الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-10-2024, 02:17 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-03-2006, 04:00 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية (Re: الكيك)


    الفنان ابراهيم عوض ( الجرتق )و/شوقي بدري ...
    By
    Jun 1, 2006, 02:18







    قبل بضع سنوات أتي الفنان العظيم إبراهيم عوض عبد المجيد إلي اسكندنافيا وتنقل بين استكهولم ومالمو ولوند وكوبنهيجان وكان مصحوبا بالعازف الأمين جميل من الجزيرة مدني والعازف الدكتور عبد الله وابنه عوض إبراهيم عوض وكنت حينما أقابله في تلك الفترة لا أتمالك نفسي وأقبل يده كلما نلتقي وبدأ هذا كشيء غريب للجميع أو تصرف غير متوقع إلا أنني كنت أحس بأنني أقبل قطعة من الوطن وألثم ثغر أمدرمان في شكل إبراهيم عوض ، غنائه ، إيماءاته كلماته وكنت أقول إبراهيم عوض ده أخوي الكبير وأخو أخوي فإبراهيم عوض وسليمان قلوظ وعمر إبراهيم بدري كانوا رفقاء طفولة وصبا واصل عمر بدري الدراسة والتحق إبراهيم عوض وسليمان قلوظ بورشة ناصر الحداد ثم صار إبراهيم عوض صديقا كذلك لكمال إبراهيم بدري الذي يكبر عمر.
    أثناء التواجد في السويد كان إبراهيم يحكي لي كثيرا من القصص الأمدرمانية . في أحد حفلات آل بدري سأل العم أحمد بدري القاضي عن إبراهيم عوض وعندما عرف أن إبراهيم عوض ليس فنان الحفلة طالب بإحضاره تحت أي ظرف وعندما حضر إبراهيم عوض قام العم أحمد بري والذي كان قد فقد نعمة البصر وقتها بتقبيل رأس إبراهيم عوض قائلا للفنان صاحب الحفل أنت يا ولدي الفنان الحا تغني لكن في أمدرمان هنا ده الجرتق بتاع الحفلة هل في عرس بدون جرتق .

    والدتي رحمة الله عليها كانت تقول لي أن إبراهيم كان يغني في الأربعينات وهو صبي صغير في المنزل . ومنزلنا كان وقتها في شارع العرضه وهو المنزل الأول بعد منزل مدير المستشفي الإرسالية (التجاني الماحي حاليا ) بعد تقاطع شارع الأربعين والعرضه . وكما سمعت من والدتي وسليمان قلوظ وآخرين أن إبراهيم بدري كان قد تنبأ لسليمان قلوظ بأنه سيصير ناجحا في حياته ويصير غنيا ولقد تحققت هذه الرؤية كما تنبأ لإبراهيم عوض أنه سيصير فنانا كبيرا وإبراهيم بدري كان من أكبر رواد دار فوز وصديقا لصقا بتوفيق صالح جبريل وخليل فرح وتحققت رؤية إبراهيم بدري في إبراهيم عوض .
    الشيء الملفت في إبراهيم عوض هو تسامحه وبساطته ومقدرته علي إمتصاص الإهانة والتغول علي حقه فالدكتور الذي أتي به إلي اسكندنافيا كان يقصد إحضار شقيقه حتى يتقدم بطلب لجوء سياسي ولم يهمه تعريض الفنان إبراهيم عوض لمضايقات ومشاكل ولم يحسن حتى تنظيم الحفلات ولم يهتم .
    وعندما نظمت حفلة في كوبنهايجن وأتت بعائد معقول أصر الدكتور الهمام أن يستلم دخل الحفل وإلا لن يسلم الفنان إبراهيم عوض تذاكر الرجوع ولم أكن موجودا حينها في اسكندنافيا وعندما احتج الابن عوض إبراهيم عوض طلب منه والده أن لا يتدخل وأن يترك الأمر . وهناك مئات الحفلات التي أسيء فيها للفنان إبراهيم عوض وكان يترفع كل الوقت عن الصغائر.

    ومن ما يذكر أن بعض الشباب قاموا بحمل الفنان إبراهيم عوض علي أكتافهم بعد حفل في الجريف واختفي العداد من جيب البدلة (صيعوه علي قول المصريين) ولم يذكر إبراهيم عوض الأمر للعريس أو أهل الحفل بل ذهب في اليوم التالي إلي العازفين وأعطاهم حقهم.

    في يناير عام 1985 كنت في أجازة في السودان فقال ابن خالي صلاح وزوج أختي : نحنا معزومين حفله عند إبراهيم عوض في حي العرب فاستغربت لأن صلاح لم يكن من سكان أمدرمان وعرفت أن التقي بإبراهيم عوض بدبي لفترة وعندما سمع إبراهيم عوض بحضوره أصر علي دعوته لحفل وكنا نقول مافي فنان بيعزم ناس حفلات غير إبراهيم عوض . ومن المشتركين من العازفين محمدية وعازف الإيقاع الأخ إبراهيم كتوبا وآخرين.
    من تسامح إبراهيم عوض في حفل السينماء الوطنية أمدرمان وكتب عنه ما لا يليق واصفا له بالفنان الذي يترنح
    لأن إبراهيم عوض كان يتحرك مع الغناء خاصة الأغاني الراقصة . هذا الصحفي أقام إبراهيم عوض له حفلا بدون أجر.
    إبراهيم عوض كان من الفنانين الذين لا يتوقفون فإذا لم يحصلوه بالعداد يغادر بدون أن يتوقف وكان يمكن أن يكون من أغنياء أمدرمان كما كان مجاملا إلي أبعد حد وعندما كان صغيرا كانوا يرسلونه لزنك الخضار إلي جاره وفنان الحقيبة ميرغني المأمون فردة أحمد حسن جمعه وعندما كان يمر ببنت الحناوي وهي امرأة ضخمة
    اشتهرت كأحد فتوات أمدرمان كانت تنادي إبراهيم عوض وتجبره قائلة : ما أهو ده الخضار قدامك تعال اشتري.
    وصار إبراهيم يأخذ لفة كبيرة خلف زنك اللحمة حتي يتفادي بنت الحناوي ولا يحرجها. في حديثي مع إبراهيم عوض كنت أذكره برحلة ملكال وجوبا والجنوب سنة 1958 وأذكر إبراهيم عوض في سينماء ملكال بألحانه الراقصة وشباب فريق جلابه الذين طبقوا تسريحة إبراهيم عوض أو (بقدي) إبراهيم عوض وهي الشعر المشقوق والقجه واعتلي البعض وعلي رأسهم لاعب الهلال أبو رزقة الذي كان يعمل في لأشغال وقدموا فاصل رقص للسامبا والرامبا وصارت ملكال بعد حفلة إبراهيم عوض تغني علي ألحانه ويمارس الشباب الرمبا والسامبا في الشارع.

    تلك الرحلة المتعبة والطويلة كانت لصالح فريق المريخ الذي تكون قبل فريق الهلال في منطقة المسالمة وحي العرب وكما تردد قديما فإن إسم المريخ قد إقترحه الوالد عوض عبد المجيد والد الفنان إبراهيم عوض.
    وهكذا كان إبراهيم عوض سباقا للمساعدة والمساهمة في أي مجال وكنت أقول أن هناك مغنيين ولكن إبراهيم عوض فنان لأنه كريم ورقيق وبسيط ولم تغيره الشهرة أو تهافت الناس نحوه كان يذهب إلي الآخرين ويبادرهم التحية ولم ينفصل عن واقعه وبيئته ولم يتنكر أبدا لأصدقائه .

    في سنة 1974 قتل العازف عبد الوهاب طعمية المهندس بيضاوي وفقأ عينيه ثم وضعه في زقاق علي باب منزلنا ، وعندما أعتقل عبد الوهاب تكفل إبراهيم عوض بكل أتعاب المحامي عبد الحليم الطاهر وكان يتواجد بكثافة مع والد عبد الوهاب الذي كان متقدما في السن وأسرته وانحصرت حياته في تلك الفترة في محاولة إنقاذ عبد الوهاب وبعض الفنانين عندما يقال لهم أن عازفك فلان محتاج كان يقول عايز شنو عداداته وكنت بديها ليه .

    وعندما كنت اذكره بزملاء وصناعيه امدرمان خاصه ( ختر ) بضم الخاء والذى صار اسمه منحوتاً فى ترباس اغلب صناديق اللوارى , كان يقول لى تعرف يا شوقي أنا عندي عدة في البيت ومدربيتة .
    . كنت أسأله : داير بيها شنو؟
    كان يقول لي : أعاين ليها وأتذكر أيام زمان .
    شاهدت ممثل التلفزيون الجيبوتي في كوبنهايجن يقول لإبراهيم عوض اثناء تصوير فيديو أنت كنت بمثابة الفيس بريسلي لكل المنطقة وإبراهيم يبدي خجلا وتواضعا ويقول : لا ده ما حصل أنا كنت بغني بس.

    بالرغم من أن كثير من الفنانين بدأوا حياتهم بتقليد إبراهيم عوض وعندما صاروا كبارا أساءوا إليه بطريقة أو بأخري إلا أنه كان يترفع عن لإساءة إليهم أو الشكل. وكان يشيد بالفنانين الذين سبقوه خاصة الشفيع الذي كان يكن له الكثير من الود وسمعته يقول : زمان الفنانين كان بيناتهم خوه لامن ظهر خميس بنقز الشفيع رسل لي وناداني وقال لي يا إبراهيم أسمع دي آلة جديدة وبتنفع مع أغانيك.

    إبراهيم عوض وعبد اللطيف الحاوي والشاعر وموظف البوستة إبراهيم الرشيد ( شاعر اغنيه يا زمن وبعض اغانى ابراهيم عوض ) كانوا يمثلون الأناقة والشياكه ويتواجدون سوياً فى الحفلات التى يتهافت عليها حسان امدرمان .
    في أمدرمان. وكان الهادي الضلالي مغرما بحفلات إبراهيم عوض ويترصدها ويندفع مقبلا إبراهيم عوض وعبد اللطيف الحاوي مما يعطل الغناء فقرروا عدم إخباره بمكان الحفلات فصار الهادي الضلالي يرابط أمام محلات محمد على حامد لتاجير المايكرفونات . وبالسؤال يعرف مكان الحفلات . وكما أخبرني إبراهيم عوض أنهم ابتدعوا أسلوبا عندما يقترب منهم يقف الإثنان ويضع إبراهيم عوض العود أمامه وينتصب عبد اللطيف بقامته الطويلة ويكتفي الهادي من الغنيمة بالإياب .
    من أعجب الأشياء كان الحديث عن أمدرمان القديمة وفي مرة قلت له اللحن ده زي دقة حاجة كبره –بضم الكاف- فضحك إبراهيم عوض حتى خفت عليه وقال لي : أنت يا شوقي لسه متذكر حاجة كبره ؟
    وكانت من أكبر شيخات الزار في أمدرمان وقال لي : والله لو كان في فن حاجة كبره كانت تكون أكبر فنانة في السودان.

    رحم الله إبراهيم عوض ونتمنى أن نري اسمه علي أحد الشوارع قريبا .


    إبراهيم عوض وبناء السودان الجديد



    د. عبدالله جلاّب

    جامعة ولاية أريزونا

    [email protected]





    لقد بكت البلاد إبراهيم عوض وبحرقة وحق لها أن تبكيه فلا هو قد سام أهلها العذاب ولم يقتّل أبناءها ولم ينهب أموالها. وإنما وهب الأجيال المتعاقبة من الرجال والنساء من المعاني السامية ما أصله راسخ في أساس العلاقة الإنسانية وفروعه وارفة في الحياة اليومية. الامر الذي يجعل الحلم والمنى أحد عمد الدنيا أو كما ظل يقول لنا بأن "الدنيا منى وأحلام." وما ذلك إلا من ذخر ليالي اللقاء الجميلة تلك. هكذا تظل الأشواق تترى حتى يتم مثل ذلك اللقاء وتأخذ الحياة مجراها ومسراها. فالحادثات غير متناهية وهنالك من الناس من هو دائماً في "عز الشباب", فلماذا لا يتجدد الحلم والأمل وتتسامى تلك المعاني. ويظل ذلك "غاية الآمال".



    ذلك إذن هو أساس تلك العلاقة الجدلية بين إبراهيم عوض وأجيال مستمعيه. علاقة في بساطتها أشبه بالتطلع للأبراج أو قراءة الحظ التي هي شكل من أشكال المداعبة للأماني والتدليك للحلم. وفي ذات الوقت تظل تلك العلاقة في تعقيدها تحمل المعنى العميق للحياة القائم على تناغم وإنسجام الرباط الإنساني الذي به تنمو وتتجدد الأسرة الإنسانية. وعلاقة إبراهيم عوض بأجيال مستمعيه تلك, علاقة متجددة خلاقة لا تحكمها شمولية أو ولاء مطلق فيها مساحات رحبة ومجالات واسعة للمزاج المتحمس وغير المهتم والرافض. في إطار ذلك الفضاء الواسع يتحرك الأفراد دون وجل أو خوف. الأمر الذي يقف كواحد من النماذج المضادة للشموليات الماثلة أو السابقة. لذلك تجدنا نهرع إلي مثل ذلك الفضاء الواسع والمريح عسى أن نستظل به من هجير تلك "الأوضاع الكدرية" التي تعوذ منها المولد العثماني. وذلك بلا شك يفسر لماذا نركض جماعات وأفراداً نحو الهلال والمريخ والموردة كلما إنقض علينا نظام شمولي قامع, علنا نعوض بذلك ولو قليلاً عن تعددية مفقودة. وقد يجدد البعض علائق قديمة أو يبحث عن علاقة جديدة بالطريقة الصوفية عل أن يجد في ذلك شيئاً من روح الجماعة المفقودة من جراء التضييق على التجمعات السياسية والنقابية وتقييد حرية التجمع والتظاهر والتعبير. هذا ويمكن لنا أن نتفق أو نختلف حول القيمة الفنية أو الثقافية لكل أو بعض ما يقدم إبراهيم عوض أو محمد وردي أو عبدالكريم الكابلي وغيرهم جهاراً نهاراً دون خوف من أن يزج بنا أحد في سجن أو في بيت من بيوت الأشباح أو يرفدنا من وظيفة.

    هذا وبمقدار ما تسطو تلك النظم غير الشرعية على شرعية الحكم يسعى الناس للإحتماء بشرعيات أخرى متوفرة كخط دفاع أخير وإن كانت أقل مقاماً في سلك الشرعيات. والامثلة كثيرة ومتعددة في هذا المجال. فمن واقع تجربتنا الطويلة مع النظم الشمولية والقمعية التي تعاقبت على البلاد لا شك أننا قد لاحظنا كيف تنتعش الطريقة الصوفية وقتها بشكل عام. ونلاحظ كيف تتواتر وتتعدد الطرق والسبل من أجل البحث عن عصبية أو ذات قديمة.



    وبما أن مثل تلك الاوضاع تسبب خواءاً وخوفاً متصاعدين في في الحياة العامة والخاصة يعبر كل منهما عن نفسه بمختلف الأشكال, نشاهد كيف تتعدد السبل من أجل التعامل مع مثل تلك اللأحوال ومحدثاتها. هنا نرى كيف يتكالب بعض كبار الموظفين وبعض أصحاب النعم على الشيوخ صالحهم وطالحهم خوفاً على حال قد يزول أو طمعاً في دنيا قد يصيبها البعض أو لا يصيبها. ومن واقع تجربتنا أيضاً لابد إننا قد لاحظنا الجانب الآخر لتلك الظاهرة حيث يدفع الخوف الدائم صاحب الحكم إلى أن يحيط نفسه بما أطلقت عليه السخرية السودانية ذات يوم "سلاح الليحان" الخاص بجعفر نميري. فكما يقول إبن المقفع أن صاحب الحكم مثل راكب السبع يخافه الناس وهو منهم أخوف. هذا ومن جهة أخرى لعل في ذلك ما يفسر محاولات النظام القفذ على مثل تلك الحواجز التي يتمترس عندها البعض كما يفسر لنا ذلك الضجر الذي أصاب قطاعات السودانيين عندما قام جعفر نميري بحل الهلال والمريخ والفرق الرياضية الأخرى وإستبدالها بشمولية رياضية أسماها الرياضة الجماهيرية.



    هذا من جهة, ومن جهة أخرى, وإضافة إلى ذلك, لعل تلك الجموع في بكائها والحال كذلك كانت تبكي في إبراهيم عوض ما هوأكبر وأكثر من ما فقدته في شخصه. فالسودان كان يبكي فيه جزءاً من عمره بدأ مع إبراهيم عوض في 1953 وتوافق موته مع رحيله. وإن كان للسودان بعث ونشور فالاجدر به أن يحتفل في مثل ذلك اليوم وفي ما يأتي من أيام بحياة إبراهيم عوض. فحياته العامرة قد غرست في شجرة "الوجود المغاير" كما يقول التيجاني يوسف بشير ما ظللنا وسنظل نتفيأ. وسيظل في وجدان البلاد المعافي وفي تكوينها النابض بالحياة وفي وجدان كل منا شيئاً من إبراهيم عوض. حتى الذين لم يسعدوا بالإستماع إليه والإستمتاع بجميل فنه هم أيضاً بشكل ما قد شملهم فيض من فيوض ذلك العالم الوافر بالمعاني والجمال دروا أم لم يدروا. فصناع الوجود المغاير في عالمنا هذا هم بلا شك صناع السودان الجديد. وإبراهيم عوض بلا شك أحد اولئك الرجال والنساء.



    ظهر إبراهيم عوض كمطرب غير عادي في زمان غير عادي. ظهر والبلاد يملئُها الفخر بأنها كانت الدولة الاولى التي نالت إستقلالها من ربقة الإستعمار في القارة كلها. وصف أحمد خير جيله بأنه كان على موعد مع القدر. كما وصف الحركة الوطنية في مجملها بأنها كانت "كفاح جيل". ولما كان أحمد خير أحد مفكري تلك المرحلة فإن ما قاله لاشك يعبرعن الافق السياسي للحركة الوطنية. فقد كانت حركة محدودة بمكانها وزمانها. فلم تدع لنفسها ما هو أكبر من ذلك. لذلك لم يكن قصب سبقها ذا أهمية إلا بمقدار أنها كانت على موعد مع التاريخ. رغماً عن ذلك كان السودانيون وقتها أكثر إمتلاء بسودانيتهم. كانت تحيط بهم وتلاحقهم تحديات كبرى. رغماً ذلك فقد كان يلفهم الفرح بما أنجزوا. ويشملهم التفاؤل بما سيأتي. كانت هناك طبقة وسطى جديدة قد تكونت واخذت تلعب دورها في الحياة السودانية. لقد كان عماد تلك الطبقة بعض الموظفين والتجار والمهنيين. كانت المدينة وقتها تغير من جلدها القديم لتصبح أكثر حيوية بالاحزاب والنقابات والحركات النسائية والأدبية والرياضية والصحف وخريجي المدارس العليا. في ذات الوقت كان إبراهيم عوض على موعد مع التاريخ. لقد وجد إبراهيم عوض التدريب الأول لصوته في حلقة الختمية التي كانت بكل عمقها التاريخي قد ظلت حتى ذلك الوقت تقدم الحاناً وإيقاعات جديدة تتفق وشباب الختمية وذوق المدينة الجديدة. غير أن موعد إبراهيم عوض لم يكن مع الحلقة وإنما مجال آخر. كانت أم درمان في مرحلة بين مرحلتين. فهي لم تخرج من نطاق حقيبة الفن الضيق كلية ولم تدخل كلية نطاق الفن الجديد. كانت أغنية الحقيبة أغنية سماعية بارعة في وصف مقاييس الجمال الخارجي للمرأة وفق ذوق ذلك الوقت. وفي مجالها ذلك تفوقت على ما غيرها من فنون غنائية أخرى. وقد لعب كل من الفنوغراف والاسطوانة في توسيع دائرة إنتشارها لتتحول من أغنية أم درمانية إلى أغنية سودانية ترددها قطاعات واسعة من السودانيين وتتبع نموذجها في الحفل والرقص والغناء. إلا ان محدودية وجمود ذلك النوع الغنائي قد جمده وزاد من صعوبة تطويره رغماً من محاولات إدخال بعض الآلات الموسيقية عليه. لذلك كانت الخطوة التالية هي مرحلة ما بعد الحقيبة التي دشنها إبراهيم الكاشف واسهم فيها جيل جديد من الشعراء والمغنيين الشباب. ولعل واحدة من أهم مظاهر مرحلة ما بعد الحقيبة مجموعة اولئك الشعراء الملحنين أمثال خليل فرح وعبد الرحمن الريح وأحمد محمد الجاغريو ومحمد عوض الكريم القرشي ومبارك المغربي وآخرين. لقد كان عبد الرحمن الريح أكثر شعراء الغناء السودانيين حياءاً ونفوراً عن الأضواء ذا موهبة فذة. فقد إستطاع أن ينتقل بإبراهيم عوض لا إلى مرحلة ما بعد الحقيبة فحسب وإنما إنتقل بالبلاد عن طريق إبراهيم عوض إلى مرحلة عمر أحمد وأغنية "كان بدري عليك" التي هي من كلماته والحانه والتي تعتبر مرحلة فاصلة في مجال الغناء السوداني. لقد إستطاع عبد الرحمن الريح وإبراهيم عوض من كسر جمود أغنية الحقيبة وترتيباتها الفنية. فقد إنتقلا بالأغنية من مرحلة الوصف إلى مرحلة نقل التجربة الإنسانية في أشكالها المختلفة. وتحولت الأغنية من طور التطريب عن طريق الإستماع إلي التطريب عن طريق الحركة. لقد ساهمت السينما المتجولة ونشرات وحدة أفلام السودان السينمائية وصالات العرض السينمائية في نقل صورة المطرب وحركته. ونقل الراديو للبيت والنادي والمقهى صورة أقل حميمة وإن شملت جمهوراً أوسع. لذلك لم يكن إبراهيم عوض يقدم أغنية جديدة فحسب وإنما كان يقدم نموذجاً متكاملا متميزاً في ادائه ومظهره وحركاته وسكناته. لذلك فقد أحبه البعض جهراً والبعض الأخر سراً وناصبه بعض عداءاً سافراً. وبين هذا وذلك تنزلت في الحياة العامة لغة جديدة تداخلت مع تجاربهم الشخصية ووسعت العبارة وجودت من التعبير وعندما فاضت كتبوها إعجاباً بسياراتهم وقت الجدة و تعاطفاً معها عندما فعل بها الدهر فعلته. وإنفتح الباب واسعاً أمام أصحاب المواهب الجديدة من أمثال محمد وردي وشرحبيل أحمد وأنفتح الباب أمام الفنون الإستعراضية الأمر الذي مكن لإستعراضيين مثل إبراهيم أفريكانو. ومن ثم تصاعدت وتفرعت حركة التجديد وتصاعد عنفوانها. هكذا يُصنع الوجود المغاير. هكذا يقوم بنيان السودان الجديد. وهكذا يمكن أن نجد في حياة إبراهيم عوض ما يُحتفل به.



    **نشر في جريدة الخرطوم الصادرة يوم الأربعاء الموافق 31 مايو 2006



                  

العنوان الكاتب Date
الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك05-23-06, 11:40 PM
  Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك05-24-06, 02:41 AM
    Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك05-24-06, 03:20 AM
      Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية Yassir Tayfour05-24-06, 04:25 AM
  Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية لؤى05-24-06, 04:47 AM
    Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية HAMZA SULIMAN05-26-06, 10:01 PM
      Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك05-27-06, 04:57 AM
        Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك05-29-06, 00:22 AM
  Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية Yasir Elsharif05-29-06, 00:44 AM
    Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك05-29-06, 01:08 AM
      Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية Yasir Elsharif05-29-06, 01:28 AM
        Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك05-31-06, 01:34 AM
          Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك05-31-06, 01:44 AM
            Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك06-03-06, 04:00 AM
              Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية khaleel06-03-06, 04:41 AM
              Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية khaleel06-03-06, 04:41 AM
                Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك06-04-06, 02:52 AM
                  Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك06-04-06, 10:55 PM
                    Re: الم الفراق .....ابرهيم عوض ..اول فنان سودانى تطارده سلطة سياسية الكيك06-07-06, 02:18 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de