|
|
 Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس (Re: فقيرى جاويش طه)
|
بروفيسور عبد السلام جريس
(1944-2023)
بقلم بروفيسور أحمد الصافي
رحل عنا اليوم 25 مارس 2023 صديقي عبد السلام جريس ودفن في مقابر فاروق بعد رحلة عامرة بالبذل والعطاء وبعد أن ترك وراءه سيرة فخمة وإرثاً مشرفاً لأهله ومهنته التي أحبها، وأبلى في كل ما قام به بلاء ممتازاً. رحم الله جريس رحمة واسعة وألهم آله وذويه وأسرة أمراض النساء والتوليد وكلية الطب جامعة الخرطوم وكل المبادرات التي جادت بها قريحته وكل الصروح التي أقامها وكل العقول التي حفزها وقادها، ولزوجته وبناته عزة ورفينة وياسمين وسلمى وسحر وندى وكل زملائه وأحبائه وأقربائه وكل من عرفه الصبر وحسن العزاء.
عرفت عبد السلام جريس زمناً طويلاً وامتدت بيننا حبال الود والمهنة زمناً أهلني أن أفرد لنبل خصاله فصلاً في كتابي (الطبيب القدوة، في وصف خصال الحكيم) الذي نشر في 2016.
تخرج عبد السلام محمد أحمد حسين جريس في كلية الطب جامعة الخرطوم في 1968. نال عضوية الكلية الملكية لاختصاصي أمراض النساء والتوليد في لندن في عام 1974، وفي عام 1979 منح زمالة الكلية البريطانية لاختصاصي أمراض النساء والتوليد، ونال درجة الدكتوراه السريرية في أمراض النساء والتوليد من جامعة الخرطوم في عام 1980. عمل في مستشفيات الخرطوم بحري التعليمي والخرطوم التعليمي ومستشفيات مدلسكس (Middlesex) ورويال فري (Royal Free) في بريطانيا. نشر أكثر من 83 ورقة علمية في دوريات محلية وإقليمية وعالمية وأكثر من 25 كتاباً، وترقى أستاذاً بالإنتاج العلمي في 1993.
ظهرت بوادر نبوغ دكتور جريس في كل المراحل الدراسية فكان (أول الفصل) و(أول الدفعة) والأول في المرحلة الأولية والمرحلة الوسطى والمرحلة الثانوية، و(أول الدفعة) عندما تخرج في كلية الطب، حاصداً أغلى جوائزها: جائزة كتشنر كأحسن طالب في الدفعة، وجائزة ولترز في الجراحة ودرجة الامتياز في أمراض النساء والتوليد.
في مقال في كتاب (عبقرية عبد السلام جريس) الذي حرره دكتور الهادي مسكين ونشره في 2014، رصد فيه بروفيسور عمر أحمد ميرغني سيرة جريس وعلاقته به قائلاً:
"تعلمت على يد جريس أبجديات أمراض النساء والتوليد ولا تزال تعاليمه منقوشة في ذاكرتي ولا زلت استعمل ما تعلمته منه في معالجة المرضى وتدريب الطلاب والأطباء، فمن المعروف في التعليم أن المعارف والمهارات والسلوكيات تكتسب وتختزن وتسترجع بسهولة إذا كان المعلم متمكناً من علمه وسخياً في توصيل ذلك العلم لطلابه. في تلك الفترة عرفت بروفيسور جريس الطبيب الحاذق والمهني المسئول والأستاذ القدير والحريص على تعليم الآخرين ولمست فيه الخلق الرفيع وتواضع العلماء."
أن خصال النبل والعظمة تتفاوت من شخص لآخر وقد تتركز بعض هذه الخصال في شخص واحد، وقد تركزت بالفعل في شخص بروفيسور عبد السلام جريس. فلن نجد في تاريخنا المعاصر مثالاً جسد لنا خصال الشخص العظيم والقدوة الحسنة خيراً منه. شهادتي هذه عن جريس لا يجرحها إلا حبي له. كان سلوكه القويم مصدر إلهام للآخرين في حياتهم ودافعاً لهم ليحذوا حذوه ويتمثلوا سيرته ويتأسوا بها ويسيروا على هديها. كان متواضعاً تواضعاً جماً، وأبعد ما يكون عن التعالي وحب الظهور والجري وراء الأضواء. كان ذو أخلاق نبيلة، عامل زملاءه وتلاميذه والعاملين معه باحترام صادق. شاطر زملاءه المشاعر الدافئة وبادلهم وداً بود. كان شغوفاً شغفاً عارماً بما يقوم به لدرجة جعلته يتسلق سلم الشهرة والنجاح باندفاع واثق.
وعندما ابتلاه الله لحكمة يعلمها في عام 1993 بمرض أصاب بعض جسده بالشلل وهو بعد في عنفوان نشاطه، لم يشل ذلك المرض إرادته ولم يوهن عزيمته ولم ينل من نشاطه أو يقلل من عطائه. بل أصبح بفضله مثالاً في تحدي الصعاب ومقاومة الإعاقة والصبر على البلاء، ورمزاً يحتذى به في قوة الإرادة التي تتحدى العجز ولا تركن للاستسلام أو تقع فريسة الإحباط. فقد تمكن دكتور عبد السلام جريس رغم هذه الظروف الاستثنائية التي عاشها من إنجاز ما عجز عنه الأصحاء.
تحدى دكتور جريس المرض وهزم كل نبوءات الأطباء. ورغم أن قدراته البدنية قد وهنت، فتوقف عن إلقاء المحاضرات بشكل راتب، وأصبح قعيد كرسي متحرك ويعتمد كلياً على غيره، وخسر ببطء قدرته على الكتابة والكلام ولم يعد يفهمه إلا بناته اللائي تعلمن الرموز التي طورها لمخاطبته، وأصدقاؤه المقربون منه، لم يتنازل بسبب إعاقته عن أي نشاط كان يمكن أن يقوم به. فظل مواصلاً في تدريس ناشئة الأطباء، وظل مواظباً على البحث العلمي، وظل مشاركاً في الأفراح والأتراح، وظل ملتزماً بتطوير المهنة إقليمياً وعالمياً. وما انفك في كل مراحل حياته يساند الشباب في إجراء بحوثهم بالإشراف عليها وضبط تحريرها، وقدم لناشئة الأطباء بل لكل مواطن ومواطنة ما هو أعظم وأبقى: الصبر على المكروه، وعدم الاستسلام للمرض أو الركون للأسى والإحباط، فقد قدم لنا جريس نموذجاً حياً عن كيف يمكن أن يتحول الابتلاء لفعل مفيد.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | فقيرى جاويش طه | 03-27-23, 04:53 PM |
| Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | فقيرى جاويش طه | 03-27-23, 04:55 PM |
| Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | فقيرى جاويش طه | 03-27-23, 05:00 PM |
| Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | Yasir Elsharif | 03-27-23, 08:17 PM |
| Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | Hassan Farah | 03-27-23, 08:25 PM |
 Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | زهير ابو الزهراء | 03-27-23, 08:50 PM |
| Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | فقيرى جاويش طه | 03-28-23, 02:02 AM |
| Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | فقيرى جاويش طه | 03-29-23, 02:30 AM |
| Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | هدى ميرغنى | 03-29-23, 05:32 PM |
| Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | فقيرى جاويش طه | 04-04-23, 06:06 AM |
| Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | ANWAR SAYED IBRAHIM | 04-04-23, 07:52 AM |
| Re: إلى الرفيق الأعلى بروف عبدالسلام جريس | فقيرى جاويش طه | 04-05-23, 06:08 AM |
|
| |
فقيرى جاويش طه
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست