تحية الإمام الصادق المهدي بعيد ميلاده ليست فعلاً روتينياً، بل هي عمل من باب الوجوب، فالرجل يستحق أكثر من التهنئة، أو على الأقل يستحق تهنئة متميزة تستذكر دوره ومكانته وشخصيته الفذة. الصادق المهدي قائد وزعيم سياسي من طراز فريد، قل نظيره بين زعمائنا السياسيين، بل بين الزعامات في محيطنا العربي والأفريقي والإسلامي. هو رجل منفتح على الحركة السياسية والفكرية وعلى المجتمع، يقدم في كل يوم كتابه المفتوح للشعب السوداني ليحكم عليه، يكتب ويناقش ويحاور كل من يطرق بابه، بابه الفعلي أو باب أفكاره وآرائه، بشكل لم يفعله زعيم سياسي سوداني ماضياً وحاضراً. وحين تراجع مكتبة الصادق المهدي المنشورة، ستجده كتب في كل شأن من شؤون حياتنا، بدأب وجهد يحسد عليه. وهو أكثر السياسيين انفتاحاً على الصحافة والصحفيين، سواء عبر أبوابه المفتوحة لهم دوماً، أو عبر منبر الصحافة والسياسة الذي ابتدره، وكانت له لقاءات راتبة، قبل اضطراره للمنفى القاهري. كتاب المهدي السياسي أيضاً مفتوح ومعلوم، منذ ولوجه باب العمل السياسي والتنفيذي في منتصف الستينيات وحتى الآن، ومروراً بالمحطات السياسية الكثيرة التي مر بها، وحتى وقتنا الحالي. وليس هناك زعيم سياسي نال عطاءه وعمله من النقد والتشريح مثلما نال الصادق المهدي. وكثير من الصحفيين والسياسيين أصحاب علاقة ودودة مع الإمام، لكنهم لم يوفروا عليه النقد والاختلاف معه، ولم يؤثر ذلك في بساط المودة الممدود. لسنا مضطرين للموافقة على كل خطوات المهدي ومبادراته، لم نفعل ذلك في الماضي، ولن نفعل في المستقبل، رغم هذا لم تقل مساحة الاحترام المتبادل، ولا أظهر يوماً شيئاً من الغضب على هذا النقد، ولو فعل لما كان في ذلك ملامة، فكلنا بشر. عاش الرجل تجربة الديمقراطية الثانية وهو سياسي يافع، ثم دخل على نظام مايو معارضاً شرساً، ثم مصالحاً، ومعارضاً مرة أخرى، ثم شارك على قمة الحكم في الديمقراطية الثالثة رئيساً للوزراء حتى نهايتها، وجاءت فترة حكم الإنقاذ فركز في المعارضة مع محاولات عديدة للمصالحة مع النظام لم تلق نجاحاً. هذه كلها تجارب لا تخلو من أخطاء ولا من تقديرات لم تكن صائبة، بجانب صراعات حزبية داخلية يتحمل مسؤوليته فيها بالتأكيد، لكن يحمد للرجل أنه ظل وفياً للديمقراطية، وشفافاً في مواقفه، قابلاً لمراجعتها، وقادراً على المواجهة. كنت شاهداً ومشاركاً للزميل الصحفي الفنان هاشم كاروري حين أراد أن يدفع بكتاب يجمع فيه الرسومات الكاريكاتيرية التي نشرها خلال فترة الديمقراطية الثالثة، وكلها تخصصت في نقد الصادق المهدي، فطلب من الإمام أن يصدر له الكتاب بمقدمة، ففعل ذلك بنفس راضية، ولم يدهشنا ذلك، وإنما أدهش بعض الصحف العربية التي عرضت الكتاب. سيتفق ويختلف الناس على بعض سياسات ومواقف الإمام الصادق، في الحكم وفي المعارضة، ونحن من ضمن هؤلاء الناس، ومن حقهم وواجبهم أن ينتقدوه كلما وجدوا باباً للنقد، لكن لن يستطيعوا أن يفعلوا ذلك إلا بكل احترام لشخصه وماضيه وتجربته السياسية. كل عام والإمام الصادق المهدي بخير وصحة وعافية، ونسأل الله أن يحتفل العام القادم في داره وسط أسرته الكبيرة وأنصاره وشعبه، وبلادنا تنعم بالحرية والديمقراطية والسلام والاستقرار.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة