|
Re: الشفافية ركن في محاربة الفساد وشرط في الحكم الزاهد (Re: محمد عبدالرحمن)
|
الدول الإسلامية التاريخية على عهد بني أمية، ثم بني العباس، ثم السلطنات العثمانية والمغولية والصفوية التزمت بالإسلام عقيدة وعبادة وأحكاما جنائية ومدنية ولكنها غيبت مبدأ الشورى الذي نزل به القرآن. الشورى بقيت كالفضيلة مبدأ خلقي لم تقم مؤسسات وضوابط توجب الإلتزام به.. الحكم الإسلامي بدأ شوريا ثم انحسرت الشورى فصار استبداديا. ثالثا: التجربة الغربية نظم الحكم الغربية كانت من أكثر النظم استبداداً.. استبداد مدعوم بحق الملوك الإلهي.. ولكن الشعوب الغربية واجهت هذا الاستبداد وهدمته طوبة طوبة حتى استطاعت أن تحجم سلطان الكنيسة، وأن تفرض حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتحقق نظاما للحكم فيه فصل للسلطات، وكفالة للحريات، وانتخابات حرة، وسيادة حكم القانون. كانت مسيرة الديمقراطية ممرحلة خطوة خطوة، بدءا بثورة الاستقلال الأمريكي، والثورة الفرنسية، وعبر نضال بريطاني حقق التحول تدرجا وهكذا صبت كل هذه التيارات في معين التجربة الديمقراطية المعاصرة. وفي كل مرحلة كانت الخطوة التالية هدماً لقديم وتأسيساً لجديد.. لدى نهاية الحرب الأطلسية الثانية في 1945م أجريت انتخابات في بريطانيا.. وكان هارولد لاسكي وهو من علماء السياسة البارزين في بريطانيا يقول إذا فاز حزب العمال بالانتخابات فإن مؤسسة الحكم في بريطانيا سوف ترفض النتيجة وتقوم بانقلاب مضاد.. ولكن الذي حدث هو أن حزب العمال فاز بالانتخابات ونفذ سياسات إصلاح اجتماعي جذري سكن دولة الرعاية الاجتماعية ولم يقع الانقلاب المذكور. عبر نضال طويل هزمت الشعوب الغربية الاستبداد، وبعد الحرب الأطلسية الثانية، والحرب الباردة، تمكن النظام الديمقراطي وتمدد عالميا وصار التسليم بالحكم الراشد الذي يقوم على المشاركة، والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون حقيقة دولية راسخة. رابعا: هذه الركائز الأربع تمثل في حد ذاتها حربا على الفساد: فالمشاركة تنفي الانفراد بالرأي الجالب للفساد كما بينا آنفا، قال تعالى: إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ، والمثل السوداني يقول "القادر عايب". والمساءلة نافية للتصرف دون وجه حق وهو ما يسمح به الانفراد بالأمر ويصوره المثل السوداني الخاص بـ "نعامة المك"، ونعامة المك هذه تتحرك بحرية تقتحم مزارع الناس ومحصولاتهم ولا يجرؤ أحد على طردها: "منو البقدر يقول ليها تك"!!. وإذا غابت الشفافية استطاع الطغاة أن يخفوا أعمالهم الظالمة.. إن البشر يحبون أن يخفوا الأعمال السيئة، والشفافية تصدهم عن ذلك، لذلك قيل إن "الليل قواد" بمعنى أنه يساعد على التخفي، وإن "النهار نمام" بمعنى أنه كاشف للخفاء. أما سيادة حكم القانون فهي التي تؤكد للكافة أنه لا كبير على القانون فيخضع الجميع له. إن هذه الركائز الأربع ضرورية لمحاربة الفساد، ولكنها وحدها ليست كافية للتخلص منه، وسوف نرى فيما يلي وجود عوامل أخرى اقتصادية، واجتماعية، وإدارية، وثقافية، لها دورها الهام في محاربة الفساد. خامسا: مؤشرات الشفافية والفساد: إن زحف الإنسانية ضد الحكم المطلق مستمر وفي بلداننا العربية، الإفريقية، الإسلامية الأكثر تخلفا في هذا الزحف صارت نظم الحكم الاستبدادية تواجه حصاراً متعدد الجبهات أهمها جبهة شعبية داخلية تطالب بحقوقها، وجبهة دولية تفرض مقاييس لصالح حقوق الإنسان وحرياته العامة.. هذا لا يعني أن مستقبل بلداننا الديمقراطي سوف يكون مثل حاضر الغرب الحالي فلا يرجى للديمقراطية أن تكون مستدامة إلا إذا تأقلمت ثقافيا واجتماعيا ودعمتها قوى اجتماعية حقيقية.. ولكن فيما يتعلق بالركائز الأربع فإن الأخذ بها من شروط الحكم الراشد. كانت حقبة الثمانينات من القرن العشرين بالغة الخصوبة من حيث تحليل أسباب إخفاق التنمية في البلدان النامية وقد تبين عن طريق الإحصاءات والتحليلات أن الفساد قد كان له دور هام في تبديد الموارد وتعطيل التنمية، كما تبين أن للحكم الراشد قيمة تنموية. إن الوعي بحجم ودور الفساد في تعطيل التنمية، وفي الدول الصناعية نفسها، وفي تشويه العلاقات بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة دفع المهتمين بهذه القضايا لقياس حجم الفساد والبحث عن وسائل محاربته.. من أولئك بيتر إيجن الذي كان أحد مسئولي البنك الدولي حيث برز الاهتمام بمسألة الفساد، وفي 1993م أسس مع غيره من المهتمين بالقضية منظمة الشفافية العالمية فانطلقت وكونت لها عشرات الفروع في العالم، وصارت تصدر تقريرا سنويا منذ عام 1995م. تقرير يتناول 133 دولة، يولي داخل كل منها 17 مقياسا اقتصاديا واجتماعيا بالدراسة والتحليل ويعطي كل دولة نسبة تسمى مؤشر الفساد المدرك CPI تتدرج من صفر إلى عشرة، وهي نسبة يكونها رجال أعمال، وأكاديميون، ومحللون لمخاطر الاستثمار في البلاد المعنية.. هذه النسبة إذن مقاس لدرجة الفساد في البلدان المعنية كما تراها المجموعات المذكورة. حسب هذه المعادلة فإن الدولة الخالية من الفساد –الدولة الأنظف- تنال عشر نقاط والدولة الخاضعة للفساد تماما تنال صفرا.
|
|
|
|
|
|
|
|
|