هل هى صدفة ، أن تعود ذكراه- أكتوبر المجيد- في هذا العام، يوم أربعاء، أم في ذلك تذكير من وراء تذكير؟
بالمناسبة، لماذا يمشي هذا النظام، وقع المخالب على المخالب، مثلما كان يمشي نظام نميري، منذ ماقبل منتصف السبعينات.. يمشي متغافلا- مع سبق الإصرار والرعب- عن ذكرى ثورة مجيدة في تاريخ الشعب السوداني؟!
الأنظمة التي تخاف من مجرد ذكرى، هى أنظمة خائرة، تسكنها القشعريرة..
في نظام نميري، كان محرما، على الميديا الرسمية، أن تقترب من ذكرى أكتوبر، ولو بمسافة رجع الصدى... «والذكريات صدى السنين الحاكي»!
كان محرما الإحتفال.
أنظروا، إلى لؤم السلطة- أي سلطة- تحرم على شعب بأكمله أن يستعيد فرحة مجد، صنعه بالعرق والدموع والدم.
أكتوبر 64، لم تكن ثورة، لا أصل لها ولافصل. لم تكن ثورة لتيار واحد، أو حزب واحد، أو جماعة واحدة. كانت ثورة الكل. كانت ثورة على الشيوع. كانت ثورة الكثرة، ويبقى الذي يرتعبُ من مجرد ذكراها، هو الأبتر!
سبحان الذي سخر لنا هذا..
أتخيلُ ذلك، هو لسان حال الشعب السوداني، اليوم، وهو يتبادل الفرحة بأكتوبر – بالصورة والصوت- في كل مواقع التواصل الإجتماعي!
لماذا تريد الأنظمة القابضة، ألا تكون جزءا من مواقع التواصل مع التاريخ، والأمجاد.. والتواصل مع الحنين؟
لماذا تريدُ أن تعزل شعبها، عن أجمل مايملك من تاريخ، وتنعزل هى بالتالي عن الشعب، ليعزلها هو في النهاية؟
الأنظمة التي تخاف من تاريخ الشعوب، ليس لها من حظ مع المستقبل..
الشعبُ- أي شعب- هو إبن التاريخ، جيلا من وراء جيل.. والتاريخ- ذلك العجوز- تتوارث منه الشعوب الحكمة، ومن حكم التاريخ: طأطوا الرؤوس حتى تمرُ العاصفة!
تلك هى الحكمة الوحيدة- من جملة حكم التاريخ- التي لا تعيرها الشعوبُ إلتفاته.
الشعوبُ دائما ترفع رأسها، حتى وإن ظن الطغاة أن الطغيان، يمكن أن يطاطئ!
هى تمهل، ولا تهمل.. ترجع إلى التاريخ، تستمد منه العنفوان، ولا تتراجع.
مااا اتراجعنا!
تلك كانت الجوقة، في الملحمة.. والملحمة ( تقوّم) شعر الجلد، حتى وهى في مواقع التواصل الإجتماعي!
تبادلوها- السودانيون- عن بكرة أبيهم، عبر الهواتف الذكية، وكانت الرقصة المصاحبة، تمثل العنفوان في أكتوبر الأخضر، وكانت الأرض تغني، والحقول من أزدهار لإزهار: وعدا وقمحا وتمني!
رحتُ أنظر.. وأبطال الملحمة من المغنين الكبار- يبكون.. يبكون لا كما النساء، على مجد أضاعته النخب.. وضيّعته الدبابة بليل مرتين.. ويبكون على تاريخ، تريد أن تلقيه الانظمة التي تخاف من مجرد ذكرى، في سلة المهملات!
رأيت مشاهير كثر يبكون..
رأيتُ المغني ترباس يبكي وهو يغني" يايمة الله يسلمك"، ورأيت المغني المغني السني الضوي يبكي وهو في وحشة التفرد، ورايتُ الوزير كمال عباللطيف يبكي يوم ودع الذهب، فما أبكوني، مثلما أبكاني، رجل الملحمة الاول وداللمين، وهو يحتضن المغني خليل اسماعيل، الذي كان يبكي بكل خلجة من خلجات صوته.. صوته ذاك الذي ارتفع نحيلا ووسيما في الملحمة: "وكان في الخطوة بنلقى شهيد .. بدمو بيرسم فجر العيد!...
شهيد.. شهيد.. شهيد!
أبكاني..المغنيان، وهما في حالة بكاء. فابك.. ابك ياوطني الحبيب!
ابك على الجنوب الذي( راح) وأكتوبر الثورة ماتفجرت أصلا إلا لإطفاء النيران التي ادلهمت فيه، والتي كانت تقول إن اشتعالها ، سيشظي الوطن، في النهاية، ويشطره إلى نصفين!
ابك على الحقول التي أجدبت.. وعلى الوعود التي خابت، وعلى التمنيات التي لوّحت " مع السلامة.. ياحمامة..مع السلامة"!
ابك من النيران التي اشتعلت، من بعد نيران.. ابك من الجهوية والقبلية.. ابك من ذات مصائر الرحيل، من بعد الرحيل!
ابك ياوطني على شبابك الذي شتت.. وابك على شبابك الذي شاخ في خضم البحث المضني عن الوظيفة لبن الطير.. وأبك ، من الذمم التي خربت، والضمائر التي ماتت، وعلى النخوة التي نخرتها المفاسد!
ابك ياوطني من الرشاوي، ابك من البلع.. ابك من من " دار ابةك كان خربت شيل ليك منها شلية)!
ابك ياوطني، من سعيرالكرباج، ومن نتانة الزنزانة، ومن قسوة ملامح السجان..
ابك.. سيّل دموعك بحر من البمبان اللئيم..من دموم الرصاص المطر..
ابك على الشهيد، من وراء الشهيد.. ابك مع أمات الشهداء " نحن رفاق الشهدا.. نحن رفاق الشهدا... نبايع الثورة والدا وولدا"!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة