الأستاذ هشام آدم
تحياتي
يبدو اننا سنتجادل كثيرا لأننا حتي الآن كما يقول "الخواجات" ( We are not on the same page) و عليه سأشير لبعض النقاط في ردك هنا:
1. في مقالي أوردت تعريفا للنقد يقول به الدكتور جميل حمداوي: (النقد عملية وصفية تبدأ بعد عملية الإبداع مباشرة، وتستهدف قراءة الأثر الأدبي ومقاربته قصد تبيان مواطن الجودة والرداءة.) اقرأ مقالك من جديد لن تجد حسنة واحدة ذكرتها عن شعر محجوب شريف، بينما وصفت كلماته وصوره الشعرية بالبساطة والسذاجة ومعاني شعره بالفقر في الخيال بل وصفته بانه يعاني من انيميا الخيال !! وهذا امر تؤكده في تعليقك حيث تقول: (ولا أعتقد أنك قد تُوجه هذا السؤال لأي عمل نقدي يتناول إنتاج الشاعر محجوب الشريف لو أنه تناول محاسنه وحاول إظهاره بالمظهر الذي تريده أنتَ وترضاه، فما كان لكَ أن تطرح هذا السؤال على عملٍ نقدي كهذا. ) بالتأكيد لو كنت متوازنا في نقدك و موضوعيا تشير للمحاسن و المناقص لما فعلت.
والحال كذلك في مقالك هل تعتقد أنك قادر علي اقناع القارئ بموضوعيتك وخلو مقالك من الغرض؟؟!!
2. في البداية ظننت أنك كتبت هذا المقال لسودانيزاونلاين، والآن وانت تؤكد انه منشور في كتاب، اتعجب لعمل علمي او مهني تقرر فيه الحقائق والاوصاف للشعر دون ذكر مرجع واحد يساند رأيك او استنتاجك!!!
3. مرة اخري أؤكد لك انه لا يوجد تصنيف للشعر كغنائي وادبي (وهذا تصنيف لم اسمع به ويضحكني، ايه يعني شعر ادبي!! أخير ليك كان تبقي علي شعر بعلامة تعجب!) عندما يصنف الشعراء يتم تصنيفهم بالعصور: الجاهلي، العباسي، الاموي، الحديث. ويصنفهم آخرون بالشاعر الفحل وغير الفحل. ولا اعرف شاعرا شعره كله غنائي كما في تعريفك هذا، كل شاعر يكتب اشعارا ببحور مختلفة ونصوص متنوعة وقد يجوز غناء بعضه و قد لا يجوز غناء البعض الآخر، فلا يمكن ان تصف شعر محجوب بالغنائي لان وردي تغني له بجميلة و مستحيلة و اغنية عاطفية اخري.
4. وتقول ان الشعر الغنائي لا يتناول الخيال المركب ولا الخيال التصويري ولا الخيال الفلسفي، فما رأيك في النصوص التالية:
(1)
حدّثت عنك نجمة جارة
وزرعت اسمك..
حارة حارة
فى مناديل العذارى
فى مشاوير الحيارى
فى لحا الأشجار كتبته ..
نحته فى صم الحجارة
وبحت للشمس البتقدل..
فى مدارها
عيونى فى الدمعات وحيله
اسمحيلا تشوف عيونك
اسمحيلا
أنا لا الصبر قادر عَلَىْ
ولا عندى حيلة
وانتِ منك لا بداية..
عرفت لسّه ولا نهاية
مرة أسرح..
ومرة أفرح..
ومرة تغلبنى القراية
ولّم أكتب لك وداعاً..
قلبى ينزف أه
قلبى ينزف فى الدواية
يا صبيّة..
الريح ورايا
خلي من حضنك ضرايا
عيونى فى الدمعات وحيلة
اسمحيلا تشوف عيونك
اسمحيلا
أنا لا الصبر قادر علىْ..
ولا عندى حيلة
(2)
اقابلك في زمن ماشي وزمن جاي وزمن لسع
اشوف الماضي فيك باكر اريت باكر يكون حسع
(3)
كان بالأمس لقانا عابرا
كان وهما.. كان رمزا عبقريا
كان لولا أننى أبصرته
وتبينت إرتعاشا فى يديّا
بعض أحلامى التى أنسجها
فى خيالى وأناجيها مليّا
ومضة عشت على إشراقها
فانقضت عجلى وما أصغت إليّ
كلمة خبأتها فى خافقى
وترفقت بها برا حفيا
من دمى غذيتها حتى غدت
ذات جرس يأسر الأذن شجيا
وافترقنا وبعينىّ المنى
قالها الدمع فما أبصرت شيئا
إن تكن أنت جميلا فأنا
شاعرً يستنطق الصخر العصيا
أو تكن انت بعيدا عن يدى
فخيالى يدرك النائ القصيا
5. وتقول في متن مقالك المنشور في كتاب!! (هذه الخطوة تهتم فقط بإعادة تصنيف تجربة محجوب شريف باعتبارها تجربة غنائية وليست شعرية أدبية) يعني شنو غناي نصنفه مع وردي و الكابلي؟ بل و تضيف: وكذلك الأمر مع شاعرنا محجوب شريف وغيره من شعراء الأغنية السودانية، فهم لا علاقة لهم بالأدب ولكنهم أرقام أساسية ورئيسة في الكلام عن الغناء السوداني. (كما يقول جماعة تيراب الفكاهية انت جادي ؟؟ محجوب شريف لا علاقة له بالادب!!)
واضح انك لم تقرأ شعر محجوب كله، و كنت في عجلة من امر طباعة كتابك و أرسلت موضوعا "نقديا" سيقرأه الناس و ينتقدونك دون ان تطلب من شخص آخر ان يقرأ عملك و يشير الي أي نقاط ضعف فيه. و هذا عيب فينا نحن الكتاب السودانيين نرسل مقالاتنا دون مراجعتها و دون البحث عن (second opinion) عندما تكون الكتابة كتابة جادة كالنقد الادبي.
6. و أوردت الآتي في تعليقك : (محجوب شريف، ورغم أن المعنى ببساطة هو نفس ما قاله أو ما حاول قوله الأستاذ فضيلي جمَّاع، ولكنك تقبَّلتَ مفردات الأستاذ فضيلي جمَّاع بصدر رحب واحتفائية عالية، واعتمدت على مفرداتي (التي تخدم نفس الفكرة) لتصفني بأنني لا أفهم في الشعر؛ فما هو الفارق بين كلامي وكلام الأستاذ فضيلي جمَّاع؟ كلانا يحاول القول بأنَّ شعر محجوب شريف مفهوم لرجل الشارع "البسيط" لأنه شعر "بسيط" مثله، فأين المشكلة؟ )
المشكلة ببساطة ان الأستاذ فضيلي جماع يحتفي بالشاعر و يعتبر البساطة "عظمة في عظمة" في شعر محجوب و يؤكد ان هذا السهل البسيط هو السهل الممتنع الذي يميز عبقرية الشاعر ، اما انت فتأتي بالسهل البسيط لتصل لحكمك المسبق ان محجوب شريف شعره بسيط و ساذج و يعاني من انيميا الخيال.
والذي لا تعرفه ان محجوب شريف لم يكن شاعرا عاديا كان شاعرا معلما يقدم الدروس لكل فئات الشعب بما فيهم المستبدين الطغاة. اقرأ هذه القصيدة (وهي بالمناسبة ليست غنائية):
صحيت بالمؤذن وحالتك تحنن
مرقت وسرقت الوبال
معكز ملكز بسيخة ونعال
مكتف ملتف بأغلظ حبال
وغيرك بخزن جميع الغلال
يسرق يهرب جمال
بإسمو اللواري تهد الكباري
تباري الجبال
سيادتو بتدبر شؤونو الأماسي
يرش الحديقة ويرص الكراسي
مابين الغواني ورنين الخماسي
تعاين تشوفو تقول دبلوماسي
يمضي ويرضي ويهدي المحال
كمان لو تلاحظ صديقو المحافظ
وقالوا المحافظ عيونو الجواحظ
تباري الريال
حليلك بتسرق سفنجة وملاية
وغيرك بيسرق خروف السماية
وفي لو تصدق بيسرق ولاية
ودة أصل الحكاية وضروري النضال
هذه القصيدة فيها درس لحرامي السفنجة، ان الحال لا يتغير بلقمة اليوم، و لكن يتغير بالنضال. و ظل يشرح بشعره بسلوكه و بحواره للناس ان النضال ليس ذاك النضال الذي يمارسه محجوب شريف و رفاقه فقط، بل النضال هو العمل و الكسب الحلال و الصبر علي شح الدخل.
لا اريد ان اطيل عليك و علي القراء، لكن نصيحتي لك ان لا ترسل عملا للمطبعة قبل التأكد من انه فعلا عمل يستحق النشر. و صدقني ان هذا المقال يأتي خصما علي سمعتك و شهرتك ككاتب فاز بجائزة القصة، اعذرني ان (عصرت عليك شوية) في المقال من غضبي علي تطاولك علي محجوب شريف.