من ذكريات عام ٢٠٠٤م *** لخروف ما إنفك يطلق صرخاته ( صرخات غير معروفة السبب ، أهي إحتجاج على التضحية به ، أم إستغراب لإنتقاله لمكان غير زريبته المعهودة و فراقه لأحبابه من الخراف و الكباش ).
أطفال البيت يدخلون و يمرقون و هم ( يتاوقون ) و يقدمون له أعواد البرسيم أطفال الجيران ، في مقارنة بين خرفان الأضاحي : خروفنا أكبر خروفكم ما عندو قرون و صوفو منتَف خروفنا من أمبارح أبى ياكل ، بس بيشرب موية و يكورك.
و هو الخروف المدلل ، الذي تربي و ترعرع و تضخم ذيله بفعل ( مشق المريسة ) ، و ينام ( منعنشا ) بعد كل وجبة قرير العين هانيها ، و لكن هاهو يأكل البرسيم.
جردل المخلل ، متروس بالعجور و الباذنجان و الليمون و البنجر و الفلفل الأخضر ، يهمس معلنا نضوجه. الأم تدخل و تأخذ حبة عجور و تخرج ، و لعابها يسيل و في خاطرها أم فت فت و الكمونية و الشية و الربيت. الأب يدخل و يغرف قطعة من الباذنجان و يخرج ، و في خاطره الشربوت الذي ضج المطبخ برائحته النفاذة ( فهو قد زاد عمدا كمية من خميرة البيرة كى ينعم بتعسيلة بعد أن يلتهم الكبدة النية ). البنت تأخذ حبة و تخرج. و الولد يأخذ حبة و يخرج . حتى النملة ، أخذت لحسة من السائل على طرف الجردل و خرجت ، و حدثتْ إخواتها. فدخلت نملة تلو النملة و خرجت النملة تلو النملة في خط مستقيم و بنظام و بهدوء في إنتظار الغد الذي سيأتي بالخير العميم. و القطة تموء تستعجل فتات اللحم و العظم ، و تراقب جدران البيت حتى لا يتسلل قط آخر و يفسد عليه العيد بمشاركته في ( كد ) العظم. ( المبْرَد ) و ين يا أولاد ؟ الساطور الكبير أمشوا جيبوه من عند ناس عمك علي ، من يوم الكرامة حقتهم ما رجعوه. أبوى الخروف قطع الحبل.
نفيسة ، ما تنسي بكرة ناس كلتوم ديل ، السنة دي حزنانين بموت أبوهم ، أول حاجة بكرة قبال نضبح نمشي ليهم ، و ما تنسي الكوم حقهم.
سلام يا ناس البيت ،، حاجة نفيسة ،، القابلة في عرفات. جمعا يا الرضية أنا ماشة السوق أجيب البهارات و البصل. أصبري ، بمشي معاكي . يا الحاج كدي أدني قروش. إنتي مش أمبارح أخدتي قروش ، و ديتيها وين ؟ أجي يا الحاج ، مش قلت ليك أديت الدلالية باقي قروش الملايات ، و إشتريت جزمة للبت ، و إشتريت جركانة زيت ؟ الحبوبة تحمل المبخرة و تجوب البيت ، تنشر دخان بخور التيمان و هي تتمتم بأدعية و أوراد ، و أصغر الأولاد يتشبث بطرف ثوبها و هو يمص إصبعه فهو يخاف الخروف و لا يجرؤ على الإقتراب منه.
الخرفان تطلق صيحاتها طوال الليل و كأنها تودع عالمها تباشير العيد السعيد ( الله أكبر ،، الله أكبر ،، لا إله إلا الله ، إن الحمد و النعمة لك و الملك ،، لبيك اللهم لبيك ) دعاء التلبية السرمدي ، منذ أن وضع إبراهيم الخليل عليه السلام لبنة البيت العتيق و إلى يوم يبعثون. و ينتشر الجزارون ، السكاكين في ( ضراعاتم ) نافرة لي ورا من أكمام العراريق ، و في الأيدي شوالات فارغة ، لزوم الجلود و النيفة ( رؤؤس الخرفان ) . و تتصاعد وتيرة السواطير و هي تهوي على العظام أمسك كويس يا جنا ، أوع السكينة تلحس أصبعك الحبوبة توصيهم بأن لا ينسوا لحمة الربيت ( و خيره ما جاور الشحم ) و يطقطق الفحم مصطليا النار ، و يتطاير الشرر من الكوانين و المناقد و تخرج الحلل الكبيرة من ( فوق رؤؤس الدواليب ) و من المخزن و تدمع أعين البنات من تقشير البصل و تقطيعه و ينطلق صوت الفندق و يد الفندق في تناغم إيقاعي محبب إلى النفس و تتصاعد رائحة الشواء و رويدا رويدا ، تهدأ الضجة في البيوت فذاك قد عمل الشربوت في رأسه العمايل و تلك متخمة بالمرارة و أم فت فت. و ذاك قد فعل ثوم المخلل به ما فعل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة