رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-01-2024, 09:51 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-13-2023, 02:29 PM

كمال عباس
<aكمال عباس
تاريخ التسجيل: 03-06-2009
مجموع المشاركات: 17172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة (Re: Amira Hussien)

    التالي منقول. من بوست لزميلنا معاوية الزبير


    مشاركة منشور من صفحة الأستاذة نجاة محمد علي، لندرك فداحة فقْدِنا للموسيقار الفنان المبدع محمد الأمين
    ----
    الموسيقار محمد الأمين في حديث عن تجربته الإبداعية
    وملاحظات نقدية حول تجارب موسيقية أخرى

    نُشر هذا الحوار أولاً بجريدة الأيام، صفحة ألوان الفن والأدب، الثلاثاء 16 سبتمبر 1975 ص 5، تحت عنوان "حوار مع محمد الأمين، أجراه عبد الله بولا". ثم نُشر في كتاب عبد الله بولا ""حوارات 1975-2001"، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، 2017، ص ص 119-130.

    محمد الأمين يقول: استفاد من تجربتي الكثيرون
    أنس العاقب رؤياه غير واضحة
    الكردفانيون وقفوا في حدود النقل

    ● عبد الله بولا: وجَّه إليك السيد أنس العاقب عدة اتهامات، يهمنا منها ما نعتبره مجافياً لطبيعة المبدع التي أقر بها لك. الاتهامات هي: السرقة، ركاكة الانتقالات المقامية، الإطالة الغنائية العديمة المعنى، عدم المعرفة بطبيعة العلاقة بين حركة الخلق والاستجابة، عدم وضوح القالب الموسيقي، نرغب أن تكون الإجابة بلغة علم الموسيقى.
    ○ محمد الأمين: يهمني ما جاء في كلام الأخ أنس العاقب تناقض منطقه؛ كيف أكون أنا الإنسان المبدع الذي يسرق والسابق للناس؟ فيما يتعلق بوصفه لي بالجهل بالعلاقة بين الخلق والاستجابة، يرى الأخ أنس، مع ذلك، أنني سبقت زمني، ويلومني على ذلك ويطالبني بأن أتوقف حتى يلحق بي المستمع. أن أتخلف أو أتجمد، ذلك يعني أن أوقف عملية الاطراد في الخلق. هذا منتهى التناقض، وهو شيء لم أكن أتوقعه من ناقدٍ يدَّعي العلم والمعرفة. أما مسألة السرقة، فأعتقد أنها خطرفة وإضافة لرصيد النقد غير الموضوعي. وعن مسألة الانتقالات المقامية، أعتقد أنه على الأخ أنس أن لا يقْصِر المسألة على التنظير. إذا كانت الانتقالات المقامية التي وضعتها توصف بأنها ركيكة، فما هي الانتقالات الغير ركيكة؟ هذه لم يوضحها الأخ أنس، لا نظرياً ولا عملياً. اعتقد أنه على الذين درسوا، مثل الأخ أنس العاقب، أن يطرحوا لنا البديل لهذا الشيء الركيك، خاصةً وهم حينما دخلوا معهد الموسيقى لم يدرسوا ليصبحوا نقاداً. إنهم درسوا ليتأهلوا كفنانين، وكانت إمكانياتهم إمكانيات عطاء وليس إمكانيات نقد. أعتقد أنهم لم يطرحوا شيئاً، وأعتقد أنني واعٍ بتعاملي مع النغم وواعٍ بمسألة الانتقالات اللازمة والممكنة. الشيء الثالث، هو كلامه عن عدم وضوح القالب الموسيقي عندي؛ أعتقد أن هذا كلام غير علمي، لأنه ليس هناك صيغة جاهزة يجب أن يكون عليها القالب الغنائي. مفهوم القالب الموسيقي نفسه متطور. هناك أغاني المرحلة التي تُسمى بحقيبة الفن، كان القالب الشائع هو قالب "الروندو" الثلاثية، وقد تضافرت جهودنا نحن الفنانين بتجاذب أطراف التطور حتى وصل إلى الاستفادة من شكل أو قالب السوناتة في أغنية حروف اسمك، الثلاثة مقاطع والمقطع الأخير السريع. وهذا شكلٌ معروفٌ عالمياً ولم يُطرق عندنا من قبل. الإطالة الغنائية بمعنى التكرار الذي لا معنى له، أعتقد أن ذلك شيء غير وارد.
    أود أن أوضح أنني لا أدافع عن نفسي، بل أن الأخ أنس هو الذي في موقف دفاع. فيما اعتقد أنه على الإنسان حينما يصل لمثل هذه المرحلة من مراحل التطور والعطاء، يجب أن يكون لديه وضوح رؤية. الأخ أنس رؤيته غير واضحة ولغته غير واضحة، فالغناء ليس مسألة تهويمات وما شابه ذلك، إنه عمل ناتج عن جهدٍ وتركيز. وأنا أدري ماذا أفعل، وواعٍ بلوازم عملي في حروف اسمك. وكما ذكرت، استخدمت قالب السوناتة مع سلم ري الكبير، مع وعيٍّ بالانتقالات المقامية والنغمية اللازمة.

    ● ذكرت أن أنس وزملاءه من الدارسين دخلوا معهد الموسيقى والمسرح ليتأهلوا كفنانين وكانت إمكانياتهم، على حد تعبيرك، إمكانيات عطاء وليس إمكانيات نقد؛ أعتقد أنك بذلك تقصي النقد عن دائرة النشاط الخلاق. يتفرع من ذلك أيضاً سؤال عما إذا كنت ترى إمكانية الجمع بين النقد الخلاق والممارسة الخلاقة؟ بمعنىً أكثر دقة، النظرية الخلاقة والممارسة الخلاقة. إنني أتحدث من منطلق تجربة، ففي حركتنا التشكيلية على صعيد النقد والممارسة، تحول مركز المبادرة لمبادئ ومناهج نقدية جديدة للمبدعين أنفسهم، فهل يمكن للمسألة أن تنسحب على مجالكم، بحيث يكون الموسيقي الخلاق والمغني الخلاق هو الناقد الخلاق نفسه؟
    ○ هذا صحيح. مثل هذا الناقد هو المطلوب لو وُجِد، لكن المسألة في مجالنا تعترضها صعوبات جمَّة، بحيث لا يتوفر للإنسان في الوقت الحاضر الوقت لممارسة العمليتين معاً.

    ● إقراراً بوجود هذه الصعوبة، ما هو في تصورك الحد اللازم من الشروط التي يجب أن تتوفر في الناقد؟ على أنني أوافق أنه من الممكن أن يوجد الناقد الذي لا يمارس النشاط العملي الخاص بالمجال المعين، مع احتفاظي بتفضيلي للتصور الذي طرحته في سؤالي الأسبق.
    ○ الناقد المطلوب، باعتبار الصعوبات التي ذكرتها، هو الناقد الواضح الرؤيا، المنطلق من فكررٍ عميقٍ ومنسجم، والذي يملك، انطلاقاً من ذلك، القدرة على تحليل الظواهر، والملِّم بشتى ضروب الثقافة التي يتطلبها النشاط الذي هو موضوع النقد. هذا الناقد ضروري ويكون بمثابة الوسيط بين المبدع الموسيقي والمستمع، حتى يطرب الناس للأغنية عند سماعهم لها، وليعرفوا لماذا طربوا، وإذا ما حدث العكس، ليعرفوا لماذا الأغنية غير جيدة. ثم أنني سأستفيد بنفسي من تحليل مثل هذا الناقد.

    ● مواصلةً للحديث عن العلاقة بين حركة الخلق والاستجابة، نلاحظ أنك في كثيرٍ من الحالات تفاجئ المستمعين بطريقة أداء جديدة، بل وحتى بإضافة جمل موسيقية كاملة. ماذا تسمى ذلك وما موقفه من مكوناتك الإبداعية؟
    ○ الملاحظة صحيحة، لأن الغناء بالنسبة لي ليس مسألة تسميع أو تكرار لشيءٍ صنعته من قبل، أو أداءٍ محفوظ. والمسألة ترجع للحفل مثلاً، والجو الذي يعيشه المغني في الحفل له تأثيره. التغيير يحدث في ما يتعلق بالأداء، وليس في ما يتعلق بالتركيب الأساسي للحن، وهذه مسألة لها المصطلح الذي يعبِّر عنها في الغناء، وهو مصطلح الارتجال.

    ● هل يقف ارتجالك عند حدود المؤثرات الخارجية فقط أم أنه يستند إلى خبراتك المبدعة؟
    ○ على مستوى القدرات الخلاقة التي ينبني عليها العمل، يكون الارتجال. وإذا ما كان الارتجال مؤسساً على مقومات متينة ومستنداً عليها، يكون هو نفسه عملاً إبداعياً.

    ● دعنا نستقصى مسألة العلاقة بين حركة الخلق والاستجابة. إلى أي مدى يكون حضور المستمع أثناء شروعك في خلق عمل جديد؟
    ○ إنني أضع المستمع في اعتباري بلا شك، ولو لاحظ أن هناك عملية تدرج في تأليفي الغنائي، فإنني أرى هذا التدرج ضرورياً، حتى لا يُفَاجَأ بأصوات غريبة على أذنه. بدأت ألحاني خماسية، ثم أضفت بعد ذلك الصوت السادس ثم الصوت السابع، لأكون بذلك استخدمت سلماً موسيقياً كاملاً.

    ● التدرج الذي يمليه المستمع هو نوع من القهر أو القسر على حركة الخلق، مما يجعلني أعيد صياغة السؤال بصورة أكثر دقة: أي العامِلَيْن أكثر فاعليةً وحضوراً في ممارستك الخلق وفي تدرج وتطور تجربتك، عامل تطور المفهوم والوعي الخلاق أم تقيدك بـ"تخلف" المستمع و"فقره" الثقافي- الموسيقي؟
    ○ العامل الأساسي طبعاً هو متعة الخلق نفسها (فهي متعةٌ عظيمةٌ بلا شك) وتطور المفهوم. وأما وجود المستمع واعتبار استجابته، فهو شيءٌ متضمن في تكوين المبدع، ولا يشكِّل المستمع عقبةً أو قسراً على عملية الإبداع. وفي تجاربي العملية في كثيرٍ من الأحيان، يحدث أن أطلع على خشبة المسرح بعملٍ جديدٍ وأنا مدرك لطبيعة الجمهور، وتكون الاستجابة ضعيفة، لكن ذلك لا يجعلني أتراجع عن العمل على التطور المستمر. بالطبع، أنه لا بد من الإصرار على تقديم الجديد. إذ كيف يمكن للمستمع أن يتطور لو قدمنا إليه أشياءً مألوفة.

    ● التراث مسألة ظلت تطن في آذاننا طنيناً مزعجاً، بالدعوة أحياناً إلى تطويره وأحياناً دراسته، وأخرى إلى استلهامه. كيف ترى التعريف الصحيح له، وكيف تتعامل معه؟
    ○ التراث موجود في الإنسان، بمعنى أنه لم يأت من لا شيء، بل هو يحيا في مجتمعٍ وفي بيئةٍ معينة. وفي البداية، يكون الإنسان متأثراً بتراثه أو انطبع فيه شيءٌ منه، ثم تأتي بعد ذلك مسألة دراسته ومعرفة مغزاه. ثم هناك عملية إحياء التراث، لكن هذه العملية لا يجب أن تصل إلى حد أن يلتف التراث حولنا ونلتف نحن حوله أيضاً وتنغلق الدائرة على ذلك. هذا فيه شيء من القوقعة. التعامل الصحيح هو الاستفادة من هذا التراث وضمه لمقومات الإبداع.

    ● اتفق معك في وجوب دراسة التراث ومعرفة مغزاه، بمعنى اكتشاف العلاقة الجدلية بين نتاج الإنسان الثقافي وظروفه في مرحلة ما. لكنني أرى أنك ـ وهذا في رأيي خطأ شائع ـ تستبعد من تعريف التراث الماضي القريب والزمن بين الماضي والقريب والحاضر. بصورةٍ أكثر دقة، هل يمكن اعتبار أعمالك وأعمال أقرانك من المبدعين تراثاً وأفقاً لأعمالك الممكن إنجازها، بحيث ترى في التراث معنى التجربة التي تحولت إلى خبرةٍ عامة، سواءً كانت تجربة فرد، أو تجربة أمة أو تجربة إنسانية عامة؟ بصرف النظر عن طول أو قصر الزمن الذي مضى عليها؟
    ○ هذا حصل بالفعل. فقد استفاد من تجربتي الكثيرون من معاصريَّ، لا من الأغنية فحسب، بل أيضاً الذين انتقدوا طرقي لمقامات موسيقية جديدة وتراكيب جديدة لم يسبق لهم أن جربوها. وقد استفاد أيضاً كثيرٌ من المغنيين الذين أتوا بعدي. وما زلنا، نحن الفنانين، بتضافر جهودنا وتبادل خبراتنا، نعمل، كلٌّ بقدر جهده، في تطوير الأغنية السودانية، وطرق آفاق جديدة سيستفيد منها من يأتي بعدنا.

    ● أرجع بك مرةً أخرى إلى النقد، ما هو الشيء الغائب فيه؟ في اعتقادي أن الغائب هو المنهج النقدي العلمي الذي يدرس الظواهر في حالة حركتها وتفاضلها. لغاية الآن، طُرح منهجان نقديان، منهج مزاجي اعتباطي متطفل، ومنهج أكاديمي متصلب ماضوي وسكوني، وهو الذي عبَّر عنه الأخ أنس العاقب بعبارته "إننا نوثق ونؤرخ للقادمين". فالنقد الخلاق ليس عملية توثيق ولا تاريخ، وإن كان يتضمن ذلك. إنه في علاقته بالماضي رؤية نافذة للطريقة التي وُلد بها الماضي عن ماضٍ سبقه، وتركيز للضوء على ما هو إيجابي وقادر على المشاركة في صياغة الحاضر. وهو في علاقته بالحاضر حالةٌ من الحضور والمواكبة والحوار المستمر والحار في لحظة الولادة، وهو في علاقته بالمستقبل قدوةٌ على الاستباق والنبوءة لما هو في رحم الترقب والاحتمال. بهذا، لا نرى الضعف في معلومات الأخ أنس مثلاً، بل في منهجه الأكاديمي بالذات.
    ○ أنا لا أريد أن يتركز الكلام حول الأخ أنس العاقب، حتى لا تصبح المسألة شخصية. لكن الأخ أنس قال كلاماً لا بد له من أن يتحمل مسئوليته، فمرحلة مثل مرحلتنا الحاضرة لا يمكن اختصارها في نصف صفحة في جريدة، والإنسان الذي يتكلم عن إنجازات الآخرين، لا بد أن يتحلى بالدقة والموضوعية اللازمة. النقد، بلا شك، يجب أن يكون حالةً من المواكبة والحضور، وهذا هو ما قصدته حين قلت أن رؤية الأخ أنس غير واضحة. ولكن الدراسة الأكاديمية ليست مرفوضة.

    ● الأكاديمية ليست صفة للمعلومات والمعارف، بل هي صفة المنهج وصيغته، المنهج التراكمي التقديري الانتقائي الذي يعزل الظواهر عن ملابساتها ويعاملها بحياد مفتعل، والذي هو عاجز، بطبيعة بنيته الماضوية، عن مواكبة الأعمال الخلاقة.
    ○ صحيح. ومن هنا تجيء مسألة عدم وضوح الرؤية التي ذكرتُها.

    ● يترتب على رفض المنهج الأكاديمي احتمال تجاوز الأشكال التاريخية للتأليف الموسيقي. بعبارةٍ أدق، تجاوز كل أشكال المعرفة الجديدة والتي لا تقع ضمن معلومات الأكاديمي. هل يوجد لديك مثل هذا التطلع؟
    ○ التطلع موجود بالطبع. لكن، أعتقد أنه من المهم أن يتم التعرف على ما حدث. ثم يأتي الخروج بالشيء المُتَجَاوِز لهذه الأشكال بعد التعرف عليها. إذ بممارسة أشكالها وبالتعرف عليها يستطيع الإنسان المبدع أن يخرج بشيءٍ جديد. ولو أننا أرجعنا هذه الأشكال على أساس أنها تراث، سواءً كان محلياً أو عالمياً، فإنه من الصعب للإنسان تجاوزها لو أنه لم يعرفها. من ناحيةٍ مبدئية، التجاوز ممكن لو وُجدت الإمكانيات من عازفين مثقفين...إلخ. إيه المانع؟ يعني هم الجماعة ديل أحسن مننا؟ فبالعكس، عصرنا به إمكانيات لا تُقاس بالماضي. ونحن لدينا تراثٌ حضاريٌ خصب. كيف نسلِّم بأن لهم حق التجاوز باستمرار؟ إن التطلع موجودٌ، وبثقة كاملة. لكنني، وحتى الآن، لا أستطيع القول إنني تجاوزت.

    ● يعتقد الكثير من المهتمين بتجربتك، وأنا منهم، أنك قد تجاوزت بالفعل أشكال الأداء الصوتي التاريخية بانتقالاتك المفاجئة، من جمل صوتية خماسية إلى جمل سباعية، وأنك تفتح بذلك احتمالات عديدة للأداء الصوتي، وأن هذه المسألة تتم بوعيٍّ وقصدية، وهذا الاعتقاد مبني على مواهب سماعية. كيف ترى إليه من زاوية علمية موسيقية؟
    ○ هذا الكلام صحيح لحدٍّ كبير. وهذا راجعٌ للمجهودات الكبيرة التي نبذلها. بالنسبة للأغنية الغربية، ليس هناك مجهود. فمثلاً، تعتمد الأغنية الغربية على الإيقاعات الراقصة، وتتكون من جملٍ موسيقيةٍ بسيطة، جملتين أو ثلاثة تحركهم وتوزعهم ليصبحوا أغنية. في حين أنني حينما أعدّ أغنيةً وأكمل اللازمة الموسيقية الأولى، أجد أن الأمر سيكون عملية تكرار إذا ما جاءت اللازمة الموسيقية الثانية والثالثة مثلها، وأرى في ذلك مجهوداً. وهناك الاستفادة من الإمكانيات والالكترونيات والكوردات والأربيجات [Arpeggios]. أي بإمكانك أن تقوم بعمل كورد واحد وتغني به الأغنية كلها. عندنا مجال الخلق متعدد فيما يتعلق بالأعمال الموسيقية الكبيرة، ونحن لا زلنا في طريقنا للتعرف عليها، ومسألة تجاوزها تتطلب زمناً ودراسة. لذا يجب أن لا نظن أن ما نفعله جديداً، لأن ذلك يستلزم التعرف على التيارات الأساسية والأعمال الكبيرة الأساسية. والتجاوز عندنا لم يحصل للآن، والصعوبات أساساً ناتجة من نقص الإمكانيات، نقص الذين ينفذون العمل والأصوات المدربة. لذلك لا أستطيع أن أقول أنني تجاوزت، فالتجاوز ممكن، ولديَّ الفكرة متى ما وجدت مَنْ ينفذون العمل.

    ● بادرتم، أنت والأستاذ محمد وردي، بتعريفٍ علمي لما يُسمى بحقيبة الفن باعتباركما إياها مرحلةً من مراحل تطور الأغنية مضت بظرفها، وأن محاولة إعادتها للحياة غير ممكنة. إنني أضيف على هذا أن محاولة إعادة تلك المرحلة للحياة هو نتاج عقلية فوتوغرافية، وبتقصينا لمنطق هذه العقلية إلى مداه النهائي، رأينا أنه يتبدى بأشكالٍ شتى، بعضها يتخذ شكل الحداثة، مثل فرق الجاز، بينما تقف أشكالها الأخرى عاريةً في دائرة الضوء، مثل نقل الأغنية الكردفانية والتجني على الغناء الشعبي. وبما أن حوارنا يستهدف خلق وعيٍّ نقديٍّ موسيقي، نرغب في أن تطرح رأيك بما يزيد من إجلاء وتعرية هذه العقلية.
    ○ في مسألة الحقيبة، وباعتبار أن الأغنية أحد وسائل التعبير عن التطور الثقافي، فتفضيل أغنية الحقيبة هو في الحقيقة تفضيل لمجتمع العشرينيات على مجتمع السبعينيات بكل ما فيه من أشكال النشاط التي تطورت. من يقولون أن أغنية الحقيبة أفضل، يجب أن يقولوا أن مجتمع العشرينيات أفضل، بل وأن يذهبوا لأبعد من ذلك ليقولوا أن عالم اليوم، كل العالم بما فيه من اكتشافات في جميع المجالات، مرفوض. يمكنني أن أضيف أن هذا الحكم لا يسري على جميع مَنْ في الفترة المذكورة، ومنهم الأستاذ الراحل إبراهيم الكاشف، وهو كان بمثابة جسر بين أغنية الحقيبة والأغنية الحديثة. إنه أول فنان جعل الموسيقى تقول شيئاً مختلفاً عن الكلمات. أيضاً الأستاذ خليل فرح وكرومة خرجا من الشكل الدائري الذي كان سائداً. فهل هؤلاء مرفوضون من قِبَل المتعلقين بأغنية الحقيبة؟ من يرفض التغيير يجب أن يكون منطقياً مع نفسه ويرفضه كله.
    وفي ما يتعلق بمسألة بالجاز، في تقديري أن كلمة جاز تُطلق خطأً على الفرق التي تغني بآلات الجاز، أو الآلات النحاسية، أي آلات ما يُسمى بالجاز. أعتقد أن هذه تسمية مغلوطة، لأن هذه الأغاني، حتى في أوروبا، لها اسم مختلف. الجاز شيء مختلف، لكن هذه التسمية تُطلق خطأً على موسيقى البوب وموسيقى الصول. أما غناء الجاز، فقد ارتبط بظروف معينة وفترة معينة، كهجرة الزنوج. وفي تاريخ هذه الحركة نجد الجاز على حقيقته شيئاً مختلفاً عن هذا الذي يتم. وحتى لو اعتبرنا هذا الغناء Pop music أو صول Soul music، فهو عملية نقل ليس فيه استفادة ولا إضافة، وهو تعطيل للإمكانيات. هذه المسألة أحدثت مفارقة، كان يفترض أن تستفيد وتتفاعل مع نتاج حضاري، لكن النقل غير مفيد، وأحياناً يكون مُشَوَّهاً. وإذا كانت المسألة مسألة ألحان راقصة، لدينا إيقاعات كثيرة ممكن الاستفادة منها، ويمكننا أيضاً خلق رقصات بدلاً عن أن نتلقى. وليس هناك ما يمنع العزف بآلات الجاز لكن بعيداً عن التقليد.
    مسألة الغناء الكردفاني هي أيضاً موضوعٌ مهم. أعتقد أن الإخوة الكردفانيين مشكورين، لأنهم عرَّفوا الناس بالغناء الكردفاني، وأتوا إلينا هنا بنفسهم، في الوقت الذي كان مفروضاً أن تذهب إليهم إلى هناك الأجهزة والإمكانيات التي لدينا، لتأتينا بغناء المنطقة الشعبي. لكنَّ الإخوة الكردفانيين وقفوا في حدود النقل ولم يستفيدوا من مميزات غناء منطقتهم في تطوير إنتاجهم، أو على الأقل ليس هناك إضافة واضحة في مسألة الغناء الشعبي. توجد مسألة خلط، فهناك اعتقاد سائد أن كلَّ غناءٍ يتغنى بالرق هو غناء شعبي. إنني أتساءل: هل من الممكن أن يكون غناء فنانينا الأموات غناءً شعبياً؟ غناء الراحل إبراهيم الكاشف مثلاً، هل مجرد أن يُغنى بآلة الرِّق يصبح غناءً شعبياً؟ والأغرب من ذلك، أنني سمعت واحداً يغني أغنية الأخ أبو عركي "نور النوار" بالرِّق. إذن هناك خلط شديد. هناك اعتقاد بأن كل من يغني بالرق هو فنان شعبي. وأعتقد أن الرق لم يكن في أي يومٍ آلةً شعبية؛ الآلات الشعبية هي آلات البيئة نفسها، والتي طرأ عليها تطور: الطنبور، الوازا، أم كيكي، الربابة... إلخ. الرق ليس آلةً شعبية. فلنرجع مرةً ثانيةً لإخواننا الكردفانيين، ما هو الشيء الذي استفادوا منه من خواص الغناء الكردفاني؟ كما قلت، لا شيء يُذكر. ليس هناك أثر لهذا النوع المتميز من الغناء. هنا أيضاً، نجد المسألة مسألة تقليد ونقل. هناك القليل والاستفادة غير واضحة فيه. أعتقد أن الأمر فيه عدم وعي، وأكبر دليل على ذلك أخونا عبد الله الكردفاني. هذا الرجل كان هنا [في العاصمة] منذ زمن طويل، ولم يكن يغني غناءً كردفانياً، إلا حينما جاء مغنون من هناك وانبهر بهم الناس. ونحن نتعشم أن يأتي الكردفانيون، بل وجميع الفنانين الشعبيين في مناطق السودان المختلفة، ليُسْمِعوا الناس أغاني مناطقهم. لكن أن لا تقف المسألة في حدود النقل. فمن الضروري أن يكون هناك خلق جديد يحمل أثر الفولكلور، حتى تتمازج كل هذه التجارب وتخصِّب الأغنية الحديثة. عموماً، ترجع هذه الظواهر لعدم الثقافة الموسيقية والتربية الموسيقية الصحيحة، وها نحن الآن لدينا معهد يخرِّج موسيقيين دارسين، ووزارة التربية تقوم بتدريب بعض المعلمين في المعهد ليدرِّسوا الموسيقى في المدارس، إلا أن العملية تسير ببطء.

    ● تُطرح منذ فترة ليست قصيرة إمكانية التصويت الصرف بدون كلمات أو بدون قصيدة منتظمة ومتسلسلة، وإن كان هذا الطرح بصورة ضمنية. أعني دون وعي نظري. ولعل صياح جيمس براون وري شارلس وصراخهما يمثلان ذلك بصورة واضحة. من هنا، واستقصاءً لهذه الإمكانية، يمكن أن نطرح عليك هذا السؤال: كيف نتعامل مع الكلمة أو القصيدة؟ ما هو موقعها من الأغنية؟ هل هي وسيلة للتصويت، وبالتالي تأتي قيمتها بما تحتوي عليه من تشكيلات صوتية، أم أن قيمتها تأتي من موضوعها أو مضمونها الاجتماعي؟
    ○ أعتقد الاثنين معاً. أرى الاهتمام بالكلمة يحمل في طيَّاته المسألتين، القيمة الفنية وإمكانيات التصويت والمضمون. وهذا يجعل الواحد يتساءل: هل هناك قصيدة لا تدل على أي شيء، لا تحمل أي معنى؟

    ● إنها تحمل معنىً وقيمة، لكن ليس بالصورة المباشرة، بحيث يستطيع المرء أن يقول هذا شكل وهذا مضمون. معناها مُتَضَمَّنٌ في وحدتها.
    ○ بل أنها تحمل معنىً، لكن غير مباشر.

    ● هذه ليست القضية، إن القضية هي إمكانيات توظيف الصوت. ولتقريب المسألة، تستطيع أن تقول إن الشعر الغنائي متدنٍ جداً ومضامينه متخلفة وأشكاله متخلفة جداً، عدا استثناءات قليلة. هناك قصائد غنائية كثيرة، حينما تُقرأ وهي مكتوبة ليس لها أي قيمة، لكن حينما تُلَحَّن وتُغَنَّى تصبح شيئاً مختلفاً. من هنا، يمكننا أن نعتقد أن عملية التصويت هي التي أكسبتها قيمتها الجمالية، وينطرح السؤال عما إذا كانت هناك إمكانية للتصويت الصرف؟
    ○ هذا ليس أمراً وارداً بهذا التصور الكامل. في تصوري، أنه من الصعب أن يفقد الغناء الاهتمام بالمضمون والمعنى ويصبح مجرد أصوات تُردد. هل من الممكن أن يوجد نوع من الغناء يتم الوصول إليه في يومٍ من الأيام، أن يكون الاعتماد فيه على الصوت من دون الكلمة والمعنى؟ هناك موسيقى صرفة بدون غناء، لكن التصويت الصرف مسألة صعبة.

    ● بإقرار وجود الموسيقى الصرف، هل يمكن أن يوجد الصوت الإنساني ضمن هذه الأصوات الصرفة، مع ملاحظة أن إمكانيات التصويت عند الإنسان أكبر بما لا يقاس من إمكانيات الآلة؟
    ○ في الأعمال الموسيقية الكبيرة، كالأوبرا مثلاً، على الرغم من أن الكلام الذي يُغنى له مضمون، لكن تأتي جملٌ يُستعمل فيها صوت الإنسان كصوت صرف. أي استعمال ال آه، أو ال آي، أو ال أؤو كجملٍ موسيقية. وفي الكورال، أيضاً الصوت يقول كلاماً رغم أنه لا يفعل درجة التجريد الخالص. هذه العملية التي تتم، هي استغلال إمكانيات هذا الصوت البشري في إبراز العمل كصوتٍ صرف. لكن، حتى هذا الصوت الصرف مرتبط بكل العمل. ومن هنا، يكون وراءه معنى. وهناك أمثلة أخرى لكلماتٍ تُقال وليس لها معنىً بذاتها، مثل يا ليل يا عين، فتكون كاللازمة الموسيقية. في الموشحات مثلاً نجد يا لالالي، وفي ما يسمى بالحقيبة، نجد الليلة هوي يا ليلة ليلة وليلة هوي، وفي الدوبيت. لكن لا بد من أخذها ضمن العمل كله.

    ● سؤالي ما زال معلَّقاً رغم أن إجابتك قرَّبت المسألة وحددت السؤال أكثر. فما دام التصويت الصرف وارد بصورة ضمنية، هل يمكن أن يتناهى النطق للتصويت الصرف؟ قد لا يلغي هذا الغناء ما دامت الحاجة للغناء موجودة، لكن هل يمكن أن يوجد مثل هذا الشكل كأحد أشكال العمل الموسيقي بصرف النظر عن تسميته؟
    ○ هل طُرحت مسألة استغلال الصوت الصرف على أساس أنها غناء؟ ليس شرطاً أن يكون لها اسم.

    ● أعتقد أن ذلك لا يمكن تسميته غناءً لأن مقومات الأغنية هي الكلمات والتلحين والأداء. إذا طُرح مثل هذا الشكل، ماذا يكون موقفك منه؟ إنني أطرح هذا السؤال لهدفٍ بعيد، ولأسباب عميقة الصلة بالمشاركة في صنع المستقبل. لدينا نماذج في الحركة التشكيلية لأشخاص كانوا رواداً لحركات جديدة على مدى التاريخ، لكنهم وقفوا ضد الأشكال الجديدة التي تجاوزتهم. هل يمكن أن تكون ضد مثل هذا الشكل، وأنت أحد رواد الجديد في هذه المرحلة؟
    ○ لا. أبداً أنا لست ضد هذه المسألة. أعتقد أن هناك أشياء كثيرة جداً لم تُغنَ في كلمات. هناك مواضيع في مضامين لم تُغنَ، والبحث عن الجديد أو عملية التطور تتم على مراحل. ليس غريباً أن تُطرح هذه المسألة. فهي تُطرح في أوربا مثلاً. وطُرحت في أشكالٍ كثيرة، لكن أعتقد أننا مطالبون في الوقت الحاضر بشيء مماثل حتى نتمكن من أن نعتبره غناءً، أو ليس غناءً. هناك أشكال كثيرة تستوعب توظيف الإمكانيات الصوتية لم نطرقها. فللآن ليس لدينا أوبرا، وليس لدينا أعمال موسيقية جماعية حديثة. أعتقد أن أمامنا مشوار طويل، أرى أن القفز بمثل هذه الصورة لن يستطيع الناس فهمه.






                  

العنوان الكاتب Date
رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة زهير ابو الزهراء11-13-23, 05:11 AM
  Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Biraima M Adam11-13-23, 05:14 AM
    Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة محمد الأمين موسى11-13-23, 05:18 AM
    Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة بدر الدين الأمير11-13-23, 05:19 AM
      Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Mohamed Doudi11-13-23, 06:04 AM
        Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة السر عبدالله11-13-23, 06:42 AM
          Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة haider osman11-13-23, 06:49 AM
      Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة معاذ الدخري11-13-23, 01:02 PM
  Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Hassan Farah11-13-23, 06:50 AM
    Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Yasir Elsharif11-13-23, 08:38 AM
    Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Yasir Elsharif11-13-23, 08:38 AM
  Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة عزالدين عباس الفحل11-13-23, 09:11 AM
    Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Abdalla Gaafar11-13-23, 09:19 AM
  Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Ali Elarifi11-13-23, 09:31 AM
  Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Hassan Farah11-13-23, 12:00 PM
    Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة ابو جهينة11-13-23, 12:22 PM
      Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Omer Abdalla Omer11-13-23, 01:05 PM
        Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Arif Nashed11-13-23, 02:21 PM
          Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة عزالدين محمد عثمان11-13-23, 04:33 PM
  Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Amira Hussien11-13-23, 02:22 PM
    Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة كمال عباس11-13-23, 02:29 PM
  Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Hassan Farah11-16-23, 03:58 PM
  Re: رحيل الفنان محمد الامين له الرحمة Hassan Farah11-16-23, 04:20 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de