|
Re: الطائفة الجمهورية والخطاب المعادي للمرأة (Re: عبدالله عثمان)
|
الطائفة الجمهورية والخطاب المعادي للمرأة (1)
يظن الكثيرون ان الطائفة الجمهورية قد انصفت المرأة السودانية؛ وفي الحقيقة فإن الجمهوريين يطرحون نفس الطرح التقليدي تجاه المرأة، والقائم على مفاهيم العفة، والوصاية، والتمييز في الحقوق والواجبات، بل يذهب الأمر اكثر ليتجذر في جذر فلسفي تختص به الطائفة الجمهورية، يجعل من انصاف المرأة ومساواتها بأخيها الرجل من المحال، وهي قصة الانسان الكامل ومفهوم الأصالة.
وتنطلق افكار الجمهوريين عن المراة من أفكار محمود محمد طه، وهو رجل سوداني محدود بحدود تجربته وزمنه وواقعه ومعارفه وتحيزاته، ومن تحيزاته تلك دفاعه الشرس عن تطبيق الحدود ، رغم مخالفة ذلك لكل منهجه في تقسيم القرآن لمكي ومدني والاسلام لرسالة اولى وثانية؛ فآيات الحدود كلها مدنية ووفقاً لمنهج محمود هي من آيات الفروع ولا يجب التمسك بها أبدا.
كما تظهر تحيزات محمود في تعامله مع المراة وقضاياها، فرغم الاعلانات الشكلية عن مساواة المراة والرجل، ورغباً عن الحديث عن الزواج الفردي وان تعدد الزوجات ليس أصلاً في الاسلام، ورغماً عن المحاولة في تطوير قانون الأحوال الشخصية، إلا انه عندما ندخل في التفاصيل نجد إن محمود يغترف من نفس إناء الفقه التقليدي ويرجع للفكر الذكوري والبطرياركي المعشعش في المجتمع والذي تأثر به حتماً.
قضية الزي كمعيار لعقل المرأة وخلقها: وأول ما تظهر فيه هذه النظريات التقليدية هو مفهوم العفة، ومفهوم الغيرة على المرأة، فمحمود ما ينفك يطرح هذين الثيمتين. انظر لبيانهم في يوم المراة العالمي في عام 1975 يقول ( أعلمن أننا ضد قهر الرجال للنساء، ولكننا مع الغيرة الحكيمة من الرجال على النساء، فإن القهر دليل الخوف، وسوء الظن، والإستغلال .. أما الغيرة الحكيمة فإنها دليل الحرص على مكارم الأخلاق، والرغبة في الصون، والعفاف، فإن العفة لا تجئ بالزجر، والسدود، والقيود، وإنما بأن يعف الرجال أنفسهم: (عفوا تعف نساؤكم) ) . والسؤال هو هل الجمهوريون ايضا مع الغيرة الحكيمة من النساء على الرجال أيضا؛ أم إن هذه الغيرة الحكيمة هي حكر للرجال دون النساء؟ وهل هدف عفة الرجال أن تعف نساؤهم (عفوا تعف نساؤكم)، أم ان العفة للرجل أمر مطلوب في ذاته غض النظر عن كون له نساء أم لا ؟
وتمتد هذه الغيرة الحكيمة لتتحكم في زي المرأة، تماما مثل السلفيين، حتى جعل الجمهوريون من الجمهوريات نسخة متطابقة من بعضهن في الشكل؛ ولو ظفر الجمهوريون بالسلطة لفرضوا زيهم على نساء السودان. والصورة المرفقة توضح ذلك تماما.
الشاهد في ذلك انهم ان الجمهوريون أخرجوا كتيبا كاملا يوضح كيف يجب ان تلبس المرأة ، وكأن المراة السودانية ( أو المرأة عموما) لا تملك عقلا لتختار زيها. وفي هذا الكتيب ذو العنوان السلفي الغريب (الزّي عنوان عقل المرأة وخلقها) يضعون شروطا ستة، تتعلق بالفستان وطوله، والتوب ولونه (الشرط أن يكون أبيض)، وتحاشي استعمال الكعب العالي، وتصفيف الشعر تقليديا، وعدم استعمال العطور (الصارخة) عند الخروج للشارع. هذا ما كان عليه حال حاجة آمنة زوجة محمود محمد طه غالباً وهذا ما اراد قسر نساء السودان عليه.
ولا يغرن أحد ان هذا الزي او اليونيفورم المحدد للمراة؛ قد قيل ان غرضه (ليس قهر النساء، او صبهّن في قالب زي موّحد ) حيث ان الواقع ان الجمهوريات - كلهن - قد التزمن به ولا زلن حتى اليوم بعد 36 عاما من وفاة محمود. والسؤال هو : اذا كان الزي عنوان عقل المرأة وخلقها، فما هو عنوان عقل الرجل وخلقه؟ ولماذا لم يحدد الجمهوريون زياً للرجل؛ ويعتبرونه عنوان عقل الرجل وخلقه، لولا التحيز والذكورية والابوية؟
إن الاهتمام بالزي ومحاولة فرض زي موحد على كل الناس بمختلف اعمارهم وثقافاتهم وميولهم، انما هو نهج شمولي، وهو أحد ادوات السيطرة الإجتماعية والهندسة الإجتماعية، حيث يبدأ الأمر باجبار ( أو إقناع) الناس بلبس زي واحد، لنتقل الامر لاقناعهم بالعقيدة الواحدة والحزب الواحد والقائد الواحد. او ربما يكون الامر عكسيا حيث بعد السيطرة الحزبية او الايدلوجية يقوم الحزب او القائد بفرض نموذج زيه.
كما إن السيطرة على المرأة وتهميشها تبدأ بإختصارها في شكلها وزيها، واعتبار ان زيها هو عنوان عقلها وخلقها ، ومحاولة التحكم بها في هذا الاطار بالتحكم بزيها. ها هنا لا يختلف الجمهوريون عن السلفيين والاخوان المسلمين الذين يفرضون نقابهم وحجابهم على النساء؛ او وعن نموذج ماو تسي تونغ وكيم اير سين الذين فرضوا ازياء محددة واحدة على النساء والرجال؛ قيد أنملة.
وفي ظروف التعدد الثقافي والاثني في السودان، حيث لكل شعب ثقافته المختلفة وازياءه المختلفة، بما فيها ازياء النساء؛ وحيث يجب ان نحتفي بهذا التعدد ونغنيه، يكون فرض زي واحد يعبر عن الثقافة الشمالية النيلية حصرا ( التوب الأبيض) هو ذهول عن واقع التعدد الثقافي في البلاد في أحسن الفروض، ومحاولة للقهر الثقافي وتذويب الثقافات في اسوأ الفروض.
عادل عبد العاطي 14 يوليو 2021
|
|
|
|
|
|
|
|
|