١٩ يوليو عيد ميلاد وردي ال ٩٠

Quote: حفلة وردي في قريتنا في عام 1968م، كان وردي في رحلة غنائية يرافقه الفنان أبوعركي البخيب وكان شاب صغير ووسيم جداً ومعه الفنان على ابراهيم اللحو. وإبن ارتقاشا البار النوبي الجميل حمزة سعيد بدري، عازف الكمان، وقائد أوركسترا التلفزيون لاحقا، وكانت هذه الرحلة ايام الأجازة الصيفية. أقيم الحفل بمدرسة ارتقاشا بنين بالبرقيق، وكانت منشأة جديدة، وذهبنا إليها في صف طويل من المدرسة الأميرية الوسطى بقيادة الناظر المربي احمد علي. كان من لفت الأنظار هو أبوعركي البخيت، شاب في مقتبل العمر، على درجة عالية من الوسامة. أذكر انه بدأ الغناء (بوعِدك يا ذاتي يا أقرب قريبة .. بكرة بهديك دبلة الحب والخطوبة). لم يكن أهلنا في ذلك الوقت يفهمون ما مغذي ألحان ابوعركي لأنها بدأت غريبة إلي آذانهم فإستنكر البعض فأجهروا بذلك (وفي ذلك الزمان كان معظم الناس يقصدون الحفل وهم في غيبوبة ود الجريد) وأذكر أن أطل وردي وتحدث لأهلنا بالنوبية ربما ليبعد بعض الأحراج عن ابوعركي. وقال، هذا الشاب الوسيم – أشري - سوف يكون له شأن عظيم جداً في الغناء السوداني في المستقبل. أما على ابراهيم اللحو فإستقطب الجمهور عندما بدأ يردد : يا أخوانا الجمال في كل مكان .. لكن الجمال الأصلي في كرمة الأركان وعندما تغنى بأغنية سائق الفيات، قفز إلي الساحة النيل عكاشة من أبناء عكاشة المشهورين رغم منع الناس له. ثم كان الزول الوسيم في ريعان شبابه الأستاذ نجم الدين حمزه (رحمه الله) بشعره المميز وطلعته البهية ومعه مسجل، وربما لأول مرة نشاهد المسجل وحاول ربطه بالمايكرفون ولكن سبقه الفنان على إبراهيم فأخرج منديل من جيبه وربط المايك وواصل في الغناء. والقصة الرائعة هو عمنا عثمان حمد أرصد (رحمه الله) وكان ربما في أوائل حضوره إلي البلد من السعودية. وأقسم أن يدخل الحفل بحماره. وتذكرة الحفلة كانت عشرة قروش للكبار وللصغار كانت شلن واحد فقط. وبذكاء وحنكة فرض عليه الناظر أحمد علي وهو مسئول الحفل آنذاك أن يدفع جنيه ليدخل بحماره وثم يكون في آخر الصفوف ويقف راكباً حماره. ودفع عمنا عثمان الجنيه وسط ذهول من الناس ربما كان أحمد علي يريد مكاسب للفنانين وبعد بداية الحفل وجدناه قد ربط حماره في ركن المدرسة وأندمج في الحفلة مع ناس العشرة قروش .. وأذكر أن الحفلة كانت في مدرسة ارتقاشة بنين في أول إفتتاحها. وبعد شهر تقريبا من الحدث أعلاه، شاهدت وردي داخل عربية كومر وبصحبة وضيافة عمنا علي بخيت وهو من زعماء كرمة البلد. وأذكر وردي كما اليوم وهو بجلابية بيضاء ناصعة وعمة بطريقة جميلة وأنيقة وزعيمنا علي رحمه الله يستنفر الناس لحضور الحفل في مدرسة كرمة البلد بنات. ووردي بدون أوركسترا، فقط بالطنبور، ربما قصدها أن تكون الليالي نوبية ليوقظ حماس أهلنا ولكن الحفل كان من أجل المرحوم المحامي حسن عبدالماجد زوج اخته ، الذي كان مرشحاً في الدائرة التي تلينا بالمحس، إلا أن وردي ربما كان يبحث له عن دعم مادي لأن الحزبين الكبيرين كانا لهما من المال ما يكفي لأقامة الليالي السياسية والعشوات الدسمة، فكان لابد لوردي أن يدعم أستاذنا حسن عبدالماجد رحمهم الله. وأقام وردي حفل رائع في مدرسة كرمة البلد بنات، وكما ذكرت لدعم الأستاذ حسن عبدالماجد مادياً، وكان في ذلك الزمان الأشتراكيون يخوضون الأنتخابات تحت مسمى (مستقل)، وأستاذنا حسن لم يشأ أن يدخل في المسميات المعقدة، التي تحتاج إلي شرح وتأويلات من الحزبين فإكتفي بمصطلح (مستقل). وقد كانت تذكرة الدخول فى الليلة للكبار والصغار (شلن) أو خمسة قروش في ذلك الزمان، ولكن معظم الشباب تسلقوا عبر الوحوش لأن الموسم لم يكن زمن جني محصول التمر والذي كنا فيه ننعم ببعض النقد من الفئة المعدنية. ولكثافة السكان في منطقتنا وبتأثير من الزعيم علي بخيت رحمه الله وحب وردي الذي لا حدود له إمتلأت المدرسة عن آخرها وابدع وردي في تلك الليلة التي مازال صداها في ذاكرتي ولم أسمع في حياتي وردي بجمال تلك الليلة وحتى من كانوا خارج السياق وهم كثر كانوا جلوساً في حضرته وكل الغناء كان نوبياً ماعدا قمر بوباً. والله ليلة. ولكن ماقصدت به هو عبقرية هذا الرجل عندما غنى تلك الأغنية الرائعة ذات العمق والمغزى السياسي، وترجم شعار الأشتراكية في عبارات نوبية مختصرة ومنغمة وملحنة بطريقة تدعو إلي الأنبهار وخاطب الكادحين من أبناء المنطقة. من يومها تأكدت أن عبقرية وردي كانت اكبر من السودان ومن أي واقع أفريقي وعربي. وعلى ما أذكر أن رمز حسن عبدالماجد كان (الهلال) وبالنوبية (اوونتي) بالدنقلاوية والمحسية، ورغم أنه كان مرشحاً في الدائرة التي تلينا وهي دائرة المحس وسكوت التي تبدأ من عشكان، إلا أن صدى الأغنية كان لها دوي في كل المجتمعات النوبية عبر الوطن. فكانت الأغنية المشهورة : (حبينا اوونتي ووني) أحببناك أيها الهلال .. والحب هنا جاء بالعربية، لأن اللغة النوبية من خصائصها إستعارة الكلمات المموسقة من اللغات الأخرى وتطويعها.