من حديث ناظر الرزيقات مادبو و يمكن الوقوف على الدلالات الأمنية لهذا التصريح في بوست تجده في هذه الصفحة نقلا عن احمد الضي بشارة. أما ما أقوله أنا هنا فهو الآتي رعاك الله و أصلحك: إعلم أن الدول لا تكون حتى يجتمع لها أمران شعب و أرض و الشعوب دائما أسبق في الوجود من الدول. و هوية الدولة هوية طارئة على الدولة؛ الهويات الأشد رسوخا منها هي الهويات القبلية. فالسودانيون مثلا أصبحوا سودانيين بعد قانون الجنسية السودانية التي قبلها كثيرون منهم على كره منهم لها. و لم تكن الشلوخ على وجوه الرجال و النساء في الزمان الأول إلا سيماء دالة على الهوية فيعثر الرجل على ( ابن عمه) بالنظر في وجهه دونما حاجة الى السؤال ثم جاء زمان قبل الناس بعده هويتهم السودانية و غنوا لها لكن (الهوية القبلية )بقيت مستكنة في الأفئدة في حالة كمون فإن صلحت الدولة و اطمأنت شعوبها و قبائلها الى صلاح سياستها الآخذة بتعزيز الوحدة الوطنية و تعميق الهوية الجامعة بحيث تصير الى هوية ثانية لها قوة الهوية القبلية فإن اضطراد ذلك من شأنه أن يضعف الوعي القبلي ليحل محله وعي وطني يتعاظم و يكبر في أفئدة الناس حتى ينسيهم قبائلهم أو يضعف المحاججة بها أو نشدان نصرتها في الشؤون العامة. و لا تزال الدولة تلم شعث تفرقها الاجتماعي بحسن السياسات و التدبير حتى تنتهي الى وضعية تنفصم فيها العلاقة بين القبائل و بين ما تزعم لها من أراض و حواكير تمارس من فوقها سيادتها و تتسع المواطنة فتكون بسعة الوطن. و يكون الانتصار للبرنامج السياسي أكثر من الحماسة لنصرة (ابن العم القبلي). و قد تدخل الدولة في حالة من الضعف و الهزال السياسي حتى تصبح ألعوبة في أيدي القوى الدولية و الاقليمية و تبلغ من هوان أمرها أن تكف تماما عن الفاعلية السياسية و العمرانية. ماذا يحدث ساعتئذ ؟ سترتد الدولة الى مكوناتها الأولى: الى قبائلها و مناطقها؛ و تخرج الهويات القبلية كأنشط ما تكون فتتشقق البلاد مسارات مسارات و ينهض رجال القبائل لحماية حمى أراضيهم. لقد حدث في السنوات الثلاث الماضية هياج قبلي كبير أجج العسكر نيرانه في طلبهم النصرة على القوى المدنية الحديثة في صراع محموم على السلطة. بل إن الصراع أخرج بعض مشايخ الطرق الصوفية من خلواتهم فخاضوا فيما لا علم لهم به أو لنقل فيما لا )هم لهم به و لا شاغل. و انحلال عرى الاجتماع السوداني أوضح من أن تخفى على ذي بصر. و الشواهد على صراع القبائل أكثر من أن تحصى وقائعه في غرب السودان و في شرقه و في وسطه بل في مركزه. لقد انتهت السياسية السودانية أو للدقة انتهى صراع العسكر مع القوى المدنية الحديثة الى انتخاء ( من النخوة) القبائل و الطرق الصوفية فأعملوا فيها هدما باستنصارها و جرها دون وعي منهم الى معركة لا يملكون عدتها فهدموا البناء الاجتماعي المشكل لأسس الدولة السودانية و أسس المشروع الوطني الساعي الى بناء ( ذات قومية) متجاوزة للهويات الضيقة. ثم يأتي المتحذلقون منهم يحدثونك عن (رتق النسيج الاجتماعي) دون أن تواتيهم الشجاعة للحظة للاجابة عن سؤال: من الذي فتقه؟لقد استكمل العسكر الميراث ( الانقاذي) الذي وظف القبائل عبر المال السياسي لخدمة مشروع السيطرة على الدولة على مدى ثلاث عقود. فيا صديقي إن أردت أن تفهم حديث مادبو فأفهمه في هذا السياق: سياق الدولة الذاهبة في مسار التفكك. فحميدتي يستبطن وعيا قبليا في معنى تعريف من هو و من أين أتى. و البرهان يستبطن وعيا قبليا في تعريف من هو من أين أتى. و من وراء الرجلين أقوام يرون أنفسهم في لجج الصراع هذه عبر هويات ضعفت صلتها بالدولة ليس لأنهم غير وطنيين و لكن بسبب ضغط (الهويات الصغرى) عليهم. و بهذا المعنى فكل الممسكين بالأعنة منخرطون في صراعات أصغر بكثير من جغرافيا الوطن. إن أردت أن تحمل كلام مادبو محملا طيبا فأحمله على أنه تحذير من مغبة الصراع الذي لن يبقي على أحد. إنه تحذير من المواجهة العدمية أكثر منه تخويف بها. أما إذا بدا لك حديثه كلام بدوي لا خبرة له بالسياسة و إنه يصدر عن حمية قبلية لا معرفة لها بشؤون الدولة فإنك تخطئ من جهة إحسان ظنك بالدولة. الدولة السودانية الآن بلا حكومة .. إنها كيان هلامي له بالعسكري و لا هو بالمدني، إنها المسخ الذي انتجه عدم قيادة الثورة كما ينبغي و هي القيادة التي فرطت في القوى التقليدية فتركتها مكانا لفعل العسكر و الحصيلة ما ترى من إحياء القبائلية في كل السودان ؛ وهي القيادة التي فرطت في شارعها الشاب المصادم الجسور فتركته قرابين للشوارع و للعنف يُستدعى للمكاره و للمليونيات فاذا انقشع دخان البمبان عادوا الى ظلال الأزقة لا يذكرهم أحد الى حين أوان عسرة. حديث مادبو هو حصيلة هذا المشهد العبثي.. إنه البيان العملي لحالة الدولة ساعة الكفر بها ضامنا للوحدة الوطنية و للكرامة الانسانية. فما أكثر ما قتلت الحكومة من شعبها و ما أكثر ما رملت و يتمت و أثكلت فاذا وقع في نفوس أنها ليست مظنة عدل و أنها تتصرف بعقلية قبلية فما بقي إلا التنادي وا غزية. باختصار حديث مادبو وقف بالبرهان و بالناس جميعا سياسيين و ناشطين معتدلين و جذريين و صوفية و معتزلة و أشاعرة و مركزيين و ميثاقيين و مسلحين و غير مسلحين وقف بهم عند شفا الهاوية فارجع البصر كرتين هل ترى غير ذلك يا هذا؟ الخلاصة: أقعدوا في الواطة و تخلصوا من الأوهام فلربما انفتحت البصائر و إلا فداكهو. .facebook.com/648901473/
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة