|
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) (Re: Rawia)
|
هدهد... لك التحية والشكر، وأنت تهتم بأحد مبدعي بلادنا الشباب الذين يرجى منهم الكثير في إثراء ساحة الأدب السوداني والإسهام في وصوله إلى القراء في مختلف دول العالم.. هذه قصة قصيرة للأخ اللأديب أحمد الملك ، وهي من مجموعته القصصية الأولى: الموت السادس للعجوز منوفل، بعنوان الكلب بوبي..
الكلب بوبي
امس مساء عدت الى المزرعة بعد ليلة مبهجة وحافلة قضيتها مع أصدقاء قدامى، كانت ليلة رائعة رغم انها انتهت كالعادة بالعراك اثر الافراط في الشراب، قضيت وقتا طويلا في العودة ذلك أنني في البداية لم أهتد الى مكان المزرعة وحينما وصلت كنت أشعر بأنني على ما يرام رغم أنه كان من السابق لاوانه (قبل انبلاج الصباح) أن أقرر ما إذا كنت أحتفظ بجميع أعضائي البشرية ام لا . كان المصباح الذي تركته في البهو يضئ المكان إضاءة خافتة ومحزنة حينما خاطبني الكلب بوبي قائلا : ألا تزال تصر على السهر خارجا كل يوم ؟ كان يضع ساقا فوق ساق وهو غارق في احد المقاعد، وأدركت من رنة اهتمامه المحزون أنه كان مخمورا فقصدت حجرتي حيث احتفظ بمخزون اضافي من الشراب وكان على ان أتوقع ذلك : لقد وجدت إحدى الزجاجات مكسورة، حينما عدت مرة اخرى الى البهو، كان الكلب لا يزال يجلس محزونا وكرر قوله مرة اخرى: ألا تزال تصر على السهر خارجا كل يوم ؟ وأتبع كلمة تزال بعواء خفيف أعطى انطباعا بان الحقيقة كانت تتسرب من شفتيه، كان حديثه محزنا، ففي الماضي كان يمكن توقع مثل هذا الهراء الجميل من النساء مثلا، لكن الزمان تغير والمرء يجب ان يتوقع أن يسمع أي شئ من أي كان . في البداية لم أصب بالذهول فقد لاحظت منذ فترة ان الكلب كان يبدي اهتماما بالاشياء من حوله، كان يحدق باشمئزاز في قطع الاثاث، كما أن نظرات الاحتجاج لم تخمد أبدا في عينيه كلما نظر الى ملابسي . - ألا تزال تصر على السهر خارجا ؟ كان يتحدث بصوت واضح وحنان منطقي مذهل، ثم عدل وضع ساقه قبل ان يقول : ألا ترى هاهو اخر جلباب لك يعود ممزقا، كما ان اذنك اليمنى أصبحت أصغر قليلا من اليسرى، ألا تلاحظ انك عائد من دون حذاء؟ أعاد لي حديثه شيئا من الاعتداد بالاخطاء فأصلحت وضع جلبابي وجلست خجلا على أحد المقاعد ثم قلت مترددا مثل طفل يعترف للمرة الاولى : لم تقل لي قبلا انك تجيد التخاطب . - وما الفائدة في ذلك؟ لقد كنت اراقبك في صمت، على المرء ان يتوخى الحذر احيانا لكن هذا ليس مهما، قل لي اولا، ألا تزال تصر على السهر خارجا كل يوم؟ قلت بحذر : وماذا على ان افعل في المقابل؟ تبقي في البيت، تقرأ تنظف المكان،تغسل ملابسك، تعتني بشجيرات الورد، ثم أصدر عواء فظيعا ومحزنا قبل ان يقرر : تتزوج! ألا تعتقد أنك تجاوزت قليلا حدود المزاح، لقد كان حديثه سيئا لكني شعرت بارتياح لفكرة أن الامر كله كان مزاحا ثقيلا حتى أنني تأهبت لخلع ملابسي متجاهلا شعورا خفيا أوحى لي بانطباع غريب بأنني اتواطأ مع الكلب في أمر شنيع وعندما سقط الجلباب أرضا سمعته يقول بإشمئزاز طيب :
هذه ليست طريقة للعيش الكريم .
إنني أكره هذه العبارة، لقد استفز مخزوني من الذكريات، ذلك الذي أحرص على إيداعه النسيان، فحينما يكون المرء متزوجا يكون مضطرا الى سماع مثل هذا الكلام ربما لمجرد المزاح او قتل الوقت. قلت محاولا تجاهل دقة الموقف : ماذا تعني؟ ثمة وميض حكيم في عينيه من ارتياح محزون قبل أن يقول ألا تستطيع ان تفهم، مثل التلاميذ الاغبياء على أن أكرر كل شئ، لقد بقيت أراقبك طوال شهر وعندما تيقنت أنك تنحدر سريعا اضطررت الى اقناع نفسي بمصارحتك، هل لك أن تخبرني لماذا تشرب ؟ إنني أشرب لأنسى ! - لتنسى ماذا؟ لأنسى ..، وعلى كل قلت مزهوا، فأنت نفسك الان مخمور كما أنك – وهذا أسوأ – لم تدفع قرشا لقد سرقت ما شربت، وارتحت لهذه الفكرة الخطرة، إنك لص، لكنه قال دون ان يبدو عليه أنه شعر بالعار : أنا لا اجيد التعامل مع البشر، وعلى كل فأنا لا أشرب لأنسى، عندما كنت أعيش في الغابة كنت أشرب لمجرد الشعور بالمتعة، أما اليوم فقد شربت لأنني أعلم أن المرء لا يستطيع مخاطبة البشر وهو في حالة وعي تام . قلت مستعيرا لهجة تهديدية مفيدة : أخشي ان اضطر يوما لطردك من البيت ! فقال دون أدنى انفعال : لن يكون الشارع أسوأ من هنا ألم تسمع قصة ذلك القاضي الذي قام بعمل ضمان لمسجون واخرجه من السجن ليبقي في خدمته بالمنزل، فرح المسجون في البداية بهذه الحرية المشروطة ثم اكتشف أن الملل يخيم على الحياة في بيت القاضي الذي يقضي سحابة يومه في الشراب والنوم واكتشف شيئا مدمرا اخرا : الجوع فلم يكن القاضي يكترث باحضار أي طعام الى البيت وكان يأكل اذا وجد شيئا أمامه والا فأنه لا يكترث لذلك كثيرا، تضور السجين جوعا ومللا وبعد أيام فاجأ القاضي بطلبه المذهل :
أنا أريد العودة للسجن يا مولانا ! - ألا ترى أنك تنفق وقتك في الكلام بدلا من حراسة البيت من اللصوص ؟ لصوص .. قالها متهكما ثم انفجر ضاحكا حتي استلقى ارضا – هكذا – ثم أردف بعيون دامعة من فرط الضحك: ومن يستطيع أن يميز في هذا البيت بين اللص، وبين صاحب البيت وجامع القمامة ؟! كان الموقف دقيقا للغاية، نعم فقد كان يسخر مني، والواقع أنني كنت واثقا أن موقفي كان ضعيفا، فقد كنت أدخل المناقشة دون حذاء وأذني اليمني أصغر قليلا من اليسري، لذلك آثرت أن أنسحب، وعندما استلقيت في فراشي محاولا تحييد شعور خارق بالهزيمة، كان بإمكاني الاستماع الى ضحكاته المجلجلة التي كانت لا تزال تنطلق من البهو .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | هدهد | 02-14-05, 03:42 AM |
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | هدهد | 02-14-05, 03:57 AM |
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | Rawia | 02-14-05, 03:59 AM |
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | هدهد | 02-14-05, 04:00 AM |
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | Rawia | 02-14-05, 04:00 AM |
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | Isa | 02-14-05, 07:28 AM |
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | هدهد | 02-14-05, 10:19 AM |
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | الوليد محمد الامين | 02-14-05, 10:46 PM |
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | mansur ali | 02-15-05, 02:25 AM |
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | هدهد | 02-15-05, 03:30 AM |
Re: أحمد محمد حمد الملك (احمد الملك) | فتحي البحيري | 02-15-05, 07:45 AM |
|
|
|