لحظه من فضلك..4

الأخت الرائعة / منى
شكراً على الإهداء الجميل ولحاجة رغية المغفرة والرحمة.
منى لا أخفيك سراً إن قلت لك أن من هواياتي الاهتمام بشراء أدوات المطبخ والمفارش والملايات، فمنذ أن كنت طالباً، كنت أدخر جزءاً من الإعانة التي تصرفها لنا الجامعة لشراء هذه الأشياء وأقدمها كأجمل هدية لأمي رحمها الله، وكان فرح أمي بي وبهديتي كبير كثير ،وكانت رحمها الله تقوم بالطواف على أهل الفريق وتقول لهم : "شوفوا الملايات السمحات ديل جابن لي إسحاق ولدي من الخرتوم"، وعندما ذهبت إلى فرنسا في العام 1980م في مهمة دراسية، اشتريت أكثر من خمسين كيلو من أطقم البايركس الفرنسي الأصلي والمفارش والملايات، وفرحت أخواتي بها كثيرا. ومازلت وبعد أن تزوجت آتي في كل مرة بالعدة لزوجتي، فتضيق زوجتي، وتقول : " كفاية عدة وما عارفين محل نختها "، فتقول لها أخواتها وصديقاتها: "حظك انت الراجلك كلما يجيء داخل البيت يجيب ليك طقم جديد، نحنا كان جبنا شوط العدة دي ساكت، تعال شوفي الجماعة كيف بغضبوا وبشخطوا فينا".

رحم الله الحاجة زبيدة، كانت دلالية ذات ذوق رفيع، وكانت سمحة إذا اشترت وإذا باعت وإذا اقتضت، كانت الحاجة زبيدة تسوق بضاعتها من صواني وأطقم شاي وحلل وأطقم عشاء في داخل البيوت، وكانت تطوف بيوت القرية بيتاً بيتا، تبدأ بالأغنياء والوجهاء، ولا تنسى الضعفاء والبسطاء، وكانت تبيعهم بأثمان رخيصة وأقساط مريحة. وكانت الحاجة زبيدة ذات دخل محترم، وكانت تحج بيت الله الحرام كل عام، وكانت تقوم بجلب المفارش والمسك والضفرة والند والكحل وتقوم ببيعها وخاصة للذين يجهزون للزواج.

وكان للحاجة زبيدة حوش كبير،مشجر بأشجار الفواكه مثل المانجو والجوافة والباباي وتمر الهندي والبرتقال والليمون ،وكنا نخرج من المدرسة وعلى طول نجري لبيت الحاجة زبيدة ونقوم برمي الأشجار بالحجارة لتتساقط الثمارالتي كنا نتخاطفها ونأكلها باستمتاع لا يدوم طويلا، لأن حاجة زبيدة كانت تذهب إلى المدرسة وتشتكينا للناظر، الذي كان يقوم بعقابنا بسيطان من نفس الأشجار التي قمنا بقذفها، وكانت الحاجة زبيدة رحمها الله تقطع فروع الأشجار وتقدمها للناظر كأفضل سياط خضراء طرية لعقابنا. وكنا نكرر نفس الخطأ ونقوم من جديد، برمي أشجار الباباي والتمر الهندي، إذ كانت لذة الثمار تنسينا شدة العقاب.

رحم الله الحاجة رغية والحاجة زبيدة. مثل هذه الكتابة فيها شيء من الوفاء ، كما أنها توثيق لأناس كانوا يؤدون أدواراً عظيمة في حياتنا، ولا يجدوا من يذكر بدورهم العظيم الذي كانوا يؤدونه. أكتبي لنا أختى منى عن الدايات والبصيرات والحكيمات، ففي كل قرية نجد الداية والبصيرة والحكيمة. وما أعظم الأدوار التي كن يقمن بها وما أوفى الذين يقومون بتوثيق ذلك.

وكل لحظة والجميع بخير