سألني الداعية الجمهوري عيسى ابراهيم ماذا أرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم:" أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا عصموا مني أموالهم ودماءهم إلا بحقها وأمرهم إلى الله". ألا أرى:" في ذلك مصادرة لحرية الكافر"؟! وواضح أن هذا الداعية الجمهوري المتعنت يريدني أن أشاطره في فهمه القاصر للنص النبوي الشريف. وأن أشاركه في اعتقاده الخاطئ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شن حروبا هجومية عدوانية على الناس بغرض إرغامهم على قبول الإسلام. وهو الاتهام نفسه الذي وجهه شيخه محمود محمد طه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زاعما أنه مارس في سبيل نشر الدعوة الإسلامية. وما درى الجمهوري التابع الذي يتشبث في إصرار بدعاوى شيخه، وما درى شيخه من قبله، أن هذا الحديث النبوي الجليل محمولٌ عند علماء الشرع على قول الله تعالى في آية من القرآن المدني الذي هو أيضا قرآن إسماح وإكرام لحقوق الإنسان:(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة:190. وتفسير ذلك أنك إن أردت أن تفهم فهما منهجيا كليا صحيحا في أمور الدين الكبرى، ومنها أمور الجهاد، فإنه يتوجب عليك النظر في جميع النصوص القرآنية والحديثية التي تخاطب الموضوع الذي تعالجه من زوايا متباينة. وأن تبذل قصارى جهدك حتى تستوعب دلالة كل نص شريف في سياقه اللفظي والظرفي الذي جاء فيه. ثم تتحصل بعد ذلك على خلاصة المعنى المشترك الذي تدل عليه النصوص الشريفة متساندة متعاضدة. وهذا نوع من الجهد العلمي المنهجي الذي يعجز عن الاضطلاع به متحذلقة الجمهوريين وشداة العلم بينهم. وقد قام على تكوين هذا المنهج البحثي الأمثل علماء متـأملون كبار وضعوا فيه مؤلفات نظرية وتطبيقية جليلة، من أهمها كتاب (الأشباه والنظائر) لصدر الدين بن الوكيل الشافعي، وكتاب (الأشباه والنظائر) لزين الدين بن نُجيم الحنفي، وكتاب (الأشباه والنظائر) لتاج الدين السُبكي الشافعي، وكتاب (الأشباه والنظائر) لجلال الدين السيوطي. واسترشادا بهذا المنهج العلمي الذي أسسه فطاحلة الفقهاء من أجل البحث والاستدلال والاستنتاج من النصوص الشرعية الحكيمة يمكننا جمع الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي جاءت في موضوع الجهاد وفهمها فهما صحيحا متكاملا. وحسب مقتضيات هذا المنهج الكلي لا يجوز لمجادل جمهوري جامد جاهل جائر أن يستدل بآية قرآنية مفردة أو بحديث نبوي مفرد يخاطب حالة بعينها، ويغفل عن بقية النصوص الشريفة التي وردت في حالات أخرى في الموضوع ذاته. فهذا نهج قاصر لا يؤدي إلى النتيجة الصحيحة. وفي حال استخدام الجمهوريين لهذا المنهج القاصر يصبح منهجا انتهازيا في الوقت نفسه حيث يقصدون به ضرب نصوص الدين ببعضها البعض، ولا يبتغون فهمها كما ينبغي طبيعيا موضوعيا متكاملا. ومثل هذا النهج هو الذي أدانه القرآن الحكيم في قول الله تعالى:(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) الحِجر:91. وفي تفسير هذه الآية الشريفة قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه:" جزَّءوه فجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور". وقال الإمام الطبري رضي الله تعالى عنه:" قال بعضهم: معناه الذين جعلوا القرآن فِرَقا مفترقة". وهذا النهج هو ما نلاحظ اعتماده عند الجمهوريون في كثير من أنماط جدالاتهم البغيضة، حيث يتلاعبون في غير ما ورع بنصوص الشرع الحكيم، ويضربونها ببعضها البعض، حتى يشوشوا بها على عقول الناس، وحتى يمتنع على الناس فهمها فهما صحيحا على أصولها. وبالنسبة لنصوص الجهاد في سبيل الله تعالى، والحديث الشريف الذي سألني سائل الجمهوريين المستعبط عنه واحد منها، فإنها تفهم جميعا متضامنة. وهذا الحديث بالذات يُفهم على ضُوء نص آخر أعلى منه مقاما، وهو قول الله تعالى في سورة البقرة:(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). وهذا النص القرآني الكريم هو من أواخر ما نزل من كتاب الله تعالى فهو إذن يضبط ما قبله. وواضح من منطوق هذا النص القرآني الشريف أن الأمر بالقتال موجه بغرض مقاتلة الذين يبدأون المسلمين بالقتال، فلا يقاتل المسلمون إلا من قاتلهم. ويتضح من النص القرآني معنى النهي عن الاعتداء، ومن الاعتداء بدء الآخرين بقتال. وعلى ضُوء أفادة هذا النص القرآني الكريم يؤخذ من معنى الحديث النبوي الشريف الذي سأل عنه داعية الجمهوريين أنه أمر للمسملين بمقاتلة من يقاتلونهم من الكفار. ثم يتوقف القتال بعد هزيمة أعداء الله تعالى، وعندها يجري تخييرهم بين قَبول الإسلام مكرمين معززين، أو أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وإنما كتب عليهم دفع الجزية وضربت عليهم الذلة وأملي عليهم الصغار لأنهم كانوا البادئين بقتال المسلمين. فليس هنالك حسب هذا الفهم الكلي الرشيد للنص النبوي الشريف الذي سأل عنه داعية الجمهوريين أي مصادرة من أي نوع لحرية أهل الكفر أحباب الجمهوريين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة