|
Re: دلالات المكان في نصين لـعبد العزيز بركة ساكن وعثمان شنقر (Re: عصام ابو القاسم)
|
عصــام ابوالقاسم سلامـــــــات محاولة جميلة.. تسليط الضؤ علي دلالات المكان..في كتابات ساكن وعثمان شنقر ..
جرائر الحياة الصغيرة – عثمـان شنقــر كان النهار يوزع الأدوار ببراعة فائقة علي البشر المحومين في الشوارع دونما خلل في دقة التوزيع . هو لا يدري ما دوره في زخم الحياة ، لا يفعل شي سوي أن يطقطق أصابعه ، كأنما يبحث عن نغم شريد بين الأصابع ، دواخله غليان مستمر ،أشياء تنصهر بسرعة تنقسم خطوط التماس بين داخله وخارجه ، في لحظات القهر واستعذاب الألم . الفترينات المتوزعة بعشوائية علي أرصفة الشوارع ، تصطاد زبائنها بضجيج الموسيقي المنبعثة من أجهزة التسجيل . هم يدخلون ويخرجون . يضحكون يقهقهون ، كأنما تمت سعادتهم . " أفضل ما تستطيع فعله في هذه المدينة هو أن تصفر في لا مبالاة " قالها وهو يمد يده بالنقود لبائع الشاي المتجول ، أنتظر إعداد الشاي ، يراقب غليان الماء في داخل البراد حيث فقاقيع الماء تنطفئ بسرعة كأنها تخشى استمرارية وجودها اللحظي . لهب النار تحت البراد يوبخ الحياة علي جرائرها الصغيرة أوان لحظات الانكغاء علي الذات المهشمة . لا يكتفي بالانتظار المبقع بألوان المرارة الباهتة ، يأخذ ما تبقي من نقود ويعدها في هدوء ظاهري تتخلله حسرة دائمة وندم دفين . ثم تدفق عفوي يسيل علي حوافي ذاكرته المهشمة بفعل الإجهاد المستمر لحياة سادرة في سماجتها اليومية : سخف ، نقاش ، غلاء ، حب ، شجب . دون وعي محدد يجد نفسه يحب تفاصيل هذه الحياة يحبها جميعها بكل ما تحمله له من إهانات يومية . تفاصيل كثيرة هو مطالب بممارستها رغم سماجتها ، وتفاهتها المفزعة هل هو مطالب بكل هذا وإلي متي ؟ في الطرف الآخر وجها المدينة يغزلون نسيج أرقام أرصدتهم في دفاتر شيكاتهم ، تري إلي أي حانات وصلت الأرقام ؟ هذه المدينة تحاول غوايته إلي ارتياد احتمالات الأرقام . شروده المتعمد لا يفلح في صد الهجمات الشرسة التي تغافله أوان لحظات السهو . النهار يمارس سطوته في الخارج علي الأشياء والموجودات ، تتداخل الأشياء في بعضها لتعطي كلا مقعدا يصعب فهمه اسمه الواقع . هل ثم مخرج ؟ يشرب كوب الشاي بأناة ، مراقبا نقصان الكوب التدريجي كل همه في هذه اللحظة أن يفرغ من هذا الكوب . تداهمه خواطر تافهة كأنما تريد أن تسلب منه حميمية اللحظة . يترك لذاكرته أن تتدفق بالشجن والألم . هكذا استمرأ لذة الألم بإدمان حقيقي . لو غابت هذه اللذة لحظة لتوقفت حياته في محطة واحدة لا يغادرها أبدا . ثم طرقات ومداخل للحياة يعرفها جيدا لكنه يرفضها ، يرفض المزالق واللزوجة ، والابتسامات المصطنعة ، يعرف كثيرا عن الذي يجري ، يحكي له المعارف والأصدقاء ، والزملاء ، كلهم استفادوا من المكاسب الجديدة للحياة لكنه يقف بعيدا دون بقع ودون ثقوب . وضع كوب الشاي علي المنضدة الحجرية ، ثم نهض متجها صوب الواجهات الزجاجية للمحال المتوزعة علي جانبي الرصيف ، ثم أشياء تدور في ذهنه في وقت وأحد " هه " لابد من ترتيب الأشياء بوضوح وإلا الجنون ، سيارات تتوقف ينزل منها أشخاص لامعون ، ناس يتحركون بهدوء وبرود ، سيدات يحملن أطفالهن في ود ، عشاق يتناجون في خلوة ، وعلي هامش كل هذا كان يسير لا مباليا بالدفق الحيوي للحياة وهي تتقافز علي أوجه المارة علي جانبي الطريق . أقتعد مقعدا حجريا علي رصيف الشارع ، كبرت نافذة الحياة في وجهه ، ثم لقطات كانت تمر أمامه حارة دفاقة بالدم والألم واللذة ، شاشة سينما واسعة ... واسعة انفتحت أمامه نابضة بعروق تضخ الدم في جفاف عوده النحيل ، أرصفه بلون اخضر امتدت أمام بصره إلي ما لا نهاية ، سماء عريضة ... عريضة غطته بنجوم وشهب وقمر وحياة ، ناس لطيفون .... لطيفون يعتذرون لا أقل هفوة مروا من أمامه ، أطفال يترقرق الضحك الصافي في أسنانهم داعبوه ، أطفأ سجارة بعد أن أشعلها ونهض متجها صوب النيل .
|
|
|
|
|
|
|
|
|