القناعة بالواقع حجة ورثناها منذ أيام الطفولة .. وتلك البيئة المتواضعة أحاطت بأبناء السودان منذ سيرة المجاعة التي ضربت البلاد في السنوات الأخيرة من حكم الخليفة عبد الله التعايشي .. ثم كان ذلك المستعمر الذي تدرج بالبلاد قليلاَ نحو الأفضل في ظروف المعيشة للسودانيين .. وحيث مشروع الجزيرة الذي شكل نوعاَ من السند الاقتصادي للبلاد في مرحلة من المراحل .. ولكن نلاحظ في فترة تواجد الاستعمار وبعد رحيله أن السواد الأعظم من السودانيين تعود أن يرضخ في ظلال العيشة المتواضعة .. حيث الاكتفاء بالمقدور المتاح .. والأثرياء في السودان في تلك المراحل كانوا على قلة بعدد الأصابع .. ويتمثلون في تلك الأسماء القليلة الرنانة التي كانت شائعة .. وهي تلك البيوتات المالية المعروفة .. ويبدوا أن تزهد الإمام المهدي عن متاع الدنيا قد أحاط بالشعب السوداني .. حيث نجد الشعب السوداني مثـله كان يقبل بالقليل .. وكان يلبس ثوب القناعة .. تلك القناعة التي تمثلت في ثياب المرقوع للدراويش في السودان .. وحتى عهود قريبة كنا نظن أن الحياة في هذه الدنيا هي تلك الحياة المتواضعة التي تعودنا عليها في أروقة السودان منذ استقلال البلاد . ولكن في السنوات الأخيرة حين أجبرتنا الظروف أن نتواجد في بلاد الآخرين .. وخاصة في دول الخليج العربية الغنية بالخيرات الوفيرة اكتشفنا أن الشعب السوداني يعيش في حالات الفقر بكل المعاني الحقيقية .. فهو يعيش أبد الدهر في هوامش الحياة .. تلك العيشة المتواضعة بدرجة أدنى من الصفـر .. واكتشفنا أن الخيرات والنعم والفضل من الله متواجدة في بلاد الآخرين .. فتلك البلاد المباركة أنعم الله عليها بالمقدرات والنعـم الوفيرة .. تلك النعم التي تكفي بفضل الله تعالى كل رغبات الشعوب فيها .. فيض من السعة والرحمة في الرزق .. يكفي للطامعين كما يكفي للقانعين من كل أطياف الناس في تلك المجتمعات .. فهنالك المكتفون بالرزق الوفير بسبل الحلال .. وهنالك المكتفون بالرزق الوفير ببأي سبيل من السبل .. فقد يجتهد الشريف العفيف ثم ينال مرامه بمنتهى اليسر والسهولة .. وقد يجتهد اللص المختلس فأيضاَ ينال مرامه بمنتهى اليسر والسهولة .. وقد يجتهد الغريب القادم من البعيد فينال مرامه أيضا بمنتهى اليسر والسهولة .. فالسعة في رزق الله بذلك القدر الهائل تكفي للجميع .. وتغطي المحاسن كما تغطي العيوب .. تسعة وتسعون في المائة من أبناء دول الخليج العربي يمتلكون سيارات خاصـة آخر الموديلات .. والحكومات في تلك الدول تسهل القروض المالية للمواطنين لشراء المساكن ولتأسيس المحلات .. وهنالك التعليم مجاني بالمعنى السليم الغير ملفق .. والعلاج للمواطنين مجاني بالمعني الأكيد .. وهنالك الكثير والكثير من المكتسبات الاجتماعية التي تفوق الخيال .. أما هنـا في السودان ( بلاد الفقر ) فحدث ولا حرج .. ذلك البلد الذي يشتكي من قلة الحيلة رغم وفرة الثروات الاقتصادية المتمثلة في الإمكانيات الزراعية والثروة الحيوانية وغيرها من الثروات .. وبالرغم من ذلك فإن شعبه أبد الدهر يشتكي من الجوع والفاقة في ظلال كل الحكومات .. في ظلال النظم المدنية أو في ظلال النظم العسكرية .. والعلة الأساسية تكمن في ذلك الإنسان ( إنسان السودان ) .. والمعلوم أن الخيرات في بلاد العالم تتدفق بقدر النوايا والأعمال الحسنة لأهلها .. وتلك النوايا والأعمال في السودان أصبحت موضع الإشارة إلى الأخذ والذم .. فالتاجر في السودان لا يتقي الله فهو ذلك الشخص الذي يتعمد الغش والطمع .. والعامل في السودان لا يتقي الله فهو ذلك المراوغ المتلاعب المخادع .. والموظف في السودان لا يتقي الله فهو ذلك الخامل الذي يتناول راتبا شهريا لا يستحقها حيث المنال دون مقابل من الخدمة والعمل .. ثم هنالك الآخرون الذين يختلسون الأموال العامة بالمليارات .. وأي صاحب مهنة في هذا السودان فهو ذلك المراوغ الغشاش الطماع الذي لو تمكن على أموال الأنبياء لتناولها دون حياء واستحياء .. فبمقدار النوايا تلك الغير سوية في النفوس تتماحق أرزاق الناس في السودان .. وبمقدار الأعمال الغير خالصة لله سبحانه وتعالى يعيش الشعب السوداني تلك العيشة الضنكة طوال السنوات والسنوات .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة