|
رمضانيات: فقه المقاصد
|
فقه المقاصد والمراتب د. علي بن عمر بادحدح
إن من الأمور المهمة للمسلمين عموماً، والمصلحين خصوصاً الفقه في الدين، ومن أجلّ ذلك إدراك المقاصد الكلية للشريعة، ومعرفة المراتب، فلا يقدم الأدنى على الأعلى، ولا الآخر على الأول، ولذا كان من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين ) . ولابد للمتصدرين للدعوة ، والموجهين للصحوة ، أن يأخذوا بالحظّ الوافر من الفقه في الدين بمعناه الواسع الرحب ، الذي يحول دون ضيق الأفق ، وسذاجة التصور، واختلال الموازين ، فعندما نعلم بأن الشريعة الإسلامية " مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها "، وعندما ندرك أن الشريعة قد جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها " ويكون هذا العلم والإدراك قائماً على الأدلة النصية بالاستقراء ؛ فإن ذلك يعين على ترتيب الأولويات ، والتفريق بين الكليات والجزئيات. وكذلك هناك مراتب للأعمال فثمّ المستحب المسنون ، لكنه مهما عظم أمره، وكثر أجره ، لا يرقى إلى درجة الواجب المحتوم ، ومعلوم أيضاً أن المكروه دون المحرّم ، وأن فرض العين مقدّم على فرض الكفاية ، فبرّ الوالدين مقدّم على الجهاد ما دام فرض كفاية ، أما إذا صار الجهاد فرض عين فهو مقدم على بر الوالدين ؛ لأن فرض العين المتعلق بعموم الأمة أولى من فرض العين المتعلق بالفرد. وللأدلة كذلك مراتب ؛ فمنها ما هو قطعي ، ومنها ما هو ظنّي ، ولا تصح التسوية بينها، وهناك الصحيح من الأدلة ؛ ومنها الضعيف ، ومنها المختلف في صحته ، وليس كل دليل يصح الاستناد إليه ، أضف إلى ذلك أن هناك تقييد للمطلق ، وتخصيص للعام ، وهناك نسخ يرفع الحكم ويثبت حكماً آخر. واختلاف الأصول له أثره في التقديم والتأخير ، فالمجاعة ربما كانت شبهة تدرأ حد السرقة ، ومواجهة العدو تسوغ تأخير إقامة الحد، كما فقه ذلك الصحابة وعملوا به ، بل إن اختلاف الأشخاص له أثره أيضاً ، فهناك الناسي الذي لا شيء عليه ، والجاهل الذي قد يعذر بجهله، والمكره الذي لا حيلة له، كل ذلك له اعتباره فلابد للحكم – كما يقول العلماء – من : " تحقق الشروط وانتقاء الموانع ". إن عدم إدراك هذه الأمور يقلب الأشياء رأساً على عقب ، فالمنكر يشرع بل قد يجب إنكاره إذا كان الإنكار يزيل المنكر ويقيم المعروف مكانه ، أو يزيله ولا يخلفه شيء ، أما إذا كان زوال المنكر يخلفه منكر أكبر ، فإنكاره هنا ممنوع لا مشروع ، فمراعاة عواقب الأمور، والموازنة بين المصالح والمفاسد مسألة في غاية الأهمية ، تحتاج إلى علم بالشرع ، وبصر بالواقع. وكثيرة هي القضايا والأصول والقواعد في مثل هذه الأبواب الموصلة إلى فقه الأولويات والموازنات ، ولكن بعض شباب الصحوة عندهم نظر إلى الجزئيات مع فقدان العلم بالكليات ، وتطبيق لمنطق الأقوال دون مراعاة لتغير الأحوال ، والتعامل مع الألفاظ دون معرفة مدلولاتها ، وإلزام بمالا يلزم ، وتقديم لما حقه أن يؤخر ، وهم في كل ذلك يستشهدون بنصوص ويقولون الحق أحق أن يتبع ، وتأخذهم حماسة وحمية، ومع ذلك فهم مخطئون إذ لم يعرفوا أصول الفقه ، وقواعد اللغة ، ومقاصد الشرع ، وقادوا الأدلة بلا خطام ولا زمام ، ومن هنا نفر من هؤلاء كثير من العامة ، ووقع بسببهم بلبلة بل يحصل لهم أنفسهم حيرة واضطراب ، أو شعور بالوحدة والاغتراب ، وبما صححوا ما سبق أن حكموا بخطئه والعكس. وهؤلاء الشباب نحبهم ونشكر لهم غيرتهم وما عندهم من العلم ، لكننا نقول لهم إن الأمر أكبر من ذلك ، ولابد لكم أن تستزيدوا من العلم ، وأن تتعمقوا في الفهم ، وأن تدركوا العلل والمقاصد، وارجعوا الأمور الكبار إلى أربابها من العلماء الفطاحل أهل الفقه الجامع والبصيرة النافذة ، الذين يحسنون تنزيل الأحكام ، ومعالجة الوقائع ، وهذا أدعى لكم أن لا تخلطوا أو تتخبطوا ، وأحفظ لكم ولمن حولكم من الخطأ ، وأقرب إلى أن تعرفوا قدركم وتكملوا نقصكم ، وكلنا ذلك الرجل . فالله المستعان على الوعي والفقه والبصيرة.
http://islameiat.com/main/?c=124&a=1234 بريمه
|
|
|
|
|
|
|
|
|