|
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! (Re: Abdel Aati)
|
شان: في الستينيات (1960)، كُنت من بين أوّل من حاول جسر الهوّة بين الثقافات الراقية والشعبيّة. والآن وبعد ثلاثة عقود من الزمن، شهدنا الثقافة الراقية، أو ما يُسمّى بالمعياري canon، محاصرة بالثقافات الشعبية وتعدّد الثقافات. لدينا اليوم حساسية جديدة تفوق أو تُحاكي، بالاعتماد على منظور المرء، الحساسية التي أعلنتِها في المقالة الأخيرة "ضدّ التأويل" Against Interpretation (1966). ونحن نعيش اليوم في عصر من الانتقائية الكاملة والتداخل الشامل، الذي يسمّيه العديد من الناس وأنا واحدة منهم ما-بعد-الحداثة. وإلى حدّ الآن فإنّ، ردّة فعلك على ما-بعد-الحداثة تبدو معادية بشكل كبير. وقد رفضتِ السّماح بحساسية المعسكر Camp التي ساعدت في شهرتها حتّى يتبنّاها ما-بعد-الحداثيون لأنّ "نكهة المعسكر... ما تزال تفترض معايير التمييز الراقية الأقدم عهدًا " ("الكتابة نفسها"439 Writing Itself ).
سونتاغ: لم يخطر ببالي قطّ أنّني كنتُ أجسّر هوّة بين الثقافات العُليا والدّنيا. وأنا بلا ريب، وبدون غموض أو سخرية، وفيّة لمعيار الثقافة الراقية في الأدب والموسيقى والمرئي وفنون الأداء على اختلافها. ولكنّي استمتع بالكثير من الموسيقى الشعبية، على سبيل المثال. يبدو أنّنا كنّا نحاول فهم لماذا كان ذلك ممكنًا ولا يشوبه التناقض...وأيّ تنوّع أو تعدّدية للمعايير يمكن أن تكون. إلاّ أنّ ذلك لا يعني إلغاء الهرميّة [التراتبيّة]، ولا يعني المساواة بين كلّ الأشياء. فبمعنى ما كُنت من أحبّاء ومن أنصار التراتبية الثقافية التقليدية مثل أي شخص محافظ ثقافيّا، ولكنّي لم أرسم التراتبيّة بنفس الشكل...
خذي علي سبيل المثال: لمجرّد كوني أُعجبت بـ(دوستفسكي) Dostoevsky فهذا لا يعني أنّه لا يُمكنني أن أحبّ (بروس سبرنغستين) Bruce Springsteen. والآن إذا قال أحدهم عليك أن تختاري بين الأدب الروسي أو "الروك أن رول" Rock and Roll، سأقول طبعًا أنّني أختار الأدب الروسي. ولكن ليس عليّ الاختيار. وبناء عليه، لن أزعم أبدًا أنّ لهما نفس القيمة بالتساوي. ولكنّي اندهشت بمدى ثراء وتنوّع تجارب المرء. وبالتالي، يبدو لي أنّ العديد من المعلّقين يكذبون حول تنوّع تجاربهم. ومن جانب آخر، هنالك أشياء كثيرة في الثقافة الشعبيّة لا تروق لي، وبالخصوص ما يُعرض منها على شاشة التلفاز. تبدو غير مغذيّة فكريّا، مبتذلة، سطحيّة، وتافهة. لذلك فالمسألة ليست مسألة جسر هوّة. بل ببساطة كوني وجدت الكثير من التزامن في تجاربي في المتعة، وأحسستُ أنّ معظم الخطاب حول الثقافة كان إمّا مادّيا philistine أو متكبّرا بشكل سطحي. لذلك فالأمر ليس أنّ هذا هو "الهنا" وذلك هو "الهناك"، وبإمكاني أن أقيم جسرًا. بل كوني فهمت أنّ ذاتي لديها أصناف عديدة من التجارب والمتع، وكنتُ أحاول أن أفهم لماذا كان ذلك ممكنًا، وكيف يمكنك دومًا الحفاظ على حسّ تراتبيّ/ هرمي للقيم.
هذا ليس الإدراك الذي يُسمّى ما-بعد-حداثي –وعي فكرة، فهذه ليست اللفظة التي استخدمها أو أجدها مفيدة للاستخدام. فأنا أربط بين ما-بعد-الحداثة بعمليّة التسوية levelling وإعادة الدورة recycling. فمصطلح الحداثة modernism ظهر في الهندسة المعمارية. وله معنى محدّدًا جدّا. ويعني مدرسة بوهاوس Bauhaus School، وكوربزييه Corbusier، ومباني ناطحات السحاب، ورفض الزخرف. فالشكل هو الوظيفة. وهنالك كلّ أنواع العقائد الحداثيّة في المعمار، تمكّنت من الهيمنة لا بسبب قيمها الجماليّة فقط. وهنالك دعم ملموس لهذه الأفكار: فتشييد مباني بهذا الشكل أرخص ثمنًا. وعلى أيّة حال، لمّا بدأ مصطلح ما-بعد-الحداثة في الظهور على ساحة كلّ الفنون أصبح مضخّما. وفي الحقيقة، فإنّ العديد من الكتّاب الذين كانوا يُسمّون بالحداثيين أو الحداثوين أصبحوا الآن يلقّبون بما-بعد-حداثيين لأنّهم يُعيدون الدورة /الصياغة، يستخدمون الاقتباسات – ويحضرني هنا (دونالد برثليمي) Donal Bartheleme، على سبيل المثال- أو يُمارسون ما يُسمّى بالتناصّ intertextuality.
شان: نعم إنّ الطريقة التي يُسمّى بها الكتاب من جديد "ما-بعد-حداثيين" تبدو أحيانا مربكة. وعلى سبيل المثال، اندهشت لمّا وجدت (فريدريك جيمسون) Frederic Jameson، الذي أعجبت كثيرًا بأعماله، يصنّفُ (بيكت) Beckett الذي يُعدّ بالنسبة لي نتاج نهائيّ لأقصى ما بلغته الحداثة – ككاتب ما-بعد-حداثي.
سونتاغ: (جيمسون) هو أوّل مفكّر حاول أن يدرك المقصود من مقولة ما-بعد-الحداثة. ومن بين الأسباب التي تجعلني أبقى غير مقتنعة باستخدامه للمصطلح هو ـنّني أعتقد أنّه لا يهتمّ بالفنون. لا في الحقيقة الأمر. ولا في الأدب حتّى. إنّه يهتمّ بالأفكار. فلو كان يهتمّ بالأدب لما اقتبس -بشكل مطوّل- (نورمان ميلر) Norman Mailer. فبينما توضّح أفكارك باقتباسات من الروايات، فأنت توحي للناس بشكل ضمني بأن يقرؤوا تلك الكتب. وأعتقد أنّ (جيمسون) نفسه لا يعلم أنّ (ميلر) ليست كاتبة جيّدة، أو ربّما أنّه لا يكترث لذلك. مثال آخر هو لمّا اعتبر (جيمسون) كلاّ من (فان غوغ) Van Gogh و(وارهول) Warhol على أنّهما متساويان من أـجل بناء نظريته، ولجعل الأمثلة تنسجم مع نظريّته. ...وبرأيي، ما يُسمّى بما-بعد-الحداثة –أي المساواة بين كلّ الأشياء- هي الأيديولوجيا المناسبة للرأسمالية الاستهلاكية. فهي فكرة تراكم، وإعداد الناس لبعثات التسوّق. هذه ليست أفكارا نقديّة...
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-03-05, 10:09 PM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-03-05, 10:10 PM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Sidig Rahama Elnour | 01-04-05, 00:09 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Omayma Alfargony | 01-04-05, 06:47 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 07:18 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 07:26 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 07:29 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 07:31 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 07:35 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 07:38 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 07:39 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 07:43 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 07:44 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 07:59 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | alfazia3 | 01-04-05, 10:22 AM |
Re: رحلت سوزان سونتاغ ! | Abdel Aati | 01-04-05, 03:52 PM |
|
|
|