***** جــبــريـــل الـحـــــاقــــــــــــــد *****

Quote: البعد المفقود في استكمال ثورة ديسمبر 2 د. دلال عبد العال عمر السكرتير الاقتصادي للحزب الاتحادي الموحد يبدو أن بلادنا لا زالت تعاني من إشكالات اقتصادية ذات طبيعة هيكلية في مراحل ما بعد الثورة، وبالتأكيد فإن انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر كان بمثابة الرصاصة القاتلة لكل أحلامنا ببلادنا، وتتجلى تداعيات الانهيار يوماً بعد يوم ونحن نخطو نحو العام من الانقلاب العسكري المشؤوم في ٢٠٢١ ومن أبرزها: غموض وارتباك السياسات الاقتصادية في مراحل ما بعد انقلاب البرهان، إذ إن ثمة تردداً ما بين العودة لانتهاج سياسات اقتصادية، قائمة على تحرير الاقتصاد، والانفتاح على الاقتصادات العالمية، والاستثمار الأجنبي، بلا ضوابط أو مراعاة للمصالح الوطنية كما كان يحدث في عهد الإسلاميين من حكومة الإنقاذ البائد، وبين محاولات التنصل من دور الدولة للقيام بوظائفها التنموية لمواجهة متطلبات العدالة والفقر والبطالة. ولعل أبلغ مثال على الارتباك الاقتصادي الحالي القرارات المتضاربة وغير المتسقة لوزير مالية الانقلاب العسكري جبريل إبراهيم، مما فاقم الأزمة والتدهور الكبير الذي حدث بسبب سياسات جبريل كإعادة نسخ للسياسات البائدة، وإعطاء الفرص للشركات الطفيلية والشركات ذات الطابع العسكري في تصدير الذهب الخام، مع خروج البنك السودان وترك الأمر للشركات مثل شركات المعادن وما يحدث بها من فساد مع عدم وجود ضوابط حقيقية للحصائل. ويبدو جلياً للسودانيين تنامي شبكات المصالح الاقتصادية ذات الطابع الاحتكاري في المجتمع، فرغم أن مرحلة ما بعد الثورات تشهد محاولات لتفكيك تلك الشبكات التي تحتكر قطاعات اقتصادية، وتهيمن على تدفقات الاستثمار، فإن الهاجس يظل دوماً أنه في ظل غياب رؤية اقتصادية واضحة، أو قرارات اقتصادية ذات طابع يلائم مراحل ما بعد الثورات، عادة ما تتساوم تلك الشبكات القديمة مع رجال أعمال موالين للأنظمة الجديدة لاقتسام “عوائد الاحتكار”، أو القيام بإحلال احتكاري لرأس المال وقد يتم ذلك عبر سياسات مالية وسياسات نقدية قانونية والتي وجدت في سياسات الحكومة غير المُحكمة، منفذاً للاغتناء دون أدنى مجهود بجعل الدولار في حد ذاته سلعة للمضاربة (speculation) عبر ترسيخ السوق الموازي الذي أصبحت تتحكم فيه الشركات بتجفيفه من العملات الصعبة بتقليل المعروض وزيادة الطلب . ومن أسباب تردي الأوضاع أيضاً اللجوء إلى “الحلول السهلة المكلفة للفقراء”، والمتمثلة في القروض الدولية لمواجهة أزمة الديون، ورفع الدعم، وعجز الموازنة، دون وجود رؤية واضحة لزيادة الإيرادات العامة للدولة، ودفع نحو النمو للناتج المحلي الإجمالي، بالرغم من إدراك أن ثمة شروط اقتصادية باتت تشكل عبئاً سياسياً على الأنظمة الجديدة، علاوة على أن انتهاج اقتصادات السوق (الذي تحاول أن تطبقه الآن فئة ذات مصالح معينة ولكن نعترف أن هذا الاقتصاد المحرر دون ضوابط تراعي تردي الفقر والبطالة في بلادنا فإن هذا الأمر يعد أكبر مهددات التحول الديمقراطي … حيث لم يعد ثمة ضامناً للتحول السياسي دون استقرار اقتصادي، كذلك إن التعثر “السياسي” في المراحل الانتقالية بعد الثورة الآن في التحالف غير (المتجانس) سياساً خلق فراغاً حول كيفية إدارة هذه الفترة الإنتقالية، وأيضاً عدم حسم ملف الاستقرار الأمني حول تلك المشاكل في الدولة تباعاً، يخلقان عادة بيئة اقتصادية غير آمنة للاستثمارات، ويعيق تدفق رؤوس الأموال، ويقلل حتى من ثقة مؤسسات التمويل الدولية التي تضع شروطاً تعجيزية، وبالتالي فالعودة للحالة الطبيعية سياسياً تعقبها إمكانية جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال. ورغم أن المشروعية السياسية لأنظمة ما بعد الثورات قد تكفل مواجهة تلك الإشكالات الاقتصادية، فإن التخوف من ردات الفعل الاجتماعية والمستثمرين وطبقات رجال الأعمال كبل الأنظمة الجديدة، ودفعها نحو الغموض الاقتصادي، أو على الأقل تسويف “المشكلات الاقتصادية”، الأمر الذي قد تدفع ثمنه سياسياً، لا سيما وأن عدم وجود تحسن اقتصادي ملموس قد يدفع الفئات السياسية التي ساندت الأنظمة الجديدة للتخلي عنها، وهذا ما سيحدث إذا استمرت الضبابية حول الاتفاق على منهج معين، يبدأ بإصلاح تكتل قوى الحرية والتغيير المنقسم حالياً وإلا سيتفكك ويحدث انشقاق حقيقي. وبدون شك أن حكومة الانقلابيين الحالية فشلت في التعامل مع الملف والجو السياسي الذي فرض عدم وجود معارضة واضحة، حيث أن الكل يتشظى لتوسيع دائرة الانقلاب لحماية مصالح الجيش غير الوطنية، لحماية مصالح أفراد داخل المنظومة الأمنية ولا حتى برلمان ليحاسب الحكومة على هذا الفشل مما جعل الأمر الآن متروك لتقدير الشارع الثوري الحقيقي الذي يرفض كل هذه السياسات.