|
عِبيلة و يُمْنة ... قصص سودانية من السلف و الخَلَف
|
يحكى أن فلاحاً فقيراً بقرية نائية عند سفح سلسلة جبال شاهقة ، كان يعيش مع زوجته و إبنتيه (عِبيلة) و (يُمْنة).. ما يقع خلف سلسة الجبال كان أمراً أشبه بالخيال ، لا يعرف أحد عنه شيئاً . يحيك أهل القرية عنها حكاوي كلها من نسج خيالهم أو من أضغاث أحلامهم. الفلاح سليل أسرة عريقة ممتدة عبر الأزمنة و القرون .. إلا أن أموراً عظيمة قد كانت السبب في تشرذم العشيرة و جعلتها تتفرق بين أرجاء تلك المعمورة .. و إستقر الحال بأجداده ثم والده في هذه القرية .. فحمدوا الله و شكروه بلسان لاهج و إرتضوا حكمه .. و رضوا بما قسمه لهم الله و إمتهنوا الفلاحة و الرعى. شيخ القرية من سلالته. كل أعمدة القرية من ( أجاويد ) و أهل الحل و الربط من نسبه و حسبه .. والد البنتين كان يقص عليهما قصصاً ينسجها من خياله و هو يعمل في حقله الصغير. عِبيلة.. كانت بديعة الحسن. يُمْنة.. كانت تحاكي القمر ليلة التمام .. والدتهما .. كانوا يسمونها ( البُرَاق ) .. ( شلوخها ) العريضة لم تملأ حتى كل جنبات خديها .. فبقيتْ أجزاء منهما تحكي عن فاكهتين من ثمار الخوخ في عز النضوج .. يَفْتَر ثغرها عن إبتسامة تفضح اللؤلؤ المكنون .. لذا أتتْ (عِبيلة) و (يُمْنة) من ظل جمالها و تلافيف حسنها.
ذات يوم و الغيوم تحجب وجه الشمس و السماء .. إنبثق جيش عرمرم من بين ممرات سلسلة الجبال .. إندلق الجند كماء السيل العرمرم .. تبرق سيوفهم تحت أشعة الشمس التي تسترق السطوع بين طيات السحاب بين الفينة و الأخرى .. فيكاد سناها يخطف الأبصار .. تخفق الأعلام و البيارق بين ميمنته و ميسرته .. تُحْدِثُ وقع سنابك الخيل رهبة في النفوس .. فهي في جَلَبةٍ و صخب بينما تنفلت احجارة الصغيرة من بين حوافرها. جفلتْ الطيور من على أعشاشها .. فرفرفتْ بجناحيها محلقة بفزع تاركة أعشاشها بما حوَتْ .. إنطلقتْ البهائم من قيودها فزِعةً .. يتقدم الجيش فتى مفتول الذراعين .. يجلس على سرجه مزهواً .. لعينيه لمعان المعدن في مِصْهَر الحداد .. و بريق الباز عند هجمة الإنقضاض. تزين ريشة صقر مقدمة رأسه .. بينما ترقد ( حِجبات ) ضخمة مجلدة بجلود الحيوانات على صدره و على عضديه. توارى أهل القرية مذعورين خلف أبواب بيوتهم .. إلا والد ( عبيلة و يُمْنة) .. فقد وقف منتصب القامة و ( طوريته ) على كتفة تقطر طيناً و حشائش. تقدم منه الفتى .. حتى لامستْ أنفاس جواده وجه الفلاح .. ترجل الفتى و قال له : أراك لا تهابنا .. قال الفلاح : و لم أخافك ؟ قال الفتى : أنت على حق .. هل لنا بالماء و الطعام .. فأمامنا رحلة طويلة .. و عدو له في البطش باع طويل. قال الفلاح : الوقت ليس وقت حصاد .. و ما نملكه لا يكفي حتى أطفالنا. قال الفتى : سنمكث حتى وقت حصادكم إذن.. قال الفلاح : حينها سنقتسم معكم زادنا و حفائر الماء..
|
|
|
|
|
|
|
|
|