** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية **

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 01:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.نفيسة الجعلى(مهيرة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-28-2008, 04:45 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** (Re: Frankly)


    دراسة عن فكر محمود محمد طه

    مستقبل دعوى الرسالة الثانية من الإسلام

    د. محمد وقيع الله
    [email protected]

    على إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، والقضاء على دولة طالبان ، والجهود المتواصلة للقضاء على الجماعات المتطرفة ، يجري تسويق أفكار قديمة في حلل حديثة . ولقد نشطت بعض مراكز البحوث لترويج تلك السلع الفكرية التالفة منتهزة فرصة المناخ الفكري والسياسي والعسكري العالمي المعادي للإسلام ككل . تتركز هذه الجهود الإنتهازية على نشر أفكار الفرق الضالة المارقة عن الإسلام كالقاديانية والبهائية والجمهورية ، وقد طلبت بعض جهات الضغط القوية من الحكومة الباكستانية أن تقوم بتعديل الدستور الباكستاني الذي يعتبر الفرقة القاديانية فرقة خارجة عن الإسلام ، وأن تسمح بإدخال تلك الفرقة رسمياً في زمرة المسلمين ، بل وأن يفتح لها المجال لممارسة الدعوة إلى أفكارها الضالة وسط المسلمين .

    ومن جهة أخرى نشط صحافيو " واشنطن بوست " وخبراء ما يسمى بـ " معهد السلام " بواشنطون، في الترويج لأفكار الفرقة الجمهورية السودانية التي كانت تعمل على تفسير الإسلام تفسيراً خاصاً ، يفرغه من مضامينه الحقيقية ، ويشبهه بمضامين مختلفة ، مستعارة من الفلسفة الغربية القديمة والحديثة .

    ولأن الضغط على الحكومة السودانية لتسمح لتلك الفرقة بالعمل داخل السودان من جديد ، أمرغير مجد ، فقد جرى الترويج للفكر الجمهوري السوداني في بلاد أخرى غير السودان ، حتى يصبح فيها أنموذجاً تحليلياً للدين الإسلامي ، سواء على المستويات الأكاديمية ، أو على مستوى العمل الدعوي العام .

    إن مثل هذه الجهود الرامية إلى إحياء تراث الفرق الضالة لا بد أن يقابل بالنقد والتعرية لأهدافها ، وقبل ذلك فلا بد من أن يعرض تراث تلك الفرق وممارساتها عرضاً نقدياً منصفاً ، حتى لا ينخدع بظهورها مجدداً بعض من لم تتح لهم فرص الوصول إلى كتاباتها الأصلية ، والتعرف على تاريخها الحركي . وفيما يلي نتولى التعريف بالفرقة الجمهورية السودانية تعريفاً نقدياً استندنا فيه على الكتابات الأصلية لتلك الفرقة .

    من هم الجمهوريون ؟ :

    نشأت الفرقة الجمهورية كحزب سياسي في أواخر أكتوبر 1945 وهو العام الذي شهد مولد معظم الأحزاب السودانية الحالية . كان اسمه " الحزب الجمهوري الإشتراكي " ، وقد تركزت دعوته كما يبدو من اسمه إلى المبادئ الجمهورية إلى الأفكار الإشتراكية ، كما كان ينادي بالإستقلال التام عن أي ولاية أو سيطرة لانجلترا أو مصر .

    تزعم الحزب الأستاذ محمود محمد طه ، وهو مهندس تخرج في قسم الهندسة بكلية غوردون بالخرطوم سنة 1938 م ، وانضم إليه لفيف من المثقفين السودانيين من أمثال الشاعر محمد المهدي المجذوب ، والشاعر منير صالح عبد القادر، والشاعر منصور عبد الحميد ، والأستاذ ذو النون جبارة ، والأستاذ عبد القادر المرضي وسواهم ، وبعض هؤلاء انسحبوا من الحزب فيما بعد ، عندما تغيرت الأطروحات الأساسية التي قام عليها .

    وأما الأستاذ محمود محمد طه فهو سليل أسرة متصوفة موغلة في التصوف ، وجده الأعلى هو الشيخ الهميم المعروف في تاريخ التصوف في السودان . يحدثنا عنه مؤرخ الحركة الصوفية السودانية " ود ضيف الله " في كتاب " الطبقات " فيقول إنه ادعى الوصول ، وسقوط التكاليف عنه ، ويحكى عنه أنه تزوج في وقت واحد بسبع نساء ، كان من ضمنهم شقيقتان هما ابنتا شيخ صوفي آخر يدعى " بان النقا الضرير " ، وقد أنكر عليه قاضي الشريعة الشيخ دشين ذلك ، وأعلن فسخ هذه النكاحات ، فرد عليه الشيخ الهميم داعياً : الله يفسخ جلدك ، ثم أنشد أبياتاً من الشعر الركيك تقول :

    فإن كنت يا قاضي عرفت مذاهباً فإنك لم تدر حدود مذاهبا

    فمذهبكم نصلح به بعض أمرنا ومذهبنا يعجم عليكم إذا قلنا

    قطعنا البحار الزاخرات وراءنا فلم يدر أهل الفقه أنى توجهنا!

    والغريب أن الشيخ " ود ضيف الله " يحدثنا أن جلد القاضي الشيخ دشين قد انفسخ فعلاً كما ينفسخ جلد " الدبيب " ، أي الثعبان !

    واصل الحفيد محمود إطلاعه العلمي بعد تخرجه سنة 1941، وعمل بالهندسة في رئاسة السكة الحديد في مدينة عطبرة بشمال السودان ، واغترف كثيراً من فلاسفة الغرب وعلماء التراث الإسلامي ، ورجال التصوف الإشراقي .

    وقد اشترك محمود في الحملة الوطنية ضد الإستعمار . وأصدر عدة منشورات ضد الحكم الإستعماري البريطاني في السودان . تمركزت كذلك المنشورات حول قضية طريفة مشهورة في تاريخ السياسة السودانية ، وهي قضية " الخفاض الفرعوني " وهو نوع من الختان المنهك الذي لا يزال المجتمع السوداني في بعض قطاعاته يتمسك به ، كعادة قديمة راسخة منذ عهد الفراعنة وإلى الآن ، وقد أصدر الإستعمار قانوناً يمنع عملية الخفاض الفرعوني للصبايا ويعاقب القابلة التي تجري تلك العملية بخمسة أعوام سجن .

    كان محمود في الصف المعارض لمنع الخفاض . وبسبب نشراته المعارضة للخفاض ، أرسل إليه مدير الشرطة البريطاني يطلبه ، ولما وصل الرسول إلى محمود وطلب منه أن يرافقه إلى مركز الشرطة ، رفض لأنه كان ذاهباً إلى صلاة الجمعة ، وحدد يوم الغد لمقابلة مدير الشرطة ، وفي يوم السبت ذهب لمقابلة المدير الذي أبرز له المنشور الذي أصدره ووقع عليه باسمه ، فأقره محمود وناقش محتوياته مع المدير الذي أحاله أخيراً إلى القاضي البريطاني الذي أرسل محموداً إلى السجن ليقضي فيه عاماً ، وذلك لأنه رفض التوقيع على تعهد بحسن السير والسلوك ، والإقلاع عن الإنغماس في العمل السياسي . وصمد محمود للحكم الظالم ، ولكن أطلق سراحه بعد خمسين يوماً من اعتقاله ، بموجب عفو شامل أصدره الحاكم العام البريطاني آنذاك .

    وبعد شهرين من إطلاقه من السجن اعتقلت السلطات الاستعمارية إحدى " القابلات " واتهمتها بإجراء عملية الخفاض الفرعوني على الفتيات الصغيرات ، وحكم عليها بالسجن مدة أربعة أشهر ، فأشعل محمود أهل المنطقة حماسة واضطراماً ، وقاد تظاهرة ضخمة اتجهت إلى مركز الشرطة وحاصرته ، واقتحمته ، وأطلقت سراح السجينة ، وعادت ظافرة بها إلى أهلها ، وقد أعتقل محمود مجدداً في إثر ذلك الحادث ، وقدم لمحكمة قضت عليه بالسجن مدة عامين .

    التحول الفكري في الحزب :

    قضى محمود فترة السجن في التحنث والتصوف والإطلاع والتأمل الفكري ، وكانت تلك الفترة هي نقطة التحول الكبرى في فكر زعيم الحزب ، وبداية لاتصاله بالفكر الباطني خاصة فكر ابن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي ، المدعو بالشيخ الأكبر، صاحب الفتوحات المكية . ثم أتبع تلك الفترة ، بفترة خلوة أخرى مدته ثلاثة أعوام ، قضاها في مدينة " رفاعة " ، وتمكن خلال هذه الفترة من مراجعة أفكاره السابقة ، ثم قام بصياغتها صياغة جديدة وأطرها في منهج يزاوج بين العمل السياسي والفكر الصوفي .

    وفي أواخر سنة 1951 خرج محمود من عزلته ليواصل نشاطه العام من جديد ، وكان أول ما بدأ العمل فيه أن دعا إلى افتتاح مدرسة للحديث النبوي ، وكان يتجول بنفسه لجمع التبرعات ، وكان مظهره وهو خارج من عزلته يشبه مظهر علماء الحضارات القديمة وحكمائها ، حيث خرج بشعر كث ، ولحية وافرة ، وملابس رثة ، ورأس عار ، وطفق يلقي على الناس أحاديث غريبة ، ويحاورهم بمنهج لم يستوعبوه .

    ويبدو أن مسألة مدرسة الحديث قد فشلت ، أو أنه صرف النظر عنها ، فاتجه إلى تأليف الكتب ، وفي عام 1952 أنشأ أول كتبه ، وهو الكتاب الموسوم بـ " قل هذه سبيلي " دعا فيه إلى حكومة عالمية ، ودافع فيه من جديد عن عادة الخفاض الفرعوني المستهجنة .

    وفي عام 1955، قبيل استقلال السودان ، وإبان معركة الدستور وسؤال الهوية ، واختلاف الطروح ما بين داع إلى دستور إسلامي ، وآخر داع إلى دستور علماني ، وما بين ذلك ، حدد محمود تصوره الخاص في كتاب أخرجه بعنوان : " أسس دستور السودان " سجل فيه مقترحات كثيرة لأسس الحكم الصالحة ، ولمعالجة مشاكل المجتمع السوداني في نواحي الاقتصاد والتعليم والاجتماع ... وقد برزت ملامح الفكر الباطني لأول مرة ظاهرة في صياغات هذا الكتاب القانوني .

    معارك الحزب :

    تصارع الحزب الجمهوري كثيراً مع الأحزاب المختلفة ، ومع نظام الحكم الوطني الذي جاء في عقب الإستقلال برئاسة إسماعيل الأزهري ، ثم الحكم الذي جاء عقبه برئاسة عبد الله خليل ، ولم يمهل الضباط هذه الصراعات طويلاً إذ استولى حزب الجيش على السلطة برئاسة قائد الجيش الفريق إبراهيم عبود ، فحل الأحزاب ، وحكم حكماً مطلقاً لمدة ستة أعوام ما بين 1958 و 1964.

    وفي خلال تلك الفترة أعفى الحزب نفسه من مشقة الصدام السياسي مع العسكر ، وانصرف إلى التكوين الداخلي والدعاية العامة ، ونشر الفكر بالندوات والمحاضرات من غير ما تماس مع نظام الحكم ، وأصدر في تلك الفترة – 1962 – كتاباً جديداً يؤصل فيه لملامح فكر الحزب ، بشكل أوضح وأصرح ، وهو كتاب : " الإسلام " ، وقد سمع الناس لأول مرة في هذا الكتاب أن الإسلام رسالتان ، وأن الحرية في الإسلام مطلقة لا قيد عليها ، وأن الإسلام دين يدعو إلى الإشتراكية التي تصل إلى الشيوعية العامة في كل شئ .

    وفي سنة 1964 أعلنت الهبة الشعبية العامة ، وأعلن الإضراب المدني ، وأهتزت أركان العسكر ، وانهارت سلطتهم على أيدي المدنيين ، وعادت الأحزاب من جديد إلى العمل العلني ، وحينذاك تفرغ محمود تماماً للعمل الحزبي ، وتخلى نهائياً عن مهنته في العمل الهندسي ، وظهرت كتب كثيرة تحمل اسمه بالإضافة إلى سيل من المنشورات والبيانات السياسية والفكرية باسم الحزب .

    خاض الحزب الجمهوري معارك شتى مع رجال الدين ، وبعض أساتذة الشريعة والفقه . وانشغلت صفحات كثيرة من الصحف بهذه المعارك والحملات ، وردود الفعل من الطرفين ، وكان الحزب الجمهوري قوياً في دفاعه عن أفكاره ، وإن كان ذلك الدفاع لم يقنع الكثيرين بالإتفاق معه أو تبني هذه الأفكار . وكان من أبرز الجمهوريين تلك المعركة التي استعرت بعد إقامتهم لمحاضرتهم المشهورة بعنوان : " الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين " ، والتي طبعت من بعد في كتاب ، وقد استنكر الكثيرون محتويات المحاضرة ، لمجرد قراءة عنوانها ، إلا أن الذين استمعوا إليها ، أو قرأوها مكتوبة ، فجعوا بما هو أكثر من العنوان . فجعوا بتفاصيل فهم مغاير تماماً للإسلام يتهم تشريعات إسلامية كثيرة بالرجعية والتخلف والقصور عن مجاراة التطور الإنساني عبر القرون الأخيرة . وقد جرجرت تلك الأفكار المثيرة ، زعيم الحزب إلى ساحة القضاء الشرعي حيث رفعت ضده دعوى حسبية في 1968 ، بوساطة عالمين من علماء الشريعة ، اتهماه فيها بالردة عن الإسلام ، وطالبا بتنفيذ حكم الله عليه بعد ثبوت الردة ، بإغلاق دار حزبه ، وإعلان بيان للناس لتوضيح رأي الدين في أفكاره ، ومؤاخذة من يعتنق مذهبه بعد هذا الإعلان ، وتطليق زوجته المسلمة منه ، والعفو والصفح عمن تاب ، وأناب ، وعاد إلى الإسلام . وقد نظرت المحكمة الشرعية العليا برئاسة القاضي توفيق أحمد الصديق في هذه التهمة ، وأصدرت حكماً غيابياً في 19 / 11 / 1968 م بإرتداد محمود محمد طه عن الإسلام ، واكتفت بذلك الحكم صارفة النظر عن البنود الأخرى في دعوى الحسبة .

    جاء الحكم القضائي الشرعي في غير مصلحة الحزب ، إلا أن فقدان القضاء الشرعي لصلاحية الأمر بتنفيذ ما ترتب على ذلك الحكم ، جعل الحكم وكأنه في مصلحة الحزب ، إذ اكتسب عطف الكثيرين من المثقفين والليبراليين كما بدت المحكمة وكأنها محاكمة فكر ، وكان لقرارها أصداء واسعة في المجتمع السوداني ، إذ انتشر محامون كثر في أفق الصحافة والثقافة ، يدافعون عن الجمهوريين وعن أفكارهم ، وإن لم يكونوا موالين له ، وتشجع الجمهوريون أكثر بعد الحكم فواصلوا إصدار نشراتهم وكتيباتهم مصعدين حملتهم ضد علماء الشريعة ، وضد القضاء الشرعي ، ودعوة الدستور الإسلامي .

    كانت حملة الجمهوريين ضد الدستور الإسلامي الذي كان مطروحاً للمداولة في البرلمان في ذلك الوقت ، من أقوى حملاتهم ، فقد انحازوا بكل قوتهم إلى القوى المناوئة لدعوة الدستور الإسلامي الذي كانت معظم الأحزاب " عدا الحزب الشيوعي ، وبعض أحزاب الجنوب " قد اتفقت عليه . وقد أثار الجمهوريون دعوى " السلفية " و " الرجعية " وألصقوها بمقترحات الدستور الإسلامي ، داعين إلى دستور الرسالة الثانية التقدمي المنفتح الذي يساير ويستوعب أطروحات وقضايا العصر الحديث كما يقولون ، وقد ظلت تلك المعركة محتدمة إلى أن انحسم أمرها بإستيلاء الضباط على السلطة في 25 مايو سنة 1969 ، وانحسم بذلك أمر العمل السياسي الليبرالي حيث توجهت البلاد في انعطافة قوية نحو اليسار ، وقد حلت حكومة الإنقلاب اليساري الحزب الجمهوري ، ضمن مجموعة الأحزاب التي حلتها ، ولكن سمحت له كما سمحت للحزب الشيوعي أن يعمل من دون إشهار اللافتة الحزبية .

    هل ادعى محمود الألوهية ؟!

    كان محمود محمد طه ، زعيم الجمهوريين ، يسكن في حي شعبي من أحياء مدينة أم درمان ، إحدى مدن العاصمة السودانية الثلاث . وقد اندهش كل من زار هذا البيت ، حيث أخذ ببساطته الشديدة ، وبساطة ساكنه ، الذي لا يتكلف شيئاً في الحياة ، ولا يتعلق به من اللباس إلا ما يرتديه سائر فقراء السودانيين من الزي الشعبي . ولكن ، في حجرة الضيافة الملحقة بالمنزل ، كان الداخل يطالع أول ما يطالع ، لافتات ثلاثاً ، علقت على الجدار ، كتب على الأولى منها ، قول الله تعالى : " وعنت الوجوه للحي القيوم ، وقد خاب من حمل ظلماً " . وأما الثانية فقد كتبت عليها الآية : " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة " . وعلى الثالثة كتبت الآية : " وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً " . وقد لاحظ البعض أن صاحب البيت ، ربما كان يعني بتعليق هذه الآيات في بيته أنه هو نفسه ذلك الإله الذي يأتيه الناس فرادى ، وتخشع له الأصوات ، وتعنو له الوجوه ! !

    ظلت هذه الملاحظات تحير الناس كثيراً . كيف يتبنى هذا الرجل منهج البساطة الكاملة في المسكن والعيش ، ثم يدعي العلو الكامل ويتشبه بالله – والعياذ بالله من ذلك – وقد استبعد الكثيرون في الوقت ذاته أن يكون المقصود من تعليق الآيات في البيت هو ما استنتجه الأولون من ادعاء للألوهية من جانب محمود . الذي لم يقل صراحة في محفل عام أنه هو الله ، كما لم يزعم في واحد من كتبه أنه قد وصل إلى مرتبة الإله ، ولكنه لم ينف كذلك أن الإنسان يمكن أن يصبح زوج الله ، بل أكد هذا - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – حيث ذكر أكثر من مرة في كتبه أن الله خلق الإنسان من ذاته ، مستدلاً بالآية الكريمة : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها " ، وقال إن الله لم يخلق الوجود من عدم لأنه تعالى يقول : " أم خلقوا من من غير شئ أم هم الخالقون ؟ " وزعم أن الله – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – قد خلق هذا الوجود من ذاته ، وأن ذاته هي الذات الواحدة ، أو النفس الواحدة التي وردت في الآية . وذهب إلى أن الإنسان " في تطوره وترقيه ينقلب مرة ثانية ليلتحم بذات الله ، ويرجع إلى أصله " واستدل بالآية : " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه " وبالآية : " وأن إلى ربك المنتهى " (1) .

    واستطرد في كتاب " الرسالة الثانية من الإسلام " في حديث له عن مبدأ الطلاقة في الترقي والسمو الإنساني فقال : " وإنما كان الإطلاق في الإسلام أصلاً لأنه لا يرى لترقي الفرد حداً يقف عنده فهو عنده سائر من المحدود إلى المطلق ، أو قل مسير من النقص إلى الكمال ، والكمال المطلق . فنهاية العبد في الإسلام كمال الرب ، وكمال الرب في الإطلاق ، والله تبارك وتعالى يقول : " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، وأن سعيه سوف يرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفى ، وأن إلى ربك المنتهى " يعني منتهى السير ... وليس السير إلى الله بقطع المسافات ، كما قلنا آنفاً ، وإنما هو بتخلق العبد بأخلاق الرب ، والله تعالى يقول " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه " أردت أو لم ترد لقاءه . وأين يكون لقاؤه ، أفي أرضه ؟ أم في سمائه ؟ لقد قال جل من قائل : " ما وسعتني أرضي ولا سمائي ، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن " إذن إنما تلقاه فيك وبه لا بك وفي قال المعصوم : " تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على صراط مستقيم " (2) .

    وهكذا نري السعي الحثيث لإثبات ألوهية الإنسان ، أو إمكانية ألوهية الإنسان . ولكن هل تكفي هذه الأدلة لإثبات ألوهية الإنسان ؟ ! إن آية " خلقكم من نفس واحدة " لا تعني أن الإنسان خلق من ذات الله ، فالله – تعالى عن ذلك – " لم يلد ولم يولد " ، وإنما كانت النفس الواحدة هي نفس أبي البشرية آدم عليه السلام . وأما الآيات : " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ... " إلخ ، فهي لا تتحدث عن الترقي ولا عن الإلتحام بالله – وإنما تتحدث عن الحساب والجزاء في يوم الدين ، وكذلك آية : " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه " فهي تعني ان الإنسان يتعب ويكدح في الأرض ثم ينقلب إلى الله في يوم الدين ليرى عاقبة كدحه في ذلك اليوم . وأما حديثا : " ما وسعتني أرضي ولا سمائي ... إلخ و " تخلقوا بأخلاق الله " فهما حديثان موضوعان ، وقد أنكرهما علماء الحديث ، ولا يستطيع الجمهوريون أن يقدما لهما أصلاً من أي من كتب الحديث الصحاح .

    وتحدث محمود عن إمكان الوصول إلى الإلوهية ، في أعقاب حديث له عن القضاء والقدر فقال إن النفس تصل ، بعد ان تعرف سر القدر إلى " وحدة ذاتها " ، و [ ههنا يسجد القلب ، وإلى الأبد ، بوصيد أول منازل العبودية ، فيومئذ لا يكون العبد مسيراً ، وإنما هو مخير ، ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف ، فأسلمه إلى حرية الاختيار ، فهو قد أطاع الله ، معاوضة لفعله ، فيكون حيا حياة الله ، وعالماً علم الله ، ومريداً إرادة الله ، وقادراً قدرة الله ، ويكون الله ] (3) .

    وبقي أن نتساءل كيف يصبح الإنسان حياً حياة الله ، وحياة الله سرمدية ، وكيف يصبح الإنسان عالماً علم الله ، وعلم الله شامل محيط لا يعزب عنه شئ ، وكيف يكون الإنسان مريداً إرادة الله وقادراً قدرة الله ، وإرادة الله وقدرته مطلقتان ؟ وهنا يجيب محمود بالحديث الموضوع السابق ، : " تخلقوا بأخلاق الله " ، ثم يجيبنا بآية أخرى تقول : " كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً " ، حيث يستنتج منها أن عطاء الله للناس ، عطاء غير محدود ، ويمكن أن يترقى به الناس إلى أن يصل بهم إلى مرتبة الإله ، لا سيما وأن آية أخرى تتحدث – في زعمه – عن هذا المعنى . ويظن محمود ، كما يظن أتباعه ، أنها تتحدث عنه شخصياً ، وهي الآية التي تقول : " ويبعثك ربك مقاماً محموداً " . فها هو اسم ( محمود ) يذكر على التحديد في القرآن الكريم !

    وبجانب الاسم يظن الجمهوريون أن الإنسان الواصل أولاً لا بد وأن يكون أسمر اللون ، ويستدلون على ذلك بالحديث القائل : " لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك لأن الله خلق آدم على صورته " . ومعنى الحديث أن الله خلق آدم على الصورة التي صنعها له . ولكن الجمهوريين فهموا أن الله خلق آدم على صورته هو تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

    ولما آدم كان أسمر اللون ، لأن اسمه اشتق من الأدمة ، فقد فهم الجمهوريون أنه كان إفريقياً ، وقالوا إن أول أنسان " واصل " سيبعث إفريقياً ، وأنه سيبعث عند ملتقى النيلين الأبيض والأزرق ، لأن الله تعالى يقول : " مرج البحرين يلتقيان " ، وعند مدينة " الخرطوم " لأن الله تعالى يقول :" سنسمه على الخرطوم " ، وهكذا فقد تحدد الاسم من قبل ، والآن فقد تحدد المكان!

    ومن طرائف االجمهوريين أن زعيمهم كان أمرداً لا يبقي على لحية ولا شارب ، لمزيد من التشبه بالله في زعمهم – والعياذ بالله – وقد أخذوا ذلك من الحديث الذي يتردد كثيراً في كتاباتهم استشهاداتهم ، وهو الحديث الموضوع الذي يقول : " ليلة عرج بي انتسخ بصري في بصيرتي ، فرأيت الله في صورة شاب أمرد ، فوضع يده على كتفي ، فشعرت ببرودتها على ثديي ... إلخ الحديث الموضوع " وعندما يواجه الجمهوريون بالأحاديث الصحيحة في الشوارب واللحى يردون ذلك بدعوى أنها من أحاديث العادات ولا تلزم المسلمين في شئ !

    وفي دواوين الجمهوريين إنشاد كثير يكرس هذه الدرجة لمحمود ، وهذا هو شاعرهم الأول- آنئذٍ - عوض الكريم موسى ينشد مخاطباً محمود قائلاً :

    يا من خلقت بذاته

    وأقمت كل صفاتـه

    ترقى ولا تلقى المنون !

    وللجمهوريين أناشيد كثيرة يرددونها بألحان شجية ، وهي محفوظة على شبكة المعلومات الدولية “ The Internet “ ، وهي تفيض تفيض بهذه المعاني والأوصاف الشركية !

    وعند إعلان الحكم بالإعدام على محمود محمد طه في 1984 ، صرح بعض كبار أتباعه جهاراً نهاراً بأن ذلك الحكم لن ينفذ ، بل أعلن خطيبهم الأشهر " أحمد دالي " في ندوة حاشدة بجامعة الخرطوم ، أن الحكومة لن تتمكن من أن تمس شعرة واحدة من رأس محمود ، وفي لحظات الإعدام صرخ أحد الجمهوريين من الذين حضروا التنفيذ قائلاً : " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " فاقتادته الشرطة ، وأعلن عن تقديمه للمحاكمة إلا أنه تراجع عن تلك القولة فيما بعد .

    هل أنكر الرجل الصلاة ؟!

    لقد سئل مرة محمود محمد طه في محاضرة عامة له ، هل تصوم رمضان ؟ فقال إني آكل في نهار رمضان ولكني لا أشبع . وسئل هل تحج ؟ فقال : " إني أطوف حول قلبي " ، وسئل إن كان يصلي : فقال إنه يصلي صلاة الأصالة . فما هي صلاة الأصالة ؟ .

    يفرق محمود طه بين نوعين من الصلاة : الأولى ، وهي صلاة التقليد ، والثانية وهي صلاة الأصالة . أما صلاة التقليد فهي تلك التي يقلد فيها المؤمنون رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، ودليلها : " صلوا كما رأيتموني أصلي " . وأما صلاة الأصالة فهي تلك التي يؤديها المسلمون ابتداءً من القرن العشرين " وفي صلاة الأصالة لا يوجد تقليد وإنما يوجد تأس بالرسول وبمقاصده في التشريع " ( 4) .

    وفي اعتقاد محمود فإن الصحابة لم يصلوا إلى درجة الإسلام ، وإنما وصلوا فقط إلى درجة الإيمان، لأنهم خوطبوا بالآية : " اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ، فقالوا : يا رسول الله أينا يستطيع أن يتق الله حق تقاته ؟ فنزل في حقهم : " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " ، وهكذا فقد كان الصحابة في درجة بدائية من درجات التدين ، وبقي على الإنسان المعاصر أن ينخلع عن تلك الدرجة إلى درجات أعلى ، وأن ينخلع من صلاة الحركات إلى صلاة الأصالة . والصلاة عند الجمهوريين هي وسيلة وليست غاية ، وهم يشددون على مسألة الخشوع والحضور في الصلاة ، حتى تؤدي دورها في الترقي والوصول ، ولذلك فهم يعتقدون ببطلان الصلاة التي لا يصاحبها الخشوع .

    وأما هذه الصلاة المعروفة ، فهي تسقط عن المؤمنين متى وصلوا إلى درجة المسلمين لأن كل فرد منهم يجد حينئذٍ شريعته الفردية الخاصة التي يأخذها إستقلالاً عن الله .

    وإذا احتججت أمام الجمهوريين بالآية التي تقول : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً " أجابوك بتفسيرهم الخاص للآية من قول محمود محمد طه : " فاسمع إذن : المقصود بالصلاة هنا الصلاة الشرعية ، وكتاباً موقوتاً يعني فرضاً له أوقات يؤدى فيها ، وهو على المؤمنين مرحلة أمة البعث الأول ، وهي الأمة التي تعيش في أخريات أيامها . وقد ندبت لتواصل سير ترقيها وتطورها إلى أمة المسلمين " (5) . وأما إذا ترقى المؤمن " حتى بلغ حق اليقين وسكن قلبه وأطمأنت نفسه فأسلمت ، طالعه المعنى البعيد لكلمة " موقوتاً " ، وذلك المعنى في حقه ، هو أن الصلاة الشرعية فرض له وقت ينتهي فيه ، وذلك حين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة ، ويخاطب بالإستقلال عن التقليد ، فهو حينئذ لا تسقط عنه الصلاة ، وإنما يسقط عنه التقليد"(6) . ومثل هذه النصوص يحفظونها حفظاً ، وكان لهم ولع شديد باستعراضها في المنتديات.

    وهكذا أصبحت الصلاة ، وسيلة للوصول إلى مرتبة الأصالة " وهي مرتبة الإتحاد مع الله " – نعوذ بالله العظيم - ، ومتى ما حققت هذه الغاية ، بطلت مهمتها وانتهى دورها ، وأصبح للمرء صلاة خاصة لم يشرحها لنا محمود ، ولكنه قال إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يؤديها باعتباره المسلم الوحيد في ذلك العصر . وبالطبع فلم يحفظ لنا أي من كتب السنة صلاة بهذا الشكل ، وكل ما عرفناه أن قيام الليل كان فرضاً على الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولكنه كان صلاة يؤديها مثل الصلوات الأخرى ولم تعرف كيفية مخالفة لتلك الصلاة . وهكذا فترك الصلاة عند محمود دليل على مرتبة الوصول والإتحاد مع الله – تعالى الله علواً كبيراً عما يقول الكافرون.

    لماذا اعترضوا على الشريعة ؟ !

    لم يكن اعتراض الجمهوريين على تطبيق الشريعة الإسلامية اعتراضاً سياسياً ، وإنما كانوا يرفعون اعتراضاً أصولياً ضد الشريعة نفسها وقد ظلوا يرفعون هذا الاعتراض منذ حملة الدستور الإسلامي في الستينيات . مؤدى اعتراضهم القديم والحديث على السواء هو أن التشريع ينبغي أن يقوم على آيات الأصول ، لا على آيات الفروع ، أو بتعبير آخر على القرآن المكي ، لا القرآن المدني . حيث يعتقدون أن القرآن المكي ، ناسخ للقرآن المدني . والرسالة الإسلامية الأولى والتي تقوم تشريعاتها في تصورهم على الآيات المدنية ، لا تصلح ولا تلائم هذا العصر . هذا الرأي تردد كثيراً في أدبيات الجمهوريين ، وخاصة في كتابي " الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين " و " الرسالة الثانية من الإسلام " . وفي كلا هذين الكتابين زعموا أن هذه الشريعة كانت مناسبة فقط لإنسان القرن السابع الميلادي الذي لم يترق بما فيه الكفاية ، لاستيعاب شريعة الأصول .

    إن تشريعات الإسلام في مجال الاقتصاد إذا اشتقت من القرآن المدني تصبح بزعم الجمهوريين رأسمالية الطابع . وعندما تناول محمود طه فريضة الزكاة قال فيها : " الزكاة ذات المقادير ليست إشتراكية ، وإنما هي رأسمالية . وآيتها : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ، إن صلاتك سكن لهم " ، ليست أصلاً ، وإنما هي فرع . والغرض وراءها إعداد الناس نفسياً ومادياً ليكونوا إشتراكيين ، حين يجئ أوان الإشتراكية . والآية الأصل التي تنزلت منها آية الزكاة ذات المقادير ، هي قوله تعالى : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " .

    وهكذا ينسب محمود الإسلام برسالته الأولى إلى الرأسمالية ، وهي نسبة غريبة بالطبع لأن نصوص الإسلام تهدر وتهدم وتحرم معظم دعائم الاقتصاد الرأسمالي ، من ربا واحتكار واستعمار واستغلال للضعفاء . وكل ذلك مما لا يمكن أن يقوم النظام الرأسمالي بدونه ، كما لا يمكن أن يقال إن الدولة المسلمة تقف عاجزة عن التدخل في السوق ولا تقوم بضبطه أو ترشيده عند الضرورة .

    وأما الإسلام الذي يريده محمود فهو الإسلام الإشتراكي . فهو يقول إن الآية الأصولية : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " هي آية الإشتراكية في القرآن . وأما إنفاق العفو فيفسره لنا بأنه إنفاق كل ما زاد عن الحاجة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وحده كان يفعل ذلك في مجتمع القرن السابع الميلادي . ولم يكتف محمود بذلك بل دعا إلى ما هو أبعد من الإشتراكية ، أي إلى " شيوع خيرات الأرض بين الناس . فالشيوعية إنما تختلف عن الإشتراكية اختلاف مقدار ، فكأن الإشتراكية إنما هي طور مرحلي نحو الشيوعية " " ولقد عاش المعصوم الشيوعية في قمتها حين كانت شريعته في مستوى آية الزكاة الكبرى " يسألونك ماذا ينفقون ؟ قل العفو " (7) .

    وطبعاً فقصة الشيوعية منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمر لا يستحق الرد ، ولكن الغريب أن المنهج يضطرب في هذه المسألة ، فآية " يسألونك ماذا ينفقون " التي يوردها محمود كواحدة من آيات الأصول ، هي واحدة من أواخر ما نزل من القرآن الكريم في سورة البقرة في العهد المدني ، ومع ذلك اعتبرها محمود - اعتباطاً – آية مكية ، وبنى عليها نظرية كاملة في الاقتصاد الإسلامي الإشتراكي الشيوعي الذي دعا له !

    وأما الديموقراطية فلم يجد لها محمود مكاناً في قرآن الفروع ، حيث قال : " إن من يتحدث عن الديموقراطية والإشتراكية في الإسلام ، من غير أن يتحدث عن تطوير الشريعة السلفية من مستوى آيات الفروع ، إلى مستوى آيات الأصول إنما يدلي بباطل ، ويتحدث فيما لا يعلم " ( . وهو يرى أن آية الديموقراطية في القرآن ، هي قول الله تعالى : " فذكر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمسيطر " ، ويزعم أن تلك الآية المكية نزلت على المسلمين فلم يطيقوا هذه الحرية الواسعة ، فقيدت بعدئذ حريتهم يالقرآن المدني ، الذي قال الله تعالى فيه : " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وهو القول الذي أقام حكم الفرد الرشيد على الناس حتى يترقوا ويصبحوا أهلاً لممارسة الحرية . إن محمود يتناسى - مرة ثانية - أن آية الشورى التي سميت عليها سورة كاملة في القرآن نزلت في مكة وهي الآية التي تقول عن الجماعة المسلمة المكية : " والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون " وهي آية لم تنسخ قط لأن ما تضمنته من الإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لم ينسخ قط .

    يضاف إلى هذا التعسف في استخدام استراتيجية ضرب القرآن ببعضه البعض أن هذا الفهم يستبعد كل ممارسات الصحابة الرشيدة لحريتهم ، من اختيار للخلفاء إلى توجيه النقد والتقويم إليهم ، وإلى كافة ممارسات الشورى والحسبة في مجتمع النبوة ، ومجتمع الخلفاء الراشدين ! .

    وأما شريعة الأحوال الشخصية ، فكانت مجالاً رحباً للاجتهادات الجمهورية ، حيث شغل الحديث عن المرأة حيزاً واسعاً في أدب الحزب . وللجمهوريين ما يزيد على العشرة كتيبات في هذا الموضوع . وأما أهم أطروحاتهم في هذا المجال فإسقاط قوامة الرجال على النساء ، والدعوة إلى المساواة الكاملة بين الجنسين في الشهادة والميراث وغير ذلك ، والزعم بأن تعدد الزوجات ليس أصلاً في الإسلام ، وأن الطلاق ليس أصلاً في الإسلام ، وأن الحجاب ليس أصلاً في الإسلام .

    بالنسبة للقوامة يزعم الجمهوريون أن آية القوامة وهي آية : " الرجال قوامون على النساء " من سورة النساء إنما نسخت بآية البقرة :" ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " . يقولون ذلك وهم يتجاهلون حقيقة أن آية البقرة هذه آية مدنية ، فكيف يعتمدون عليها وهي حسب توصيفهم المنهجي واحدة من آيات الفروع ؟ ثم إن القوامة المشار إليها هنا لا تعني قوامة الرجل مطلق الرجل على كل النساء ، وإنما هي قوامة الرجل على زوجته ، وهي قوامة في نطاق الزوجية ، ولو أرادت المرأة أن تفض هذه القوامة فما عليها إلا أن تفض علاقة الزوجية فتتحرر من تلك العلاقة .

    إن المرأة المسلمة في كل حال لها الحرية الكاملة في الارتباط بالزوج . ولها الحرية الكاملة في التصرف فيما تملك بدون قوامة على ممتلكاتها ، من أب أو أخ أو زوج ، فلها أن تبيع ما تملك أو تؤجره أو ترهنه أو تهبه ، ولها حق العلم وحق المشاركة في المجتمع ، ولا تعوقها قوامة الرجل عن ممارسة هذه الحريات . فلماذا هذا الحرص على رفض مبدأ القوامة من جانب الجمهوريين ؟ ، إن القوامة لا تعدو أن تكون رئاسة للأسرة لا يمكن أن تعطى للزوجة ، ولا أن يشترك فيها الزوجان ، وإنما يتولاها الزوج وحسب .

    وأما الطلاق فلا يقول أحد أنه أمر محبوب أو مندوب ، فهو حلال بغيض إلى الله ، وهو حق يساء استخدامه بالفعل من جانب البعض . ولكن ليس كل حق يصادر إذا سيئ استخدامه ، تماماً كما لا تصادر الحرية إذا أساء البعض استخدامها . إن الطلاق حق مكفول لتصحيح الاختيار ، وإنهاء العلاقة المضطربة التي يحسن ألا تستمر .

    يقول محمود محمد طه إن الصحابة – رضوان الله عليهم – لم يكن : " نور الإيمان كافياً لهم لتمام التسديد في الاختيار في الزواج ، ولكننا نحن اليوم نستقبل مزيداً من النور كل يوم ، ومتى أشرقت شمس الإسلام لا يقع أحد في خطأ اختيار الزوج ، ومن ثم تنعدم الحاجة إلى الطلاق ، فالنظائر قد التقت بالنظائر ، والشكول قد ضمت إلى الشكول ، " قد علم كل أناس مشربهم " . وهكذا فالإنسان منذ عهد آدم وحتى الآن كان يبحث عن زوجه ، " وطفقا يبحثان : آدم عن حواء وحواء عن آدم ، وبعد لأي وجد آدم حواء ، ووجدت حواء آدم ، ولم تجده " (9) . وأما في عهد الرسالة الثانية التي سيبتدرها الجمهوريون ، فسيجد كل إنسان زوجه بلا تعب ولا عناء ، ولن يحدث خطأ أبداً في الاختيار ومن ثم لا يحتاج أحد إلى الطلاق ! ! وما أشبه ما سيق للتدليل على إمكان منال ذلك باللغو البارد المكرور في فتوحات ابن عربي الشيطانية !

    وأما تعدد الزوجات ، فقد تعرض له محمود في كتاب " الرسالة الثانية " ، وأوجب منعه قائلاً : " إن ذلك المنع يلتمس في قول الله تعالى : " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " وقوله تعالى : " ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " ، وقال إن حكم التعدد إنما كان مرحلة انتقالية إلى فترة تحريم التعدد بتاتاً ... وذلك لأن القوم ما كانوا وقتها قادرين على تنفيذ الحكم ‍! ! "

    ودعك من زعم أن الصحابة ما كانوا قادرين على تنفيذ الحكم ، ولنناقش المبدأ نفسه ، مبدأ التعدد ، هل شرع لحكمة أم لا ؟ ألا يكون تعدد الزوجات حلاً لمشكلة زيادة عدد النساء على الرجال بنسبة هائلة كما حدث في أوربا مثلاً في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، حيث أصبح أكثر من العشرين مليون أرملة بلا أزواج ، أفيكون التعدد هو الحل الأفضل ؟ أم تصبح هؤلاء النساء راهبات ؟ إن الأفضل بالتأكيد ليس هو الحل الأسهل الذي لجأت إليه أوربا ، وهو الفساد الاجتماعي ، وإباحة تعدد العشيقات ، لا تعدد الزوجات . إن الحل الأسهل الذي لجأت إليه أوربا واستمرأته حتى بعدما زال الدافع إليه ظل يولد أسوأ العواقب على محيط تلك المجتمعات .

    وثمة حالات أخرى شائعة مثل العقم والمرض وغيرها إما أن يصبر عليها الزوج وإما يباح له التعدد ، فإن لم يصبر على هذه الحالات فإما التعدد وإما الفساد ، والإسلام دين واقعي لا يرهق الإنسان بمثالية لا طائل من ورائها وسرعان ما يعجز عن تمثلها الإنسان .

    وهكذا فواضح أن موقف الجمهوريين من الشريعة التي يعرفها كل المسلمين هو موقف الرفض ، والإصرار على " تطوير " هذه الشريعة من مستوى القرن السابع إلى القرن العشرين – الذي ولى الآن ! – والعمل على خلطها في ذات الوقت ببعض أفكار التحرر والإشتراكية الحديثة . ولذلك فلم يكن منتظراً إلا أن يصعدوا حملة هائلة ضد أي دعوة لتطبيق الشريعة والحدود .

    لماذا فشل الجمهوريون في السودان ؟!

    لم تكن البيئة السودانية صالحة لانتشار ونمو حركة الجمهوريين ، فالشعب المتدين يتعامل بوضوح مع مصادر العقيدة والشريعة ، وهي مصادر محددة عنده ، ولم تختلط كما عند الجمهوريين . ولم تنتشر في السودان الإنقسامات الفكرية الحادة في إطار الإسلام . فالكل يتبعون الدين الواضح المحدد ولا أحد يجنح إلى تقسيم القرآن إلى آيات فروع أو آيات أصول كما فعل الجمهوريون . كما لم يجد الشطح الإشراقي الفلسفي أرضاً خصبة في البيئة الفكرية في السودان لاسيما في العصر الحديث . وهذا ما عجز في استنتاجه البروفيسور " بول ماجناريلا " الذي كتب دراسة ترويجية عنهم بعنوان ( The Republican Brothers : A Reformist Movement in The Sudan ) ، وقد ذكر في خاتمتها أنه " بالرغم من أن آراء الجمهوريين تعتبر غير تقليدية ، إلا أن أكثر المعارضة التي تواجههم لم تنشأ لاختلافاتهم الثيولوجية عن سائر المسلمين ، وإنما لأسباب سياسية واقتصادية . ذلك أن هذه الحركة الإسلامية (الجمهورية ) الجديدة تمثل خطراً يهدد السلطات الإسلامية التي تجاوزها الزمن " (10) .

    لكل ذلك لم تتمكن الحركة الجمهورية من النمو المتصل المتسارع (11) ، كما نمت نظيرتها الحركة القاديانية في الهند وباكستان ، حيث الانقسامات الدينية الحادة واختلاط الفكر الإسلامي أحياناً بالفكر الهندوسي ، كما تم على يد " جورنا ناك " الذي مزج بين بعض الأفكار الإسلامية والهندوسية ، ليؤسس بذلك ديانة " السيخ " . أو كما تم على يد جلال أكبر الذي جمع أفكاراً مختلفة من الهندوسية والزرادشتية والإسلام ، ثم ادعى إنه ظل الله في الأرض ، أو ما جرى من ميرزا غلام الذي مزج بين أفكار من المسيحية والإسلام وأسس نحلة القاديانيين .

    لقد ظلت أفكار الجمهوريين بعيدة عن ذهن المسلم العادي في السودان . ومع حرارة الجمهوريين وإخلاصهم لدعوتهم ، ونضالهم في سبيلها ، إلا أن فكرة واحدة من أفكارهم مثل رفع الصلاة ، كانت كفيلة بنسف الأفكار الأخرى للحزب ، وتنفير الناس منها .

    إن المثقفين لم يستسيغوا كثيراً ولا قليلاً مذهب الجمهوريين في نظرية المعرفة الذي يتخطى العقل والحس ، ويعتمد على التلقي المباشر " كفاحاً " عن الله ! كما لم يستسيغوا منطق الجمهوريين الجدلي ، والذي من أبرز سماته إهمال اللغة ، ورفض الإحتكام إليها ، فالمعاني عندهم " تنزلات " ، لا تسعها اللغة ، وإنما يسعها الذوق ، والقرآن في نظرهم ، أكبر من أن تحمله اللغة أو تحتوي معانيه ، ويستشهدون على ذلك بقول الله تعالى : " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله " فكيف يتصدع الجبل ولا تتصدع اللغة إن حملت معاني القرآن ؟!

    ولذلك يفسرون القرآن اعتماداً على الذوق الملهم، وقد مر بنا تفسيرهم لآية : " خلقكم من نفس واحدة " ، واستنتاجهم أنها نفس الله – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – وقد فسروا قول الله تعالى : " قل الله " بقولهم : " كن الله " ، وفسروا : " والتين والزيتون وطور سنين " ، بأن التين هو العقل ، والزيتون هو القلب ، وطور سنين هو النفس ، وإلى آخر تلك التخرصات التي لم يقرهم عليها مجادلوهم من المثقفين الذين انصرفوا عن الحوار معهم لإفتقاد المنهج في الحوار .

    ويعتقد البروفيسور شوقي بشير – الذي كتب أطروحته التي نال بها جائزة الدكتوراة في نقد حركة الجمهوريين – أن انقطاع الحوار بين المثقفين والجمهوريين ، أدى إلى عدم انكشاف أخطاء الجمهوريين ، وربما كان هذا القول صحيحاً ، ولكن ربما كان كثير من المثقفين والمفكرين السودانيين ، ولا سيما الإسلاميين منهم ، قد راهنوا على عدم استجابة البيئة السودانية لأفكار الجمهوريين ، ولذلك لم يعملوا أقلامهم في الرد عليهم ، كما فعل محمد إقبال ، وأبوالأعلى المودودي ، وأبو الحسن الندوي في نقد حركة القاديانيين .

    ولقد صب الجمهوريون ، عداواتهم على مختلف الجبهات الفكرية العاملة في وسط الشعب ، ولم يصطفوا أحداً بالود إلا من كان من أمر ودادهم للحكم اليساري في عهد جعفر محمد نميري . وقد أصدر الجمهوريون عدة كتيبات في نقد كل طائفة ، أو حزب ، أو مؤسسة أيدولوجية ، وكذلك كرسوا كتيبات أخرى لنقد بعض الأفراد . لقد نشروا عدة إصدارات في نقد الصادق المهدي وجماهير الأنصار ، من بينها كتاب " هذا هو الصادق المهدي " والذي صدر في سنة 1982 ، وكتبوا في نقد الحزب الإتحادي كتابهم " المؤامرة " الصادر في سنة 1980 ، وفي نقد الأخوان المسلمين عدة كتب من بينها كتابهم " بداية نهاية الأخوان المسلمين " الصادر سنة 1979 ، وفي نقد أنصار السنة كتابهم " أبو زيد الوهابي " الصادر في سنة 1980 وفي نقد وزارة الشؤون الدينية كتابهم " بيننا وبين الشؤون الدينية وأساتذتها من أزهريين وسعوديين " في سنة 1976 ، وفي نقد القضاة " صفوا دائرة الأحوال الشخصية " ، الصادر في سنة 1976 ، وفي نقد العلماء " ليسوا علماء الإسلام وإنما علماء آخر الزمان " الصادر في سنة 1976 . وهذه مجرد نماذج وإلا فإنهم كرسوا في نقد كل طائفة ما يزيد على الأربعة أو الخمسة كتيبات .

    وللتعرف على نماذج من نقدهم ، والذي كثيراً ما يتحاوز النقد الموضوعي ليصل إلى حدود الإرهاب الأدبي ، نتعرض إلى نموذج لهذا النقد . فقد أختصوا الأستاذ أحمد البيلي ، وكان من كبار رجالات وزارة الشؤون الدينية ، بقدر وافر من نقدهم ، وبدلاً من أن يتصدوا للرد على نقده العام لهم في الندوات والمحاضرات ، إذا بهم يحاكمونه إلى السلطات الأمنية لحكومة نميري وذلك لموقف فكري خاص اعتنقه ودافع عنه ، يقول كتاب " الميزان " ، والذي ألفه طائفة من الجمهوريين : " ما رأي السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية فيما دعونا إليه من تطوير المال ، وذلك بالانتقال من النص الفرعي إلى النص الأصلي ، من الزكاة ذات المقادير إلى زكاة البنى ، وقد أظلنا عهد الإشتراكية ؟ ! هذا ما نريد السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية أن يبينه في غير مواربة " (12) ، إنهم يستظهرون إذن بالحكومة الدكتاتورية ويحرضونها على الأستاذ البيلي ، ليوافقهم على أفكارهم ، وإنها لمواجهة ، كما قالوا ، وليست حواراً ولا نقاشاً ، فإما أن يوافقهم على أفكارهم وإلا فهو من أعداء الحكومة والشعب وليستعد للفصل من الوظيفة وقطع الرزق وربما ما هو أسوأ من ذلك بكثير .

    وأما النموذج الثاني ، فيكشفه لنا الدكتور عون الشريف ، وزير الشؤون الدينية الأسبق ، وهو رجل لم يكن يتصدى لهم كثيراً ، ولكنه يكشف في كتاب أصدرته الشؤون الدينية بعنوان " رسالة خاتمة لا رسالتان " . أنه كان يتعرض لتهديد الجمهوريين فيقول : " أنا شخصياً لا أميل إلى مصادرة الفكر مهما بلغ اختلافي معه ، ولكني في نفس الوقت أرفض أساليب الضغط التي يسلكها تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه ، والتي وصلت أحياناً إلى درجة التهديد والتلويح بأن بعض السلطات العليا في الدولة معهم ، إن هذا أيضاً مصادرة لحرية المخالفين لهم في الرأي " (13) .

    ولم ينحصر هذا النقد والعداء في المحيط الداخلي للمؤسسات السودانية ، والمفكرين السودانيين ، وإنما تعداهم إلى المفكرين الإسلاميين الآخرين ، فأصدروا كتاباً كبيراً في نقد الدكتور مصطفى محمود ، وكتيباً في نقد الشيخ محمد متولي الشعراوي . وكتيبات أخرى في نقد الأزهر ورابطة العالم الإسلامي ، وبالعموم فإنه لم يكد ينج أحد من سيل العداء الجمهوري ، وفي النهاية اتجهوا بالعداء إلى حليفهم الوحيد وهو نظام الحكم في عهد النميري ، وهو ذات النظام الذي كانوا يستخدمونه لإرهاب خصومهم كما أقر بذلك أحد وزراء نميري السابقين .

    وهكذا ألقت بهم حماقاتهم في السجن الذي قضوا فيه نحو عام ثم أطلق سراحهم في عفو جزئي شمل بعض السياسيين المعارضين . ولكنهم ما أن تنفسوا الصعداء ، حتى عبأوا أنفسهم من جديد للتصدي لحملة إنفاذ الشريعة الإسلامية التي أعلن تطبيقها في الوقت الذي كانوا مغيبين فيه في السجن ، فسيروا مواكب حاشدة من الرجال والنساء ظلت تطوف لأكثر من أسبوع كامل ، توزع المنشورات ضد الشريعة ، وتتهم قضاة الشرع بعدم الكفاءة العلمية ، وبالضعف الأخلاقي ، وأن تطبيق الشريعة سيجرعلى الشعب فترة ظلامية خانقة شبيهة بحياة العصور الوسطى .

    وأخيراً وقعوا في شر عواقب أعمالهم ، حيث اعتقلوا وقدموا للمحاكمة ، وحكم بالإعدام على زعيم الحزب ، أربعة من أتباعه ، وبينما أمهل الأتباع شهراً حتى يراجعوا أنفسهم ، نفذ الحكم في اليوم التالي في الزعيم أمام الجماهير وبحضور القضاة ، ورئيس القضاة وحملت جثته على متن طائرة لتدفن في مكان غير معروف . وأعلن الأتباع الأربعة ، وفيهم تابع لمدة ثلاثين عاماً لمحمود ، توبتهم في اليوم الأخير من أيام الإمهال ، وأطلق سراحهم بعد هذا الإعلان .

    مستقبل الحركة :

    يرى كثير من المراقبين أن إعدام زعيم الجمهوريين قد أسدل الستار على نشاطات أكثر الطوائف الآيدولوجية نشاطاً وحيوية ، واهتماماً بالطرح الفكري والجدل ، وهي طائفة الجمهوريين . والحق أنهم كانوا كذلك ، فقد كانوا يواصلون دعوتهم بلا كلل ولا ملل ، وفي صبر واحتمال عجيبين . ولا شك أن جهد الواحد منهم كان يساوي جهد عشرين عاملاً في الحركات الآيدولوجية الأخرى ، والآن فقد اختفى هذا النشاط ، ولكن هل سينتهي هذا النشاط إلى الأبد ، أم سيتخذ مسارب أخرى ؟ هذا هو السؤال ! !

    كان الجمهوريون يراهنون علناً أن زعيمهم لن يموت حتى يقيم دولته ، وتعم فكرته الآفاق ، وقد زخرت أشعارهم وأفكارهم بهذا المعنى ، ولذلك فقد أصيبوا بصدمة عنيفة من جراء الإعدام ، وبدوا مذهولين وكأنهم غير مصدقين لما وقع ، رغم أنهم رأوه رأي العين وقد توقفوا عن الجدل العلني منذ ذلك اليوم وأعلن بعضهم عن ردتهم عن الفكر الجمهوري ، كما أعلن بعضهم أنه قد بدأ يعيد النظر في إيمانه وولائه لتلك الأفكار .

    وقد رأى مراقبون آخرون أن إعدام محمود محمد طه ، في سبيل مذهبه ، ربما زاد من قداسته في نظر أتباعه ، وربما زادت هذه الحادثة من إيمان الجمهوريين بالفكرة والزعيم ، ولا سيما وأن الزعيم لم يتزعزع قط ، لا في المحكمة التي رفض التعاون معها ، وابتسم لها ساخراً حينما نطقت بالحكم ، ولا في منصة الإعدام التي تقدم إليها رابط الجأش .

    وقد ذكر البروفيسور شوقي بشير ، أن الجمهوريين انطلاقاً من إيمانهم بنظرية التطور وعقيدتهم في وحدة الوجود المادية ، ربما رأوا في موت الزعيم مرحلة من مراحل السعي في سلسلة الوجود ، وبداية لدورة جديدة لجسمه حيث تسعى أجزاؤه للوصول للكمال المطلق . إن الجمهوريين يؤمنون بأن عمل الإنسان لا ينقطع بالموت ، وأن الإنسان قد يصل إلى نقطة " الوصول " ، في خلال حياته ، أو عند موته ، أو بعد الموت . وفي هذه الحالة فإن اختفاء الزعيم لن يحدث تأثيراً سلبياً على دعوتهم ، وسيظل هو يكافح وهو ميت ، كما سيواصلون هم الكفاح في كل الأحوال !

    إن دعوة بهذا التعقيد الفكري ، والتصميم الحركي ، جديرة بأن تصبح محط أنظار أعداء الإسلام في كل مكان ، ولذلك فقد رشحوها بديلاً لحركات الدعوة الإسلامية في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وعملوا على تلميعها وإعطاء شهادات التزكية لها من مختلف الأوساط الفكريةالاستشراقية الفكريةالاستشراقية. وفي الأيام القادمة سنرى.

    الهوامش

    الأخوان الجمهوريون ، عقيدة المسلمين اليوم ، الخرطوم ، 1983 ، ص ص 51 – 54 .

    محمود محمد طه ، الرسالة الثانية من الإسلام ، الخرطوم ، 1967 ، ص ص 39 – 40 .

    المصدر السابق ، ص 90 .

    محمود محمد طه ، رسالة الصلاة ، الخرطوم ، 1972 ، ص 77 .

    المصدر السابق ، ص ص 105 – 106 .

    المصدر السابق ، ص ص 97 – 98 .

    الرسالة الثانية من الإسلام ، ص ص 146 – 147 .

    محمود محمد طه ، تطوير شريعة الأحوال الشخصية ، ص 43 .

    الرسالة الثانية من الإسلام ، ص 130 .

    Paul J. Magnarella, The Republican Brothers : A Reformist Movement in the Sudan. ( The Muslim World ), January, 1982, p. 24.

    ذكر البروفيسور بول ماجناريلا في مقاله آنف الذكر أن الدكتور عبد الله النعيم أحد قادة الحزب الجمهوري أخبره بأن للحزب بضعة مئات من الأعضاء، ونحو ألف من المؤيدين . ص 24 .

    الأخوان الجمهوريون ، الميزان ، الخرطوم ، ص 48 .

    عون الشريف قاسم ، الإسلام: رسالة خاتمة لا رسالتان، وزارة الشؤون الدينية ، الخرطوم ، ص ص 73 – 74 .
                  

العنوان الكاتب Date
** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة01-27-08, 08:57 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Abu Eltayeb01-27-08, 09:22 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة01-27-08, 09:35 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** kh_abboud01-27-08, 09:54 PM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة01-28-08, 11:46 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** ABUHUSSEIN01-28-08, 00:17 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة01-28-08, 11:53 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** تاج السر حسن01-28-08, 01:09 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-28-08, 02:19 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة01-29-08, 00:02 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** kamalabas01-28-08, 02:30 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** kamalabas01-28-08, 02:40 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-28-08, 02:57 AM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-28-08, 06:11 AM
        Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Mohamed E. Seliaman01-28-08, 06:54 AM
          Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-28-08, 07:28 AM
            Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Mohamed E. Seliaman01-28-08, 07:59 AM
              Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-28-08, 08:54 AM
                Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** عواطف ادريس اسماعيل01-28-08, 09:37 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Frankly01-28-08, 04:44 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Frankly01-28-08, 04:45 PM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Saifeldin Gibreel01-28-08, 05:50 PM
        Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** خالد علي محجوب المنسي01-28-08, 06:06 PM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** د.أحمد الحسين01-28-08, 06:03 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** kamalabas01-28-08, 05:58 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** kamalabas01-28-08, 06:10 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة01-29-08, 00:10 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef01-29-08, 04:15 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef01-29-08, 04:32 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Omer Abdalla01-29-08, 05:45 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Saifeldin Gibreel01-29-08, 06:03 AM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** الواثق الصادق01-29-08, 06:42 AM
        Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** ABUHUSSEIN01-29-08, 01:19 PM
          Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** د.أحمد الحسين01-29-08, 04:14 PM
          Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة01-29-08, 08:42 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef01-29-08, 04:44 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Yassir7anna01-29-08, 05:13 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-29-08, 05:40 PM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة01-29-08, 11:13 PM
        Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-30-08, 00:11 AM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Yassir7anna01-30-08, 12:46 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Omer Abdalla01-30-08, 04:20 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-30-08, 05:16 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Omer Abdalla01-30-08, 05:45 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** osama elkhawad01-30-08, 06:38 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة02-02-08, 08:36 PM
  الفاتيكان والفكرة الجمهورية (1) kamalabas01-30-08, 01:11 PM
  السلفييون والفاتيكان kamalabas01-30-08, 01:19 PM
    Re: السلفييون والفاتيكان2 kamalabas01-30-08, 01:25 PM
  الفاتيكان والإسلام: من يخدم أجندة الفاتيكان إن كان يسعي حقا لتدميرالاسلام? kamalabas01-30-08, 01:33 PM
  مقارنة بعض الافكار السلفية والفكرة الجمهورية kamalabas01-30-08, 01:46 PM
    Re: مقارنة بعض الافكار السلفية والفكرة الجمهورية Balla Musa01-30-08, 04:13 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** kamalabas01-30-08, 05:14 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Yassir7anna01-30-08, 05:19 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Yassir7anna01-30-08, 05:20 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-30-08, 09:18 PM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** kamalabas01-30-08, 10:34 PM
        Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** kamalabas01-31-08, 01:50 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Elawad01-30-08, 10:19 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-30-08, 11:14 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-31-08, 00:43 AM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-31-08, 01:16 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Elawad01-31-08, 02:12 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Yassir7anna01-31-08, 06:57 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** عثمان عبدالقادر01-31-08, 01:51 PM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa01-31-08, 02:28 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Yassir7anna02-02-08, 05:59 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa02-02-08, 07:51 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Yassir7anna02-02-08, 02:00 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** kh_abboud02-02-08, 04:36 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa02-02-08, 08:24 PM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة02-02-08, 08:53 PM
        Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة02-02-08, 11:27 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Yassir7anna02-03-08, 09:41 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة02-03-08, 07:17 PM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة02-04-08, 00:05 AM
        Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة02-04-08, 00:17 AM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa02-04-08, 01:56 AM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** محمد حسن العمدة02-04-08, 10:59 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Yassir7anna02-04-08, 12:51 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** عثمان عبدالقادر02-04-08, 03:26 PM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة02-04-08, 05:33 PM
        Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة02-04-08, 06:18 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef02-04-08, 06:45 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** محمد حسن العمدة02-04-08, 07:16 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** kh_abboud02-04-08, 07:28 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef02-04-08, 07:40 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة02-04-08, 08:56 PM
      Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa02-04-08, 09:16 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** محمد حسن العمدة02-05-08, 12:08 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Yassir7anna02-05-08, 05:57 AM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef02-05-08, 01:19 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Balla Musa02-05-08, 02:06 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef02-05-08, 04:59 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** محمد حسن العمدة02-05-08, 05:24 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef02-05-08, 06:00 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef02-05-08, 06:04 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef02-05-08, 06:06 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef02-05-08, 06:09 PM
  Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** Sabri Elshareef02-05-08, 06:13 PM
    Re: ** الأستاذ محمود: بين تفجير الدين الاسلامى نوويا ...وبين نشر الفاتيكان للرسالة الثانية ** مهيرة02-06-08, 09:10 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de