اللجنة التي شكلها السيد رئىس الجمهورية، للتحري والتقصي في احداث دارفور، والتي اصبحت الآن تسمي اللجنة الوطنية بعد ظهور تقرير اللجنة الدولية التي شكلها مجلس الأمن، تلك اللجنة المحترمة ـ الوطنية ـ التي تتكون من قانونيين ضليعين ومحترمين، والتي بذلت جهداً مقدراً ورفعت توصياتها بعد ان اعلنت تقريرها. وبموجب تلك التوصيات تم تشكيل لجنة قضائىة توطئة لمحاسبة الذين ارتكبوا جرائم ضد الانسانية في دارفور. هذه اللجنة وبكل تلك الاعمال، فإن ما قامت به لن يفيد البلاد كثيرا لان المسألة برمتها خرجت من الايدي الوطنية واصبحت عالمية، هذا ان لم نقل عولمية وهذه من العولمة . ان محاولات اجراء مقارنات ومقاربات بين اللجنتين الوطنية والدولية كالقول مثلا ان هنالك اتفاقا بينهما بأن ما حدث في دارفور لم يرق لمرتبة الابادة الجماعية او الابادة العرقية، وانهما اتفقتا على ان هناك قتلا وحرقا وقصفا جويا ونزوحا واغتصابا، ولكن الاختلاف بينهما هوان اللجنة الوطنية تقول ان ما حدث مجرد تجاوزات غير مرتب لها، بينما اللجنة الدولية تقول ان ما حدث كان ممنهجاً ومخططا له بدقة، بل ومن قبل حكوميين ان لم تكن الحكومة «معرفة بالالف واللام». مثل هذه المقارنات لن تجدي فتيلا لان بيت القصيد اصلا كان، من كان يقف وراء احداث دارفور، فاللجنة الوطنية برأت والدولية اتهمت، ثم يأتي الاختلاف الاكبر في التوصيات، فغاية ما اوصت به اللجنة الوطنية هو تشكيل لجنة قضائية وهذا ما حدث، ولكن الدولية حددت اسماء وطلبت تقديمهم لمحاكمة. فلو كانت اللجنة الوطنية من صلاحياتها تحديد اسماء ثم حددتها لامكن المقارنة بين القائمتين ولكن هذا مالم يحدث. كان مفهوما للرأي العام المحلي والعالمي أن دوافع اللجنتين مختلفة، فالوطنية لخدمة اهداف الحكومة والدولية لخدمة اهداف الجماعات الضاغطة داخل الامم المتحدة، ومهما حاولت اى من اللجنتين التفلت من ذلك التأطير، فلن تنجح مهما كانت نيتها ومهما كان اداؤها، فالفكرة العامة عن اى منهما فكرة مسبقة ومسقطة، وقناعة تصل لحد الرسوخ، لذلك يكون اضاعة للوقت والجهد ما يبذل للمقارنة بينهما، فالقضية بكل ابعادها قضية سياسية حتي وان كانت قانونية، فقد تم تسييسها. والمعلوم ان اعضاء مجلس الأمن يتخذون قراراتهم بدوافع سياسية بحتة، فأى من الدول دائمة العضوية سوف تتخذ موقفها من التقرير المطروح على حسب مصالحها وعلاقاتها مع السودان، فالمسألة لم تعد ما قاله مولانا دفع الله الحاج يوسف، ولا رئيس اللجنة الدولية «مولانا» الايطالي كاسيسي، انما ما سيقوله مندوب امريكا، وما يدفع به السيد الفاتح عروة، لا بل علاقة السودان الخارجية بامريكا وبقية دول مجلس الأمن، لا بل اكثر من هذا، الصفقات التي سوف تتم «تحت تحت» في اطار العلاقات الثنائىة. فالشغلانة مسيسة من آخر صوفة في رأسها الى ما تحت اخمص قدميها. بنفس القدر، هناك الجدل الدائر حول المحكمة التي يمكن ان يحاكم فيها المتهمون، فالقول بأن القضاء السوداني يمكنه ان يقبل ذلك وان القانون الدولي يعطي السودان الحق في المطالبة بذلك او يمكن انشاء محكمة «تكاملية» بين السودان والاتحاد الافريقي اوالسودان ومجلس الأمن، كل هذا حديث نظري بحت، لان المسألة كما ذكرنا لم تعد مسألة قانونية، انما مسألة سياسية، تحكمها علاقات القوة، فليس في يد السودان الا ان يتحسس مواطن قوته او «يلملم» قدرته الباقية، ويعرف كيف يستخدمها سواء في شكل تبادلات او محفزات، او حتي «صفقات»، فالرجاء عدم اضاعة الوقت فيما لا راجع منه .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة