المكان ، مدينة كالقري ، في مقاطعة ألبرتا غرب كندا على سفوح جبال الروكي التي كنا ندرس عنها في منهج مادة الجغرافيا في المدارس السودانية ، المكان ملئ بالمهرجانات التي تحتفي بالتنوع الإثني والثقافي واللغوي والديني ، المكان الذي يسمح لك أن تكون انسان ، ويحتفي معك بـ "عملية تذوقك" للأشياء..! ولكن..! برغم جمالية المكان المتسامح ، تجد نفسك عبارة عن جزيرة معزولة ، كائن حزين لك قوانين وحدود التذوق ، الحدود الداخلية التي تخصك، وتجد نفسك في حالة انشطار ، لا تستطيع أن تعترف وتعرّف حدود تذوقك الضيقة وحدود تذوق الأخرين التي تعترف بي حاجاتك وتدعوك للتعبير عنها ومشاركتها مع الأخر الثقافي والحضاري..! نفس المكان ، مدينة كالقري بغرب كندا ، هو الذي تستمع فيه عبر اذاعة محلية تبث اغنيات رشا شيخ الدين وتقوم بتعريفها بانها مغنية من اصول سودانية ونالت جائزة باعتبارها من افضل الأصوات في ثقافة الغناء اللاتينية ، نفس المكان وبعد عشرات السنين تكون فيه شابة من اصول سودانية ، طالبة جامعة ، اسمها شروق محمد النور كبر ، تنال مساحة في الإذاعات والصحف ، لتكتب عن ترند الموسيقى الذي يخص حدود تذوقها الخاص ، وتحكي عن النماذج الموسيقية ، وتحللها ، وتخوض في حوارات مع الفنانين والفنانات الشباب لكي يعبروا اكثر عما وراء مشاريع موسيقاهم..! وتظل فرضية تأثير المكان في التذوق قائمة..مثلا الموسيقى التي تقدم لها الآنسة شروق محمد النور كبر ، هي موسيقى تشبه مكانها..غرب كندا مدينة كالقري ، ولكن نفس المكان لم يستطع كبح جماح ذكرياتك وقوانين تذوقك الخاص..تذوقك الذي يجعلك تطرب ، مثلا ، لإبراهيم عوض حينما يغني سلوى..وحينما ترى صور سعدية العوادية (والدة سلوى) تطرب لنفسك ..تتذكر..تغيب في الماضي..! الخلاصة ، تأثير المكان ، من ناحية فلسفية ، حاضر كمؤثر في عملية التذوق..والكائن السوداني ، طائفة منه ، تسجن ذاتها في المكان ، حتى لو كان ماضي ، ولا تعترف بحراك الواقع الكوني والبشري المتسارع..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة