتى لأفعالهم أرادوا خيرا لهذا البلد، كل من رؤيته وبما أتاحته له معطيات الظروف الزمانية والمكانية. أما الثالثة، فان لهم أنصارهم وتابعيهم بل ومريديهم، ولهم الملتزمون بمواقفهم ورؤيتهم حتى وان تبين، لا أقول خطأها وإنما تصادمها مع مسائل مصيرية تمس الوطن والشعب ككل بمن فيه من أنصارهم ولكن بمن فيه أيضا من آخرين. بعد هذا.. عليهم كل لوحده ان يسأل نفسه ثم يسأل الآخرين، ونسألهم أيضا: إلى أين تسير تطورات الأحداث في السودان بمعطيات 11 سبتمبر وبما قبلها، وحتى بمعطيات الحالة السودانية قبل 83 وبعد 83، وقبل 89 وبعد 89، وخلال عقد التسعينات، وما بعد 4 رمضان.. والآن. هذه مسائل مُرتبطة وتُؤخذ كمنظومة واحدة لِتُقرأ مع بعض، وابتسار أية حلقة من تلك الحلقات لا يعطي الصورة الحقيقية لما مفترض ان يحدث في السودان ولما سيحدث، ولا يكَيِّف النظرة الصحيحة لضرورة ما هو مطلوب ان يكون عليه سودان الغد الذي يجب ان يخرج من حالة اليوم البائسة ومأزقها. إذن، ما هو المطلوب من هؤلاء الزعماء الشماليين الإسلاميين؟ هل باستطاعتهم الإقرار بالحالة والتقرير بشأنها بما يحفظ للسودان وحدته وللتعايش احتمالاته وإمكانيات استمراره؟ هل يستطيعون التوقيع على وثيقة انتشال السودان قبل ان يسقط في الهاوية، وهل سيكون هنالك مردود محتمل سلبي عليهم، أم انهم قادرون على تجاوز المأزق بوصفهم زعامات دينية تقرر في شأن ومصير وطني عالي المسؤولية التاريخية؟ كل تلك أسئلة عليهم ان يقبلوها ويقلبوها بينهم وبين أنفسهم، كل على حده، وان لم يتعذر مجتمعين. المهم ان يَصْدِق كل منهم مع نفسه ومع شعبه.. لا مع ماضيه ولا مع طرحه السابق. عليهم ان ينفكوا من الماضي والذي مضى ليصلوا لإجابات صحيحة تصب في إنقاذ البلاد والعباد. أعرف انها مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، وتتطلب شجاعتهم.. والانسحاب منها ليس جبنا ولا نكوصا وانما شجاعة عالية (الجودة) فان لم يتحملوا التفاوض والتوقيع على وثيقة السودان الجديد بالعودة به لقديمه، عليهم ان يسلموا الراية السياسية ويجلسوا فوق سجادة الدعوة الدينية ليواصلوا التفاعل والتواصل مع المحافظة على النسيج الاجتماعي السوداني وعلى الوطن وعلى مستقبله، ويقدموا للأمام من يستطيع تحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية ويوقع وثيقة إنقاذ السودان. عليهم ان يتصرفوا كما تصرف السيد على الميرغني والسيد عبد الرحمن المهدي خلال مرحلة النضال الوطني الذي أدى إلى الاستقلال. هنالك مخرجان لا ثالث لهما: إما الموافقة على تفتيت السودان باستمرار إقحام الدين في السياسة والدولة وبرفض العودة لما قبل الجريمة التي ارتكبتها مايو ورئيسها في سبتمبر 83.. وإما الخيار المعاكس لذلك والذي لا خيار غيره لبقاء السودان واحدا موحدا وبالتالي وقف الحرب وإحلال السلام والانشغال بالتنمية وإزالة الفوارق الاقتصادية بتركيز التنمية على المناطق المهمشة وتوازنها في نفس الوقت. فان قبلوا بالمخرج الثاني، وهو ما نريد، سيظلون كبارا عند شعبهم كله لا أنصارهم فحسب وسيصبح أمامهم خياران لا ثالث لهما أيضا: عليهم الدخول مباشرة دون (لت أو عجن) ودون لف أو دوران ومن دون اجترار أو استحداث مصطلحات مثيرة للشكوك لتكون الرسالة مزدوجة، للأتباع والجماعة واحدة وللآخرين أخرى؛ كل يأخذ منها ما يعتقد انه حقق بها غرضه أو أمنياته؛ بيد ان المحصلة ستكون لا هذا ولا ذاك، وانما إبقاء الخلاف الأساس في محله إذ ان الطرف الأخر، أي الجنوبيين.. (تفتحوا) ولم يعد متاحا خداعهم أو تمرير الجمل بما حمل من سم الإبرة أمام أعينهم. فان تعطيهم اليوم باليمين لتأخذ ما أعطيت غدا باليسار، أصبحت حيلة لا تنطلي عليهم ومكشوفة أمامهم. والخيار الأول يبقيهم في السياسة وفي الدين، أو عليهم ان يتجهوا للخيار الثاني وهو يتطلب أيضا شجاعة ودراية وفراسة وانسلال من عقدة ازدواجية التمثيل.. الديني والسياسي، فعليهم ان يبقوا في السجادة الدينية ويقدموا من يستطيع ان يوقع العقد الاجتماعي الجديد، وهو أصلا عقد قديم يجب إكماله بالتعاقد أيضا على القضايا الخلافية السابقة والتي حركت التمرد قبل أحكام الشريعة، وهي متمثلة في اقتسام السلطة والثروة والظل الإداري القصير الذي يُمكن الناس من إدارة شأنهم. وفي الحالتين الأولى والثانية سيبقى زعماؤنا الدينيون محل الاحترام والتقدير والتجلة لأنهم حفظوا للدين مكانته وحفظوا للوطن وحدته وللشعب كرامته وطاقته للانطلاق نحو البناء والتنمية لا يخشى شيئا. أما بالنسبة للزعامات الجنوبية وبالأخص تلك التي تحمل السلاح، فلست في موقف المدافع عنهم ولكن الحقيقة يجب ان تقال: الكرة في ملعب الشماليين، وبالأخص في ملعب الزعامات الدينية والتي تقوم بدور السياسة وتمسك بمفاصل القرار فيها.. هذا هو الاعتراف بالحقيقة التي دائما ما تعتبر نصف مشوار الحل والتسوية؛ سمها ما شئت؛ هذه واحدة خذها في يدك ورقة أساسية يجب ان نضعها على أية طاولة تفاوض مستديرة كانت أم مربعة، وعلينا ان نضعها مكشوفة. وعلى اليد الأخرى امسك بالورقة الثانية ولا تلوح بها وانما ضعها أيضا على نفس الطاولة وهي أسباب اندلاع التمرد والحرب وأسباب تأجيجها وتمكين صعوبة الحل، وهما تقسيم الجنوب في 83 وقوانين سبتمبر في نفس العام والتي أعطت للدولة والحكم التوجه الإسلامي. ان المطلوب أولا إزالة ذلك فورا وتقديمه في ورقة مكشوفة، ثم يجلس كل الناس في ما يختاروا له تسمية.. مائدة مستديرة، مؤتمر جامع، ملتقى جامع جمعية تأسيسية.. المهم ان يتفاوضوا ويبحثوا المسائل الأخرى المتعلقة بالقسمة العادلة للسلطة والثروة. ان هذا الأمر كفيل بالقفز فوق الضغائن والغبن الاجتماعي والكراهية، وكفيل بمعالجة فقدان الثقة المتبادلة وكفيل أيضا بشطب مصطلحات نقض العهود أو النكوص عن المواثيق. ثق يا أخي ان هذا لن يُنَقِص ديننا ولن يصيب زعاماتنا الدينية بسوء ولن يدمغهم بتهمة أو سبة.. فالدين ان لم يدع لهذا لن يدع له وضع وضعي، اما خلاف ذلك.. فالتجربة شاهدة وشاخصة أمامنا. لقد أضرت باستمرار التفاعل والتواصل وخلقت حواجز وأربكت البلد وأوقفت حاله وحال شعبه وأفقرته وزادته تخلفا وجعلته يكبر عمرا يعتصره في فقره ومرضه وجهله وتخلفه ومعاناته، وشردت أبناءه في أصقاع العالم بحثا عن وطن بديل. وهي مأساة ما بعدها مأساة، فقد تشتتت سبحة الوطن المتماسكة المتمثلة في تماسك أبنائه. نعم يا أخي سألتني عن رحلتي السابقة.. أقول لك باختصار: لقد فُرِّغ الوطن من أبنائه، طُبِقَ على الوطن مشروع إعادة التوطين، وكأن الوطن محتلا أو مستعمرا. هل هذا ما أراده الدين وبالأخص الدين الإسلامي لأبناء هذا الشعب؟ حتى إذا طبقنا الإسلام بِوَصْفَةِ أو (روشتة) فقه السلفيين أو الأصوليين الجدد، فلا أعتقد ان الله سيرضى عنا طالما لم نراع في الرعية ذمة أو مصلحة بما فيها المصلحة الدنيوية، وطالما شردنا أبناء هذا الشعب، مسلميه ومسيحييه في أصقاع العالم يفترشون المطارات بحثا عن مهرب وملجأ وموطن، حتى صار الوطن للناس هو مكان.. نعم مكان فقط إذا توفر فيه أمن ومأكل ومشرب وملبس وعلم وعمل. يجب ان تعود كل هذه الطيور المهاجرة من مهاجرها.. نعم آن أوان الإياب، فقط لينتفي سبب الذهاب، وآن أوان العودة بالخبرة وبالمال للمساهمة في التعمير الذي تتوفر إمكانياته الطبيعية التي حبانا الله بها في السودان.. فقط ان يُقفل باب الخروج بانتفاء أسبابه، ويُمَهَد سبيل البقاء باستتباب أسبابه. هذه هي خطوط عريضة يجب ان تفرغ في برامج كل الأحزاب لا الحزب الاتحادي الديمقراطي لوحده لتتنافس من ثم في أولويات التنفيذ والتفريعات الأفقية للعمود الرأسي لثوابت الوطن لا الحزب.
    ماذا عن السياسيين الجنوبيين؟...
    * قلت للأستاذ سيد أحمد الحسين: إذن أنت تدعو الميرغني والمهدي والترابي والبشير للخروج من ساحة العمل السياسي.. فما هي دعوتك لجون قرنق الذي لم تَذكره البتة ولرياك مشار وللام أكول ولغيرهم من الزعامات الجنوبية التي شاركت في المأزق كل بوزنه وبمساهمته؟
    ** فقال نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي: أرجو ان لا تخلط المسائل.. أنا لا أدعو أحد للخروج من العمل السياسي وليس باستطاعتي فعل ذلك أو الجرأة لطرح هذا الأمر، بل ادعوهم لقراءة الواقع كما هو لا كما تغلفه بعض أمنيات.. وادعوهم لا لبحث تلك الحلول والتسويات وإنما إنزالها وتثبيتها، فقد قتلت بحثا ولم يكسب الوطن من أية تسوية، بل بعضهم انقلب على التسوية التي نشدناها وسكب زيتا جعل النار مشتعلة حتى أكلت كل فرص التسوية. صحيح ان التنازل يجب ان يتم من جانبهم لأنهم يسددون فاتورة الخطأ. فالعودة عن الشريعة أمر صعب، ولكن وضعها وإقامتها بالأخطاء وبدون الأخطاء وتأطيرها دستورا وقانونا في دولة ما كان لها ان تتحمل هذا وهي في حالة تفاعل بين عناصر شعبها وتفاعل لم يكتمل، كان الخطأ الأكبر الذي ترتب عليه الأمر الصعب الحالي. إنهم مدعون لمعالجة هذا الخطأ الذي أرتكب وكل منا له مساهمته فيه ولا أعفي حتى نفسي من المسؤولية وآمل ان يملك الزعماء الشماليون شجاعة الاعتراف بالخطأ الكبير الذي أرتكب في استعجال وعجالة، ولا أقصد الاستعجال والعجالة في وضع قوانين الشريعة وإنفاذها، وإنما العُجالة بالقفز فوق مراحل التفاعل والتواصل التي كانت سائرة على قدم وساق فتم في 83 بتر القدم، فصار التفاعل والتواصل أعرجَ، ثم بعد الإنقاذ تم بتر الساق، فصار التفاعل والتواصل كسيحا وقاعدا لا يسير إلى الأمام البتة، بل وُضعت أمامه حواجز من الطرف الأخر أي الجنوب بكل مكوناته الذي سبق في عهود أطلق عليها المهووسون "عهود الجاهلية" ان فتح قلبه وعقله وبيته وقبيلته وبيئته للتفاعل والتواصل دون شروط ودون قيود وحتى دون خوف من الذوبان البطيء وتقبلوا الثقافة العربية والإسلامية بشجاعة التسامح الإنساني والإفريقي الفطري باعتبارهما لم يسعيا لاستعلاء آو هيمنة أو اختصار الأخر. وعليه وفق هذه المعادلة لا استطيع بل ليس من العدل ان أحمل الزعماء الجنوبيين ما لم يرتكبوا. ولأنني لا أدعو لعزل أو لانسحاب أحد، أنادي بالعلنية في اتخاذ المواقف والقرارات والتوقيع عليها وإلا إفساح المجال السياسي لمن يستطيع القيام بذلك.. فالزعماء الجنوبيون لا اعتقد انهم سيكونون عقبة أمام هذه الخطوة. صحيح ان لهم دورا لاحقا بعد ذلك.. وهو وقف الصراع وإحلال السلام الدائم واختصار المأساة بالإسراع بالحل السوداني الذي يعيد الأمور إلى نصابها، وعلى الأساس القديم الصلب والمعافى يتم تشييد السودان الجديد.
    صيد الفيل لا الفأر...!
    * قلت لسيد أحمد الحسين: أخشى اننا لن نغادر هذا المحور من المحاور الكثيرة التي جهزتها للحوار.. وأقول كما قال السيد الصادق المهدي عندما ذهب إلى جيبوتي للقاء البشير: أتيت للحوار معك لاصطاد فأرا فكان الصيد فيلا!؛ الأمر الذي يدفعني لأنسى بقية المحاور وأركز على ما نحن فيه. هنالك مسألتان أريد أن أخرج بهما سائلا مستندا على ما سبق من حديث. أولا الأصوليون.. هل سيقبلون خطوة العودة لما قبل سبتمبر 83؟ وكيف سيكون تصرفكم حيالهم وتصرفهم حيال الزعامات الدينية لو وافقت على ذلك؟ والمسألة الثانية هي انك بهذا الحديث والطرح والدعوة تنسف، لا أقول نظرية ودعني ان لا أقول واقعا، وإنما نتيجة مباراة سياسية بين الإسلام السياسي والعلمانية.. سَجَلَت فيها الفرقة الأولى أهدافا كثيرة، وتجيء الان بما تطرح لتغيير النتيجة خارج الملعب. فكيف نفهم المعادلة الجديدة مقروءة مع المعادلة السابقة وبما أفضت من نتائج وبما قد تفضي المعادلة الجديدة التي تطرحها من نتائج؟
    ** لم يستعجل الأستاذ سيد أحمد الحسين الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي بالإنابة في إجابته، وأخذ يقلب بين أوراق أمامه حتى سل إحداها ثم قال: دعني ابدأ معك بالمسألة الثانية، لان الأولى متفرعة منها، والأفضل أن نأخذ بالأصل ثم الفرع. أولا، انت بنفسك تقول ان المباراة جرت بين الإسلام السياسي والعلمانية.. وهي بالفعل كانت هكذا وأعتقد ان تعبيرك في محله تماما حيث لم يكن الصراع أصلا بين الإسلام والعلمانية، فالإسلام لا يسعى لمثل هذا الصراع والتنافس في بلد كالسودان. فأن يصارع الشيوعية هذا واجب وواجب إنساني قبل ان يكون دينيا، وقد صارعناها نحن في قوى الوسط من العلمانيين لأنها خارج الفطرة الإنسانية ولأنها مكبلة وتحمل القيود وتختصر الحياة في ضِيقِِ وتُضيق واسعا. ولقد كان خطأ محاربة الشيوعية بالإسلام السياسي أو بالدين وحده، ولم تُحارب بالدين وحده.. حاربتها الديمقراطية وحاربتها نزعة الحرية المتأصلة في البشر والناس وانهارت الشيوعية بأدواتها ذاتها.. بالسلطة التي سعت إليها وأخذتها أخذا بعد ان كانت في السودان تعيش حلم ميلاد "الثورة الوطنية الديمقراطية" التي تفضي إلى الاشتراكية العلمية والى الشيوعية بعد ذلك. لم تكن هنالك إرهاصات لتلك الثورة المزعومة.. كان حلما وأملا وخيالا في عقول ونفوس أرباب الشيوعية وكهنتها فتحسسوا بعض عضلات ظنوها ثابتة في ازرعهم التنظيمية واستعملوا أنياب الملبن ليعضوا بها فتكسرت وهي ممسكة بضحاياها.. فصارت الشيوعية في السودان بلا أنياب تعض وانكشفت حقيقة عضلاتها فيما بعد وظهرت على قدر ماعونها الذي يسعها. ولعل أحد أخطاء العصر الذهبي في السياسة السودانية تلك الوقائع والنظرة والرؤية في الإقصاء، سواء أكان ذلك من جانب الديمقراطيين أو الشيوعيين. بل ان نجاحات الإنقاذ والإسلاميين لاحقا، لا في الاستيلاء على السلطة فحسب وإنما في البقاء فيها، كان أحد مقوماته فشل الشيوعيين في السلطة والاستفادة من تجربة اليسار الفطيرة لصقل تجربتهم حتى قبل ان يخوضوها، وهنالك اعترافات ثابتة بذلك. ولأعود لأصل المسألة، فالمعارك مع (الضد) نَمَّت ووسعت حركة الترياق المضاد. فعندما تتأسس معارك بمثل هذه الصيغة، وغالبا ما تتأسس عليها، وتقف قوى الوسط لا أقول في انتهازية ولكن متفرجة ومراقبة، يبقى من السهل اختصار الآخرين ويصبح بالتالي التحول في نفس الخط القطري للدائرة من أقصاه لأقصاه بالانقلاب مائة وثمانين درجة أمرا مشاعا وممكنا ويجر معه هزائم نفسية تضع بصماتها على مجمل الحراك السياسي. وتبقى في النهاية القوى العريضة، قوى الوسط، وكأن الأحداث والتغييرات قد تجاوزتها أو في سبيلها لتتجاوزها على أحسن الفروض.ولكن، عندما يقود الطرفان النقيضان كل البلاد إلى الأزمة والمأزق، كل من رؤيته الآحادية الإقصائية للأخر ومعه الآخرين.. تبقى عودة الوعي مطلوبة وتبقى الأزمة ذاتها هي مفتاح الحل الوحيد الذي يهزم العقائديين في اليسار وفي اليمين الديني. ان حقائق مثل هذا الصراع لا يمكن ان تُجرد في نمو وتمدد جماهيري مهما توسع إذا استند على قوة السلاح لفرض انتصاره وتمكينه. فاليمين الديني أو الإسلام السياسي لم يهزم العلمانية إلا بأدوات الديكتاتورية مستفيدا من مناخها القابض....
    عودة للنص...
    * قلت مقاطعا: قبل ان تسترسل يا أستاذ سيد أحمد أرجو ان أعيدك إلى النص. أراك تربط انتصار الحركة الإسلامية بالتمكين الذي حدث لها في عهدها القابض بعد ان أخذت كل السلطة أخذا في 30 يونيو 89، ولكن ما قولك في انتصاراتها داخل الحركة الطلابية في كل محافلها في الداخل والخارج وفي كل الجامعات؟ آمل ألا تبتسر المسائل وتقرأ ما تريد من القصيدة قفزا بين أبيات الشعر فيبدو الأمر غير متناسق مع ان القافية واحدة.
    ** فقال: الحركة الإسلامية كما تُسمي نفسها وكما أطلقت عليها أنت بالخروج عن النص في رأيي، هي أداة الإسلام السياسي ولافتة تمويهية عريضة لينطلي الأمر على الناس الذين بالفطرة يَقْبَلُون الدين ويُقْبِلُون على الدين، وبالفطرة يعادون الشيوعية، وبالفطرة يمكن ان يساقوا لمعارك تُصورها لهم القيادات التي اتخذت من الإسلام والدين سلما للوصول للسلطة. ان هزيمة اليسار أو أي اتجاه سياسي في دولة، يتناوله الناس داخل التداول الطبيعي للسلطة.. أما هزيمة الاتجاه الإسلامي وسط الطلاب في أية معركة طلابية كان عنوانا وناقوسا بان الإسلام والدين في خطر. أي تلاعب بالدين أكثر من هذا التلاعب؟ هل سيتضرر الإسلام في السودان لو فقد الاتجاه الإسلامي كل مقاعد الاتحادات الطلابية الجامعية مثلا؟ ان الإسلام السياسي تمدد بالعاطفة وبجر الناس جرا لمعارك الوهم، وبأدوات السلطة القاهرة، وبالعنف وبالترغيب، وبالمال الذي ضُخَّ في شرايينه؛ سامحهم الله أولئك الذين دفعوا أموالهم ذكاه لأناس ليوزعوها على الفقراء في العالم الثالث، فدورتها الحركة الاسلاموية في تجارتها وبنوكها وضختها مالا في غير موضعه الذي أخرج له. ان الحقائق واضحة أمامهم وأمامنا، المال.. المال.. المال، المال هو وحده الذي نصرهم، ونصرهم انتصار وقتي.. لذا لم ولن يدم الانتصار. وحتى عندما انشقوا.. انشقوا بسببه، ونجد ان رائحته فاحت في انشقاقهم وفصالهم. ان الذين يتحسسون اليوم أوضاعهم في دول الخليج، هم الذين مولوا الإسلام السياسي.. كما ان "لحم أكتاف" الإسلام السياسي، لا في السودان فحسب وإنما في كل مكان نبت فيه، منابعه التي أخذ منها هي دوائر الغرب الأوربية والأمريكية وبالأخص تلك "الذكية".. وقد دارت الدورة دورتها ليبحثوا في سبل ووسائل تجفيف المنابع المالية بعد ان كانوا أحد مصادرها بل أهم مصادرها. يا أخي، بالمال وبقوة السلطة لا يمكن ان تحدثني عن نصر للحركة الإسلامية أو الإسلام السياسي على القوى العلمانية أو على الآخرين. لقد كانت المنافسة غير متكافئة، هذه واحدة.. والأخرى كانت قوانينها ظالمة ومنحازة، والثالثة استغلت معطيات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية لصالحها. وها قد انقلبت الآية، فصار الذين مولوا ودعموا ورَكَزوا ونهضوا بالإسلام السياسي، يُشار إليهم بانهم يستهدفون الإسلام كدين.. وهذا ما لا يعقل وهو عين التضليل وابتزاز عواطف الناس ومشاعرهم وعقيدتهم. ان الغرب استعمل الإسلام السياسي لغرض.. والإسلام السياسي جارى الغرب لغرضه في الوصول للسلطة والجماهيرية والتمدد على حساب الآخرين المعتدلين والوسطيين؛ والنتيجة ان الإسلام في صراعهم الحالي لا ناقة له ولا جمل.. انه صراع "علمته الرماية فلمَّا اشتد ساعده رماني".. وأين رماه؟ لقد رماه فيما يقرب المقتل؛ وطالما لدي الغرب حسابات فهي "حسابات جارية" واليوم تجري في الاتجاه المعاكس يا أخي.
    * قلت: قبل ان ندخل في مسألة الأصوليين، والتي لا أدري كيف ستتعامل معها، دعني أقول لك انك تريد ان تغير في نتيجة مباراة حُسمت بأكثر من هدف.. وتريد تغييرها خارج إطار اللعبة، وقد تسألني كيف؟ ان العلمانيين والشماليين انهزموا أمام الإسلاميين ولا يريدون ان يُسلموا بالنتيجة، ولذلك تستعملون اليوم عواطف الناس من جهتكم أيضا بالحديث عن وحدة السودان أرضا وشعبا للعودة للنظام العلماني.. وتريدون استعمال الجنوبيين لهذا الغرض، برغم ان كثيرا من الجنوبيين اقتنعوا بان لا عودة عن تطبيق الشريعة الإسلامية والتوجه الإسلامي، ويريدون تسوية لأوضاعهم والدستور الحالي يوفرها لهم وإرهاصات التسوية بالمبادرة الأوربية والأمريكية أو حتى الإيقاد والمشتركة أيضا تريدان توفير وضعا جديدا تبقى به الشريعة ويبقى به السودان موحدا ولذا تُطرح الكونفدرالية تارة ودستورين في دولة واحدة تارة أخرى.. وعاصمة قومية بديلة خارج أطار الوضع الحالي وداخل إطار التسوية الجديدة المطروحة. فما قولك؟
    ** قال الأستاذ سيد أحمد الحسين: ان حالة اليأس، خاصة عندما تكون هنالك حرب مستمرة لفترة طويلة بما تترك من آثار على الأرض وعلى البشر، قد تقود كما قلت بعض الجنوبيين لمثل ذلك التفكير بالاقتناع والتفاوض على أساس الواقع الخاطئ الماثل أمامنا ولا ألوم أحد منهم في ذلك. بيد ان مثل هذه النظرة مصلحيه واستغلاليه وتحمل بين طياتها خدعة بل مطبا لا يهمنا كثيرا ان يقع فيه بعض الناس ولكن نحذر من ان يقع فيه الوطن. يا أخي، كيف القبول بالواقع الذي فُرض فرضا بالتشدد وبالقمع وبالإقصاء وهو حالة قد تتبدل وهي عرضة للتغيير غدا؟ فكيف نقود بها مصير الوطن ونحدده؟ هؤلاء يا أخي سينقلبون غدا على صمتهم الحالي على الخطأ وسيقود انقلابهم لتفتيت السودان.ومثل هذا الحل، تسكين وتضميد لجرح لا يقبل غير الخياطة ليبرأ. ان الكونفدرالية فخا يجب ان لا ندخل إليه الوطن بأيدينا.. ونعلم ان الإسلاميين يريدون ذلك بل قد لا يمانعون في تقسيم السودان ليقيموا الشريعة في الشمال ولو في أقصاه. ولا شك انهم سحبوا الوطن سحبا لهذه الحالة بتأجيج الحرب حتى يتصور الجنوبيون ان ليس هنالك احتمالات تعايش، ويصبح الانفصال مطلبا ليتصنع الاسلاموييون معارضته ولكنهم يريدونه حقيقة. فلماذا نقبل هذا الوضع الذي سوف تمتد آثاره القبيحة لكل أطراف وأحشاء السودان؟ لا نستعمل الجنوبيين في هذه المعركة، بل نحن في خندق واحد من أجل سودان واحد، وإن صار خندقنا ضد الإسلام السياسي فهو ليس استغلالا بل تبصرا. ان الإنقاذ هي التي تستغل الجنوبيين وتستعمل بؤسهم ويأسهم من استمرار الحرب، فأصبح حتى مولانا ابيل الير أقرب إلى الانفصال بعد ان كان وحدويا حتى النخاع لأنه أصيب باليأس لما آل إليه حال أهله.. ولا ألومه في هذا، ولكنني أدعوه للصبر على الحلول التي تَرْسٍم مستقبلا طيبا لكل السودان، لا هدنة للحرب بين الشمال والجنوب لتشتعل في شكل خر.
    حائط أو سور.. للإسلام...
    * قلت: وماذا عن الأصوليين.. هل سيقبل بذلك الأصوليون الذين فرختهم الإنقاذ وأوضاع ما قبل الإنقاذ؟ هل سيقفون يتفرجون عليكم وانتم توقعون ما تسميه "وثيقة إنقاذ السودان".. أم تتصورون انهم سيصفقون لكم ويهللون ويكبرون وانتم تلغون الشريعة الإسلامية خاصة بعد ما ضاع في سبيلها عشرات الآلاف من الشهداء؟
    ** فقال: نعم.. المقاومة واردة، وتلك احد الأشياء التي صنعتها الإنقاذ عن سابق ترصد ولكن فيما أعتقد ان السؤال الصحيح هو: ماذا سيفعل الأصوليون مع قياداتهم الإسلامية التي قادت الشباب لمحرقة الحرب في الجنوب والتي ستوقع على وثيقة "دار للإسلام ودار لغير الإسلام" في دولة كان من الممكن ان تصبح بعد حين دار إسلام كاملة بالتسامح والتعايش والتواصل والتداخل؟ ماذا سيفعلون بعد ان يقام "حائط وسور للإسلام" يمنع تمدده وانتشاره أو على الأقل يحدد له المكان المحصور؟ المعادلة يا أخي صعبة.. وعلى الذين غذوا تلك العقول بالتطرف ان يعالجوها من الهوس، لا بفقه الضرورة ولكن بمخاطبة العقول لا العواطف وبالحقائق لا بالأماني وبالحيثيات المتوفرة لا بالقصص والحكاوي المختلقة التي لحست العقول. ان منطق التطور اليومي للأحداث قد يوفر لهم أدوات الإقناع ونحن معهم في معالجة حالة الأصوليين الذين بكل الحق لا نراهم في السودان كما نسمع عنهم. ان التربية السياسية والدينية التي قامت بها الجبهة الإسلامية هي التي أشاعت ثقافة الأصوليين في التطرف والعنف والتكفير وغيرها.. والمجتمع ككل مطالب ان ينهض لمعالجة الموضوع واعتقد ان النسيج الاجتماعي السوداني لا زال بخير ويستطيع ان يغطي على عناصر التطرف وان لا يفتح لها بابا يدفع البلاد إلى محرقة تُقضي على الأخضر واليابس معا. كلهم أبناء الترابي.. وعلى الترابي ان ينفض يده من طرحه المتطرف السابق وسينفضون أياديهم من أفكاره وأفكارهم وسيعالجون أنفسهم بأنفسهم وسيعودون إلى الحظيرة السودانية متعافين. ومع ان بعض الأوضاع التي تستحق الاهتمام سوف تنشأ، فان هذا الأمر أمر مصير وقدر للتحول والعودة نحو الأوضاع الصحيحة، والترابط والأسرة السودانية كفيلان بان يجدا مداخلا صحيحة لوضع الأمور في نصابها.. كما ان علماء الدين قادرون على الحوار مع كل الأطراف ومع كل الناس حتى لا يدخل الوطن في عصر التجربة الجزائرية أو ما شابهها من تجارب.
    *****
    وبعد...
    هل كان الحوار مع الأستاذ سيد أحمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي، خارج النص؟ ولكن.. هل الخروج عن النص سبة، أو على الأقل تصرف سلبي وخاطئ، في أخر الأمر؟
    نعم، الحوار كان خارج النص.. فالنص ان الإسلام السياسي هزم العلمانية، والحوار يفتح نحو إعادة قراءة النتيجة وفق رؤية الحسين سيد أحمد! أما وصف سيد أحمد الحسين بالخروج عن النص.. فهي حالة حمالة أوجه؛ لماذا.. وكيف؟
    الإجابة الأشمل، في اختصار، تنقلنا ما بين السياسة والمسرح.. لان السياسة في السودان أشهر وأطول مسرحية. ففي كل المسرحيات؛ درامية كانت أم ميلودرامية أو حتى كوميدية؛ صار الخروج عن النص عملا مشاعا إذا استمر العرض المسرحي لفترة طويلة.. وهو عين ما حدث ويحدث في المسرح السياسي السوداني حيث لم يُسدل الستار عن مسرحية حملت كل أنواع الفن المسرحي، حتى العبثي منه.
    ان النص المسرحي في السودان.. هو ان البلد، بلدا زراعيا فيما الفقر والمسغبة تمسك بأكثر من 90% من أبنائه.. وذلك خروج عن النص، فمن المسؤول عنه؟
    والنص المسرحي.. ان البلاد فجرت ثروة النفط، استخرجته، نقلته، صدرته وباعته.. وعندما انخفض سعره عالميا، زاد سعره في طلمبات الخدمة.. وذلك خروج عن النص، فمن المسؤول عنه؟
    والنص هو ان الشيخ الدكتور الترابي قاد وحرَّض على الجهاد ضد حركة قرنق.. ونفس الشيخ وقع باسم المؤتمر الشعبي مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية وعاد وشكك في كل العملية الجهادية.. أليس ذلك خروج عن نص؟
    والنص أيضا ان السودان قرر مصيره في منتصف الألفية الثانية، وفي أواخرها وقع زعماؤه على مشروع تقرير المصير.. وهذا خروج فاضح عن النص، من المسؤول عنه وكيف تُقَسَّم المسؤولية؟
    كل ذلك كان خروجا جماعيا عن النص.. فلماذا لا يخرج الحسين سيد أحمد عن نص هو أصلا مبتور، وكل يقرأه من حيثما يريد؟!
    الحسين (فبراير2002م )























                  

العنوان الكاتب Date
الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لسلطة او طائفة ..! بقلم يحيى العوض يحيى العوض 04-13-17, 05:03 AM
  Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� Mohammed Alhasan Mohammed04-13-17, 07:51 AM
    Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-13-17, 10:49 PM
  Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� sadig mirghani04-13-17, 10:58 AM
    Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� ام هبة 04-13-17, 12:22 PM
      Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� ABDALLAH ABDALLAH04-14-17, 11:32 AM
    Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-14-17, 12:42 PM
      Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� احمد حمودى04-14-17, 08:31 PM
        Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-14-17, 11:55 PM
          Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-15-17, 11:13 AM
            Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-15-17, 03:43 PM
              Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-16-17, 03:50 AM
                Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-16-17, 05:21 PM
                  Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-17-17, 03:46 PM
                    Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-17-17, 07:13 PM
                      Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-19-17, 07:17 PM
                        Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-20-17, 01:03 AM
                          Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-22-17, 03:44 PM
                            Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� mustafa bashar04-23-17, 01:32 PM
                              Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-24-17, 10:41 PM
                                Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-26-17, 04:46 AM
                                  Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-27-17, 00:25 AM
                                    Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-27-17, 03:24 PM
                                      Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-28-17, 04:04 AM
                                        Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-28-17, 09:45 PM
                                          Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-29-17, 02:26 PM
                                            Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-29-17, 11:33 PM
                                              Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض04-30-17, 03:44 PM
                                                Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-01-17, 02:47 AM
                                                  Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-01-17, 05:31 PM
                                                    Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-02-17, 07:20 PM
                                                      Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-05-17, 01:43 PM
                                                        Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-07-17, 01:30 PM
                                                          Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-15-17, 06:03 AM
                                                            Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-19-17, 01:28 PM
                                                              Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-22-17, 07:30 PM
                                                                Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-23-17, 02:36 PM
                                                                  Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-24-17, 01:20 AM
                                                                    Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-24-17, 10:44 PM
                                                                      Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-25-17, 08:49 AM
                                                                        Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� محمد فضل 05-25-17, 11:06 AM
                                                                          Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-26-17, 01:05 PM
                                                                            Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-26-17, 02:40 PM
                                                                              Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-27-17, 12:43 PM
  Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يوسف 05-28-17, 08:59 AM
    Re: الرجل الذى اختار الموت واقفا ولم ينحني لس� يحيى العوض05-30-17, 05:21 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de