من هو صاحب اقتراح علم الاستقلال؟

Quote: الحلقة الأولى : فى ذكرى الإستقلال نماذج من منشورات الحزب الجمهورى مقروءة مع أحداث الحركة الوطنية (1-2) تأسيس عملى لمنهج الإستماتة فى الصراع مع الإنجليز لإثارة حماس الشعب. الأستاذ محمود محمد طه يعصى أوامر الضباط الإنجليز داخل سجن كوبر. بقلم محمد محمد الأمين عبد الرازق هذه المقالات تسجل أحداث فترة من أهم الفترات فى تاريخنا الوطنى، وهى الفترة التى أعقبت نشوء مؤتمر الخريجين وقيام الأحزاب السودانية وحتى الإستقلال ..وهذه الفترة هى التى تصعد فيه النشاط الوطنى ، وأخذ طابعه السياسى السافر .. وقد كان الحزب الجمهورى حزباً متفرداً بين الأحزاب السودانية فى اساليبه فى العمل الوطنى وفى مواقفه ضد المستعمر، وفى أفكاره . ودورالحزب الجمهورى فى الحركة الوطنية فى هذه الفترة يقع فى مجالين أساسين هما : ملء فرغ الحماس الوطنى وملء فراغ الفكر ، فقد إتجه الحزب منذ البداية الى العمل السياسى المكشوف ، والى المواجهة مع المستعمر ، ولذلك قدم أول سجناء الحركة الوطنية فى هذه الفترة .. فقد سجن رئيس الحزب الأستاذ محمود محمد طه مرتين : الأولى فى يونيو عام 1946م ، حيث قضى بالسجن خمسين يوماً والثانية فى أكتوبر 1946م حيث قضى عامين كاملين بسبب أحداث ثورة رفاعة ضد قانون منع الخفاض الفرعونى .. وسجن كذلك عدد من أعضاء الحزب بعد الأحداث لإحتجاجهم بمسيرات فى الخرطوم ضد الإنجليز. والسجناء هم :- عثمان عمر العتبانى ثلاثة شهور ، سعد صالح عبد القادر شهر سجناً ، ذو النون جبارة شهر سجناً . وكانت المادة التى حوكم تحتها الجمهوريون هى إثارة الكراهية ضد الحكومة (105) المشهورة .. وبعد سجن الجمهوريين بعامين جاء سجناء الحركة الوطنية الآخرون في عام 1948 بسبب مقاومة الجمعية التشريعية .. وكان الجمهوريون فى هذه الفترة حركة لاتهدأ فى العمل الوطنى ضد المستعمر ، فى سبيل الإستقلال والجلاء التام من الإنجليز والمصريين معاً ... وقد نعى الحزب الجمهورى منذ البداية على الأحزاب الأخرى إنعدام المذهبية عندها ولجوءها الى الطائفية ، وسعى الى تسديد هذا الثقب ، بتقديم المذهبية الإسلامية كما يراها مبوبة ومفصلة ، وكان لايقبل فى عضويته الا من يؤمن بمبادئه .. ولإعطاء فكرة عن ملامح تلك الفترة نتحدث قليلاً عن نشأة الحزب من خلال ملابسات نشأة الأحزاب الأخرى... نشأة الحزب :- كان مؤتمر الخريجين قد نشأ فى عام 1938م . وعند قيام الحرب العالمية الثانية وعد الحلفاء المستعمرات التى تقع تحت سيطرتهم بإعطائها حق تقرير المصير ، كمكافأة لها ، على مساندتها لهم فى الحرب .. وكان السودان قد شارك فى الحرب فى جانب الحلفاء ، بقوة دفاع السودان .. وفى عام 1942م رفع مؤتمر الخريجين مذكرة الى الحكومة ، طالب فيها ، ضمن مطالب ، بحق تقرير المصير ، وبتلك المذكرة أسفر المؤتمر عن وجهه السياسى . وقد إنبثقت الأحزاب السياسية من داخل الؤتمر ، فظهرت الأحزاب الإتحادية أولاً ثم تلاها حزب الأمة .. وقد ادى صراع الأحزاب ، وتنافسها حول كراسى المؤتمر الى الإنقسام فى الحركة الوطنية ، ومما زاد فى الإنقسام الخلاف داخل المؤتمر بين الأحزاب حول مصير السودان .. فبينما كان الإتحاديون يرون الوحدة مع مصر ، كان حزب الامة يرى الإستقلال والتحالف مع بريطانيا .. وقد كان نهج المؤتمر ، والأحزاب فى العمل الوطنى ، هو تقديم المذكرات للحكومة ، دون إشراك الشعب فى القضية الوطنية ، أو حتى تنويره بها .. وقد أدرك بعض المثقفين الوطنيين ، جوانب القصور فى عمل المؤتمر والأحزاب فرأوا أن المؤتمر قد فشل فى جمع شتات الخريجين فى وحدة تنأى بهم عن التفرقة، كما فشل فى توعية الشعب، وإشراكه فى القضية الوطنية، فوقف بعض هؤلاء المثقفين موقفاً إيجابياً - سلبياً من المؤتمر - فى حين رأى البعض الآخر أن يقف موقفاً إيجايباً ويعمل خارج المؤتمر ، ويسعى الى تسديد النقص والقصور الذى يراه عند المؤتمر وعند الأحزاب .. ومن هذا المنطلق بدأت نشأة الحزب الجمهورى فى أكتوبر 1945م . فجاء مختلفاً فى نهجه السياسى وفى أفكاره وتطلعاته عن المؤتمر وعن الأحزاب الإتحادية والإستقلالية التى إنبثقت عنه ، فأعطى الحركة الوطنية طعماً جديداً وأثراها وأضاف اليها أبعاداً لم تكن عندها.. وقد كانت بداية نشأة الحزب هى إجتماع لفيف من المثقفين الوطنيين تحت شجرة بالمقرن لتدارس قضايا الحركة الوطنية ، والموقف منها ، وأعقب ، هذا الإجتماع عدة إجتماعات فى أماكن متفرقة ، تمخض عنها قيام الحزب الجمهورى .. وقد كانت الجلسة الأولى التى عقدت بالمقرن والتى كونت نواة الحزب تضم :- الأستاذ محمود محمد طه – أمين مصطفى التنى – منصور عبد الحميد – ابراهيم المغربى – محمود الأزهرى – أحمد محمد خير- اسماعيل محمد بخيت – عبد القادر المرضى - حسن طه وآخر . وقد نوقش فى تلك الجلسات دستور الحزب .. وبعد مناقشات مستفيضة تم إقراره نهائياً فى يوم 26/10/1945م بإجماع الحاضرين من أعضاء اللجنة التمهيدية ، كما وضعت النقاط الأساسية التى تبين هيكل الحرب و المذكرة التفسيرية التى تصحب الدستور وأوكل إعدادها لعبد القادر المرضى .. وفى جلسة 30/10/1945م إنتخب المكتب السياسى للحزب كما يلى : الأستاذ محمود محمد طه رئيساً ابراهيم المغربى نائباً للسكرتير عبد القادر المرضى سكرتيراً أحمد محمد خير أميناً للصندوق وعضوية بقية المجتمعين ومن الدعوة الى النظام الجمهورى جاءت تسمية الحزب بالحزب الجمهورى بإقتراح من العضو أمين مصطفى التنى .. وبذلك كان الحزب هو أول حزب ينادى بالنظام الجمهورى كنظام حكم للسودان ، وكان هذا أمراً غريباً فى حينه، بل ويعتبر شاذاً ، إذ أن الأحزاب السودانية كانت ترى إن النظام الملكى هو الذى يناسب السودان وان الشعب السودانى غير مؤهل للنظام الجمهورى ، وكان هذا فى حد ذاته إختلافاً اساسياً بين الحزب الجهورى وبين بقية الأحزاب.. اسلوب العمل :- لقد كان الحزب الجهورى كما أسلفنا ، ينعى على المؤتمر والأحزاب الأخرى عدم مواجهتها للإستعمار ، ولجوءها لإسلوب المذكرات والمؤتمرات ، وعدم التوجه للشعب لتوعيته وإثارة حماسه وشحذ حسه الوطنى حتى يشارك مشاركة فعالة فى الحركة الوطنية .. ولذلك رأى الحزب الجمهورى فى بداية تكوينه أن واجبه المباشر والاساسى سد فراغ الحماس الوطنى .. فلجأ الى اسلوب الكتيبات والمنشورات ، والى الخطابة فى المساجد والأماكن العامة ، وفى المقاهى ودور السينما .. الخ.. يندد بالإستعمار ويكشف اساليبه ويطالب بالجلاء التام .. كل ذلك يتم فى وضوح شامل . وعمل مكشوف وكان الجمهوريون يخاطبون فى الشعب حسه الوطنى وعاطفته الدينية لإثارته وتحريكه ضد المستعمر ، كما كانوا ينتقدون الأحزاب التقليدية ، ويحاولون تحريكها لتصعيد العمل الوطنى . ورغم إختلافهم مع الأحزاب فقد كانوا يتصلون بها إتصالاً مباشراً ، وعن طريق الخطابات والمذكرات ويجتمعون بها لمناقشة القضايا الوطنية والأحداث التى تطرأ ، كما حدث فى قضية مزارعى الجزيرة ، وعند سفر الوفد ، وفى قضية ثورة رفاعة وغير ذلك من الأحداث.. وقد كانت الصحافة الحزبية كثيراً ما ترفض نشر بيانات الجمهوريين التى لاتتفق مع خططهم فى العمل السياسى ، كما كانت الحكومة تضيق على الجمهوريين فى الطباعة وتراقب الرونيو فى المصالح والمكاتب ، مما يضطر الجمهوريين للطباعة خارج المطابع ، وقد ابتكر العضو منصور عبد الحميد جهازاً بسيطاً كبديل للرونيو لحل هذه المشكلة، وعند ما ورد نبأ وفاته عام 1982م الى الجمهوريين ، نعاه الأستاذ محمود بكلمات أوضح فيها المجهود العضلى الكبير الذى بذله الرجل فى طباعة المنشورات بالطريقة المبتكرة .. وقد جرت محاولة من الحزب لإستغلال إذاعة أمدرمان لنشر بيان له ، وذلك بالإتفاق مع بعض موظفى الإذاعة على أن يقوم بعض أعضاء الحزب بإعتقال الوردية وإذاعة البيان ، ولكن أحد الموظفين الذين تم الإتفاق معهم كشف المخطط للحكومة ولم تتم المحاولة.. وكانت بعض منشورات الجمهوريين عبارة عن قصائد وطنية يقوم بنظمها عضو الحزب الشاعر محمد المهدى مجذوب .. وكان الحزب الجمهورى يتخذ من بعض القضايا ذريعة لتصعيد العمل الوطنى ضد الإستعمار ويكثف العمل الخطابى كما حدث مثلاً بالنسبة لقضية الجنوب وقضية الخفاض الفرعونى وقضية مزارعى الجزيرة. كما ذكرنا.. كما أن اللجنة المركزية للحزب بالعاصمة كانت على إتصال دائم بفروعها بالمدن المختلفة عن طريق المناديب والخطابات والتلغرافات والتقارير .. وربما سافر مندوب الى موقع الأحداث خارج العاصمة للوقوف عليها وتوجيه الحركة .. فقد قاد رئيس الحزب ثورة الخفاض الفرعونى برفاعة ، كما اتصل بالمزارعين في قضيتهم مع الحكومة بمدنى ورفع تقريراً عن القضية للجنة الحزب بالخرطوم ليتبناها الحزب. البيعة :- ولما كان منهج الحزب الجمهورى منهج دينى واسلوبه فى العمل السياسى يقوم على المواجهة والمناجزة والجهاد ضد المستعمر ، ولما يتطلب هذا الاسلوب فى العمل من تضحيات بالنفس والمال ، فقد اتجه الحزب فى بداية عهده الى اسلوب البيعة للإستماتة فى الجهاد ..فوضعت صيغة بيعة فى نوفمبر 1945م ليوقع عليها الأعضاء .. نص البيعة كما يلى :- 1/ نحن مقتنعون أن المدنية الغربية فاشلة فى إسعاد الإنسان.. 2/ إن طريق النجاة لنا نحن الشرقيين خاصة والعالم أجمع هو الإسلام.. 3/ يرد الإسلام الى اصوله الأولى – القرآن وحياة الرسول. 4/ ليس فى الإسلام عنصرية ولا أوطان.. 5/ فى الإسلام ما دمت مؤمناً فلك كامل الحرية فى البحث .. 6/ نعاهد الله أن نقول الحق اينما كنا ولانخاف فى الله لومة لائم .. 7/ نعاهد الله على الإستمساك بالدعوة الدينية التى ترد الاصول الى الله والرسول ، ولانلين ولانداجى ولا نخاف فيها اذى ولا مساءة ولاقتلاً ولاتشريداً .. 8/ نعاهد الله على أن نبذل فى نصرة القضية النفس والمال والراحة ، فى عسرنا ويسرنا وفى منشطنا ومكرهنا.. 9/ نعاهد الله على أن نعمل فى إعلاء كلمته منكرين ذواتنا وحظوظ نفوسنا ، موقنين بان الله لايضيع أجر العاملين.. 10/ نعاهد الله على أن لانسرق ولانزنى ولانكذب ، ولانأتى بفاحشة مبينة بين أيدينا وأرجلنا ، مبتهلين الى الله ليثبت ويقود عزائمنا وينجح مقصدنا .. بسم الله الرحمن الرحيم .. (( والعصر إن الإنسان لفى خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )). صدق الله العظيم .. وكان أول الموقعين على البيعة بامدرمان فى 6/11/1945م : الأستاذ محمود محمد طه ، أمين محمد صديق ، منصور عبد الحميد ، محمد فضل الصديق ومحمد المهدى مجذوب .. نتابع فيما يلى الأحداث من خلال المنشورات التى صدرت عن الحزب فى ذلك الوقت .. المنشور الأول :- أصدر الحزب هذا المنشور فى مواجهة الأحزاب تحت عنوان ( يا جماعة الأشقاء ويا جماعة الأمة ).. ولما كان لابد من توصيل المنشور الى رؤساء الأحزاب وجماهيرها ، فقد توجه رئيس الحزب محمود محمد طه والعضو محمد فضل الى دار حزب الأمة حيث يقام لقاء جماهيرى حاشد فى وجود راعى الحزب السيد عبد الرحمن المهدى .. صعد محمد فضل الى المنصة ، فأزاحه الأنصار عنها بالقوة .. تكرر هذا المشهد مرة ثانية .. بعدها أقبل السيد عبد الله عبد الرحمن نقد الله القيادى بحزب الأمة نحو الأستاذ محمود قائلاً : دا شنو يا محمود البيحصل دا ؟ فأجابه الأستاذ محمود : نحن عندنا منشور عايزين نلقيه على حزبكم .. رد نقد الله : جميل .. لكن على شرط أن تلقيه أنت بنفسك .. عقب الأستاذ : كلام شرف ؟ أجاب نقد الله : نعم نعم .. وبالفعل ألقى المنشور مفصلاً ، وقد تحركت جماهير الأنصار لإبعاده عندما سمعت عبارات المنشور الشديدة ، الا أن السيد عبد الله خليل وقف وثبتهم وطالبهم بالهدوء .. فإلى نص المنشور : - ( يا جماعة الأشقاء ويا جماعة الامة .. أيها القاسمون البلاد باسم الخدمة الوطنية .. أيها القادحون قادحات الاحن فيما بين أبناء الأمة !! أيها المذكون ثائرات الشر والتفرقة والقطيعة .. أيها المرددون النغمة المشئومة - نغمة الطائفية البغيضة .. إنكم لتوقرون أمتكم وقرا يؤودها !! يا هؤلاء وهؤلاء : أنتم تتمسحون باعتاب المصريين ولاتقوون على أعمال الرجال الأشداء .. وأنتم تتمسحون بأعتاب الإنجليز لأنكم صورتم المجد فى اخلادكم صوراً شوهاء .. أنتم تريدون السلامة وانتم تريدون الملك .. أنتم تضيعون البلاد لما تجبنون وانتم تضيعون البلاد لما تطمعون .. أنتم تستغلون سيداً لايعرف ما تريدون ، وأنتم يستغلكم سيد يعرف ما يريد ، والبلاد بينكم أنتم وانتم على شفا مهواة ومهانة .. فليلطف الله ببلاد لايخدم نهضتها الا صغار الموظفين أو كبار الموظفين .. وليتدارك الله ديناً بإسمه يحيا اناس فى برد العيش وقرار النعمة ورخاء الدعة وبإسمه هم لأبنائه يكيدون .. يا هؤلاء و هؤلاء : إن الله لواحد وان الدين لواحد وإن الوطن لواحد ، ففيم تقيمون على هذا النحو المزرى ؟؟ يا هؤلاء وهؤلاء : لأنتم أشأم على هذه البلاد من كل شؤم وشؤم .. يا هؤلاء كونوا ليوثاً غضاباً أو فكونوا قردة خاسئين ، وإرحموا شباب هذا الوادى المسكين، فقد أوسعتموه غثاثة وحقارا وهوانا .. أيها السادرون من هؤلاء وهؤلاء : لاتحسبن ان الكيد لهذه الأمة مأمون العواقب ، كلا فلتشهدن يوماً تجف لبهتة سؤاله اسلات الألسن ، يوماً يرجف كل قلب ويرعب كل فريصة..) الحزب الجمهوري المنشور الثانى :- خرج هذا المنشور عقب الحكم على الأستاذ محمود رئيس الحزب بالسجن لمدة عام .. وقد أطلق سراحه بعد خمسين يوماً نتيجة للمقاومة الجسورة التى واجه بها الإنجليز داخل السجن ، فقد عصى أوامر الضباط الإنجليز ورفض القيام لمدير السجن بحجة أنه سجين سياسى وليس مجرماً .. وقد نشرت صحيفة ( الرأى العام ) بتاريخ 3/6/1946م خبر المحاكمة : ( مثل الأستاذ محمود محمد طه المهندس أمس أمام قاضى الجنايات المستر مكدوال متهماً من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائى ، لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الإخلال بالأمن العام ، وقد أمره القاضى أن يوقع على صك بكفالة شخصية بمبلغ 50 جنيهاً لمدة عام لايشتغل خلالها بالسياسة ، ولايوزع منشورات أو يودع السجن لمدة سنة اذا رفض ذلك .. ولكن الأستاذ محمود رفض التوقيع مفضلاً السجن وقد اقتيد لتوه الى سجن كوبر ) .. إنتهى .. وحول الصراع مع الإنجليز داخل السجن أوردت نفس الصحيفة بتاريخ 26/6/1946م ما يلى : ( بيان رسمى من مكتب السكرتير الإدارى عن رئيس الحزب الجهورى : أظهرت بيانات فى الصحف المحلية حديثاً بخصوص محمود محمد طه الذى هو الان تحت الحراسة بالخرطوم بحرى نتيجة لرفضه أن يمضى كفالة المحافظة على الأمن وهذه البيانات قد إحتوت على معلومات غير دقيقة والحقائق كالآتى : لمدة يومين رفض محمود محمد طه أن يشتغل وهذا مخالف لقوانين السجن ، فلم يعمل له اى شيء في اليوم الأول ، أما فى المرة الثانية فقد حكم عليه بالبقاء ثلاثة ايام ( بالزنزانة ) و ( الأكل الناشف ) .. ولو أنه رفض أيضاً أن يقف عند الكلام مع ضابط السجن ، فإن العقوبة التى نالها الآن لم تعط له لهذه المخالفة لنظام السجن ، وبهذه المناسبة يجب أن يعلم أن كل المساجين مهما كانت جنسياتهم يجب أن يقفوا الى ضابط السجن إنجليزياً كان أو سودانياً ) إنتهى .. وفى متابعة لصراع الاستاذ مع الإنجليز داخل السجن كثف الحزب نشاطه فى الخارج فأصدر المنشور التالى :- ( إن الحزب الجمهورى الذى يسعى جهده ليوقظ الشعب ويخرج الغاصب ، ولنيل البلاد مطالبها العليا ، سوف لايثنيه عن غاياته السجن أو التشريد او العذاب أو حتى الموت .. سيمضى الحزب فى سبيله معلناً ثقته فى الرئيس ومؤكداً السير فى الخطة التى رسمها .. أيها السودانيون : إن الوطنيين فى كل زمان ومكان لم يصلوا الى حقهم المسلوب بالكلام المعسول ومجالسة الحكام الجائرين ، والإهطاع نحو المستعمرين، فالحرية تؤخذ ولا تعطى ..فإلى الجهاد ، والى الكفاح ،ولا تستمعوا الى إستهواء اعوان الإستعمار ، الذين يريدون أن يحذروكم بالألفاظ البراقة ويسيروكم بالدجل والشعوذة .. أيها السودانيون : يا حماة الحق .. إن الحق بين لايخفى ، وإنكم لتعرفونه بقلوبكم الطاهرة ، ونفوسكم السليمة .. إن أعضاء هذا الحزب سيفخرون بأن رئيسهم كان أول سودانى فى هذا العهد ، يشرف السجن كعربون أول لجهاد فى سبيل خدمة البلاد ، فشق بذلك الطريق ، وضرب المثل ، فلنحذوا حذوه ولنتخذ منهجه ، وليكن مثلنا الأعلى ما قاله الصديق : إحرص على الموت تهب الحياة ، والله اكبر ...) أمين محمد صديق سكرتير الحزب الجمهورى29 /6/1946م المنشور الثالث :- حول وثيقة الاحزاب :- لقد جرت محاولات للتوفيق بين الاحزاب الاتحادية و الاستقلالية.. وقد نجحت هذه المحاولات في أن تتفق أحزاب المؤتمر المختلفة علي صيغة موحدة سميت ( ألوثيقة ) وقد نصت علي قيام حكومة ديمقراطية حره في اتحاد مع مصر و تحالف مع بريطانيا ) وقد أصدر الحزب الجمهوري منشوراً في 9/11/1945م بتوقيع سكرتيره عبد القادر المرضي حول ( موقف الحزب الجمهوري من مؤتمر الخريجين ووثيقة الاحزاب ) نعي فيه علي المؤتمر أن تكون عضويته قاصرة علي الخريجين دون سائر السودانيين، و أشار الي أن العضوية في الحزب الجمهورى لكل سوداني بلغ سن الثامنة عشرة و لكل مواطن ولد بالسودان او كانت إ قامته فيه لا تقل عن عشرة سنوات لم يبارح خلالها السودان . لذا فإن الحزب الجمهوري لا يعمل في أطار المؤتمر ، و اذا فتح المؤتمر أبوابه لكل سوداني فيمكن للحزب أن يعيد النظر في موقف منه ..علي ان الحزب سوف يتعاون مع أي هيئة بشرط ألا يكون هذا التعاون مقيداً بضرب من ضروب التبعية . وعن وثيقة الاحزاب يقول المنشور : - ( هذا ، وموقفنا من وثيقة الاحزاب يتلخص في أننا من جانبنا لا نقرها لانها تختلف في جوهرها إختلافاً واضحاً عن دستورنا، علي أننا لا نفهم لماذا نتقيد بأتحاد و تحالف فنضع بذلك حق البلاد الطبيعي في الحرية موضع المساومة ، بأن ندفع ثمن الحرية إتحادا مع هذا أو تحالفا مع ذاك ) .. وقد بين الحزب ما يراه حول العلاقة بين مصر و السودان ، فأوضح أن العلاقات بين مصر و السودان علاقات وثيقة ، و انها كانت كذلك لانها علاقات طبيعية ، ولن يكون في مصلحة أي من القطرين أن تضعف هذه العلاقات علي وجه من الوجوه .. و الحزب الجمهوري يخشي علي هذه العلاقات من أبناء القطرين اضعاف ما يخشي عليها من الاعداء .. وهو يرجو أن يقلع أبناء القطرين عن معالجة أمورهم بعواطفهم و مخاوفهم ورغباتهم ، وأن يستقبلوا أمورنا بعيون تقوى علي النور و تزن ، وتقدر ، فتحسن التقدير .. ثم ذهب البيان يندد بشرور الاستعمار الانجليزى و عمله علي توهين ثقتنا في أنفسنا و يواصل المنشور : (إن الحزب الجمهوري ليؤمن بالسودان أيمانا لا حد له، و انه ليريد له استقلالاً كاملاً شاملاً عن ربقة الاستعمار، و إنه لينكر أشد الانكار زعم الذين يزعمون هنا و هناك أن الدعوة الي الاستقلال تبيت أمراً للعلاقات التي تربط بين مصر و السودان: فالدعوة للاستقلال حق طبيعي من حقوق هذه البلاد وهي ينبغي أن تسر مصر لا أن تسوءها و ينبغي أن تساعدها مصر بكل سبيل لا ان تعقد لها بكل سبيل، فلأن يكون السودان حراً قوياً مستقلاً أفضل لمصر وأعود بالخير علي تلك العلاقات من أن يكون مستعمراً مستهاناً ) .. ثم يذهب البيان ليحدد مطلب الحزب الجمهوري في الجلاء التام .. ( جلاء الانجليز و المصريين علي السواء، وليس شئ يثنيه عن ذلك ، وسيكون علي مصر أن ترعي الصداقة اليوم و سيكون علي السودان أن يرعاها غداً ، والذين يشترطون في استقلالنا اتحاد مع مصر يريدون الخير و لكنهم يجهلون وجهه و سيكون عذرهم عند الخيبة عذر كل جأهل – حسن النية – ذلك عذر قليل الغناء ) الحزب الجمهوري 9/11/1945م 9/11/1945م