أخيراً، لماذا أنشر هذه المعلومات قبل إعلان الشرطة عنها؟ وظيفتنا الأساسية كصحافيين هي اطلاع الناس على خفايا الذي يدور، أياً كان هذا المستور.
ورغم عمق الجرح، وأبعاد المأساة التي ضربت هذه الأسرة، وهزت أركان المجتمع السوداني، إلا أن “واجبنا” كصحافيين في الوفاء “بحق” الناس في معرفة الأخبار الحقيقية من مظانها، هو حتماً ما يتعين علينا أن نقوم به كواجب مستحق من جهة، وما يفترض أن يتوقعه المجتمع منا. فما هو “حق” بالنسبة للقراء في وجهه الآخر هو “واجب علينا”.
وبالنتيجة، فإن كشف ما يتستر عليه المسؤولون بقدر ما نتفهم دوافعه إلا أنه لا يلغي حقنا المهني الأصيل في تناوله بمهنية، والكشف عنه مادام أنه الحقيقة. فلا خير في صحافة تلغي دورها خوفاً أو طمعاً، رهبةً أو وجلاً. من واجبات الشرطة، ملاحقة الجرائم واستخدام أدواتها المهنية في مباشرة التحقيق والوصول للجناة من أجل بسط الأمن وتعزيز الطمأنينة المجتمعية، وهذه ليست مهمتنا.
واجبنا هو ملاحقة هذه التحقيقات بعين لا تتثاءب، والكتابة عنها إذا رأت الشرطة، ولاعتبارات خاصة بها، أن تتمهل في الكشف عن ملابسات الجرائم. ومادام أننا نتحدث عن الواجبات، حرّي بنا أن نذكر أن فجوة الثقة التي تفصل بين المواطن والشرطة لا ينكرها إلا مكابر. وكيف أن هذه الفجوة زادت اتساعاً طيلة سنوات الإنقاذ، بل وتفاقمت في السنوات التي أعقبت ثورة ديسمبر 2018 المجيدة والمستمرة.
أصبح التكتم عن كل جريمة هو ديدن الذي يجري، فتعودنا أن نقرأ عن حوادث اللامعقول، وفي ذات الوقت لا نسمع عن الفعل المعقول، وهو تتبع الجناة والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة. فكم من هجوم شنته عصابات “9 طويلة” على أبرياء، وكم من شهيد وجريح سقط في موكب. وفي الأحوال، رأينا كيف أن التهم تذهب إلى سلة مهملات أشباح، يسمونهم تارة “أطراف ثالثة” وتارة “مجهولين”.
لذلك، أختم وأقول بكل شفافية، إنني رفضت الإذعان لطلب من سألني أن أنتظر بيان الشرطة، قانعاً بأن لهم عملهم وطرائقهم، وهذا ليس شأني. شأني هو نشر الأخبار “أكرر: الأخبار مسنودة الحيثيات وليست تحليلات الرأي”. فعندما يتقاعس الورّاقون عن ذلك الدور ستصبح “شمارات” الواتساب بديلاً للصحافة المحترفة الموثوقة، وستصبح مكالمة عنصرية قميئة من شخص مجهول، يدعي أنه يتحدث من بوسطن، سبباً في هياج نذر حملة “داحسية “على قبيلة كريمة، قصدها إشعال الفتنة فيها دون غيرها من “573” قبيلة تتقاسم هذا الوطن المترامي حتى نعلقها على منصة جمرة الشيطان، ونحصبها بكل قبيح.
الفتنة يخلقها الناس، ويغذونها بالإشاعات، وينفخونها بالتأليب والاستقطاب. أما الصحافة، فدورها المقدس هو أن تنير الظلام بضياء الحقيقة، ويالها من مهمة.
العنوان
الكاتب
Date
الصحافي الاستقصائي عبد الرحمن الأمين يرد على منتقديه:
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة