الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
اكذبوا ايها الاصدقاء
|
صديقي رشاد.. معذرة , انا غاية فى الخجل...ولكن لابد ان احدثك عن عاهرة صغيرة اسمها ايفاليزا..كانت تجلس مع احد اصدقائها فى القطار القادم من روما ...غارقة فى المقعدبجانبه,متعبة, ممتلئة مللا مثل قطة محنطة... وكانت قد سكرت طوال اليومين الماضيين وظلت ترقص باتصال فى ميدان ادزردا بروما حتى توقف القطار فى برلين صباح اليوم التالى ... وعندما رايتها ذلك اليوم كانت مرهقة تماما.. ولقد بدت عجوزا فجاة.. وبدت كل ملامحها قديمة متاكلة ما عدا عينيها فقد ظلتا ناضجتين بهيجتين مثل حبتى زيتون... فقلت لها محييا: هالو موناليزا ... نحن لم نرك منذ زمن . فابتسمت بلطف ثم قدمتنى الى صديقها الذى شرع يتحدث مباشرة عن عمر الخيام.. كان يلوى شفتيه بطريقة مضحكة .. وكان يكذب بحماقة,اذ لم يكن يعرف شيئا حقيقيا عن احد.. فقلت له ببط... عمر الخيام يسكن فى شارعنا وانت لا شان لك . وانفجرت ايفاليزا ضاحكة..لقد ضحكت حتى دمعت عيناها.. ثم توقفت وقالت بحزن فجائى: انا غلمته كل هذه الاكاديب عن الخيام خلال رحلتنا.. ولقد كذبت عليه طوال الوقت اذ لم يكن ثمة فائدة معه.. انه خنزير طائش محشو بالقش صديقى رشاد.. ايفاليزا فتاة رديئة... ولكنها تعرف اين يقف كل شئ فى هذا العالم... لقد اكتشفت ذلك فى ضياعها المؤلم بين اذرع الرجال( مثل زوجة ماو تسى تونغ اللينينية والتعليق من عندى) ... وباتت ترى الاشياء بطريقة مغايرة حتى لقد بات فى ميسورها ان تفك العالم قطعة قطعة ثم تعيد تركيبه من جديد معصوبة العينين ... انها لم تقرا ذلك فى الكتب بل ذهبت تبحث بنفسها.. ولقد واصلت البحث بشجاعة مطلقة... وتحملت كل الضربات زاحفة نابشة باظفارها فى كل شير من تراب الطريق حتى اكتشفت فجاةـ فى احدى اللحظات ـ وعبر الزحام والضجة... واضواء القطارات والمدن.. والحانات... وعرق الرجال, ان العالم كله اكذوبة مملة ... وبدا لها ذلك مؤلما اول الامر,حتى لقد انطوت ايفاليزا فى غرفتها طوال الشهر التالى , وبكت على نحو موصول... ولكنها عندما خرجت بعد ذلك بدت اكثر سعادة... ولمعت عيناها مثل حبتى زيتون.. وشرعت ايفاليزا تكذب ... وتعلم الكذب للاخرين, كانت تقوم بذلك فى جميع الاوقات وبطريقة محكمة للغاية حتى ان احدا لم يعد يدرى ما اذا كانت ايفاليزا تعيش فى هذا العالم.. كانت تسخر من كل الناس ... ومن جميع الاشياء... وكانت تعرض نفسها للبيع فى لينباخ بلاتس منادية بصوت عال : تعالوا يا ذكور الخنفساء... تقدموا جميعا الان... ثم تشرع فى الرقص حتى يطردها الشرطة .. وكانت تنطلق بعد ذلك الى جامعة ميونيخ وتجلس فى المقهى وتكذب على اى طالب حتى تدمع عيناها.. لم يكن بيننا احد يعرف بقدر ما تعرف ايفاليزا .. كانت تقول دائما .. اكذبوا ايها الاصدقاء , فليس ثمة جدوى من ترديد الحقائق المرهفة .. ان احدا لا يهنم بنا.. وليس ثمة من يرغب .. رغية اكيدة... فى معرفة الحقيقة او غيرها وعندما التقيت بها فى القطار صبيحة ذلك اليوم وقدمتنى لصديقها , قالت فى ملل لقد ظل يحدثنى عن بناء روما طوال الوقت حتى اعترانى الغيظ فطفقت احدثه عن عمر الخيام. انت تعرف لم اقل له حقيقة واحدة ... ولكن ما الذى تستطيع ان تفعله مع خنزير طائش مثل هذا .. محشو بالقش. وصاح صديقها: ولكننى لم اكذب عليك قط.. انا قلت لك كل ما اعرفه عن بناء المجارى فى روما, ونظرت اليه ايفاليزا ببط ثم اعمضت عينيها .. ونامت مباشرة.. صديقى رشاد... انا غاية فى الخجل.. ولكن ايفاليزا الوضيعة... تشعرنى بالضالة.. انها اكبر منى الف مرة , واكثر قدرة على رؤية الاشياء.. واناـ يا صديقىـ مثقف من الخارج. انا وعاء يتقيا فيه المعلمون البؤساء. ماذا تنتظرون منى؟ انا اتفه شئ لديكم لا تحيى احدا من اجلى. صادق النيهوم هامش هذه الرسالة نشرت فى صحيفة الحقيقة الليبية التى كانت تصدر فى بنغازى فى الستينات قبل ان تتوقف عن الصدور فى عام 69 وكان رشاد الهونى المجهة اليه الرسالةيعمل كرئيس تحرير للجريدة المذكورة اما كاتب الرسالة الراحل النيهوم فقد كتبها عندما كان يحضر للدراسات العليا فى ميونيخ بالمانيا ونشرت مؤخرا فى كتاب عنه
|
|
|
|
|
|
|
|
|