الماركسية نظرية مترابطة و شاملة و علمية عن الكون و المجتمع والتحليل الاجتماعي و التطور التاريخي للمجتمع الانساني لم تقف عند حدود تفسير الواقع وانما حاولت جاهدة ان تبرز مفاتيح العمل السياسي الجماهيري لتغيير هذا الواقع.. القصور في فهم الماركسيةو في القدرة علي التمييز بين اصولها و مكوناتها و جدليتها و مستوياتها المركبة ادي لتشويه موقف الماركسية من المسالة الدينية تشويها التقي في رحابه المعادون للماركسية باسم الدين مع الدغمائيون ممن ظنوا انهم وجدوا في الماركسية موئلا وزريعة نشطة لمعاداة الدين.. و كلا الفريقين ينطلقون من نظرة واحدة وفهم واحدة لموقف الماركسية من المسالة الدينية منطلقين من ترداد ببغائي لمقولة الدين افيون الشعوب و التي لايمكن by any standard r ان تكون تلخيص مانع جامع للموقف الماركسي من الدين كاحد مركبات البناء الفوقي... الماركسية تفرق بين الدين علي المستوي العقيدي و الذي هو مستوي فلسفي عن الدين علي المستوي السياسي فماركس يقول في كتاب حول الدين : إنك إذا حولت الدين إلى نظرية في الحقوق العامة، ستجعل الدين نفسه ضربا من الفلسفة... أما إذا أخذنا الدين على مستوى السياسة، نجد بأن الدين يقوم بدور متفاوت الأهمية في تنظيم العلاقات الإجتماعية لأن الدين ليس فقط مجموعة من المعتقدات والممارسات الطقوسية والثقافية، ولكنـّه أيضا مؤسسة إجتماعية وتنظيم لمجموعات بشرية في هذا المجتمع أو ذاك. وتأثير الدين السياسي والاقتصادي والثقافي أيضا يختلف من مجتمع إلى آخر و الماركسية كما هو معلوم فلسفة مادية تفسر الكون تفسيرا علميا، وهي في ذلك تشترك مع الفلسفات المادية في التاريخ منذ الإغريق مرورا بابن رشد وابن طفيل وغيرهما من الفلاسفة الإسلاميين وصولا إلى فلاسفة عصر التنوير- عصر البرجوازية في أوروبا... لذلك لا اري سببا لوسم الماركسية تحديدا دون غيرها من الفلسفات المادية الاخري بالتناقض مع الدين بل ان الماركسية امتازت علي كل فلسفات عصر التوير بان لم تجعل همها الاساسي تفسير الطبيعة و هو حلبة الصراع التقليدي بين الفلسفة و الدين و انما تجاوزت ذلك الصراع التقليدي ذو المعادلة الصفرية الي تفسير المجتمع و انتاج قوانين تغييره و قد اشار لينين الي هذه الخاصية التي ميزت الماركسية : لقد عمّق ماركس المادية الفلسفية وطورها حتى إنتهى بها إلى غايتها المنطقية (أي المادية التاريخية). ووسعها من معرفة الطبيعة إلى معرفة المجتمع البشري (لينين – الأعمال المختارة)... نقد الدين ليس بدعة ماركسية وانما كان هو العنصر الاساسي في كل الفلسفات المادية الكلاسيكية قبل ماركس و كان هذا المنطلق المادي هو دعامة الفكر البرجوازي في عصر التنوير في كل مواجهاته مع الاقطاع الذي اعتبر الدين من اهم دعائم تحالف السلطة و الطبقة و الكنيسة وذهب كثير من الفلاسفة اكثر من ماذهب ماركس في نقد الدين و اشدهم نقدا كان فيورباخ و كما اكد انجلز ان ماركس عندما كتب كتابه العائلة المقدسة كان شديد التاثر بفيورباخ رغم تحفظاته التي ابداها حول اطروحات فيورباخ... فماركس لاحقا كان يرى أن الاستلاب الديني هو ذاته نتيجة لإستلاب آخر أعمق هو إستلاب العلاقات الاقتصادية في المجتمع الرأسمالي، ولذلك يجب البحث عن أصل الداء في موضعه الأصلي أي المجتمع لا في الدين وعلى خلاف فويرباخ لا يربط ماركس وإنجلز بين الدين والجوهر الإنساني وإنما يجعلانه نتاجا من نتاجات المجتمع إذ أن إنتاج الأفكار والثقافة والفن والدين والوعي يرتبطان قبل كل شيء وبصورة مباشرة بنشاط البشر الاقتصادي المادي.. وهكذا خرج ماركس بالفلسفة من ميدان التناطح مع اللاهوت إلى ميدان العملية التاريخية الجدلية، ولم تعد الفلسفة مع ماركس تبحث عن وجود الله او عدم وجوده، وإنما أصبحت تبحث عن تفسير للمجتمع أي انها نزلت من السماء إلى الأرض من اجل ان تبني مملكة الحرية ليس في السماء بل على الأرض.... لدي كتاب سيري النور مع نهاية هذا العام بعنوان الماركسية في عالم متغير افردت فيه فصلا كاملا عن موقف الماركسية من الدين مقابل موقف الفلسفات المادية الاخري منه وهذه المشاركة مقتطفة من ذاك الفصل..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الفاتح الدنقلاوى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست