رحلة من الدويم إلى المربد.. الطيب برير يوسف شاعرا

توطئة


بعضُ الكلام تسمعهُ بأذنيك فلا يتجاوزهما مطلقا. تسمعه ولا تـَحـْـفـِلُ أنك سمعته وسرعان ما تنساه وتنسى صاحبه.
وبعضُ الكلام ثرثرة، تـُصـِمُّ دونه أذنيك ، ولا تسمح له بالدنو.
وبعضُ الكلام خارق، قد تغلق دونه أذنيك فينفذ إلى قلبك ؛ و يتخذه مسرحا يخاطِبُ منه كل الحواس . ويبقى سحره؛ حتى بعد ذهاب صاحبه.
وبعض الكلام شعر وبعض الشعر سحر، لا يقاوم . تسمعه فتطربَ له و تستزيد منه، فيفيضَ عليك مجددا من معين إبداع لا ينتهي.
و شاعرنا ممن يخاطب الحواس كلها. لا يغادر منصته التي أطل عليك منها وأسمعك؛ حتى يستوثق، أنه طبع الصورة الصادقة في خيالك. لا يتركك إلا وقد تبين له أن حلاوة ما قال لا زالت عالقة بذاكرتك. يـُـجـْـمـِلُ الصورة للبناية التي أرادها، ثم يأخذك فتطوف معه في ردهاتها غرفة فغرفة فيلفك العجب وتحس بالمتعة. لا يهمل الشاعر أن يأخذك لتطل من شرفاتها، لتتسع الرؤية أمامك. يأخذك لتنام في حضن الدهشة ويسيطر على أحلامك ورؤاك ويقلبك في منامك المسحور، كيف يشاء. ثم يسوقك إلى الصحو التام ويعبر لك أحلامك. فإن خرجت منها يائسا محطما، نفخ الروح في عزمك و استـَـلـَّـكَ من أحزانك. و لكنه تارة يعبث بفرحك، يعكر صفوه، إن كان الحديث عن هموم وطن جريح جعله كل همه وغاية عشقه. و قد يحدثك عن ذلك العشق جهرة وقد يسر إليك تارة أخرى. وقد يعمد إلى التخفي، شأن العاشقين، ولكن تفضحه العبارة ويسبقه المداد فيسيل على صفحة الورق ليرسم قصة عاشق مهموم.
الطيب برير يوسف (ود الأذان) واحد من شباب هذا الوطن . مثله مثل كثير من الشباب
أحب و عف َّ، شقـِي وشفـِي. اتقد َّ خياله بصورة الأنثى ، ولكنه جعلها خصيصة لصيقة به فلم يطرحها فيما نشر من شعره. و لكنه استعار صورتها الجمالية ، في محراب تغزله بالوطن. الأنثى في شعره مرحلة (ما قبل النضوج ). شأنه شأن الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد ، الذي انتقى في أخريات العمر، نماذج من الغناء، كانت فيها الأنثى رمزا للوطن ، للثورة و للتراب. وهذا هو السر الذي كنت أبحث عنه وأنا أبحث عن سر العلاقة بين ود البرير و مصطفى سيد أحمد. الطيب برير، لا يمل سماع مصطفى ، بل يدير جهاز التسجيل يسمعه، لحظة كتابة شعره؛ وكأنه يستل القصيدة من بين ألحانه و مبعث صوته. حزن لفراق مصطفى، وانشد فيه مرثيات نشر منها واحدة فقط في ديوانه.
الطيب برير يوسف متميز، مر بمراحل كثيرة ، حتى بلغ ما سميته بالنضوج، وسأعود لتفصيله. رغم أن المتاح لي من شعره (الآن) هو ما وجدته في ديوان له تحت الطبع بعنوان ( مرايا تمتص صورتها). ورغم أن قصائده، من أوائل إنتاج فترة النضوج الشعري والتحول الفكري، إلا أنها تصلح كنماذج تقرب صورة الفتى الشفيف و الشاعر المبدع.
أتناول تلك النماذج، و أهمل عامدا شعره في فترة الصبا، فمنها الكلاسيكي و الغنائي باللهجة العامية وأكتفي بما في الديوان.
هذا الديوان، الذي فرغ منه عام 2002 م يرجع إلى تاريخ أقدم ، أيام الدراسة الجامعية ولم ينشر بعد. ولننتظر ديوانه القادم في مقبل الأيام. خاصة وأن الشاعر قد أتم وضع الإطار لديوانه الثالث.
أما ديوانه الأول الذي نشره، كان بعنوان ( من قال ماذا؟).
أحاول هنا أن أسلط الضوء على هذا العَـَـلَـَمِِ و أتركُ الرأي للنقاد والمشتغلين بالشعر.
مرحبا بشاعر الدويم الفحل، الطيب برير يوسف ، عريس المربد.
وتحية له من الدويم ومن أبناء الدويم قاطبة.