نعم هى ثنائية وللثنائية أسباب - منصور خالد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-11-2024, 05:52 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام شيخ الدين جبريل(يازولyazoalيازول)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-16-2004, 08:12 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدين والسياسة .. زراعة الإحَن وحصاد المحن (Re: Omar)

    بروتوكولات نيفاشا ... البدايات والمآلات-
    المقال السابع (2-2)
    14.08.04


    الدين والسياسة .. زراعة الإحَن وحصاد المحن

    الجدل حول العلمانية في السودان نموذج بليغ لغباء الحوار عندما لا يتفق المتحاورون على المصطلحات، علماً أن الناس تعلموا منذ سقراط أن الحكمة تبدأ بتحديد معاني الكلمات. فحين لم ير البعض في العلمانية غير نفي الدين عن الحياة مما لا يرضاه من يقول الإسلام دين ودولة، أو دين وحياة، كان كل ما يعنيه التعبير للبعض الآخر هو أن تبقى الدولة محايدة تجاه أصحاب الديانات المختلفة في ممارستهم لواجباتهم، واستمتاعهم بحقوقهم، وأدائهم لمسئولياتهم المدنية. فلم يكن من خطة دعاة العلمانية السودانية، فيما نعلم، أن يَهجِر المسلم نفسه وينخلع عن ثقافته، أو في ######ها أن تُلغى الأديان، الكتابي منها والتقليدي، حتى في المناطق التي يسيطر عليها ''علمانيو'' الجنوب. العلمانية، كالديمقراطية، ظاهرة طارئة أصبحت تمثل في المجتمع المعاصر، مجتمع أنسنة الحقوق الأساسية المدني منها والسياسي، تَحدٍ لا يمكن الهروب منه. ولعل فكرة الهروب نفسها لا تساور إلا الذين أرادوا وضع الإسلام في مجابهة مع الآخر علماً أن الإسلام دين، كما هو حضارة تاريخية. وكحضارة، أسهم الإسلام إسهاماً مشهوداً في تطور الإنسانية إلى المستويات التي بلغتها، ولهذا فإن أي رهان إسلامي استراتيجي سيكون رهاناً خاسراً إن قام على رفض مكاسب العقل الحديث ومنها العقلانية والموضوعية والإنسانية. تلك المجابهة موقف تفتعله جماعات، لم تستنفد بعد إمكانياتها للتخريب والتدمير، ولا ترى الهوية الإسلامية إلا هوية منغلقة وممتلئة بالكراهية للآخر، وكأن تلك الهوية لم تتغذَ بحكمة الهند وعرفانية الفرس وفلسفة يونان. نقول مفتعلاً لأن ليس في العالم كله مجتمع إسلامي واحد يُحكَم بوجه مطلق اعتماداً على الدين، لا في أنظمة الحكم، ولا في السياقات القانونية، ولا في العلاقات مع الأمم، ولا في الاقتصاد والتجارة، ناهيك عن العلوم والفنون والصناعات.
    مهما
    حديثنا هذا عن الانغلاق، وقبل هنيهة تحدثنا عن التواضع المعرفي يستدعي للذاكرة كلمات للرئيس محمد خاتمي. خاتمي مفكر إسلامي مستنير قضت السياسة أن ترمي به إلى حيث ما كان يجب أن يكون فتقل سماحته. قال في مقدمة لمحاضرة له عن الدين والدولة بتواضع العَالِم والحس التاريخي للمفكر: ''أرجو أن لا تنتظروا مني أطروحة ما، فأنا أعترف بعجزي الفكري والعلمي عن مثل ذلك. ناهيك أن حياة الإنسان لا يتم إصلاحها بأطروحة. فمثلاً، كانت أطروحات ماركس وانجلز هي الأكثر فاعلية ذات حين، ولكنكم وقفتم على النتيجة رغم مما للرجلين من مزايا تحمد. فماركس، للإنصاف، كان رجلاً فطناً وأحد أبرز الخبراء في اكتشاف معايب الرأسمالية. ولكن نتيجة ما فعله بارزة للعيان. فلنعترف بكل صدق أن الحياة إن هي إلا جهود ومساع عامة ومتواضعة، ولا نتقدم إلا بالتعاون وتضافر الجهود وتبادل الآراء وتلاقح الأفكار والتذكير دوماً بمحدودية ما يطرحه الإنسان من آراء وأفكار ووجهات نظر'' (الدين والدولة، الدار العلمية للكتب والنشر 199.
    مهما يكن من أمر، فإن وجوه التعبير عن العلمانية تختلف من مكان لآخر. ففي الهند مثلاً ارتكزت العلمانية على مبادئ ثلاثة: المساواة في احترام الأديان، واعتبار سلطة الدولة في كل القضايا المدنية سلطة نهائية، واقتصار دور الدولة في واجب أساس هو تحقيق رفاهية المواطن وخيره المعنوي. ولو لم تفعل الهند هذا وتجعل من المواطنة أساساً للحقوق والواجبات، أو لو طبقت مبدأ سيطرة دين الأغلبية على الأقليات الدينية لأصبح مسلموها في وضع لا يُرضي مسلم. ففي الهند 690 مليون هندوسي مقابل 120 مليون مسلم (مما يجعل الهند ثاني دولة إسلامية في العالم بعد اندونيسيا من ناحية عدد السكان). كما أنه رغم التعديل الأول للدستور الأمريكي الذي صدر في عام 1791 والذي ينص على الفصل بين الدولة والكنيسة لم يقتلع ذلك التعديل الثقافة الأمريكية الغالبة من جذورها الدينية البروتستانتية. هذه الحقيقة تصدق على كل الدول التي ذهبت إلى الفصل الدستوري بين الدين والدولة، فالمادة الثانية من الدستور الفرنسي لم تَقضِ على الكاثوليكية أو البروتستانتية في فرنسا، كما لم تُضعف المادة الثانية في الدستور التشيكي (دستور هافل) التي تنص على ''تأسيس الدولة على القيم الديمقراطية ولا يجوز ربطها بأيدلوجية خاصة أو بدين معين'' (والنص كما هو جلي ردة فعل على الهيمنة الماركسية) أي أثر على الكاثوليكية في المجتمع التشيكي.
    دستور 1998 يمثل، بلا شك، ثورة حقيقية في نظرة الإسلام السياسي لقضية الدين والسياسة. ولولا غلبة الهيجان على الخطاب السياسي، والاستمرار في استخدام العنف العاري ضد الخصوم، لصدق الناس أن ذلك الدستور يعني ما يقول. كانوا سيصدقون ما جاء به الدستور أيضاً إن لم تصبح برامج الإعلام في الراديو والتلفزيون الرسميين، وتصبح مناهج التعليم في مدارس الدولة، برامج تبشيرية لا يري المواطن غير المسلم وجهه فيها، ولا يرى وجه فيها أيضاً المواطن المسلم صاحب الرؤية المغايرة للدين. هذه هي الأسباب التي جعلت أغلب خصوم النظام يقرأون الأحرف الدقيقة fine prints لا النصوص الواضحة في الدستور، ويتمهلون في الإطلاع على ما بين السطور، في الوقت الذي لا يلقون فيه إلا النظرة العجلى على السطور. وعلنا لا نتوقف عند النصوص التهيمة في ذلك الدستور مثل تلك بشأن الحريات، التي ما وردت إلا وتبعها تعبير كابح. وبالقطع لا نتوقف كثيراً عند المادة 26 (1) حرية التوالي والتنظيم لأن الحرية تتألق فيها بغيابها. بخلاف ذلك، نشير إلى المادة الأولى حول طبيعة الدولة: '' السودان وطن جامع تتآلف فيه الأعراق والثقافات وتتسامح الديانات. والإسلام دين غالب السكان وللمسيحية والمعتقدات العرفية أتباع كثيرون''. هذا نص سليم وهو ذو قربى بالمادة 16 من دستور 1973 التي أزاحها الترابي عند تعديل ذلك الدستور في العام 1984، كما يبتعد النص عن الإشارات التقليدية في الدساتير العربية لدين الدولة. وحَسَن أن يشير الدستور إلى التسامح لأنه مقوم أساس للاستقرار في الدول متعددة الديانات، ولكن كيف يكون هناك تسامح في وجود أحكام مثل حكم الردة هي ظنينة أصل حتى في الفقه الذي يستند عليه الدستور. ذلك النص تسرب إلى قوانين السودان في قوانين سبتمبر 1983، والردة مصادرة لحق الاختلاف والمغايرة في الاجتهاد، إذ حيثما طبقت لم تطبق ضد مجاهر بالكفر، بل دوماً ضد مناقض لاجتهاد، أو مستنكر لحكم. وعندما يكون هذا الاستنكار أو المناقضة في بلد تترجرج فيه الأحكام بحيث ينقض مجتهدوه، كما قلنا، في الصباح حكماً ابرموه في المساء، لا تتقلقل الثوابت فحسب، بل يصبح الزعم بقدسية الاجتهادات جناية في حق دين أبى حتى على الرسول الكريم قهر البشر وإكراههم على رأي بعينه بمن فيهم من أعرض عنه ونأي بجانبه ''وإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ''. من جانب آخر فإن التسامح في فقه الحقوق الإنسانية لا يعني عدم المبالاة بالآخر، لا تعبأ به ولا تكترث، وإنما هو قبول الآخر لحد المعاناة. وأصل كلمة تسامح tolerance في الإنجليزية هو كلمة tolere اللاتينية وتعني ''يَشِق على أو يُعاني''.
    وفي الباب الرابع (سلطة التشريع) حددت المادة 65 مصادر التشريع على الوجه التالي: ''الشريعة الإسلامية وإجماع الأمة استفتاء ودستوراً وعرفاً هي مصادر التشريع، ولا يجوز التشريع تجاوزاً لتلك الأصول، ولكنه يهتدي برأي الأمة العام وباجتهاد علمائها ومفكريها ثم بقرار ولاة أمرها''. الجانب الإيجابي في النص هو أنه تطور لما جاء في مشروع دستور 1968 الذي جعل الشريعة المصدر الأساس للتشريع، وهي نظرة أثبتنا بطلانها، كما هو تطور كبير للنص الذي اقترحه الترابي كتعديل للمادة 9 من دستور 1973، في معرض تعديلاته لذلك الدستور في العام 1984، وعلى أي فإن فكرة النص على مصادر التشريع في دساتير الدول العربية بدعة لا تعرفها دساتير العالم، أدخلها الدكتور عبد الرازق السنهوري الذي أشرف على صياغة أكثرها. دساتير العالم أجمع تفترض أن الأمة هي مصدر السلطات ولهذا يصبح حكم الأمة، إما مباشرة في استفتاء أو عبر ممثليها، هو مصدر التشريع. وجميع الأمم لا تصدر أحكامها من فراغ، بل تصدرها ابتناء على أصول تستلهمها من الأديان والعادات والتقاليد وشرائع من قبلها، كما من التجارب الإنسانية التي عَبَرت بها، أو تنامت إليها. ليس أدل على ذلك من أن المائتين وينيف من قوانين السودان السارية حتى اليوم مستمدة من التجارب الإنسانية، فلا مصدرها الدين ولا العرف.
    ثم جاءت مشاكوس، وتناول بروتوكولها قضية الدين والسياسة بصورة خلقت كثيراً من الالتباس بقدر ما أرضت طرفي النزاع إلى حد. ففي البدء ظل موضوع الحقوق التي تكفلها المواطنة محل شك عند غير المسلمين رغم ما أشار إليه دستور 1998، خاصة في المادة 21 حول الحرية والحق في التساوي. قالت المادة: ''جميع الناس متساوون أمام القضاء، والسودانيون متساوون في الحقوق والواجبات في وظائف الحياة العامة، ولا يجوز التمييز بينهم فقط بسبب العنصر أو الجنس أو الملة الدينية، ###### متساوون في الأهلية للوظيفة والولاية العامة ولا يتمايزون بالمال''. هذا نص واضح وصريح، ولكن عندما نرى أن بعض هذه الحقوق التي كفلها الدستور بموجب هذه المادة لكل إنسان سوداني دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو الملة تُصادر، مثلاً، بالنسبة للنساء (حق المرأة في الشهادة) اعتماداً على نص آخر في الدستور (المادة 65 مصادر التشريع) يصبح الخوف مشروعاً. وطالما كانت المصادر التي تستنفج منها هذه الأحكام هي موروثات الفقه القديم، فلماذا لا يتخوف البعض من أن ينبري فقيه قروسطي اعتماداً على تلك الموروثات ويطالب بحرمان ''الكافر''، مثلاً، من الولاية على المسلمين بموجب قوله تعالى ''ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا''. أوليس ذلك هو النص الذي ارتكز عليه جميع الفقهاء لحرمان الكافر من ولاية القضاء على المسلم إلا الحنفية الذين أجازوها على أهله ؟ أو أسوأ من ذلك ما الذي يمنع فقيهاً آخر من الدعوة لحرمان العبد من الولاية انطلاقاً من أحكام الفقه العتيق مثل قولهم: ''إن كان الرق مانعاً من ولاية العبد على نفسه فأحرى من ولايته على غيره''، فالعبد في عرفهم مشغول بحق سيده ولهذا لا يولي (الماوردي). في مكان غير السودان مثل هذه الحكايات قد تكون أساطير، ولكن طالما أثبتت التجارب منذ أن أصدر نميري قوانينه، وانبرى بعض الفقهاء لتسويغها فأي شيء محتمل في السودان، خاصة إن ظللنا نبتني الأحكام الراهنة على اجتهادات صيغت في قرون سحيقة، وعجزنا، بالغوص الجريء في الأصول، عن إيجاد حلول عملية لمشاكلنا المعاصرة التي لم يعرفها فقهاء الماضي. فبصرف النظر عن استغلال الدين لأغراض السياسة، ما زال هناك فقهاء يرفضون إعادة قراءة الأصول، بل يلحون على النظر إلى الأصول من حيث انتهى القدامى إلى قراءتها.
    لهذا جاء التنصيص في الفقرة المتعلقة بالدين والدولة في اتفاق مشاكوس واضحاً وجلياً في أمرين: الأول هو إيضاح معنى احترام التعدد الديني بما يمنع اللبس، والثاني إبانة ما نعنيه بإنشاء الحقوق على المواطنة وبصورة واضحة. وقدم البروتوكول لتلك الفقرة بالاعتراف أن السودان بلد متعدد الثقافات والأعراق والاثنيات والأديان واللغات، وحض على عدم استخدام الدين كعامل للتفرقة. وتضمنت الفقرة المبادئ التالية:
    * الاعتراف بكل الأديان والأعراف والمعتقدات كمصدر قوة روحية والهام للشعب السوداني (وهذا تأكيد لعدم نفي الدين عن الحياة).
    * إقرار حرية المعتقد والعبادة والوجدان لأتباع كل الأديان والمعتقدات والأعراف ولا يجوز التمييز ضد أي إنسان على هذه الأسس.
    * الحق في تولي جميع المناصب بما فيها رئاسة الدولة، ووظائف الخدمة العامة والتمتع بجميع الحقوق والواجبات على أساس المواطنة وليس على أساس الدين أو المعتقدات أو الأعراف.
    * تنظيم الأحوال الشخصية ومن ضمنها الزواج والطلاق والميراث وفق القوانين السائدة بما فيها الشريعة أو القوانين الدينية الأخرى أو الأعراف الخاصة بمن يعنيهم الأمر
    * احترم الحقوق التالية: حرية العبادة والتجمع من أجل أداء الممارسات الدينية أو تلك المتعلقة بالمعتقدات وتأسيس وحماية الأماكن التي تؤدى فيها هذه الشعائر، إنشاء المؤسسات الخيرية والإنسانية حسب الحاجة، صناعة وحيازة كل المواد والأدوات المتعلقة بأداء الشعائر أو العادات بصور تحقق أداء الغرض المطلوب منها، تأليف وإصدار وتوزيع المطبوعات الخاصة بالشعائر المختلفة، تدريس الديانات والمعتقدات في الأماكن المناسبة لهذه الأهداف، السعي للحصول على المساهمات النقدية وغيرها من الأفراد والمؤسسات وتسلم هذه المساهمات، تدريب وتعيين وانتخاب القيادات التي يتطلبها الدين أو المعتقد المعين، التمتع بالعطلات والاحتفالات الدينية وفق التعاليم والمبادئ التي ينص عليها الدين الذي يدين به الشخص المعين، إقامة العلاقات والاتصالات مع الأفراد والجماعات فيما يتعلق بالشئون المعتقدية على المستويين الداخلي والخارجي.
    وكأن كل ذلك لا يكفي أضيف نص يقول: ''لإزالة أي شك حول القضية لا يسمح بالتمييز من قبل الحكومة أو الدولة أو المؤسسات القومية ضد أي فرد أو مجموعة على أساس الدين أو المعتقد''. وقد يرى البعض أن هناك مبالغة في التفصيلات وتأكيد الضمانات، ولكن أية قراءة أمينة للحدود التي وصل إليها الاستقطاب الديني في السودان يدرك دواعي ذلك التفصيل.
    بروتوكول مشاكوس تضمن نصوصاً أخرى تتعلق بالقوانين التي ستسود خلال الفترة الانتقالية، خاصة في الشمال، أثارت ثائرة بعض القوى الشمالية، وكان لنا تعليق على ذلك إبان صدورها. يقول البروتوكول في الفقرة حول الحكومة القومية:
    * يتفق الطرفان على تكوين حكومة قومية تمارس السلطة وتجيز القوانين التي تجاز من قِبل سلطة عليا ذات سيادة على المستوى القومي. وستأخذ الحكومة في الاعتبار عند إجازتها للقوانين الطبيعة التعددية للشعب السوداني ديناً وثقافة.
    * التشريعات التي تُسَن على المستوى القومي وتطبق على الولايات خارج جنوب السودان يكون مصدرها التشريعي الشريعة وإجماع الشعب.
    * التشريعات التي تُسَن على المستوى القومي وتُطبق على الولايات الجنوبية (أو الإقليم الجنوبي) يكون مصدرها التشريعي الإجماع الشعبي وقيم وعادات الشعب السوداني ومن بينها تقاليده ومعتقداته الدينية مع أخذ التعددية السودانية في الاعتبار.
    * في حالة ما إذا كانت التشريعات القومية المعمول بها الآن أو المطبقة وكان مصدرها الدين أو العرف وكانت أغلبية سكان الولاية أو الإقليم لا يمارسون شعائر ذلك الدين أو يلتزمون بالأعراف المعنية يكون هناك خياران: الأول هو استبدال القوانين أو المؤسسات بما يتماشى مع الدين والأعراف المعنية أو عرض القانون على مجلس الولايات لإقراره بأغلبية الثلثين.
    وبقدر ما ابتهج المناصرون للنظام والمعارضون له بالاختراق الذي وقع في مفاوضات السلام، بقدر ما غُم بعضُ المعارضين لتنازل الحركة الشعبية عن إصرارها على أن يكون دستور السودان كله علمانياً، بل قبولها (غير المشروع) استمرار تطبيق الشريعة على الشماليين. حقيقة الأمر، لم تك تلك هي المرة الأولى التي قبلت فيها الحركة التنازل عن الطرح العلماني من أجل الوفاق مع القوى الشمالية، فقد فعلت ذلك في اتفاق الميرغني ـ قرنق (16/11/198 عندما قبلت مبدأ تجميد قوانين سبتمبر لحين البت في علاقة الدين بالدولة في مؤتمر قومي دستوري، وفعلته عندما اتفقت مع فصائل التجمع الشمالية في نيروبي (17/4/1993) على صيغة حول علاقة الدين بالسياسة أصبحت أساساً لقرارات التجمع في اسمرا (يونيو 1995) حول ذلك الموضوع. وتنص الصيغة على: كفالة المساواة تأسيساً على حق المواطنة، تحريم إنشاء الأحزاب على أساس ديني، الاعتراف بتعدد الأديان وكريم المعتقدات والعمل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي بينهما، منع الإكراه، تأسيس البرامج الإعلامية والثقافية القومية على الالتزام بمواثيق وعهود حقوق الإنسان. تلك الصيغة لا تشير بحال إلى إلغاء القوانين القائمة ذات الأصل الديني، أو تعترض على النص الذي جعل الشريعة مصدراً للتشريع. ليس هذا فقط، بل أن التنصيص على مصادر التشريع، وبخاصة النص على أن تكون الشريعة مصدراً للتشريع، والذي لم يرد مطلقاً في دستور 1956 أو دستور 1956 تعديل 1964 أضيف للمرة الأولى لذلك الدستور في دستور انتفاضة أبريل. وتقول المادة (4) من ذلك الدستور ''الشريعة والعرف مصدران أساسيان للتشريع والأحوال الشخصية لغير المسلمين يحكمها القانون الخاص بهم''.
    الاتهام الثاني والقائل إن الحركة لا تملك تفويضاً من الشمال لتقرر نيابة عنه القانون الذي يحتكم إليه قد يكون صحيحاً من الناحية الشكلية. نقول شكلية لأن هذه القوانين، وافقت الحركة أم لم توافق، هي القوانين التي كانت سارية عند التوقيع، وقبل التوقيع، وبعد التوقيع على بروتوكول مشاكوس. كانت القوانين قائمة أيضاً حتى في ظل الديمقراطية التي كان للتجمع الحزبي فيها أغلبية صريحة (حكومة الديمقراطية الثالثة)، وكان للتجمع النقابي فيها حكومة لها مطلق الحرية في النقض والإبرام (حكومة الانتفاضة 1985-1986). ثمة خيارات محلية كانت مطروحة أمام الحركة، وثمة ضغوط خارجية كانت عليها. من بين الخيارات الاستمرار في الحرب حتى تُقام الدولة العلمانية في السودان كله، ولربما كان هذا هو الخيار الذي طمع البعض أن تتخذه الحركة. الخيار الثاني هو أن تترك الحركة ''ما لا يعنيها'' إلى أن يصل طرفا النزاع الشماليان (الحكومة والتجمع) إلى اتفاق بشأنه، أي أن يُجمد الاتفاق إلى حينٍ لا يعرف إلا الله مداه. أما الثالث فهو أن تكون اليد العليا للتيار الانفصالي في الحركة، بل وتيار الوطنية الصغرى في الجنوب كله، والذي يقول يكفي ما حققناه لأهلنا ولنذهب مباشرة إلى ممارسة حق تقرير المصير تاركين الشمال ليسوى أموره بنفسه متى ما تيسر له ذلك. تلك كلها كانت خيارات مستحيلة، فأولاً، لا تستطيع قيادة الحركة، حتى وإن رغبت في ذلك، أن تحمل الجنوب كله على حرب لا ناقة له فيها ولا جمل. ولربما كان في مقدورها أن تغامر بخيار كهذا لو كانت قوات التجمع تتأهب للانقضاض على الخرطوم، أو كانت قوى الانتفاضة تحيط بالنظام احاطة السوار بالمعصم. الخيار الثاني محكوم بقدرة المعارضة الشمالية على أن تقتسر أي شيء من النظام في الأفق المنظور، ففي النهاية كلنا ميتون. ولم يكن في الافق المنظور ما يشير إلى أن النظام أوشك أن ينهار ويولي الأدبار، أو أن مبادرات السلام الأخرى (المبادرة المشتركة) كانت معنية بقضية الدين والسياسة لحد أكثر مما جاء في قرارات نيروبي 1993، أما الخيار الثالث فلا ينبغي أن يُسعد أي شمالي، كما أنه لم يكن بالخيار الذي تفضله الحركة.
    من جانب آخر لعبت الضغوط الخارجية دوراً مهماً بدد أوهاماً كثيرة غلبت على عقول كل الأطراف: الحكومة، الحركة، الفصائل الشمالية المعارضة. من تلك الاوهام أن الوسطاء والرقباء ورعاة التفاوض ـ وكلهم منسوب للمسيحية أو العلمانية ـ سيمضون إلى النهاية في دعم التوجه العلماني للحركة، أو سيفعلون كلما في وسعهم ، كما يظن بعض أهل التجمع، لإزاحة ''الدولة الدينية'' في الخرطوم. كما ساد عقول أغلب مناصري النظام وَهم قارب اليقين بأن ليس لأمريكا وبريطانيا من غرض تطلبه وتحتال عليه غير تدمير المشروع الحضاري وتحطيم دولته. نِذارة الوسطاء والرقباء والرعاة جميعهم للحركة كانت: ''لقد حصلتم على كل ما تريدون للجنوب: السلطة والثروة والحفاظ على خصائصكم الثقافية، فما شأنكم بالشمال إن كان أهله يريدون أن يحكموا عبر الدين؟ أما للقوى السياسية الشمالية فكان قولهم عبر مبعوثيهم الكثر: ''هذه القوانين ظلت معكم منذ أن كان لكم حكم ديمقراطي وبرلمان حر عجز عن إلغائها، ولم نَرَ حتى الآن ـ حتى بعد مشاكوس ـ تظاهرة واحدة في الخرطوم تطالب بإلغائها، فما الذي نستنتج من ذلك؟ ولعل الرقباء والرعاة انتهوا إلى أن مناهضي القوانين الدينية في الشمال كانوا يتمنون اجتثاثها بسيف مستعار، فسعوا للحيلولة دون ذلك.
    قضية الدين والدولة عادت إلى السطح مرة أخرى عند تداول موضوع العاصمة القومية والقوانين التي تحكمها. الحوار حول العاصمة لم يبدأ في نيفاشا كما يزعم البعض، بل ظل مطروحاً منذ مفاوضات مشاكوس حيث أُطلق عدد من بالونات الاختبار للالتفاف حول الموضوع. من ذلك أن تكون للسودان عاصمتان (جوبا والخرطوم)، أو إن تنشأ عاصمة جديدة في منطقة محايدة، أو أن يُقتطع جزء من الخرطوم ليصبح عاصمة لا تسري عليها القوانين الدينية. كل تلك الخيارات سقطت لعدم معقوليتها. مع ذلك شاء البعض أن يصور القضية وكأنها أمر افتعلته الحركة، كما ذهب آخرون إلى تلقيح فتنة دينية واستثارة من تسهل استثارتهم لكي يقفوا إلباً واحداً ضد الاقتراح لما ليس فيه: الدعوة للفجور والرذيلة واباحة الخمر والميسر في عاصمة الدولة الإسلامية. ومرة أخرى أُختزل الدين من أصله ليختصر في الحدود. ومن المدهش أن الذين أثاروا ذلك النقع من الإرجاف لم يتدبروا أن الدستور الذي تحكم به الدولة ''الإسلامية'' (دستور 199 يبيح للناس ما هو اكثر من هذا، إن كانت نصوصه تعني ما تقول. ذلك الدستور يبيح (ربما نظرياً) حتى للمسلم إنكار الشعائر مع العلم بها. فالمادة 24 من الدستور حول حرية العقيدة والعبادة تنص: ''لكل إنسان الحق في حرية الوجدان والعقيدة الدينية وله حق إظهار دينه أو معتقده ونشره عن طريق التعبد أو التعليم أو الممارسة أو أداء الشعائر أو الطقوس، ولا يُكره أحد على عقيدة لا يؤمن بها أو شعائر أو عبادات لا يرضاها طوعاً، وذلك دون إضرار بحرية الاختيار للدين أو ايذاء لمشاعر الآخرين أو للنظام العام، وذلك كما يفصله القانون'' هذا النص، بلا مرية، لا يلزم المسلم بأداء شعائر دينه إلا طوعاً، علماً أن في الفقه الذي يستمسكون بتطبيقه انتقاءً أحكاماً صريحة حول تخلي المسلم عن أداء شعائر دينه لا فجوة فيها للتحفظ. فأداء الشعائر لا يخضع للرضى الطوعي عندهم، فمثلاً، يستتاب تارك الصلاة عمداً فإن استكبر وأنكر وجوبها قُتل ولا يدفن في مقابر المسلمين.
    الفقرة حول العاصمة القومية في بروتوكول مشاكوس غطت إلى حد كبير أربع قضايا: الأولى هي احترام التنوع السوداني والتأكيد على أن تكون العاصمة رمزاً للوحدة الوطنية وعاكسة لكل وجوه ذلك التنوع. والثانية احترام حقوق الإنسان والحريات كما هي موضحة في بروتوكول مشاكوس (الحريات الدينية) وبروتوكول نيفاشا (جميع الحريات الأساسية). والثالثة هي حماية غير المسلمين من تطبيق القوانين السارية ذات الأصل الديني ووضع ضمانات كافية لتحقيق ذلك الغرض. أما الرابعة فهي عدم الإخلال بحق الأمة في إعادة النظر في التشريعات القائمة (الفقرة 2-4-5).
    قضية الدين والسياسة، كمثيلاتها الأُخر: نظام الحكم، الحقوق الأساسية، التمكين السياسي، وقعت ضحية تزيد تجاوزنا فيه ما ينبغي فانتهينا إلى حروب وقودها الناس والحجارة. وإن كانت هناك دروس نتعلمها من تلك التجارب فهي، أولاً ضرورة الكف عن التزيد في الأمور أو الظن أن للحقيقة وجهاً واحداً، خاصة في شأن الدين. فما أكثر الأحكام التي أصدرنا منذ الستينات في قضايا الدين ثم ارتددنا عنها، وكثيراً ما كان ذلك بلا حجة شافية أو بلاغ مبين في الحالتين. الأمر الثاني هو الاعتراف أن الله خلق الناس على فِطر مختلفة، ولو شاء أن يجعل منهم أمة واحدة لفعل.
    فالحياة كلها قائمة على الاختلاف كما أراد الله لها ''ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم''. من يقول غير هذا يلج بالجهل. الأمر الثالث هو أنه لا يستطيع بشر أن يحمل أهل أية ملة خطم أنوفهم ليهجروا أنفسهم، أو يخالفوا عقيدتهم فإن رأى المسلمون تطبيق القوانين الدينية عليهم فذلك حقهم، شريطة أن يكون القرار بإرادتهم الحرة ، لا بالإكراه أو ادعاء الوصاية عليهم. الأمر الرابع هو ترقية أدب الخلاف بعد أن بلغ الاختلاف في أمور الدين حداً لا أناة فيه ولا تواضع.
    أوهل هذا حقاً هو الدين الذي أوصى الله نبيه بالحلم حتى مع المُعرضين ''وإن كان كَبُر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين'' (الأنعام 35)، والمــراد بالجــهل هــنا ما يضــــاد الحــلم لا ما يضاد العلم. والأمر الخامس والأخير هو أن نخفض قليلاً من سقف مطامحنا، أي أن نسخر الدين والسياسة لإصلاح حال السودان بدلاً من أن نجعل لنا دوراً أممياً نجمع به أهل الأرض كلهم على الهدى، فهذا هو الحمق بعينه.
                  

العنوان الكاتب Date
نعم هى ثنائية وللثنائية أسباب - منصور خالد يازولyazoalيازول07-22-04, 11:22 AM
  اتفاقيات السلام ... البدايات والمآلات (2) Omar07-26-04, 02:02 AM
    Re: اتفاقيات السلام ... البدايات والمآلات (2) يازولyazoalيازول07-26-04, 02:18 AM
      Re: اتفاقيات السلام ... البدايات والمآلات (2) Zaki07-26-04, 12:49 PM
        المناطق المُهمشة: خيار بين الحيف والسيف Omar08-01-04, 10:55 PM
          Re: المناطق المُهمشة: خيار بين الحيف والسيف يازولyazoalيازول08-02-04, 00:06 AM
            بروتوكولات نيفاشا ... البدايات والمآلات- المقال الخامس (1-2) Omar08-04-04, 11:39 PM
              Re: بروتوكولات نيفاشا ... البدايات والمآلات- المقال الخامس (1-2) يازولyazoalيازول08-05-04, 02:52 AM
                Re: بروتوكولات نيفاشا ... البدايات والمآلات- المقال الخامس (1-2) aymen08-05-04, 10:36 AM
              بروتوكولات نيفاشا ... البدايات والمآلات- المقال الخامس (2-2) Omar08-06-04, 08:02 AM
                الدين والسياسة .. زراعة الإحَن وحصاد المحن Omar08-12-04, 12:50 PM
                  Re: الدين والسياسة .. زراعة الإحَن وحصاد المحن Omar08-16-04, 08:12 PM
    اتفاقيات السلام ... البدايات والمآلات (3) Omar08-08-04, 01:57 AM
  Re: نعم هى ثنائية وللثنائية أسباب - منصور خالد Adil Osman08-05-04, 11:56 AM
    Re: نعم هى ثنائية وللثنائية أسباب - منصور خالد aymen08-05-04, 12:33 PM
      Re: نعم هى ثنائية وللثنائية أسباب - منصور خالد يازولyazoalيازول08-07-04, 07:22 AM
        الاقتصاد السوداني ... فرضيات الواقع ووهوم الأيديولوجيا Omar08-16-04, 08:17 PM
          Re: الاقتصاد السوداني ... فرضيات الواقع ووهوم الأيديولوجيا khider11-19-04, 01:21 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de