بطبيعة الحال، مافي كرامة بغير العقول.. ولمًا ربنا كرّم بني آدم، «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا»، إنما فضلهن بالعقل – إنما هو العقل الذي جاءت به الفضيلة – لأن الإنسان، وهو مترق في المراقي، ما كان عنده منزلة نزلها وبها لِهُ عند الله كرامة، إلا منزلة العقل.. وبمنزلة العقل تخطى طور الحيوانية وبرز لمقام الكرامة في مرحلة إنسانيته البلغت مستوى عليه – على هذا المستوى – يُخاطب، ويُكلف، ويؤمر، ويُنهى.. ويجيء، برضو، في الأمر دا: «هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا»!! هل أتي على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، يعني قد أتى على الإنسان دهر دهير وزمن سحيق ما كان فيه شيء مذكور، في ملكوت الله – ما عنده وزن – لأنه ما كان عنده عقل.. دي في مراحله، اللي بدأ سيره فيها من البدايات السحيقة من أسفل سافلين، «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين».. ومن أسفل سافلين بدأت رحلته راجع لربه، في مقام أحسن تقويم.. هدا مضى عليه زمن طويل جدًا – زمن سحيق جدًا – ما كان عنده وزن، ولا عنده قيمة، ولا عنده اعتبار، «هل أتي على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا»!! فلما نزل منزلة العقل أصبح مذكور، لأنه أصبح مكلف – مأمور، ومنهي.. هنا جاءت: «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا».. هنا وارد الكلام عن «بني آدم»؛ وهناك وارد الكلام، في الآية اللي سقناه أخيرًا، عن «الإنسان».. وبين الإنسان، وابن آدم فرقة.. ابن آدم مشروع إنسان.. ابن آدم، في مرحلته دي، ربنا فضله على كثير مما خلق، ولم يفضله على مطلق خلقه، مع أنُّ الإنسان مفضل على كل الخلائق، علويها وسفليها.. ودا سر من أسرار الدين تساق بهذه الصورة..
من سلسلة محاضرات بمدينة أمدرمان، تحت عنوان «تبسيط الدعوة الإسلامية الجديدة» - أغسطس 1977
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة