لمن تركتنا يا وردي؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 01:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-21-2023, 04:22 PM

محمد صديق عبد الله
<aمحمد صديق عبد الله
تاريخ التسجيل: 09-05-2017
مجموع المشاركات: 1682

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمن تركتنا يا وردي؟ (Re: Zakaria Fadel)

    Quote:
    الفرعون "وردي" والغيابُ الكثيفُ الحضور.
    مهدي يوسف إبراهيم
    ...................
    توطئة أولى
    في زقاقٍ يفصلُ بين الماءِ والنار صادفتُه.. كانت محبوبتي حينها تحتسي القهوةَ بين نبضتي الأول و نبضتي الثانية ... تأملتُ عينيه العزيزتين كما الطمي ....و قامته التي تحاكي انحناءةَ النهر ... سألني في هدوءٍ عظيمٍ
    - يا غلام ... متى تصبحُ الذاكرة تابوتاً للذكريات؟
    قلتُ له بهدوءٍ " مهاتمي" الحكمة
    - حينُ يصبحُ المغنون مهرجين في الحانات الرخيصة ..
    مسحً عينيه بشجنٍ ثم تلفت في شوارع الخرطوم الفوضوية وسألني
    - تقولُ الغيمةُ إن "القيثارة" رحل !!
    قلتُ له مبتسمًا في مرارة
    - ألا ترى سماوات الغناء سقفاً من اسمنتٍ يوشكُ أن ينقض على النهر القديم ؟
    سألني وعيناه تضيئان كما شمسين
    - و ما لذي حمله معه “وردي " حين غادر؟
    قلتُ له في يقين هائلٍ
    - حمل عافية الأغنيات و نهارات اللحون !!
    ابتسم ثم استطرد وهو يقفُ مستندًا على عصا حزنه
    - كان الشارعُ محمولاً على كتفي صوته ...
    قلتُ له وأنا ابتعدُ عنه كما الظلال
    - وكان الوطنُ والجمال يسكنان قامته النخلة
    ..............................................
    لفرعون "وردي" والغيابُ الكثيفُ الحضور.
    مهدى يوسف إبراهيم
    ....
    توطئة أولى
    في زقاقٍ يفصلُ بين الماءِ والنار صادفتُه. كانت محبوبتي حينها تحتسي القهوةَ بين نبضتي الأولى ونبضتي الثانية. تأملتُ عينيه العزيزتين كما الطمي، وقامته التي تحاكي انحناءةَ النهر. سألني في هدوءٍ عظيمٍ
    - يا غلام.. متى تصبحُ الذاكرة تابوتاً للذكريات؟
    قلتُ له بهدوءٍ "مهاتميِّ" الحكمة:
    - حينُ يصبحُ المغنون مهرجين في الحانات الرخيصة..
    مسحً عينيه بشجنٍ ثم تلفت في شوارع الخرطوم الفوضوية وسألني:
    - في أي زمانٍ نحيا؟
    قلتُ له:
    - في زمانٍ غادره "وردي"..
    سألني هامسًا:
    - أغادركم "وردي"؟
    قلتُ له مبتسمًا في مرارة:
    - ألا ترى سماوات الغناء سقفاً من أسمنتٍ يوشكُ أن ينقض على النهر القديم؟
    سألني وعيناه تضيئان مثل شمسين:
    - و ما لذي حمله معه "وردي" حين غادر؟
    قلتُ له في يقين هائلٍ
    - حمل عافية الأغنيات ونهارات اللحون.
    ابتسم ثم استطرد وهو يقفُ مستندًا على عصا حزنه
    - كان الشارعُ محمولاً على كتفي صوته..
    قلتُ له وأنا ابتعدُ عنه كما الظلال
    - وكان الوطنُ والجمال يسكنان قامته النخلة
    ..............................................
    توطئة ثانية
    حين زرتُه في بيته للمرة الأولى، جلستُ قرب ساقيه الطويلتين، وطفقتُ أتحسسُهما في لا تصديقٍ هائل. سألني بأدب جم: "لمَ تتحسس ساقيّ؟" قلتُ له في جديةِ عظيمة: "أريدُ أن أتأكدَ أنك إنسانٌ مثلنا، لا برق"
    ..........
    لم تكن مصادفةً أن يكونَ "وردي" سليلَ حضارةٍ امتدت جذورُها في تراب التاريخ الإنساني آلاف الحقب، وقدّمت للدنيا صهرَ الحديد وساهمت في اختراع الكتابةِ وفي ترسيخ العبادة والدين. ولعلّ القدرَ كان يشيرُ - بهذا الانتماء الباذخ العراقة - إلى خلودٍ سيركضُ فيما بعد وراءَ الصبي "محمد عثمان حسن وردي" كما تركضُ "خيولُ الريحِ في جوف العتامير" .. والحقُّ أنّ "وردي" ظلّ وفيًا لأرواح أجدادِه الشاهقة الصمود تلك، فلم يعرف الانصياع حين تنازل جنرالات الجيش عن "حلفا القديمة" للطاغية "عبد الناصر"، ولم يسكن "مدينة نعم" في المظاهرات ضد "عبّود" وفي سجون "نميري"، أو حين غرس المرضُ الخنجرَ في خاصرة عافيته خلال سنوات الإنقاذ العظيمة العفونة؛ إذ ظلّ "وردي" كما هو، النوبي الفائض عنفوانًا، المملوء ثقة بالنفس، (المستف) اعتدادًا بحضارته وجذوره !!
    يولدُ الأطفالُ عادةً في مهد قماشٍ ما، لكن ما كان لوردي سوى أن يُولدَ بين ذراعي النيل وتختلطَ صيحتُه الأولي في الوجود بزئير الموج وهو يعلّم ربوةً معنى العنفوان. هناك في قرية "صواردة" التي يحفٌها "النهرٌ القديمُ" كما السوار تربّى الصبيُ في جنانٍ خُضر أرهفت حسَّه ورفدت ذائقته بمعينٍ من صورٍ جماليةٍ طرّزت ألحانه العِذَاب فيما بعد. بعد "صواردة " شدّ الصبيُ الرحالَ تلميذًا صغيرًا إلى مدينة " عبري " حيثُ عانق آلته الموسيقية الأولى: صفارته الحديدية! هكذا إذن تحوّلُ النيلُ – المهادُ الأوّلُ - إلى ملهمٍ للمغني العظيم، يستمدُ من ثوراته الثبات، ويرى حبيبته تخرجُ من شهقة جروفه مع الموجة الصباحية!
    لم يكن مصادفةً أن يُولدَ "محمد وردي" في ذات العام الذي رحل فيه العبقري "خليل فرح". لعلّ ميلاده كان تعويضًا سماوياً عن تحليق صاحب "عزّة في هواك" في سماوات الموت. ولعلّها إشارة قدرية إلى أن سِفر الإبداع يظل متصلًا في هذا البلد المحزون، لا تٌفني فنونَه ثرثرةُ البنادق ولا رطوبةُ السجونِ ولا تثاؤب أحزمة الجنرالات على كروشهم البليدة...
    لم تكن مصادفةً أن يفقد "وردي" أمه وهو في شهره الثالث ويفقدَ أباه وهو في عامِه الثاني لتتكفل جدتُه وعمٌه بتربيته. هل كان القدر يهيئُه كي يكون صلدًا لسجونٍ قادماتٍ، ومظاهراتٍ ستكون أغنياتٌه وقودَ جمالِها الأوّل؟ هل حرَم القدرُ "وردي" من أسرته الصغيرة كي يكون السودانُ، بل إفريقيا، بل الإنسانيةُ جمعاء هي أسرته الكبرى؟ ألم يتغنّى "وردي" للمناضل"باتريس لوممبا" وهو لم يزل شابًا نحيل الجسد؟ ألم يتغنّى لأحلام الكوكب الأرضي الخيّرة حين قدِم القرنُ الحادي والعشرون، وذلك في أغنيته" تلفون العالم حوّل، اتنين تلاتة أصفار؟" ولعل خطواتِ الصبي اليافع على شاطئ النيل بحثًا عن أمٍ ذهبت ألهمته فيما بعد أن يصبحَ مغنيًا للحب لا يُعلى عليه في "حزنه القديم" و"جميلته المستحيلة" و"ودّه" و"من غير ميعاده"
    لم تكن مصادفةً أن ينشأ الصبيُ في مجتمعٍ نوبي لا يعرفُ العربية. فالقدرُ كان يعدُّه أن يتحوّل فيما بعد إلى جسرٍ يربطُ الثقافة العربية والنوبية في السودان؛ بل إن القدرَ اختاره ليربطَ السودان بمجتمعاتٍ عربيةٍ وإفريقيةٍ كثيرة، فطرِب له عشاقُ أثيوبيا وثوارُ الجزائر ومناضلو إرتريا ومثقفو الكنغو ليتحولَ "وردي" إلى رمز افريقي عظيم مثله مثل جومو كينياتا ونيلسون مانديلا ومريم ماكيبا.
    ورغم نظرة الأعراب العجفاء للإبداع السوداني، إلا أن "وردي" اخترق بعض العواصم العربية كحد السيف؛ وربما لو استقر الفرعون في القاهرة قليلًا عقب فراغ "أندريرا رايدر" من توزيع رائعة" الود" لتغيرت خارطة الغناء العربي تمامًا، بل إن أوربا عرفت قدر الرجل ففاز في العام 78 بجائزة "نيرودا" الموسيقية في هولندا وهي جائزة تمنح سنويًا لمبدعٍ واحد فقط على نطاق الكون !"
    لم تكن مصادفةً أن يعمل "محمد وردي" في بدايات حياته المهنية معلمًا في قرية "فركة" التي شهدت نضالَ المهدية المرير مع المستعمر. فهناك أتيحت للمعلم الفرصةَ لاستنشاق عبق تاريخِ سيذودُ عنه يومًا ما، وهناك ازداد حبُه لبلاد سيصبح يومًا ما مزمار داؤودها الأول! هناك مزج "وردي" بين تدريس اللغة العربية والغناء، وذلك عبر تلحينه لأناشيد مثل: "دجاجي يلقط الحب ويجرى وهو فرحان"، فكان التلاميذُ يقومون بترديد أناشيده. وحين قدم إلى "الخرطوم" في الخمسينات جعل من تلاميذه في المدرسة كورالا عبقريا في إلياذته الوطنية "يقظة الشعب". ولعل القدر زجّ به في التعليم ليتحول إلى معلمٍ لوطنٍ قارة، ولتتسع رقعةُ فصله الطيني الصغير في "فركة" إلى أثير يتمددُ حتى بعد رحيله عن الدنيا.
    ولعلها من ترتيبات القدر الغريبة، أن يعمل الشاب الرطان معلمًا للغة العربية والتربية الإسلامية في "فركة" ثم في "شندي". ولعل القدرَ كان يعدُّه ليتغنّى فيما بعد بروائع الشعر الفصيح مثل "الحبيب العائد" و"مرحبًا يا شوقُ " و"عُرس السودان". في أمسيات "شندي" تحوّل المعلمُ الشاب إلى حديثٍ لم يمل الناس ترديده. صدح صوته النوبي الرنان كالأجراس في ديار عربية، ذلك لأن التاريخ يقول إن لوردي معجبين لا يفهمون ما يقوله على الإطلاق. إن الذين تحلّقوا حوله في أديس أو معسكرات الجنوب، ما جاءوه إلا استجابةً لعبقرية الصوت وسمو الألحان وتفرد الأداء.
    ولعل القدر كان يعدُ معلم اللغة العربية الأعجمي ليفتحَ رؤاه فيما بعد على روائع شعراء بلادي فيتغنّى لأبى آمنة حامد "الهدندوي" ولإسحق الحلنقي "الحلنقي" ولإسماعيل حسن "الشايقي" ولمرسى صالح سراج "النوبي"، بل ولأمل دنقل "المصري"، وليتحوّلَ المغنّى العظيم إلى معبدٍ من جمال يطوف حول محرابه كلُ شاعرٍ فذٍ ليرسم على جدرانه قصيدة عذبة.
    يقول عاشقٌ متطرفٌ لوردي إنه لم تكن مصادفة أن يكون "وردي" طويل القامة كالنخلة؛ فالرجلَ الذي قال عنه "أبو أمنة حامد" يوماً إنه يملأُ المسرح هيبةً وحضورًا، ما كان له أن يكون تجسيدًا لعنفوان الشارع السودان لو كان قزمًا قصيرا.
    إن حياة "وردي" هي حياةُ رجلٍ عاش لأجل فكرة ونافح عنها حتى الممات، وقصةُ حياة "وردي" مع الطواغيت هي قصةُ الوردة والبندقية، وقصة الفجر والعتمة. قالوا لي إن صبية المدينة حشدوا عرباتهم المدججة بالعساكر يوم دفنه خشية أن يتحولَ الأمر إلى ثورة؛ حينها ابتسمتُ وهمست لنفسي "ما أعظم الأموات الذين يخيفون الأحياء!".
    عزيزي "وردي"
    أعوام تنقضي على رحيلك المر، لكنك تبقى كثيف الحضور والعنفوان فينا.
    ....
    مدينة جدّة
    12/2/2023






                  

العنوان الكاتب Date
لمن تركتنا يا وردي؟ Zakaria Fadel02-18-23, 11:47 AM
  Re: لمن تركتنا يا وردي؟ ابو جهينة02-18-23, 12:50 PM
    Re: لمن تركتنا يا وردي؟ Zakaria Fadel02-18-23, 07:33 PM
      Re: لمن تركتنا يا وردي؟ Zakaria Fadel02-21-23, 03:43 PM
        Re: لمن تركتنا يا وردي؟ محمد صديق عبد الله02-21-23, 04:22 PM
          Re: لمن تركتنا يا وردي؟ Zakaria Fadel02-21-23, 07:34 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de