|
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف (Re: الزاكى عبد الحميد)
|
(3)
أما الشعراء الميتافيزيقيون فهم ستة شعراء إنجليز عاشوا في القرن السابع عشر وهم جون دون وجورج هربرت واندرو مارفيك وهنري فوغان وتوماس ترهبرن وريتشارد كراشو. ويتميز شعرهم بالمهارة الفنية والقوة الفكرية والاعتماد على السخرية والتنافس الظاهري والطباق والشدة الدرامية في التعبير والاهتمام بالتحليل الداخلي لدوافع النفس. ففي قصيدته أنا عالم (بفتح اللام) صغير خلق ببراعة
I am a little world Made cunningly يقول دون إن الشعر الذي يتأمل بجدية في الكون هو وحده الذي يسهم في تحرير الإنسانية من عيوب الضعة والهوان ويزرع فيها بذور الألفة ومحبة الله. وغالباً ما نجد الموصوف الطبيعي في شعر دون قد ارتقى في سلم الكائنات فلم يبق كائناً جامداً بل غدا إنساناً متمتعاً بخصائص الإنسان من تعقل ونطق ورهافة شعور. ويتضح هذا الأسلوب بجلاء في قصيدتين كتبهما دون في رثاء صبية تدعى اليزابيث دوري توفيت عن خمسة عشر عاماً وهما قصيدتا "تشريح الكون" و "تسامي الروح". أما القصيدة العربية القديمة ومضمونها الفكري فلعلنا من خلال نظرة متأملة فاحصة على بعض القصائد ندحض ما ذهبت إليه كارولين أسبرجن. فلامية العرب (وشاعرها الشنفري عاش قبل الميتافيزيقيين بألف عام ويزيد) التي تعد واحدة من أشهر نتاج الشعر الجاهلي لا تخلو بأي حال من الأحوال من مغزى فكري. ما نواجهه في اللامية هو: مذهب شعري مستقل. ففي حين يجعل الشاعر الجاهلي وصف الطبيعة من الجبال والفيافي وغيرها غرضاً مقصوداً لذاته. يتخذ شاعر اللامية هذا الوصف بمثابة منظر أساسي بهيج لتصوير الإنسان نفسه وأعماله. فتصوير الإنسان لا يكون ما لم يصاحبه إعمال للفكر. فبداية قصيدة الشنفري بداية متمردة على منطق المألوف الذي ألفه السلوك المنطقي العادي: ففي البيت الأول من القصيدة يقول الشنفري: أقيموا بني أمية صدورَ مطيِّكُم فإنِّي إلى قومٍ سواكُم لأَمْيَلُ فالذي يريد الرحيل هو الشاعر وهو الذي ينبغي أن يقام له صدر مطيته استعداداً لذلك الرحيل أما القوم فهم المقيمون المرتحل عنهم. ومن ثم فمن المنطقي أن تظل نياقهم نياخاً لكن الشاعر بعثر أوراق المفاهيم الثابتة تمهيداً لبعثرة مفاهيم الوحشية والأنس التي حكمت علاقة الكائن بالجماعة المحيطة به في دوائرها المتتالية بدءاً من القبيلة الأم وإلى القبيلة المعادية. ثم إلى إتحاد هذه الدوائر على تناقضها أحياناً، ضد دائرة أوسع هي دائرة الحيوان المستأنس أو المتوحش كما يقول الدكتور أحمد درويش في كتابه متعة تذوق الشعر. يقول الشنفري: ولي دونكم أهلون: سيّدً عَمَلَسٌ وأرقطُ زهلولٌِ، وعرفاء جيألُ هم الأهلُ، لا مستودعُ السرِّ ذائعٌ لديهم، ولا الجاني بما جرَّ يُخْذلُ
إن أهله الجدد هم ذئب قوي (سيد عملس) ونمر مرقط (أرقط زهلول) وضبع كثيف الشعر (عرفاء جيأل). إن القانون المتوازن الذي يحكم حياة هذا التجمع الجديد، يشكل مفهوم الحرية في الثورة على السلوك الجائر للجماعات البشرية المحيطة بالشنفري. فالسر محفوظ بين الجميع، والجماعة تحمي الفرد. هل من الممكن بعثرة أوراق المفاهيم الثابتة دون أن تعمل فكرك في ماهية هذه المفاهيم نفسها؟ وها هو طرفة بن العبد في معلقته يقول: : ذريني أروي هامتي في حياتها مخافة شرب في الحياة مصرد كريم يروي نفسه في حياته ستعلم إن متنا غدا أينا الصدى أرى قبر نحام بخيل بماله كقبر غوي في البطالة مفسد ترى جثوتين من تراب عليهما صفائح صم من صفيح منضد إن طرفة (الذي سبق الميتافيزيقيين أيضاً بأكثر من عشرة قرون) يضعنا من خلال الأبيات المتقدمة أمام مشكلة الحياة والموت وهي مشكلة فلسفية شغلت الشعراء والفلاسفة أنفسهم فانقسموا فيها مذاهب وواضح أن مذهب طرفة هو مذهب من يريد أن يروي هامته في الحياة خوفاً من عطش في الممات ذلك أن طرفة كما يبدو لم يكن يرى بعد الحياة من حياة وأن الموت قد ساوى في ديمقراطية عجيبة بين الجميع: الأغنياء والفقراء فكلهم جثوة اليوم أو غد. ولعل الفكرة التي يطرحها الشعراء الصعاليك في أشعارهم تكاد تكون مشروع حياة وضرباً من السلوك، فعروة بن العبد يميز بين صعلوك وصعلوك: صعلوك خامل همه أن يجد ما يملأ بطنه، فإذا ملأ بطنه فذاك هو الغنى والقناعة، ليس بصاحب إدلاج ولا غزو ولا مروءة. وصعلوك آخر هو الذي يرى عروة نموذج الصعلوك الذي كانه وكانه رفاق آخرون له في الصعلكة إلى حد ما. هذا الصعلوك ليس همه أن يشبع نفسه ويستر عرضه، بقدر ما هو صاحب مروءة، همه أولاً أن لا يترك أخوانه للجوع والموت: ولا يستضام الدهر جاري ولا أرى كمن بات تسري للصديق عقاربه وإن جارتي ألوت رياح ببيتها تغافلت حتى يستر البيت جانبه وقد كانت المشكلة الأساسية التي حسمت عند عروة أموراً عدة، هي مشكلة الفقر. فقد رأى في الفقر عدوه، وعدو الناس جميعاً، ومبرراً، لأن يطرح الإنسان نفسه كل مطرح: ومن يك مثلي ذا عيال ومقتراً من المال يطرح نفسه كل مطرح لقد أجادت كارولين اسبرجن حين أماطت اللثام عن بعض جوانب شخصية شكسبير من خلال أعماله وتبوأت بذلك مكانة أدبية سامقة لم تتأت للكثيرين ولكن منحها الميتافيزيقيين أكثر مما يستحقون مع تلك الفئة من النقاد حاد بها عن طريقها المألوف.. فربَّ مخطئةٍ من الرامي الذَّعَّاف.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-09-06, 09:00 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-09-06, 09:01 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-09-06, 09:05 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | Agab Alfaya | 09-13-06, 07:39 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-13-06, 08:52 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | Agab Alfaya | 09-09-06, 11:53 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | محمد المرتضى حامد | 09-09-06, 05:44 PM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-10-06, 07:03 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-10-06, 02:21 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الطيب شيقوق | 09-10-06, 02:38 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-10-06, 08:34 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | أبوذر بابكر | 09-10-06, 04:05 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-11-06, 07:12 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | أبوذر بابكر | 09-11-06, 10:34 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | Adil Osman | 09-10-06, 07:33 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-10-06, 10:01 PM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الطيب شيقوق | 09-11-06, 02:30 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الطيب شيقوق | 09-11-06, 08:54 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-13-06, 04:36 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-12-06, 01:00 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | محمد ابراهيم قرض | 09-11-06, 10:23 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-13-06, 04:49 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | Agab Alfaya | 09-22-06, 05:08 AM |
Re: ُربَّ مُخْطِئَةٍ من الرَّامي الذَّعَّاف | الزاكى عبد الحميد | 09-28-06, 09:19 AM |
|
|
|