|
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� (Re: osama elkhawad)
|
ذهب ماركس في ثورته على فلسفة هيغل إلى أن العامل الاقتصادي المادي هو الذي يحدد سيرورة التاريخ وأحداثه، لأن المادة هي المقوِّم لكل شيء، وكل ظواهر
المجتمع وأحواله، كالدين والسياسة والفن والأخلاق، حتى عملية التفكير نفسها.
الدين عند ماركس لا يعني المقدس، بل هو غطاء للرأسمالية، ومهمته جعل بؤس الحياة أكثر احتمالًا.
وفقًا لماركس، ما يحدد ظهور فلسفات ونظريات علمية معينة في زمان ومكان معينين هو ذلك العامل المادي والظروف المواتية له، من قبيل نظام تقسيم العمل وأشكال الإنتاج في المجتمع وأنماطه، ومن ثمَّ تصبح الحياة المادية أساس الوعي والشعور الإنسانيين، فالوعي مشروط بالوجود المادي والاجتماعي.
كيف تنبع الظواهر الإنسانية الفكرية والإجتماعية وما يشكل الوعي الإنساني الفرد، من منبع المادة والعامل الاقتصادي وحده؟ يجيبنا ماركس بأن ظاهرة كالدين مثلًا، في أي مجتمع، تعتمد على أحوال ذلك المجتمع المادية.
فالدين عند ماركس في واقع الأمر لا يعني المقدس والمطلق والأمور الروحية وكل ما يزعمه الدين حول نفسه، وما يقوله عن غايات ممارساته، بل الدين في حقيقة الأمر غطاء للأحوال غير الإنسانية التي تشوب منظومة العمل والإنتاج داخل المجتمعات. في حالتنا تلك، هو غطاء للرأسمالية، ومهمته جعل بؤس الحياة أكثر احتمالًا، لذا تذيع مقولته الشهيرة عن الدين بوصفه «أفيون الشعوب».
أوضح ماركس في نظريته عن الاغتراب، التناقض الصارخ الذي يعانيه الإنسان في منظومة العمل الرأسمالي. فالعمل عند ماركس هو علاقة بين الإنسان والطبيعة، يتمثل دور الإنسان في إنتاج واقع جديد محدثًا تغيرات في الواقع الطبيعي. لذلك، فالعمل تعبير عن قدرات الإنسان وإبداعاته.
لكن ما يحدث داخل أنماط العمل في الواقع الرأسمالي هو العكس، إذ يفقد ناتج العمل طابعه الأصلي، ويتحول إلى وجود منفصل عن الإنسان، في شكل منتجات وسلع استهلاكية تكون غريبة وخارجة عن العامل الذي صنعها، لأنها تنتمي إلى صاحب العمل، ويكون العامل غريبًا عنها. أي إن الشيء المصنوع النابع من قدرات العامل في فعل العمل، يتحول إلى موضوع غريب يجابه العامل الصانع، ليس يجابهه فحسب، بل يعادي الكائن الحي الذي عمل وأَنتج.
هنا يحدث تحوير في مفهوم العمل، فلا يظل تعبيرًا عن قدرات الإنسان. لقد تحول وأصبح نفيًا لها. أصبح العامل غير قادر على تحقيق ذاته في نطاق العمل. وعلى النقيض تمامًا، صارت ذاته مسلوبة منه. وبدلًا من أن يطور طاقاته الذهنية والجسدية من خلال العمل، فإنه يقتل جسده ويفسد فكره، ولا يعود يشعر بأنه إنسان ما دام يعمل. إن الوعي الإنساني يتشكل في عمليات الجدل والاغتراب هذه، كنتيجة لها، ويتشكل كذلك بؤس هذا الوعي كمحصلة لعمليات مادية أساسًا.
يقول ماركس في مخطوطات 1844 الاقتصادية والفلسفية: «يصبح العامل أكثر فقرًا كلما زاد مقدار الثروة التي ينتجها، وكلما ازداد إنتاجه في قوته ومداه، والعامل يصبح سلعة أرخص كلما زادت السلع التي يخلقها. فالقيم المتزايدة لعالم الأشياء تسير جنبًا إلى جنب مع زيادة تدهور عالم الإنسان».
تحمل السلعة أو الشيء المصنوع عند ماركس، قيمة ميتافيزيقية بجانب قيمتها المادية. فهي عبارة عن طاقات العمل الذي بذله الإنسان مجسدة أو متموضعة في شيء مادي. إنها «تموضع» للعمل، أو تموضع لجزء من الإنسان خارج الإنسان. هذا الجزء يتحول إلى شيء غريب عنه، ويعاديه. إذ أصبحت السلعة هي التي تستعبد الإنسان بدل أن يصبح العكس. يقول ماركس عن العامل: «يشعر بأن العمل ليس له، وإنما لشخص آخر. إنه لا ينتمي إليه، لأنه في العمل لا ينتمي إلى نفسه، ولكن لشخص آخر».
لا يحقق العمل في المجتمع الحديث ذات العامل كإنسان، وكذلك لا يحقق علاقات اجتماعية وثيقة الصلات. والاغتراب عند ماركس في مجال العمل أساس جميع الأشكال الأخرى للاستلاب.
العمل في النظام الرأسمالي نزع لإنسانية الإنسان وهبوط به إلى مستوى الشيء. ويتمثل قهر الاغتراب عند ماركس في قهر ما ليس إنسانيًّا في الإنسان، محققًا الوعي اللازم، ليثور على تلك الآلية الرأسمالية، كخطوة صوب المجتمع اليوتوبي الشيوعي، خطوة نحو حرية الإنسان واسترجاع ماهيته الحقة.
وعي الإنسان الحالي إذًا، وعي مغترب وزائف، وكذا كل مكونات هذا الوعي. يصبح العلم والحقيقة والدين والأخلاق، وكل الجدالات النظرية القائمة بشأنهم، أمورًا مثيرة للارتياب، بما أن الوعي مشتق من شروط الإنتاج المادية وتابع لها، ومن ثمَّ يجب فضح زيفه، ويتحد مشروع الفلسفة باعتباره محاولة لمعرفة الحقيقة، مع مشروع سياسي يرمي إلى تحرير الإنسانية من الرأسمالية. هذه العلاقة بين المعرفة والحرية تجد تعبيرًا واضحًا عند ضلعي الثالوث الآخرين، أي نيتشة وفرويد.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب بداخلنا؟ | محمد عبد الله الحسين | 10-25-22, 02:28 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-25-22, 02:33 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | osama elkhawad | 10-25-22, 11:08 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-26-22, 10:51 AM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | MOHAMMED ELSHEIKH | 10-27-22, 07:04 AM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-27-22, 04:21 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | هدى ميرغنى | 10-27-22, 04:59 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-28-22, 10:43 AM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-28-22, 08:08 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | osama elkhawad | 10-28-22, 10:31 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | osama elkhawad | 10-28-22, 11:43 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | Abureesh | 10-29-22, 02:45 AM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-29-22, 11:04 AM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-29-22, 11:21 AM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-29-22, 01:11 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-29-22, 01:33 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-29-22, 11:22 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-29-22, 11:30 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 10-29-22, 11:56 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | osama elkhawad | 10-31-22, 04:04 PM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 11-14-22, 08:40 AM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | Abureesh | 11-15-22, 01:06 AM |
Re: ماركس، نيتشه، فرويد: كيف زرعوا الارتياب ب� | محمد عبد الله الحسين | 11-16-22, 08:47 AM |
|
|
|