المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 07:34 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة كمال بشاشة(Bashasha)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-04-2008, 06:12 PM

Elsiddig A. Ahmed
<aElsiddig A. Ahmed
تاريخ التسجيل: 10-28-2006
مجموع المشاركات: 309

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! (Re: Bashasha)

    الاخ بشاشا تحية طيبة وبعد

    روق شوية وروق المنقة

    اولا لا احب الكتابة فى المواضيع الشائكة وغير واضحة المعالم خاصة فيما اصطلح بكلمة الجلابة وتحوير الكلمة وتحميلها فوق طاقتها لان هناك من استهواءهم اللعب بها وتحويلها لمصطلح سياسي ليوظف فى تاجيج الصراع ما بين المركز الهامش مع ادخال عنصر القبيلة فى الصراع حول السلطة والموارد
    هناك اراء كثير تدعم هذه النظرية واراء اخرى تحاول فك طلاسم الصراع الدائر اليوم وايجاد مصطلح ادق وشامل لحل ازمة الدولة السودانية بحيث ياخذ كل ذى حق حقه والحديث والكتابة فى هذا الموضوع يتطلب شحذ الهمم والافكار وتشمير السواعد للبحث عن عمق الازمة و ليس باطلاق مصطلحات قد يتفق الناس حولها او تختلف

    عليه ارجو ان تسمح لى بانزال ما كتبه الاستاذ التجاني الحاج عبد الرحمن فى سودانايل عن دويلات القبيلة فى السودان وقد يكون ما كتبه اقرب للواقع ان لم يكن الواقع نفسه لاثراء النقاش والحوار تمهيدا للمصالحة الوطنية ورد الاعتبار ورفع المظالم والاعتراف بالمسئولية لما لحق الاخرين من اضرار واذى جسيم لطي صفحة المغازي والجرائم ليعم السودان العدل والاخاء والمحبة والسلام

    وتشكرعلى اجتهاداتك المضنية لرفع الظلم

    اخوك الصديق


    Quote:
    دويلات القبيلة فـي السودان
    الحركة الإسلامية ومسئولية الإنهيار
    التجاني الحاج عبدالرحمن [email protected]

    الأبعاد النظرية
    * "كتب هذا المقال قبل أكثر من عام، وقد تضمن أجزاء أخرى رأينا فصلها وكتابتها كل واحدة كموضوع قائم بذاته سننشره لاحقاً، هذه البداية مجرد تمهيد نظرى. طوال تلك الفترة حاولنا تجديد المعلومات بالمقال والتحليل الوارد به، وسيجد القارئ أن هناك معلومات قد تجازوها الوقت، ولكن بالرغم من ذلك، فإنها في تقديرنا مفيدة لرؤيتنا التي نؤسس لها من خلال هذا المدخل النظري".
    مدخل:
    ما نحن بصدده هو محاولة تقييم عامة للحالة السودانية والفاعلين على مسرحها السياسي، ورؤية أبعاد الأزمة الوطنية والخيارات الممكنة. وفي هذا المسار العام، مدخلنا خلفية نظرية تلقي بصيص من الضوء على مكوّنات المجتمع السوداني، درجة تطوره وتأثير الآيديولوجيا الدينية. الهدف هو محاولة إيجاد تفسيرات أقرب ما تكون إلى المعقولية لما يحدث على الساحة، آملين أن تسهم بدرجة (ما) في صياغة حلول لمأزق "المشروع الوطني" في السودان، خاصة في المرحلة الدقيقة التي تمر بها الدولة والمجتمع معاً، والتي تشير كثير من القرائن إلى أن مصير بقائها ـ أي الدولة ـ موحدة كما ورثتها البنية السياسية الوطنية عشية الإستقلال، أصبح أمراً مشكوكاً فيه، تأسيساً على أرضية الحرب الأهلية طويلة الأمد التي عصفت بها ومزقت نسيجها الإجتماعي. إن السودان يمر بأزمة حقيقية ويواجه شبح التمزق، هذا الأمر لم يعد خافياً على أحد، ويتردد صداه في كل موقع.
    لذلك؛ فإن الأمر يتطلب دراسة عميقة لتحليل عناصر الأزمة، ولفت الإنتباه إلى خطورة هذه المرحلة. لأن مايجري في السودان الآن على مختلف الأصعدة، أصبحت تلعب فيه الدور المركزي، علاقات القربي، روابط الدم، والتكتلات القبلية/العشائرية، حتى داخل أروقة حركات الإسلام السياسي الحاكمة والمعارضة، سمتها الأبرز أنها "صراعات قبائل إسلامية"[1]، أكثر من كونها صراعات بين رؤى متباينة. وهو مايضع السودان اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على إستقلاله، على أعتاب مرحلة التشظي والتحوّل لدويلات قبيلة بمعنى الكلمة(!).
    إن ذلك لايجد أساسه في التقلّبات التي تعصف بسماء الأحوال السياسية في السودان، والتي يتم ردها في الكثير من التفسيرات إلى الإختلال في قسمة الثروة والسلطة، فهي وعلى الرغم من أهميتها، ليست سوى تجلي للأزمة العميقة الكائنة في أسس التفكير التي قادت ووجّهت ـ ولا زالت ـ العملية السياسية. إضافة إلى تأثير الثقافة السائدة، ودرجة تطور المجتمع. هذه العوامل مجتمعة مثلت القاعدة الأساسية الذي إرتكزت عليها ـ ولا زالت ـ الممارسة السياسية في السودان، فكان طبيعياً أن تندلع النزاعات هنا وهناك بحثاً عن إعادة صياغة للدولة والمجتمع بما يتوافق مع واقع التعدد، ويحقق درجة مقبولة من التعايش والإستقرار بين الكيانات الإجتماعية المختلفة في السودان.
    لذلك؛ نجد إن إستيلاء حركات الإسلام السياسي على السلطة في 1989 ومسيرتها المستمرة في الحكم حتى اليوم، علامة فارقة في تاريخ السودان السياسي المعاصر، لأنها دفعت بالأزمة إلى نهاياتها القصوي، وكشفت حقيقة التناقض التاريخي وبُعد المسافة، بين طرق التفكير والآليات التي مارست الفعل السياسي وحكمت في السودان، وبين الواقع الموضوعي فيه، والتي أفضت في نهاية المطاف إلى الإقصاء والتهميش، والنزاعات الدموية، وأوصلت الدولة إلى نقطة اللاعودة في مسار الإنفجار الشامل والتشظي.

    خلفية نظرية:
    درجة تطور المجتمع:
    من المهم البدء بمعرفة درجة تطور المجتمع في السودان كإحدى المداخل لرؤية أبعاد الأزمة، لأن طبيعة العلاقات والروابط السياسية في أي مجتمع تتحدد بمدى درجة تطوره. ومن ثم تأتي مناقشة دور "الشريحة المسيطرة"[2] فيه، كخطوة تعكس طبيعة وأبعاد الصراع في المجتمع. والمعني بالشريحة المسيطرة، تلك التي ظلت مهيمنة وممسكة بمقاليد السلطة والنفوذ، وهي في الحالة التي ندرسها هنا (حاملي الوعي بالثقافة العربية)، وتخصيصاً مجتمع الوسط في السودان. وتتجلي هذه السيطرة في أقصى صورها في تيار الحركة الإسلامية الحاكم اليوم بكل تفريعاته، بحكم إنعدام الفارق الجوهري بين الحركات أو التيارات التي تصدر في رأيها من منطلق إسلامي مهما كانت تدرجات ألوانه، لأنه في نهاية التحليل إختلاف كمي يعكس قرب أو بعد هذه المنظومة أو تلك من حافة التطرّف، لكنه بأي حال ليس نوعياً قائماً على رؤية ومنهجية مصادمة لأسس تفكير الإسلام المدرسي.
    يُطلق على المجتمعات التي لم تتطور بعد إلى مرحلة الرأسمالية، بالمجتمعات "السابقة للرأسمالية"، Pre-Capitalistic Societies”"، والتي تقع دول العالم الثالث في أفريقيا وآسيا ضمن نطاقها. ويأتي هذا التصنيف نتيجة للكثير من الدراسات التي قام بها بعض الإشتراكيين على ظاهرة مايسمى بنمط الإنتاج الآسيويAsian Mode of Production . وينطلق ريجس دوبري في قراءته لهذه المجتمعات من مناقشته للعلاقة بين الروابط السياسية وما يؤسسها في المجتمع، فيقرر فيها خلافاً للماركسية "الرسمية":
    "... إن العلاقات السياسية ليست إنعكاساً لقاعدة إقتصادية، ولا هي "الإقتصاد المكثف" كما يقول لينين، ولا هي تجد تفسيرها في الأشكال التي تظهر فيها نفسها بنفسها. وتفسير هذه المقولة هي أن الظاهرة السياسية ـ في مثل هذه المجتمعات ـ لا يؤسسها وعي الناس، آراؤهم وطموحاتهم، ولا ما يؤسس هذا الوعي نفسه من علاقات إجتماعية ومصالح طبقية، بل إنما تجد دوافعها فيما يطلق عليه إسم "اللاشعور السياسي" والذي هو عبارة عن بنية قوامها علاقات مادية جمعية تمارس على الأفراد والجماعات ضغطاً لايقاوم، علاقات من نوع العلاقات القبلية والعشائرية والعلاقات الطائفية والعلاقات المذهبية والحزبية الضيقة، التي تستمد قوتها المادية الضاغطة القسرية، مما تقيمه من ترابطات بين الناس تؤطر ما يقوم بينهم، بفعل العلاقات نفسها من نعرة تناصر أو فرقة وتنافر، وهذه البنية من العلاقات اللاشعورية تبقى قائمة فاعلة رغم ما قد تتعرض له البنية الفوقية في المجتمع من تغييرات نتيجة التطور الذي يحدث للبنية التحتية المقابلة لها، فهي ليست جزءاً من تلك، وبالتالي فهي لا تخضع لهذه بل لها وجودها الخاص المستقل عن البنيتين معاً: فالنعرة القبلية العشائرية والتعصب الطائفي والطموح إلى الحصول على المغانم، ظواهر تبقى نشطة أو كامنة، في كيان الجماعات، سواء إن كان أفرادها يعيشون في مجتمع إقطاعي أو رأسمالي أو إشتراكي..."[3].
    هذه مقولة مفتاحية، وبالتالي، واضعين في ذهننا أن دوبري كان حينذاك يكتب وهو يفكر في المجتمع الأوروبي الذي أصبحت فيه العلاقات الإجتماعية التي من نوع العلاقات العشائرية، تحتل مكاناً يقع فعلاً خلف الموقع الذي تحتله العلاقات الإقتصادية المتطورة، (علاقات الإنتاج)، إلا أنه وفي المجتمعات السابقة للرأسمالية قديمها وحديثها (والتي من ضمنها بالطبع المجتمع في السودان) فالأمر يكاد يكون العكس من ذلك تماماً. فالعلاقات الإجتماعية ذات الطابع العشائري لا تزال تحتل موقعاً أساسياً وصريحاً في الحياة السياسية. لذالك؛ فإذا كانت وظيفة اللاشعور السياسي لدي دوبري عند دراسته للمجتمع الأوروبي هي إبراز ما هو عشائري وديني في السلوك السياسي، فإن وظيفته عند دراسة المجتمعات السابقة للرأسمالية هي إبراز ماهو سياسي في السلوك الديني والعشائري.
    من هذا المدخل، واضح أن هناك تمييز في العلاقات السياسية بين تلك التي تنشأ وتقوم في المجتمعات الرأسمالية، وتلك السابقة لها، ففي الأولى تقوم هذه العلاقات على أساس من التمايز الطبقي الواضح، وهو ما يعني؛ أن الصراع في هذه المجتمعات تحركه المصالح الإقتصادية المرتبطة بالطبقة الإجتماعية (برجوازية، رأسمالية، طبقة عمال)، بينما في المجتمعات السابقة للرأسمالية نجد الصراع تحركه عوامل قد تكون دينية، طائفية وغيرها.
    عليه؛ نحن هنا إزاء ملاحظة جد هامة ومفصلية فيما يتعلق ببحثنا عن أزمة الممارسة السياسية ونائجها في السودان، لأن أسس هذا التفكير والممارسة المرتبطة به، تاريخياً موروثة من الثقافة الإسلامية العربية، فهذه الثقافة دخلت السودان بفترة قبل حملة عبدالله بن أبي السرح، وتقنن وجودها مادياً ومعنوياً من بعدها، وقد تبع ذلك تحوّلات عميقة في المجتمع، إذ أصبح القادمين الجدد من "الأعراب" هم ملاك الأرض والسادة عبر المصاهرة والنسب، الشئ الذي حقق لهم السيطرة على المجتمع والدولة عبر الثقافة، الدين وسلسلة الدم.

    إذاً وبناءاً على مقولة دوبري فهو مجتمع سابق للرأسمالية منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، لأن هذه العلاقات لم تنتهي. وما يثبت ذلك سيادة العلاقات العشائرية فيه والتي مازالت حيّة إلى يومنا هذا. ويمضي كاتب آخر في مزيد من التوضيح:
    "..... أما في العهد الإسلامي، فقد دخلت إلى السودان الكيانات والثقافة العربية الإسلامية على شاكلة (الاستعمار الاستيطاني)، وظلت تكتسب لها مواقع فيه ضمن كياناته وثقافاته المتعددة. وهي في ذلك مسنودة بخلفيتها الإمبراطورية من الناحية المادية، ومن الناحية المعنوية بما يعرف بـ(المد الحضاري) العربي الإسلامي، الذي من أهدافه بالطبع إعادة إنتاج الآخر داخل (الهوية) الإسلاموعربية أو على الأقل إلحاقه بسياقها الحضاري. هذا النهج الاستتباعي قد يبدو عادياً ومفهوماً ومعقولاً في إطاره العام في ذلك الوقت، ولكن إستمراره بعد إنهيار الحضارة العربية الإسلامية أصبح إشكالياً بالإضافة لإشكاليات أخرى في بنية ومحددات الثقافة العربية الإسلامية نفسها وكيانها الاجتماعي في السودان، مضافاً إلى ذلك الملابسات التاريخية التي جعلت من هذه الثقافة (المأزومة) (مركزية) في الوضعية التاريخية للدولة السودانية. وقد قامت سيطرة الكيان الإسلاموعروبي في السودان على مكاينزمات عديدة أهمها:
    البطرياركية الأبوية القائمة على التشدد العرقي: فعبر ميكانيزم النفي البيولوجي للرجال في معادلة التزاوج الأحادية الاتجاه، التي يأخذ فيها الكيان العربي ولا يعطي، تم طبع أجزاء عديدة من شمال وأواسط السودان بالطابع العربي عرقياً وثقافياً، وعبر الأسلمة ـ أي التحرك عبر المقدس ـ تم ويتم التوسع. ويقوم ميكانيزم النفي البيولوجي للرجال (الاستعراب العرقي/الثقافي) على تزوج الرجال العرب بنساء (الآخرين)، وتكون الذرية وفق البطريركية الأبوية (عربية) ولا يعترف بمكوّنها الآخر. البنات يتزوجن حصرياً في الكيان العروبي، أما الأبناء الذكور فيواصلون طريق الأسلاف، وهكذا بمرور الزمن ينمو الكيان العربي على حساب الكيانات الأخرى التي تتآكل في نهاية المطاف. أما الأسلمة، فعبر الدعاة ـ الفكي، والطريقة الصوفية ومؤسسات التعليم الحديثة لاحقا ـ يدخل الناس الإسلام، وهو بالطبع يتضمن "أيديولوجيا العروبة" خاصة في تفسيراته السنية ومسوغاته لعُلوية المؤمن والعربي وتشريعاته في حصر زواج المسلمة. وتلقائياً يصبح العرب (أو بالحد الأدنى يتم تصويرهم على أنهم) أعلى شأنا عرقياً باعتبارهم على الأقل "حاملي الرسالة الأصليين"، وهكذا يواصل الكيان العربي تغلغله. وتبقى المشكلة فيما يولده هذا النهج من وقائع الإستعلاء العرقي والإجتماعي، خاصة في وجود التعددية والتباين العرقي والثقافي في ظل هيمنة الكيان الإسلاموعروبي على جهاز الدولة.
    نشاط الاقتصاد الريعي العشائري (الطفيلي): ومعروف تاريخياً عن العرب والثقافة العربية ومن ثم الثقافة الإسلاموعربية إحتقار المهن والحرف والعمل اليدوي باعتباره عمل "العبيد أو الموالي". فحتى القطاع الحضري ـ غير الرعوي ـ يتبنى هذا النمط من الاقتصاد القائم على استثمار السلطة والتجارة التي لا تعنى بالإنتاج. ومن ثم التمسك بالجوهر العبودي في تقسيم العمل. وهذا النمط يتطلب بالطبع فرض (هويات) جزئية في المجتمع أي سادة (أحرار) وعبيد.
    النزعة الاستبدادية المتشددة: فبسبب نظام التراتبية الاجتماعية القائمة على التشدد العرقي، ونمط الاقتصاد الطفيلي الذي يستلزم ليس فقط امتلاك السلطة بل الاستبداد بها، فقد كان وما يزال وعي السلطة في هذه الثقافة وعياً استبدادياً، والاستبداد لزيم الإقصاء، والإقصاء يتطلب في الواقع فرض هويات جزئية حتى في المجتمع الواحد لتحجيم وعي التنافس على السلطة مثل ما كان يوضع من أحاديث لتبرير ذلك كـ(الأئمة من قريش)..."[4].
    وبالنظر إلى تركيبة المجتمع السوداني نجدها تتكون من قبائل وعشائر(تحدد معظم المصادر مايقرب من الـ 500 مجموعة إثنية). وقد ظل مجتمع الوسط (= المركز)، هو المسيّطر تاريخياً في السودان. فغالبية سكان الوسط هم من قوميات الشمال النيلي التي هاجرت إليه منذ فترة طويلة وتزاوجت مع سكانه الأصليين، إنضمت إليها مجموعات أخري من غرب السودان أثناء وبعد المهدية. كونت هذه الهجرات ومن بعدها الإستعمار، مجتمعات مدن الوسط، فعرفنا نموذج أمدرمان، والذي يعتقد البعض إنه يمثل التمازج والإندماج، غير أنه في واقع الأمر لم يكن إلا معمل كبير لإعادة إنتاج الثقافة العربية في ثوب جديد.
    صنعت ثقافة أمدرمان ـ تقريباً ـ كل أنواع الفنون والقّيم والأخلاق التي مثلت فيما بعد الثقافة الرسمية للدولة، والتي كانت ـ ومازالت ـ على صعيد الوعي الجمعي ومخيالها الإجتماعي، تحمل جينات وقّيم وأخلاق الثقافة العربية شكلاً ومضموناً. في المقابل نجد أن قاعدة المجتمع الأمدرماني "الأنموذج" به تقسيمات تشرح نفسها بنفسها، فأسماء الأحياء تعبّر عن ساكنيها ومكانتهم في سلم التراتبية الإجتماعية، فعلى سبيل المثال الموردة كان يقطنها النازحين من الأطراف والذين تنحدر أصولهم إلى النوبة والفور، المساليت والفونج أو من يسمونهم في ذلك الوقت بالمنبتين(=الغير معروفة أصولهم)، ويسكن الملازمين وبيت المال والمسالمة وحي الأمراء والعباسية، إرستقراطية منحدرة إما من عرب الشمال، أو ما تبقى من إرستقراطية المهدية والتركية[5]. هذا على صعيد التركيب الإثني، وكما قلنا فإن الثقافة السائدة هي الثقافة العربية. وبالرغم من هذا التمازج الذي توّلد مع الأيام، والذي وبدرجة من الدرجات طغى على التباين الإثني مع تطور الحياة الإقتصادية والمعيشية لأهل المدينة، إلا أنه ظل هناك ثابتان:
    الأول: سيادة الثقافة العربية الإسلامية، لا وبل إنتشارها وحلولها تدريجياً محل الثقافات الأصلية للمهاجرين الذي أتوا من أطراف السودان المختلفة، والذين وبمرور الوقت أصبحوا جزءاً لا يتجزاء من هذا الوسط بقيمه وثقافته وتقاليده الجديدة (أي إعادة إنتاجهم بمرور الوقت). وما كان ذلك ليتحقق لولا آلة السلطة.
    الثاني: بالرغم من هذا التمازج الذي تم عبر إعادة الإنتاج، غير أن التقسيم العشائري ظل حياً في النفوس في شكل مسكوت عنه، يحدد التراتبيات الإجتماعية. فالموردة هي الموردة، وهي "القرارقير" يتناسلون في بعضهم البعض جيلاً بعد جيل. وهذا المسكوت عنه موجود في اللاشعور بأشكال مختلفة، ويظهر هنا وهناك، ويحدد التراتبية الإجتماعية كما قلنا، أو كما تقول العرب (منازل الناس).
    والنماذج لهذه التراتبيات ممتدة عبر السودان، وتكاد تكون في كل مدنه المختلفة، فلا تخلوا مدينة من حي إسمه الموردة أو ما يشابهه في الإسم ... الديوم والكنابي(الديوم جمع ديم، والكنابي جمع كنبو، وهو الحي أو التجمعات السكانية التي يقطنها عمال الزراعة أو النازحين والذين غالباً هم من غرب السودان وجنوبه). وكلها تحمل معها وصمة إنحطاط في السلم الإجتماعي، تقطع الطريق بينهم وبين الوصول إلى مواقع السلطة ومصادر الثروة. تؤكد على ذلك إحصائية الذين تولوا زمام الحكم في السودان. فكل الذين حكموا سواءاً عن طريق الديمقراطية أو الإنقلابات العسكرية هم من أبناء الشمال النيلي الممتد من الخرطوم إلى حلفا أو ما دونها. والذين وعندما نقارنهم ببقية أهل السودان فهم يمثلون أقلية بمعنى الكلمة، إذاً أين كان الباقين من هذه السلطة، وكيف إستطاعت هذه الأقلية أن تحكم وطوال تلك الفترة(؟!). إنها الآيديولوجيا (الإسلامية العربية) في صورتها المجردة، وآيديولوجيا "أولاد البلد" في صورتها المنتجة في أمدرمان. والتي يتم بها وعبرها تجييش جماهير الهامش وإعادة إنتاجهم ليخدموا هذه الأقلية، مرة تأتي عبر الإنتماءات الطائفية، أو التيارات القومية العروبية أو تيارات الإسلام السياسي ـ وكل من عاش وترعرع في مدن السودان وأريافه على وجه التحديد، يدرك مدي السلطة النافذة التي كانت للطائفية آنذاك، فمن ليس أنصارياً فهو ختمي، وتروي القصص والروايات عن الكيفية التي كان يسيطر بها أقطاب الطائفية وبإسم الدين وآلية الإقتصاد، على رقاب البسطاء وحتى المتعلمين منهم. والتي غالباً ماتنتهي إلى الإستحواذ على السلطة والثروة. مثال الطرفة التي تروى في الشمالية بأن السيد إذا مشى بقدميه في أرض فهي تعتبر ملكه(!)، مما أُضطر أحد المزارعين البسطاء ـ عندما رأي "السيد" يتجول في مزرعته ــ إلى حمله على كتفيه حتى لا تطأ قدمه أرضه وتؤول ملكيتها إليه. وقصص شبيهة أخرى. لذلك ليس من المستغرب إن نجد إن كل الذين حكموا كانوا من أبناء الشريط النيلي، فالبسطاء لم يكون سوى سلالم يرتقي بها السادة إلى أعلى مراتب السلطان.
    عموماً؛ ومن زاوية منهجية، فإن أي وضعية تاريخية تجتمع فيها كيانات ماقبل برجوازية/ما قبل رأسمالية متنوعة ثقافياً، ومتمايزة عرقياً، ومختلفة دينياً، ومتفاوتة تاريخياً، في شكل دولة حديثة، يقود الإفتراض دائماً إلى أنه غالباً ما تقوم بعض هذه الكيانات بالسيطرة على جهاز الدولة، وتستثمره إقصائياً على مستويات عديدة، وتتحول المحددات الثقافية من لغة وآداب وفنون وعادات وتقاليد وعقائد وتراتبيات إجتماعية إلى أسلحة أيديولوجية، ويتمفصل العرق واللون مع الطبقة وتقسيم العمل، والديني مع السياسي، والمذهبي واللغوي مع الإجتماعي، وتكون النتيجة وضعية تاريخية مأزومة، يكون الصراع فيها صراعاً شاملاً، صراع هويات ضد هويات، صراع ثوابت ومتحولات عند كيان إجتماعي (ما) ضد ثوابت ومتحولات عند كيان آخر، بمعني؛ صراع كل ضد كل [6].

    عليه؛ يمكن مقاربة هذه الوضعية بما خلص إليه ريجس دوبري بـ:"أن النعرة القبلية العشائرية والتعصّب الطائفي والطموح إلى الحصول على المغانم ظواهر تبقى نشطة أو كامنة، في كيان الجماعات سواء إن كان أفرادها يعيشون في مجتمع إقطاعي أو رأسمالي أو إشتراكي"(!) وأن هذه العملية تتم من خلال إستغلال الأرض كإحدى عوامل الإنتاج، وعلاقات القرابة والزواج والتحالفات القبلية، للسيطرة على النظم السياسية والإقتصادية عبر إستغلال الأرض والذين يعيشون عليها لمنفعتها الخاصة. والنتيجة أنه وفي السودان، وتبعاً لهذا السلوك تكونت طبقة مترفة جالسة على قمة الهرم الإجتماعي، تسيطر على من يخدمون الأرض"[7]. وزاد الوضع تعقيداً أن أنظمة الحكم الوطنية المتعاقبة في السودان عملت على توظيف هياكل الدولة الإدارية [الموروثة من الإستعمار] لإضعاف سيطرة السكان المحليين والسلطات المحلية على الموارد. واستخدمت الهوية والأيديولوجيا (وخصوصاً القومية العربية والإسلام السياسي) لحشد الدعم للتعويض عن إخفاقات سياسة الدولة في الحكم وفي التنمية. فكانت نتيجة ذلك هي التخلف والاستبعاد والنزاعات والعنف"[8].
    ومن بعد، يبدو إن الدوافع لم تتخطي قط، أهداف الإستحواذ على السلطة والمال عبر تحريك الآيديولوجيا الدينية وإستغلال العلاقات القبيلة والعشائرية، وهو مايدفع إلى أن البحث في مثل هذه المجتمعات ـ والتي من بينها السودان كما ذكرنا سابقاً ـ إلى أن يكون عن ما هو سياسي متخفّي خلف السلوك الديني والعشائري. بمعنى؛ البحث عن أهداف الإستحواذ على السلطة الثروة التي تقبع خلف الخطابات الدينية والسلوك العشائري للوسط في السودان، والتي نتج عنها هذا التهميش وإزدياد حدته مع تيارات الإسلام السياسي. ذلك لأن السياسة ظلت تمارس بإسم الدين حتى يومنا هذا، ويتم تاطيرها بالنظم والمرجعيات المعرفية الدينية بأشكالها المختلفة. صحيح أن التجربة العملية أفرزت حالة من التصادم في الوعي الجمعي للناس بين حقيقة أن هذه الظاهرة تمثل إستغلالاً للدين في السياسة، مع الأديان في جانبها كإعتقاد وطقوس تربط الفرد بإله متعالي، مما وضع مسائل مثل، الفصل بين الدين والدولة/السياسة، والهوية، كقضايا حدّية في أي رؤية لتطور السودان مستقبلاً.
    إن السؤال الملح هل حدث جديد على طبيعة هذه العلاقات عندما جاءت تيارات الإسلام السياسي(؟). يفرض هذا السؤال نفسه بإعتبار أن هذه الحركات تدعي أنها تيارات حداثة في حقل الإسلام السني، مرتكزة أطروحات ومنظور للدولة ومؤسسة حزبية معاصرة، فهل هي فعلاً أحدثت فرقاً في المجتمع(؟؟)، إن الواقع يكذّب ذلك، بل ربما العكس هو الصحيح، إذ أن وضعية السودان التي وصفناها كمجتمع ماقبل رأسمالي يقوم على العلاقات الإثنية والعشائرية إزدادت حدة وتخلفاً في عهد تيارات الإسلام السياسي، تشهد على ذلك طبيعة الصراعات المسلحة التي تدور في الساحة الآن، سواءاً على صعيد حدة الإستقطاب الديني أو العشائري على مستوى الخطاب، أو النفي والإقصاء الذي وصل حد التطهير العرقي على صعيد المواجهة. ولم يقف الأمر عند الحرب في الجنوب، والتي وإن كانت في الماضي تبرر بأن الجنوب هو زنجي/ مسيحي مختلف عن الشمال المسلم/العربي، فإنها تمددت اليوم الى هذا الشمال العربي المسلم نفسه في دارفور والشرق وداخل الكيانات الأصغر من القبيلة نفسها. وترسم المقولات التي تذخر بها أدبيات الحركات المسلحة، حدود وجذور إشكاليات النزاع وأصله، وترده إلى سياسات التهميش التي ظل يمارسها المركز ضد الأطراف، وهو الأمر الذي في نهاية التحليل وصف لمظهر الأزمة وتطبيقاتها، ولا يكفي أن يكون سبباً. فالتهميش نتيجة، هذا صحيح، ولكن ما هي أسبابه وداوفعه(؟)، فهذا ما يجب معرفته ومعالجته.

    الآيديولوجيا الدينية وجذور السيطرة:
    يصف معظم السودانيين مجتمعهم، بأنه متديّن بطبعه، وعندما يقولون ذلك فإنهم يقصدون أن الفرد منهم أو الجماعات يقومون بواجباتهم الدينية من صلاة وصيام وزكاة كما عرفوها، أو توارثوها أباً عن جد منذ إنتشار الإسلام في السودان. وكثيراً مايسمّيه بعض الدارسين بـ (الإسلام الشعبي). ولم يكن يُعرف ـ وبأي شكل من الأشكال ـ عن هذه الممارسة الدينية أنها تنطوي على "واجبات سياسية" إلا مع ظهور حركات الإسلام السياسي. وخير مثال لذلك التيارات الصوفية التي إنتظمت أرجاء السودان منذ أزمنة ليست بالقريبة، فلم يكن يعرف عنها أي ميول للعمل السياسي، بل كانت عبارة عن جماعات تمارس شعائر التصوّف المعروفة. والحركات الوحيدة التي تنتمي لهذا الحقل ودخلت غمار العمل السياسي حتى الآن هي طائفتي الأنصار والختمية، ولظروف تاريخية معروفة.
    يُرجِع حيدر إبراهيم تفسير نشأة حركات الإسلام السياسي إلى ما يطلق عليه [نظرية الأزمة أو التحدي والإستجابة]، بإعتبارها: "يمكن أن تكون مفيدة وعملية لفهم الظاهرة(ظاهرة تيارات الإسلام السياسي)، شريطة التعرض للجوانب المختلفة للأزمة" (...) ويمضي في التمييز بأن: "الإسلامويون (= فعاليات حركات الإسلام السياسي) يعطون خلافاً للعلماء والسلفيين الأولوية للعمل السياسي، والذي يأخذ الأشكال الثلاثة التالية أو مزيجاً منها: حزب من الطراز الغربي، أو حزب من النمط اللينيني أو جمعيات دينية نشطة تغطي مجالات عديدة أحياناً كبديل عن دور الدولة في المجتمع"[9]. غير إن هذا التفسير(التحدي/الإستجابة) يربط مباشرة هذه الظاهرة بمؤثرات خارجية Stimulations ، تجعل من ظهور هذه الحركات مجرد ردة فعل لا أكثر، وهو الأمر الذي قد يكون مضللاً بدرجة (ما) في فهمها، وبالتالي لا نعتقد أنه قد يكون مفيداً إلا في سياق آخر، ومن الأنجع دراسة الأبعاد التاريخية والآيديولوجية المرتبطة بالدين التي تنتجها وتروج لها هذه الحركات، بإعتبارها الأساس الذي تنمو عليه وتجنى منه مكاسبها السياسية. ولإدراك مدى تأثير الآيديولوجيا الدينية ـ كعنصر حاسم داخل الحركات السياسية ذات الخلفية الدينية ـ لابد من وقفة أولاً لإجراء تمييز لهذه الحركات في السودان، ومن ثم معرفة طبيعة الأيديولوجيا الدينية لهذه التيارات وتأثيرها. وهنا يمكن التمييز بوضوح بين ثلاثة تيارات تتبنى أطروحات إسلامية وهي:
    الحركات الصوفية(العرفانية) الأصل والمنشأة: وهذه إما؛ تيارات كانت بالأساس حركات صوفية دخلت العمل السياسي فيما بعد، وضعفت ـ إلى حد (ما) ـ وتحللت صلتها بجذورها العرفانية إلا من نتف صغيرة بقيت تمثل اللحمة الداخلية التي تشد أعضائها مع بعضهم البعض، وتقف كأساس آيديولوجي يرتدون إليه. والمثالين لهذا التيار ـ كما قلنا ـ طائفة الأنصار وحزبها السياسي (حزب الأمة)، وطائفة الختمية وحزبها السياسي (الإتحادي الديمقراطي). أو؛
    تيارات مازالت على أصلها العرفاني ولم تتبنى أو تنشئي حزباً، بل تمارس السياسة بصورة غير مباشرة ـ "لاشعورياً" ـ عن طريق التحكم والسيطرة من بعد على قواعدها(والذين هم في هذه الحالة المريدين وأتباع الطريقة المعينة، المباشرين والغير مباشرين) عبر آليات التصوّف نفسها. وتُمارس السياسة هنا بواسطة شيخ السجادة، والذي (هو) من يحدد بطريقة "إيحائية" ـ بالإشارة ـ إلى أي صف يجب أن يقف أتباعه ومريديه في ساحات المعارك السياسية المحتدمة. وما يجدر إستداركه هنا تلك العلاقة المسكوت عنها، والتي كانت تربط بعض من حكموا السودان مع شيوخ هذه الطرق، والتي إنعكست على وضعيات الأخيرين في "الحياة الدنيا الفانية" من خلال مظاهر الثراء والإنفتاح على العمل الإقتصادي وإنشاء المؤسسات، والتي دائماً ما يتم تبريرها بأنها لدعم خلاوي حفظة القرآن وللعباد والزهاد(!). وبالتالي فإنها ـ أي التيارات التي من هذا النوع ـ تعتبر مرحلة أدنى من الصنف الأول، وتحولها إلى نمط ممارسة السياسة بصورة مباشرة ما هو إلا مسألة وقت، وأقرب نموذج لذلك هو حركة شيخ أزرق طيبة بالجزيرة والذي غادر سجادته ودخل معترك العمل السياسي المباشر.
    تيارات الإسلام السياسي الحديث: وهذه حركات تختلف "أصولياً" مع حركات التصوّف وتنتمي إلى حقل الإسلام السني المدرسي. وهنا نميّز بوضوح بين نوعين لهذه الحركات:
    تيارات متشددة، مازالت متمسكة بأصول الإسلام المدرسي السني البياني، مثل الأخوان المسلمين، جماعة أنصار السنة المحمدية، التكفير والهجرة، جماعة البلاغ، حزب التحرير الإسلامي والحركات الشبيهة.
    تيارات "حركية" بتعبير بعض المؤرخين الإسلاميين، والتي سمتها البارزة أنها وعلى الصعيد التنظيمي/الحركي، لم تعد تتمسك بأصول الإسلام المدرسي السني على الأقل، بل أصبحت أقرب إلى الحركات السياسية اللبرالية في الغرب، وهي متطورة جداً على صعيد العمل السياسي، ونماذج لها: الجبهة الإسلامية (سابقاً)، المؤتمر الوطني، المؤتمر الشعبي وحركة العدل والمساواة.
    وعلى الرغم من الجذر الآيديولوجي الواحد للنموذجين الأخيرين، إلا أن الفرق يكمن في درجة التطور على الصعيد السياسي/التنظيمي. وهذا الفرق أوجدته تجربة ممارسة السلطة/الحكم من جانب، والتشبيك مع رصيفاتها في باقي أنحاء العالم الإسلامي من جانب آخر. وبالتالي نخلص إلى أنه: "بالقدر الذي ترتبط به هذه المنظومات بالسلطة، تصطدم ـ من خلال التجربة ـ بخاصية ضعف التراث الإسلامي السني في التنظير لممارسة السلطة وإدارة الدولة، ويبدأ تدريجياً في نفس الوقت، تحلل خطابها الإسلامي بصورته التي بدأ بها، عندما تواجهها التحديات الجديدة التي تقتضيها ممارسة السلطة وإدارة المجتمع، مما يجعلها ـ مكرهة ـ تتبنى المنهجية البرغماتية الأقرب للعلمانية على صعيد الموقف والممارسة السياسية في أغلب الأحيان". أي بتعبير محمد أركون، فإنها ـ أي الحركات الإسلامية ـ دون أن تعي ذلك، أو حتى تريده، تقوم بأكبر عملية علمنة في التاريخ، وهي وفي خضم صراعتها السياسية تكشف عن رهاناتها الزمنية.
    وعندما نقيس ذلك على التيارات الإسلامية في السودان فإنه يمكّننا من رسم خط تطور لولبي متعرج لهذه الحركات. فالتيارات المتشددة(أنصار السنة وغيرها ليست سوى مرحلة متأخرة من الجبهة الإسلامية القومية، والأخيرة مرحلة متأخرة أيضاً من المؤتمر الوطني). والفرق بين هذه القوى في حلقة تطورها، هو مدى إرتباطها بالسلطة، لأنه الشرط الضروري الذي يحدد بصورة حاسمة، قرب أو بعد هذه الحركات من منابع خطابها الأصلي، ويشكّل ـ فيما بعد ـ مجمل التحولات الوظيفية والهيكلية التي قد تحدث داخلها وإنعكاسها على المجتمع والدولة.

    عليه؛ فإن الحركات المتشددة دينياً والتي ما زالت في قاع سلم التطور، سيأتي يوماً (ما) وعندما ترتبط بممارسة السلطة، ستتحول إلى تيارات أقل تشدداً، بمعنى؛ قد يتحول أنصار السنة المحمدية في السودان في لحظة تاريخية معينة إلى نموذج أقرب إلى الجبهة الإسلامية أو المؤتمر الوطني[10]. وينطبق نفس المبدأ على التيارات ذات الأصل الصوفي/العرفاني. وإذا ما قارنا ذلك بمراحل تطور الحركات الإسلامية الذي يورده حسن الترابي يمكننا التعرّف على صيرورة هذه الحركات خلال مسيرتها من المهد إلى اللحد والبعث من جديد، ويقسمها الترابي إلى أربعة مراحل هي:
    مرحلة الدعوة: "حين يكون البعث الإسلامي محض "تيار" ومن مهامه المميزة ـ حينئذ ـ نشر الدعوة، مجادلة المنكرين ودرء الشبهات....إلخ".
    المرحلة الثانية: "حين يتجسد التيار في "جماعة منتظمة" ... ومن مهامها عندئذ بعد الدعوة البناء الجماعي".
    المرحلة الثالثة: "حين تستوى الجماعة فتصبح "حركة" فاعلة في المجتمع. وحينئذ تبرز لها حاجات وأولويات إصلاحية".
    مرحلة التمكين والإستخلاف: "حين تتولى الحركة "قيادة" المجتمع وتنتصب في مواقع السلطان.. ويحق عليها ـ آنئذ ـ أن تستكمل مهمات العمل العام الصالح إنفاذاً لمشروعات التطهير والتحرير والتغيير نحو التي هي أقوم دينياً وأصلح دنيا".[11]

    وقبل الدخول في تحليل مراحل تطور الحركات الإسلامية، تجدر الإشارة إلى نقطة خامسة سكت عنها الترابي، والتي هي في تقديرنا من أهم المراحل، لأنها تعطيها ديناميتها التاريخية، ألا وهي مرحلة التحلل/البعث. ومن دون الخوض وراء الأسباب التي دفعت بالترابي للسكوت، لكن موضوعياً من الضروري إضافة هذه المرحلة حتى نستطيع القول بإكتمال الدائرة. فالبناء للمراحل الموضوع بواسطة الترابي يحدد نقطة بداية، لكنه يترك النهاية مفتوحة غير محددة، أو لايغلق الدائرة بالعودة مرة أخرى إلى نقطة البداية، وفي كلا الحالتين فإن الأمر يتطلب وجود خاتمة (ما) وإلا صار الأمر وكأنما هذه الحركات ستكون هي نهاية التاريخ(!).

    وبتحليل العلاقات الداخلية لهذه المراحل ومدى إرتباطها بحركة تطور تيارات الإسلام السياسي التي أشرنا إليها، يمكننا رؤية دينامية التحول في هذه الحركات من مرحلة إلى أخرى وصولاً إلى التيار السياسي الكامل.

    المرحلة الخصائص المظهر السياسي
    مرحلة الدعوة نشر الدعوة، مجادلة المنكرين ودرء الشبهات....إلخ "محض تيار"
    المرحلة الثانية الدعوة والبناء الجماعي "جماعة منتظمة"
    المرحلة الثالثة بروز حاجات وأولويات إصلاحية "حركة"
    مرحلة التمكين والإستخلاف إستكمال مهمات العمل العام الصالح إنفاذاً لمشروعات التطهير والتحرير والتغيير نحو التي هي أقوم دينياً وأصلح دنيا. "سلطة/حكومة"

    الجدول أعلاه قد لا يرى فيه البعض جديداً بإعتبار أن الأمر لايتعدى مجرد رسم سياج حول نقاط مرتبة أصلاً، لكن الأمر غير ذلك(!). فبالنظر في عناوين الجدوال والترتيب من أعلى إلى أسفل وربط كل ذلك بمفاهيم التطور التاريخي، فإن الصورة التي نحاول تقريبها تصبح أكثر وضوحاً. فقائمة المظهر السياسي تعطينا إنتقال من حالة بدائية تتمثل في أنها "محض تيار" ـ كما ذكر الترابي ـ إلى مراحل أعلى تصل قمتها في مرحلة الحكم. إذاً ما هو معنى "محض تيار"(؟). ففي مثل هذه الحالات يكون شكل الإستقطاب في الغالب الأعم سرياً وهذا قد يكون لظروف مختلفة، إما لعدم إستساغة أو قبول المجتمع لهذه الحركة الجديدة، أو لضغط سلطة حاكمة، وبالتالي فإن الدعوة أو الإستقطاب للمفاهيم الجديدة تتم بصورة غير منظمة ولا يوجد إطار محدد تمارس من خلاله. وتفسّر قائمة الخصائص المقابلة طبيعة هذا النشاط، والذي هو في هذه المرحلة: "نشر الدعوة، مجادلة المنكرين ودرء الشبهات". وغالباً في مثل هذه الحالات يتخذ الطابع العقائدي المرتبط "بتعليم الناس أمور دينهم"، من كيفية الصلاة والزكاة والحلال الحرام وغيرها. وهذه الممارسة تجد لها أصول يتم القياس عليها والتمثّل بها. ولمعرفة ذلك لابد هنا من إستدعاء الدور الذي قامت به العقيدة في تكوين العقل السياسي عند الجماعة الإسلامية الأولى، والتي كانت حينذاك جماعة "روحية" (..) الشئ الوحيد الذي يربط أفرادها بعضهم ببعض هو الإيمان بالله وبرسوله"[12]، فالتشابه ما بين النمطين كما في حالته كـ"محض تيار"، بحالة الدعوة التي كانت تقوم بها الجماعة الإسلامية الأولى التي كانت تحيط بالرسول (ص)، هو من الناحية الطقوسية، ويجد تفسيره في الصراع الذي مر في التاريخ الإسلامي وإنتهي بسيادة "فرقة" أهل السنة والجماعة (المدرسة السنية البيانية) على العالم العربي بصورة خاصة، والتي تدعو إلى تمثّل سلوك الرسول (ص)، مع فارق جوهري كبير بالطبع، إذ إن الجماعة الإسلامية الأولي كانت تدعو لدين جديد وسط "الملاء من قريش"، والذين كانوا يقفون ضد هذا الدين، بينما جماعة الترابي لا تدعو لدين جديد، وإنما تمارس ـ في أحسن الفروض ـ النصح والإرشاد وتعليم الناس أمور دينهم.
    لكن؛ هل بالإمكان عدم رؤية المضمون السياسي لهذه الدعوة (؟) وهل يمكننا القول أنها بلا مضمون سياسي ولوجه الله كما كانت تفعل الجماعة الإسلامية الأولى(؟). تجيب على هذا التساؤل المراحل التي تليها، والتي تنتقل بالمظهر السياسي للحركة إلى مستوى أعلى من حيث التنظيم، وبالمقابل يبدأ المضمون السياسي في التكشّف تدريجياً. فمن محض تيار ينشر "الدعوة" ويدراء الشبهات ويعلم الناس أمور دينهم، إلى جماعة منتظمة تواصل في نفس الدعوة، ولكنها تبدأ في تنظيم نفسها وتنتقل إلى المرحلة الثالثة كحركة كاملة النمو والتطور، تبرز حاجاتها السياسية، وصولاً إلى الحكم و"التمكين" كمرحلة أخيرة، حسب تصور الترابي.
    إذاً؛ السؤال لماذا لا تفصح هذه الحركات ومنذ البداية عن مشروعها السياسي(؟) علماً بأن أي تيار أو حركة سياسية ومنذ البداية، تحدد مشروعها وتنطلق في إستقطاب الناس إليه. صحيح أنها قد تمر بنفس المراحل أو ما يشابهها، لكن الثابت أنها ومنذ إنطلاقتها تحدد موقفها السياسي كما قلنا. إن الإجابة على هذه السؤال تحدد بالضبط طبيعة الآيديولوجية الدينية التي نتكلم عنها لهذه الحركات وإختلافها مع التيارات السياسية التي لاتتحذ الأديان كأساس أيديولوجي، والتي من أهم خصائصها، خلق رابطة معنوية/آيديولوجية بين أفرادها قائمة على قوة المقدس الديني. وأحياناً ترتقي هذه الرابطة ومسوغاتها النظرية في قوتها لتساوي نفسها بالمقدس، أو تقف وكأنها الدين نفسه أو عين المراد الإلهي، متخطية بذلك قضية منهجية مهمة وهي "تاريخية الأديان" بعد إنقطاع الوحي. بمعنى؛ تحوّله بمرور الزمن إلى كم معرفي تراكمي من التفسيرات والشروح وشروح الشروح، الخاضعة لقواعد اللغة وشروط المتغيرات الإجتماعية والسياسية، وهو الأمر الذي يفسر ظواهر التشدد والتطرف للمنتسبين لهذه الحركات. فعدم الإفصاح عن المشروع السياسي منذ البداية هدفه غرس هذه الروح العقائدية المتشددة في الفرد والمجتمع، كسباً للولاء الأعمي الذي يحصدون به مغانم السلطة. وينسحب نفس السلوك على الحركات ذات الخلفية العرفانية[13].
    لكن وعند الوصول إلى تخوم السلطة والحكم فإلأمر يختلف(!)، لأن الحكم يقتضي السياسة وليس الدعوة، وهذه تقتضي بهرج السلطان وبريقه من مال وجاه وغيره، وهنا تطل الخلافات والإختلافات برأسها. وهذه النقطة الأخيرة هي بداية المرحلة الخامسة التي سكت عنها الترابي في تصنيفه لتطوّر الحركات الإسلامية، مرحلة الإنهيار والتحلل ومدخل لبعث جديد. وقراءة التاريخ الإسلامي تعطينا صورة تكاد تنبض بالحياة. فقد بدأت الدعوة مع الرسول (ص)، وطوال حكم الخلفاء الأربعة لم تختلف كثيراً طريقة الحكم، بل كان طابع الدولة زمن الرسول والخلفاء هو طابع دولة الدعوة، إلى أن جاءت دولة "الملك العضوض" زمن معاوية بن أبي سفيان، حيث تحولت دولة الدعوة إلى دولة الملك الوراثي الصرف والتي مازالت مظاهرها باقية إلى يومنا هذا في الكثير الأنظمة السياسية المعاصرة. لقد إختط معاوية دولته وحدد مبادئها[14]، وقد دشّن بذلك قطيعة مع النمط السائد في الماضي، والذي كان فيه الأمر هو "العمل بكتاب الله وسنة رسوله" (دولة الدعوة)، إلى ما يستطيع الإلتزام به من كما يقول هو بنفسه: "مواكلة حسنة، ومشاربة جميلة (...) وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فأقبلوا مني بعضه، فإن أتاكم مني خير فأقبلوه "، (= دولة الملك السياسي). وكان عمّار بن ياسر أول من تنبأ بذلك، وتذكر المصادر أنه نادي في صفين، وكان من قواد جيش علي بن أبي طالب: "أين من يبتغي رضوان الله عليه ولا يؤوب إلى مال وولد. فأتته عصابة من الناس، فقال: أيها الناس، أقصدوا بنا هؤلاء الذين يبغون دم إبن عفان ويزعمون إنه قتل مظلوماً. والله ما طلبتهم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فأستحبوها وإستمرؤوها وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه من دنياهم، ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم، فخدعوا أتباعهم أن قالوا: إمامنا قتل مظلوماً، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكاً.."[15] فقد كان عمار بن ياسر يرى أن ولاية الناس وإستحقاق طاعتهم، تستند على السبق في الإسلام، أي الأساس العقائدي الذي تولّد لدى الجماعة الإسلامية الأولى حسب تجربته. لذلك كان هو أول من أزاح الستار عن "رغبات ومطامح الحصول على السلطة المتخفية خلف السلوك الديني والعشائري لبني أمية، وتخصيصاً معاوية في الدولة الإسلامية الوليدة" كما يمكن القول بتعبير ريجس دوبري. مشيراً في ذات الوقت ضمنياً إلى مظاهر التحلل في طورها الجنيني، والتي بدأت تأخذ طريقها مع بداية دولة معاوية وظلت تنمو وتتخذ أشكالاً مختلفة من الثورات مروراً بالدولة العباسية حتى آخر الممالك الإسلامية، الإمبراطورية العثمانية.
    ومع ذلك؛ وعلى الرغم من الأساس العقائدي الذي إستند عليه عمار بن ياسر في تفسير هذا الإنقلاب، غير أن ذلك كان إتجاهاً ورؤية أملتها من جانب، طبيعة الإرتباط الروحي والمعنوي لعمار ونشأته في وسط الجماعة الإسلامية الأولى كأحد أوائل الذين أسلموا، ومن جانب آخر، تأثير وضعيته في المجتمع كأحد الموالي في ذلك الحين. مضافاً إليه ـ وفي السياق العام ـ أن التراث الإسلامي وحتى ذلك الحين وربما إلى ما بعده، لم يكن قد أرسى تقاليداً في الحكم، كما عرفتها الحضارات التي سبقته أو تزامنت معه، هذا من ناحية عامة. وحتى إن كان قد قدر للدولة في ذلك الحين أن تمضي حسب رؤية عمار كـ "دولة دعوة"، فإن القطيعة التي أنشأها معاوية كانت ستأتي حتماً في مرحلة تاريخية لاحقة، ربما على أيدي أناس آخرين. نعم قد تختلف عن أهداف معاوية بحكم العوامل التي قد تفرضها هذه المرحلة اللاحقة، لكن هذا ما كان سيحدث، لأنه منطق التطور التاريخي.
    لذلك فوراء جرثومة التحلل أسباب عديدة، أهمها إن التحول والقطيعة التي بدأت مع حكم معاوية خلقت "مجال سياسي" حسب تحليل الجابري تمارس فيه السياسة، قام بالأساس على عنصر القبيلة بعيداً عن الدين، إستناداً على أن دولة الإسلام قامت على يد قرشي هو النبي (ص). وبما أن أصحابه من بعده قد حسموا الخلاف على أساس أن: "العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش"، فقد أعطت هذه المقولة والواقعة التي حدثت فيها[16]، شرعية لقريش للحكم، إنتقلت إلى معاوية في دولة الملك، وهو ما أكده هو نفسه، إذ تروي المصادر أيضاً أنه جاء في الحديث: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدّث أنه بلغ معاوية، وهو عنده في وفد من قريش، أن عبدالله بن عمرو بن العاص يحدّث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية فقام وأثنى على الله بما هو أهل له ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله، فأؤلئك جهّالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين"[17] ويبدوا أن الأمر بالنسبة لمعاوية أضيق من أن يسع قريشاً بأجمعها، فهناك أيضاً تقسيم وتراتبيات داخل قريش نفسها. فعندما ذهب معاوية إلى المدينة يريد إقناع عبدالله بن عباس وعبدالله بن جعفر وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر(العبادلة المعروفين برواية الحديث عن النبي) والذين كانوا قد إمتنعوا عن مبايعة إبنه يزيد قال لهم: " لقد قلتم وقلتم. وأنه ذهبت الأباء وبقيت الأبناء، فإبني أحب إلىّ من أبنائهم مع أن إبني إن قاولتموه وجد مقالاً. وإنما هذا الأمر [لبني عبد مناف] لأنهم أهل رسول الله فلما مضي رسول الله (ص) ولي الناس أبا بكر وعمر من غير معدن الملك ولا الخلافة، غير أنهما سارا بسيرة جميلة، ثم رجع الملك إلى بني عبد مناف، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة. ولقد أخرجك الله يا إبن الزبير وأنت يا إبن عمر، فإما أبناء عمي هذان [عبدالله بن عباس وعبدالله بن جعفر] فليسا بخارجين من الرأي إنشاءالله"[18].
    ويلاحظ في مرجعيات معاوية أنه لما جاءه وفد قريش وقال ما قال فيه عبدالله بن عمرو بن العاص، رد عليهم بمنطق الدين بحديث منسوب إلى الرسول "أن هذا الأمر في قريش"، ولكن عندما إحتدم حديثه مع العبادلة كان المنطق هو القبيلة وإن الأمر في قريش(حسب الحديث [المنطق الديني])، نعم، لكنه وفي إطار قريش فإنه تخصيصاً في بني عبد مناف(منطق القبيلة: "أنا وأخي على إبن عمي، وأنا وأخي وإبن عمي على الغريب")، لذلك ألمح إلى إبن الزبير وإبن عمر بأنهما ليسا من بني عبد مناف [ولقد أخرجك الله يا إبن الزبير وأنت يا إبن عمر]، مذكراً أياهم إن أبناء عمومته (عبدالله بن عباس وعبدالله بن جعفر)، سيعودون إلى إطار القبيلة. والمنطق الأخير له جذره التاريخي الذي يعود إلى ماقبل الإسلام، فالتقسيم الذي كان قائماً في مكة آنذاك إن لبني هاشم (عشيرة النبي) السقاية والرفادة (للكعبة)، ولبني عبد مناف السلطان. لذلك لم يكن معاوية بعيداً عن المنطق الذي حكم تاريخ قريش عندما آلت إليه الأمور، مذكراً بأن الأمر قد آل إلى أهل "الجزاء والكفاءة" كما يقول هو من بعد أبي بكر وعمر.
    إن ما سبق يجعل لمقولة حيدر إبراهيم من أن قيام حركات الإسلام السياسي يجد تفسيره من خلال الإستجابة والتحدي قد لايجد القبول المطلق إستناداً إلى أن هذه الحركات تنطلق في نشأتها وخلفيتها الآيديولوجية الدينية من هذا التاريخ، والأمر ليس ردة فعل لظروف وتحولات عارضة في سماء السياسة في العالم العربي أو السودان، صحيح إلى حد (ما) القبول بهذه الظروف العارضة كعوامل مساعدة تسرّع من قيام هذه الحركات، لكنها ليست الأصل، والمضي في التفسير بهذا المنطق ـ الإستجابة والتحدي ـ يدفع بالباحثين مسافات عن فهم الجذور الحقيقية لهذه الحركات. وقد أجمل الجابري ذلك من خلال جهازه المفاهيمي الذي بناه لتفسير العقل السياسي العربي (الإسلامي/العربي في حقيقة الأمر) من خلال دور "العقيدة"، "القبيلة"، "الغنيمة" بإعتبارها عوامل متداخلة شكلت السلوك السياسي للعقل العربي وبطانته اللاشعورية. والرجوع إليه اليوم بالنسبة لنا لتفسير السلوك السياسي في السودان، كرجوعه (هو) إلى إبن خلدون في الماضي لتفسير السلوك السياسي في العالم العربي المعاصر، مع الوضع في الإعتبار بالطبع القضايا المنهجية المتعلقة بدرجة التعميم التي إقتضتها دراسته، والحالة الخاصة التي نتناولها.
    الأصولية الجديدة:
    من بعد إنقسام الجبهة الإسلامية في السودان في نهايات 1999، والذي عُرف في أدبياتها بـ "المفاصلة"، إنتهت الحركة الإسلامية إلى تيارين، أحدهما بقي في السلطة والآخر في مقعد المعارضة. ومؤخراً بدأ الترابي زعيم التيار الإسلامي بالمعارضة في تقديم خطاب جديد كلية على ساحة الحركة الإسلامية، مما دفع بعض من رفاقه القدامي لإتهامه بـ "الخرف" المبكر(!). غير أن القضية ليست بهذه البساطة، إذ أن الترابي بالفعل يطرح رؤية ليست مثيرة للجدل فحسب، بل ربما الأزمات أيضاً داخل ساحة الحركة الإسلامية. وعندما نستدعي خلفية الرجل وتاريخه السياسي، والإطار الإيديولوجي المرجعي الذي تخرّج منه ... المدرسة الإسلامية البيانية الأصولية في السودان بصفة خاصة، والعالم العربي بصفة عامة، ندرك خطورة ما بدأ يروّج له. وقد بدأت ملامح هذا الخطاب في الوضوح بعد آرائه حول زواج المسلمة من الكتابي(= المسيحي أواليهودي)، عذاب القبر، إمامة المرأة للصلاة وغيرها من القضايا الفقهية التي يصر على عدم تصنيفها في خانة الفتاوى. ومن دون الخوض في جدل حول صحة هذه الآراء من عدمها من الناحية الفقهية/البيانية ـ للإختلاف المنهجي الذي ننطلق منه ـ إلا أنها وحقيقة أصابت التيار الأصولي الكلاسيكي في صميم أسسه التي قام عليها تاريخياً ـ إذا رأيناها في إطارها المرجعي البياني التقليدي الراسخ. وهو ما يمكن القول أنها بداية التأسيس للأصولية الجديدة في السودان(!).
    ففي لقاء مطول من سبعة حلقات للترابي على قناة الحوار التلفزيونية، كشف عن آرائه تلك، مستنداً في دعمها على نفس النصوص والمرجعيات الإسلامية التقليدية (القرآن، الحديث، الإجماع)، ودافع عن إمامة المرأة وزواج المسلمة من الكتابي ووجه في ذات الوقت الإسلاميين إلى ضرورة الإهتمام بالبحث في الإقتصاد والعلوم.
    إن ما يجعلنا نقرر أن ذلك إتجاهاً جديداً في الفكر الأصولي، هو طرح الترابي لأراء كانت ـ وربما مازالت إلى الآن ـ من المساحات المحرم النقاش فيها داخل حقل التراث الإسلامي بشقيه السني والشيعي. على الرغم من أن هذه الآراء ليست بعيدة على التفكير العلماني وإستشهد في سبيلها كثير من المفكرين. فطرح مثل هذه القضايا من قبل الترابي كرجل "دين ودولة" لا يمكن إنكار خلفيته الأصولية الإسلامية، تهزم أحدى الأسس التي قامت عليه الثقافة الإسلاموعروبية في السودان ألا وهي "البطرياركية الأبوية القائمة على التشدد العرقي" ـ كما يسميها أبكر آدم إسماعيل ـ المسنودة بقوة المقدس الديني، والتي منحت المهاجرين من الآعراب السيطرة على السودان على حساب الإثنيات الأخرى.

    بمعنى أن مثل هذا التنظير الذي يدعو له الترابي بإقرار زواج المسلمة من المسيحي في جانب من جوانبه، يحطم إحدى الآليات الرئيسية لآيديولوجيا السيطرة للكيانات الأسلاموعروبية، والتي كانت تتم عبر تحريم زواج "بنات العرب/المسلمات" من غير العرب/الغير مسلمين. إن تفنيد هذا الإدعاء بواسطة شخصية أصولية في وزن حسن الترابي، يعيد طرح علاقة الزواج الأحادية، التي أشار إليها أبكر أدم إسماعيل. بمعني؛ سيكون ذلك أكثر وضوحاً أن عرفنا أن علاقة التزاوج الأحادية السابقة أتاحت للمهاجرين من الأعراب في الماضي إمتلاك الأرض بحق وراثة الأبناء للآباء وليس الأمهات إحتكاماً للنصوص الدينية، وعندما يصبح الأب كتابياً، والذي في أغلب الأحيان يكون من القوميات الغير عربية، يرثه أبنائه وتعود الملكية إلى أصحابها الأصليين. وهذا ما لا يقبل به ـ في لاشعورهم ـ من لا زالوا يدعون الإنتماء إلى العرق العربي.

    المحزن إن هذه القفزة تجعل من الترابي ـ رغم أنف العلمانيين ـ من مفكري الحداثة السياسية في السودان[19](!). ومهما يكن من أمر، يبقى هناك سؤال يفرض نفسه بقوة هو: لماذا تجراء الرجل على طرح هذه الآراء، وفي هذا التوقيت(؟)، هل ذلك نتيجة لتجربة الإنقاذ أم لعوامل أخرى متداخلة(؟).

    يبدو من الوهلة الأولى إن ذلك وكأنما هو ردة فعل على إقصاء الرجل من سدة الحكم إذا إستندنا في التحليل على نظرية د. حيدر إبراهيم. ومع ذلك؛ فهذا لا يكفي لتفسير موقفه. فالمراقب للساحة يمكنه أن يلاحظ بسهولة إنحسار عنفوان الحركات الإسلامية عبر العالم (أفغانستان، الجزائر، تركيا، إيران، والسودان). والتي كانت قد بدأت تفرض نفسها كبديل بقوة بعد إنهيار المعسكر الإشتراكي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي في كثير من البلدان العربية والإسلامية، وتمكنت من أن تصل للسلطة وبوسائل مختلفة. والأرجح أن الترابي قد أدرك إتجاهات التفكير الغربي من بعد إنهيار المعسكر الإشتراكي وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي بدأت ترشّح الدول الإسلامية والعربية ودول أخرى في آسيا لإحتلال موقع المواجهة المحتملة مع الغرب[20]، لذلك طرح هذه الرؤية الجديدة للحركة الإسلامية لمواجهة تحديات المستقبل المحفوف بمخاطر العولمة الثقافية والإقتصادية، والحرب على الإرهاب. وما يؤكد هذا الإستنتاج الأفكار التي إستعرضها في المقابلة التلفزيوينة التي أشرنا إليها آنفاً، حيث بدى حديثه عن عالمية الحركة الإسلامية بالتراجع نحو خطوط "التمسك بالخصوصية الثقافية والإجتماعية والسياسية لكل بلد إسلامي"(!). ومهما تكن الدفوعات النظرية التي يمكن تقديمها في هذا الإطار، وتبريرها كإستراتيجية إنكفاء على الذات للحفاظ على الهوية الدينية الإسلامية في ظل العولمة وهيمنة ثقافة الغرب، الا أنه حقيقة موقف متراجع، ويناقض التوجهات التي طبعت فكر الحركة الإسلامية مع بداية إنقلاب الجبهة الإسلامية في 1989 التي كان الترابي عرابها الأول، والتي لم تكتفي بالدعوة لعالمية الحركة الإسلامية فحسب، وإنما دخلت طورها العملي بتشبيك الحركات الأصولية عبر العالم بتكوين المؤتمر الإسلامي الشعبي، وهو تراجع تم في مدى زمني قصير للغاية. وبالرغم من ذلك لا يمكننا التغاضي عن تأثير عامل الإبتعاد القسري للترابي عن السلطة في خطابه الجديد كدافع ضمن سياق أكثر شمولاً في أفق التفكير الإستراتيجي للتيارات الإسلامية بشكل عام. وهي الجزئية التي تجيب على سؤال التوقيت، وإن شئنا الدقة المرحلة التاريخية الراهنة في ظل صراعات القبائل الإسلامية على السلطة في السودان، وإنقساماتها والضغوط التي تتعرض لها في العديد من البلدان العربية.

    إن ما يجب الإنتباه له أن النقلة النظرية التي يقوم بها الترابي في تفكير الحركة الإسلامية بهذا الطرح الجديد/القديم، إنه يخلق منه وعلى المستوي الذاتي، مفكر حداثة ـ كما قلنا ـ وعلى المستوى الموضوعي، وهو الأخطر، أنه يعيد هندسة التجربة الإسلامية وتجميلها من جديد، بعد إن كشفت عن عوراتها تجربة الإنقاذ (السقوط من أعلى قمة خطاب الطهارة والقداسة، إلى حضيض الفساد وشهوات الدنيا ـ البحث عن المغانم والمصالح المادية بتعبير دوبري). مما يجعل من الأصولية الجديدة التي يدعو لها الترابي تقترب من أن تكون تياراً علمانياً ـ كما إستنتج محمد أركون ـ مستعداً للتضحية بأسسه الآيديولوجية والتاريخية التي قام عليها، وأراق في سبيل تثبيت أركانها "كل الدماء".

    إن ذلك يعيد إلى الذهن بقوة مقولة عمار بن ياسر التي أوردناها سابقاً " .... والله ما طلبتهم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فأستحبوها وإستمرؤوها وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه من دنياهم، ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم، فخدعوا أتباعهم أن قالوا: إمامنا قتل مظلوماً، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكاً".

    إن المتابع لتجربة الحركة الإسلامية في تركيا ـ حزب الرفاه ـ يجد الكثير من أوجه الشبه في مسيرتها وما إنتهت إليه، مع الآفاق التي يتطلع لتحقيقها الترابي عبر أصوليته الجديدة في السودان، فالحركة الإسلامية التركية تحورت كلية نحو آفاق الحداثة ـ إن جاز لنا وصفها بذلك ـ عبر سياسات كانت في الماضي خطوط حمراء لا يمكن لأي حركة إسلامية أصولية أن تطرحها للنقاش، ناهيك عن قبولها كواقع، مثل التعامل مع إسرائيل، والتغاضي عن منع فرض الحجاب وإغلاق المدارس الدينية وغيرها. لذلك فإن فرص نجاح الترابي فيا يدعوا له كبيرة على ضوء واقع المتغيرات السياسية في السودان التي وصلت درجة الأزمة التي خلقتها تيارات الإسلام السياسي حداً يهدد وحدة الدولة. والأمر المثير للقلق إن الحركة الإسلامية نفسها التي خلقت هذه الأزمة مازالت ممكسة بمفاصل مؤثرة، مما يرسم لها دوراً ما في المستقبل(!) ، فهي في الحكومة عبر المؤتمر الوطني، وفي المعارضة عبر المؤتمر الشعبي وحركة العدل والمساواة. والمفارقة أنهما التيارين الأقوي سواء في الحكومة أو المعارضة (!).

    وعلى الرغم من أن ما قدمه الترابي يعتبر "ثورة" قياساً على الفكر الإسلامي الأصولي المدرسي، غير أن الملاحظ عند مراجعته إستمرار ثبات التحليل الذي أورده دوبيري حول رغبات الحصول على المغانم والإستحواذ على السلطة في المجتمعات السابقة للرأسمالية، والتي من بينها السودان كما أسلفنا القول. وهو ما يجعلنا نقرر أن لا جديد في الأمر منذ الجماعة الإسلامية الأولى مروراً بدولة معاوية وحتى حاضرنا هذا. فقط تتغير الإصطلاحات والمفاهيم لكن تبقى القضايا الجوهرية كما هي. ذلك؛ لأن الحركات الإسلامية القائمة اليوم لم تخلق قطيعة فكرية ومنهجية حقيقية مع التاريخ الإسلامي، بل إنها مازالت تستدعيه في حاضرها، وتنتهي بالخروج من ذلك إلى مرحلة التماهي في العلمانية بعد أن تسحقها سحقاً واقعية السلطة ومصادمات ضميرها الديني مع رهاناتها الزمنية. وطوال مسيرة المراحل التي حددها الترابي، يظل الخطاب الديني سائداً، يبدأ متدرجاً مهتماً بالجانب العقائدي، وينتهي كمشروع سياسي برغماتي صرف، مهما كانت مبرراته الدينية. وبالقدر الذي تبحر فيه سفينة التيار الإسلامي عميقاً في لجة المشروع السياسي، تبتعد عنها تدريجياً في الأفق أرض الخطاب الديني المقدس. وفي تزامن مع هذه الحركة، تقوم في قاع المجتمع تيارات دينية جديدة أكثر تشدداً، تجتر نفس التجربة، تسير على نفس القضبان لتمر بنفس المحطات، وكأنما تشدها جميعاً سلسلة واحدة. هكذا يمضي تاريخ التيارات الأصولية(!!).


    خاتمة:
    وبعد، لسنا الآن في حاجة للتأكيد مرة أخرى على مقولة ريجس دوبري بأن النعرة القبلية العشائرية والتعصّب الطائفي والديني والطموح فى الحصول على المغانم، ظواهر تبقى نشطة أو كامنة، في كيان الجماعات، سواء إن كان أفرادها يعيشون في مجتمع إقطاعي أو رأسمالي أو إشتراكي.

    عليه؛ يمكننا تلخيص ماتوصلنا إليه من نتائج بأن:
    المجتمع السوداني وبصورة عامة مجتمع ماقبل رأسمالي، تندمج فيه العلاقات بين البنية الفوقية، والبنية التحتية المقابلة لها، بحيث يصعب التمييز بين القاعدة وما هو إنعكاس لها. وتشكّل العلاقات الدينية، الطائفية، العشائرية وجود مستقل عن البنيتين، وتكاد أن تلعب دور العامل المحرّك للتاريخ في مثل هذا النوع من المجتمعات. فالصراع من أجل المصالح المادية الذي تغذيه رغبات الإستحواذ على مصادر الثروة والسلطة سواء لهذه الفئة أو تلك، في الغالب الأعم يبقى كعامل متنحي Recessive factor تحت جينات منظومة القيم والأديان، وتراث العلاقات الطائفية والعشائرية، ومسئول من هذا الموقع عن تحريك الصراعات العشائرية أو الدينية وحول المصالح الإقتصادية. وبالقدر الذي يتطور فيه هذا النوع من المجتمعات بالإتجاه الرأسمالي، تبدا رغبات السيطرة المتخفية تحت منظومة القيم والأديان والعلاقات العشائرية في الظهور، حتى تكتمل تماماً كما في المجتمعات التي تجاوزت تلك المرحلة، ويبرز فيها الصراع على المصالح المادية جلياً في الممارسة الإجتماعية والسياسية.

    نتيجة لتشابك المصالح المادية ووجودها متنحية داخل نسيج القيم والأديان، التحديد/التعيين للكيانات الإجتماعية وفقاً لجذورها الإثنية أو الدينية والثقافية لهذه المجتمعات في المرحلة المشار إليها، تصبح الدولة مزيج متشابك من هذه العلاقات المعقدة، والتي قد تصل حتى إلى أعلى المستويات في هرم الدولة. فإذا كان التمييز والصراع الديني أو المذهبي أو العشائري في مستواه المبسّط في قاع المجتمع هو صراع تحسمه غلبة طائفة/قبيلة على أخري، حسب موازين القوى في صورتها البدائية، فإن الأمر على مستوى الدولة يختلف تماماً، ويأخذ طابعاً "إشكالياً" Problematic يتجلى في صور ومستويات عديدة. ولأن الدولة المعاصرة تقوم على المؤسسات، والتي لا تعطي كبير إعتبار في بنيتها الداخلية للعلاقات العشائرية أو الطائفية أو الدينية ـ أو هذا ما يجب أن تكون عليه ـ بالتالي فإن تصاعد هذا النمط من العلاقات في هيكل الدولة، رؤيتها وطريقة إدارتها، يخلق تناقضات يصعب تجنبها، تنتهي بسيادة عنصر، جهة، طائفة، دين (ما)، والتي تقود الصراع الشامل داخل منظومة الدولة من أجل مصالحها كمجموعة أو كيان أو طائفة أو دين، محكومة في ذلك بمنطق العلاقات التي تطبع سمة المجتمعات السابقة للرأسمالية كما بينا ذلك في المدخل. وكما ذكرنا، طالما إن الوضعية التي تجتمع فيها كيانات من هذا النوع تتميز بالتنوع الثقافي والتمايز العرقي والإختلاف الديني والتفاوت التاريخي، داخل منظومة دولة حديثة، يقود الإفتراض فيها دائماً إلى قيام بعض هذه الكيانات بالسيطرة على جهاز الدولة وإستثماره إقصائياً على مستويات عديدة، فإن الذي يحدث هو تحول المحددات الثقافية من لغة وآداب وفنون وعادات وتقاليد وعقائد وتراتبيات إجتماعية إلى أسلحة آيديولوجية، ويتمفصل العرق واللون مع الطبقة وتقسيم العمل، والدين مع السياسة، والمذهبي واللغوي مع الإجتماعي، فتكون النتيجة بالتالي؛ وضعية تاريخية مأزومة تنتهي بإنفجار متسلسل، يأخذ شكل نزاع شامل، محتواه صراع: هويات ضد هويات، ثوابت ومتحولات عند كيان اجتماعي (ما) ضد ثوابت ومتحولات عند كيان آخر، وهو في نهاية التحليل صراع كل ضد كل.

    وبالتالي؛ فإن صيرورة هذه الوضعية غالباً ما تنتهي إلى مفترق طريق ذو إتجاهين متعاكسين، إما بإنكفاء كل كيان على ذاته وتدريجياً إنفصاله، أو الوصول إلى نقطة إعادة التأسيس من جديد. وهي المرحلة التاريخية التي يمر بها السودان اليوم، والتي يمكن أن نسميها بداية مرحلة إنهيار الدولة التي عرفها التاريخ السوداني المعاصر. والمطّلع على تاريخ النزاع في الصومال يجد الكثير من أوجه التشابه[21]. وبالتالي فإن التحدي الذي يواجه الدولة السودانية وقواها السياسية هو كيفية الإتفاق للوصول إلى نقطة إعادة التأسيس، وهل لم يفعلوا ذلك من قبل وفشلوا فيه(؟).

    تاريخياً ظلت الأديان تلعب دوراً محورياً في التقنين للصراع، لأنها كانت ـ ولازالت ـ تقف بمثابة البنية اللاشعورية للمعرفة الدينية، تشتق منها الآيديولوجيا والأهداف السياسية في المجتمعات السابقة للرأسمالية. ويكاد ينعدم الحد الفاصل تماماً ما بين هذه البنية اللاشعورية من جانب، والآيديولوجيا والأهداف السياسية من جانب آخر، بحيث يصعب التمييز بينهما. هذه النقطة مهمة جداً في معرفة طبيعة الحركات الدينية في السودان لأنها تكشف عن مدى زيف الشرعية التي تدعيها هذه الحركات من تمسكها بتلابيب الدين. فكل الذي يحدث، أنها تقوم بتفسير النصوص المقدسة مستخدمة في ذلك القواعد البيانية(قواعد اللغة العربية) في حالة تيارات الإسلام السني المدرسي، أو التأويل الذي يستمد أصوله من إدعاء قدرات ماورائية في أغلب التيارات العرفانية بما فيها التيار الشيعي نفسه. وبمرور الوقت يتسامي التفسير أو التأويل ليقف على قدم المساواة مع النصوص المنزلة أو المقدسة. هذه العملية لها أهميتها القصوى بالنسبة لهذه الحركات في تجييش الأتباع من أجل الصراع السياسي البحت، والدفع بهم في آتون المعارك الضارية من أجل السلطة والمال فيما بعد. وقد أثبت التاريخ أنها لم تكن سوية عملية أضافت طبقة حمراء اللون لحدة الصراع العرقي والثقافي المحتدم في هذه المجتمعات، مرتفعة به على صعيد الوعي إلى مستوى المقدس، مسببة بذلك إنقساماً متعدد الإتجاهات لايقف عند التصادم ما بين ديانتين أو إثنيتين أو ثقافتين مختلفتين في نفس المجتمع، بل تصل لدرجة التصادم داخل الدين أوالعرق أو الثقافة الواحدة، كما تعلمنا التجربة الصومالية أو البورندية.




    ________________________________________
    [1] . ليس المقصود بـ "القبائل الإسلامية" تشبيه الحركات الإسلامية المعاصرة بالفرق الإسلامية التي نشأت في التاريخ الإسلامي المبكر، أو إشارة إلى تعدد المذاهب. فهذه التسمية مستلفة من مقولة "صراع القبائل الماركسية" التي أطلقت عقب النزاعات الدموية بين التيارات الماركسية التي حكمت اليمن الجنوبي (سابقاً). والتي وعلى الرغم من التوجهات الإشتراكية التي كانت ترفعها أطراف الصراع، غير أنها في الواقع كانت حرب قبائل بمعنى الكلمة، إذ لم تكن الماركسية سوى قناع تمت به تغطية الشعور والإنتماء القبلي الذي كان يغذي حقيقة النزاع. ونجد أن الحال هو نفسه في السودان، فالصراع الذي يدور على الساحة السودانية، وفي أعلى قمة هرم السلطة وداخل تيار الحركة الإسلامية المستحوذ عليها(المؤتمر االوطني) يستبطن صراع قبلي (مسكوت عنه) بكل ماتحمل الكلمة من معنى، بين من يقفون خلف البشير "جعلية ساكت" وآخرين مع علي عثمان بدافع "شايقيتهم"، وتتسع الدائرة لشمل آخرين على شاكلة التحالفات القبلية التي كانت في الجزيرة العربية قديماً. ويتم الإستقطاب والإستحواذ على الثروة والمناصب وتوزيعها على هذا الأساس. ومسألة المشروع الحضاري وغيرها من المصطلحات التي بدأت بها دولة الإنقاذ عهدها، أصبحت الآن من مخلفات الماضي، لأنها في الواقع لم تكن سوى قناع أخفى خلفه النزاعات العرقية والبحث عن المغانم إزاحت الستار عنه حدة التناقضات التي تعصف بالدولة من أقصاها إلى أدناها.
    [2] . إستخدامنا لإصطلاح "الشريحة المهيمنة"، هنا لإبراز الفارق في المفهوم مع المصطلح الماركسي (البنية المهيمنة)، لتجنب اللبس، لأن مفهوم (البنية المهينة) ينطبق على المجتمعات الرأسمالية، والتي تتحرك هنا وفقاً لما تحدده مصالحها الإقتصادية. بينما (الشريحة المهيمنة) التي نتحدث عنها تحركها عوامل أخرى قد تكون دينية أو طائفية أو غيرها. وبالتالي فإن سيطرتها على مقاليد السلطة لا تحددها وضعيتها الطبقية إنما هذه العوامل الأخرى كما سنرى، لذلك فإن وصفنا لها بالشريحة المسيطرة القصد منه الكشف عن أن وضعيتها التي إكتسبتها هي بالسيطرة والإستحواذ على السلطة والثروة بطريقة لم تفرضها طبيعة الصراع الطبقي كما تقرر ذلك الماركسية الكلاسيكية إنما عبر عوامل الدين، العلاقات العشائرية، التناقضات السياسية أو مزيج منها.
    [3] . محمد عابد الجابري، العقل السياسي العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية ص13-14.
    [4] . أبكرآدم إسماعيل، "جدلية المركز والهامش وإشكال الهوية في السودان"، مركز الدراسات السودانية، القاهرة ديسمبر 1999.
    [5] . يشرح خالد الكد بإسهاب طبيعة تركيبة المجتمع الأمدرماني وجذور الصراعات التي كانت تدور خلال خمسينيات القرن الماضي من خلال متابعته لتطور مفهوم القومية السودانية وشريحة الأفندية، آخذاً هذا المجتمتع كنموذج. " الأفندية ومفهوم القومية في الثلاثين سنة التي أعقبت الفتح في السودان 1898-1928"، خالد الكد.
    [6] . أبكر أدم إسماعيل، مصدر سابق.
    [7] . سامية الهادي النقر، الجمعيات الأهلية والإسلام السياسي في السودان، القاهرة، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى 2006، ص 30.
    [8] . عطا البطحاني، " شبكة معقدة: السياسة والنزاع في السودان"، مقال مقدم لندوة نظمتها منظمة فرديش أيبرت.
    [9] . حيدر إبراهيم، التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية 1996، ص43.
    [10] . من المهم هنا ولتوضيح هذه النقطة الرجوع إلى الخلافات التي تعصف بجماعة أنصار السنة المحمدية حالياً والتي تشبه إلى حد بعيد وفي المضمون، نفس الخلافات التي نشبت في السابق داخل جماعة الأخوان المسلمين بين صادق عبدالله عبدالماجد وحسن الترابي، فقد كان الترابي يصر على إنفتاح الحركة ويقف صادق عبدالله عبدالماجد موقف المحافظ على نمط وطريقة التربية التي كانت تمارسها الحركة لعضويتها. وكما يبدو أن الخلاف في ظاهره كأنه على طرق ووسائل إدارة الحركة إلا أنه كان خلافاً إستراتيجياً يستند على رؤى مغايرة أساسها كيفية الوصول إلى السلطة. فمضي الترابي وكون الجبهة الإسلامية وإستولى على السلطة في 1989، وبقى صادق مجرد حزب صغير. الآن تعاني جماعة أنصار السنة المحمدية نفس الإشكالية سواء إن كانوا على وعي بذلك أم لا، وبالتالي هذا يقوي من فرضيتنا حول صيرورة حركات الإسلام السياسي.
    [11] . حسن الترابي، "أولويات التيار الإسلامي لثلاثة عقود قادمة" ، منبر االشرق، العدد 1، مارس 1992، ص17.
    [12] . الجابري، مصدر سابق، ص60.
    [13] . يروي د. شريف حرير حادثة طريفة أنه سأل أحد المنتمين إلى إحدى الطائفتين عن سر ولائه الشديد للسيد، فإجابه بأنهم وفي داخل الطائفة عند أداء قسم الولاء والطاعة يرددون: " إن أكون بين يدي سيدي كالميت عن الغسيل". وهو ما يؤكد على طابع الولاء الأعمى، فهذا القسم الغليظ، وصيغته، لا تعني غير ذلك. وهكذا، يصبح المريدين، الأشياع، الحواريين أو أعضاء الحزب الذين هم من هذه الشاكلة، في وضعية أحط من وضعية الأقنان في حظيرة حزب السيد.
    [14] . هناك رواية تقول: أنه لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة تلقاه رجال قريش فقالوا "الحمدلله الذي أعز نصرك وأعلى كعبك"، فوالله مارد عليهم بشئ حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال "أما بعد والله ماوليتها بمحبة علمتها منكم ولامسرة بولايتي، ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة. ولقد رضيت لكم نفسي على عمل أبن أبي قحافة (أبي بكر) وأردتها على عمل عمر فنفرت من ذلك نفاراً شديداً، وأردتها مثل ثنيات عثمان فأبت على، فسلكت بها طريقاً لي ولكم فيه منفعة: مواكلة حسنة ومشاربة جميلة. فإن لم تجدوني خيركم فإني خير لكم ولاية. والله لا أحمل السيف على من لا سيف له، وإن لم يكن منكم إلا ما يستشفي به القائل بلسانه فقد جعلت ذلك له دبر أذني وتحت قدمي. وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فأقبلوا مني بعضه، فإن أتاكم مني خير فأقبلوه فإن السيل إذا زاد عني، وإذا قل أغنى، وإياكم والفتنة فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة" ثم نزل. الجابري، مصدر سابق، ص 236.
    [15] . الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص 98.
    [16] . المعني بها واقعة سقيفة بني ساعدة: وتقول الروايات أنه لم أعلن عن وفاة الرسول (ص) سارع الإنصار إلى سقيفة بني ساعدة وقد أرادوا بذلك أن يسبقوا المهاجرين. خطب سعد بن عبادة وهو زعيم الأنصار فقال: "يامعشر الإنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب". وختم حديثه قائلاً: "فشدوا أيديكم بهذا الأمر فإنكم أحق الناس وأولاهم به". فلما سمع عمر بن الخطاب بما جرى ذهب مسرعاً إلى أبي بكر ثم إنطلاقا ودخلوا على الأنصار وخطب أبي بكر فيهم:"فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاماً، والناس لنا فيه تُبع، ونحن عشيرة رسول الله (ص)، ونحن في ذلك أواسط العرب أنساباً، ليست قبيلة من قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة" وفي رواية أخرى "وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش"، ورواية ثالثة "إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش".
    [17] . البخاري، صحيح البخاري، ج5، ص13.
    [18] . إبن قتيبة، الإمامة والسياسة، ج1، ص174.
    [19] . لقد لاحظ هذه النقطة وتعرض لها الكاتب عبدالعزيز حسين الصاوي في مقال له بجريدة الصحافة السودانية ومنشور بموقع سودانايل [لا أذكر تاريخه بالتحديد]. وإن كان قد إتخذ إتجاهاَ مغايراً في تفكيره بإن طرح أفكاراً دعت إلى التحالف مع تيارات الحداثة داخل صحراء الأصولية المتزمتة. وقد أشار بأسى إلى أن الترابي الآن يطرح نفسه كمفكر حداثة عبر ركوبه صهوة أفكار العلمانيين.
    [20] . للمزيد من التوضيح حول هذه النقطة، راجع كتاب صموئيل هيغنتون صراع الحضارات، وكتابات زبيغنيو برزينسكي أمريكا الهيمنة العالم أم قيادة العالم، رقعة الشطرنج.
    [21] . لم يبدأ تفكك الدولة في الصومال دفعة واحدة عقب إنهيار نظام سياد بري في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بل بدأ ذلك منذ وقت مبكر قبل ذلك التاريخ، وإرتبط ذلك وإلى حد كبير في تفسير كثير من المهتمين بشئون القرن الأفريقي بالسياسات التي إتبعها سياد بري ضد خصومه من إستخدام سياسة تسليح القبائل والتي أسماها بالمليشيات الصديقة ـ [لاحظ التشابه بين هذه السياسة وتلك التي إختطها فضل الله برمة ناصر أيام الديمقراطية الثالثة في السودان عندما قام بتسليح المليشيات العربية في جنوب دارفور بدعوى حماية نفسها ضد الحركة الشعبية "التمرد"، وربط ذلك بالأوضاع التي وصلت إليها دارفور الآن] ـ وزجها في صراعات مسلحة لصرفها عن معارضة نظامه المتهالك في ذلك الوقت، وعندما سقط سياد بري، سقطت معه السلطة المركزية التي تمثل الصفة الرمزية للدولة وأصبحت كل هذه المجموعات تملك المال والسلاح ودخلت في صراعات دموية فيما بينها، وإتجه كل كيان أو عشيرة لتأسيس دولته الخاصة به. وعلى الرغم من أن التكوين الإجتماعي في الصومال متجانس إلى حد كبير مقارنة بالسودان، إذ أن جميع الصوماليين يكادون ينحدرون من أصول واحدة ويدينون بدين واحد، إلا أن ذلك لم يقف حائلاً من الصراع الدموي، ولم يحد من الإندفاع نحو الإنهيار الكامل للدولة فيما بعد. وهو ما يعزز مقولة أن وحدة اللون أو الجنس أو الدين لا تمنع نشوب الصراعات. والمقارنة في السودان تجد أساسها في أن نفس السياسات التي قادت إلى إنهيار الدولة في الصومال هي نفسها التي تم إتباعها في السابق ولازالت تمارس حتى الآن مع الإختلاف في التركيبة الإجتماعية التي ذكرناها للبلدين. وبالتالي فإذا كانت الوحدة الإثنية والدينية لم تمنع الإنهيار في الصومال فماذا سنتوقع في دولة كالسودان تبلغ فيها درجة الإختلافات الإثنية والدينية والثقافية مداها الأوسع ، ماذا نتوقع أن تكون النتيجة (؟).
                  

العنوان الكاتب Date
المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-03-08, 11:22 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Yassir Tayfour07-03-08, 11:31 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-03-08, 11:35 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-03-08, 11:56 PM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Ahmed Abdallah07-04-08, 00:27 AM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 00:16 AM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 01:15 AM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! آدم صيام07-04-08, 02:37 AM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 02:37 AM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! سيف النصر محي الدين محمد أحمد07-04-08, 03:18 AM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 03:32 AM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 04:03 AM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! سيف النصر محي الدين محمد أحمد07-04-08, 04:24 AM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! فارس موسى07-04-08, 05:02 AM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! abubakr salih07-04-08, 05:56 AM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 06:27 AM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Hololy07-04-08, 06:42 AM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! ترهاقا07-04-08, 07:25 AM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 07:15 AM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! esam gabralla07-04-08, 09:27 AM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! عبداللطيف حسن علي07-04-08, 12:31 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 03:54 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 04:09 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 04:24 PM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! ترهاقا07-04-08, 05:48 PM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! esam gabralla07-04-08, 09:14 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Amin Elsayed07-04-08, 05:40 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Elsiddig A. Ahmed07-04-08, 06:12 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 08:23 PM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! MAHJOOP ALI07-04-08, 09:04 PM
      Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Yassir Tayfour07-04-08, 09:38 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 08:36 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 09:49 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-04-08, 11:58 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-05-08, 07:55 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Abuelgassim Gor07-05-08, 08:40 PM
  Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! Bashasha07-05-08, 10:59 PM
    Re: المفكر الجلابي الشيوعي د.م سليمان ومصطلح "مؤسسة الجلابة" المفخخ! عيسي ابراهيم07-07-08, 11:22 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de