هل مارس الاستاذ محمود محمد طه العنف الجسدي؟

Quote: الصحف تمتنع عن نشر بيانات الحزب الجمهوري والحكومة ترفض التصديق بالورق لنشر آرائنا كان الحزب الجمهوري ينادي بالاستقلال التام، والجلاء الناجز لكلٍّ من جيشي مصر بريطانيا، ويدعو المواطنين في جرأة، إلى الانعتاق من الطائفية، التي أثارت الأحقاد والسخائم.. وانحرفت بوحدة المواطنين نحو الهاوية، وكانت الأموال المصرية تتدفق على دور أحزاب الوحدة، وتغزو دور الصحف، فتقلص مطلب السودانيين من الاستقلال حتى انحصر في أربع كلمات، كما ورد على لسان زعيم أكبر حزب سياسي- السيد إسماعيل الأزهري- وهي: " فليعش فاروق الأول ملك مصر والسودان!! " أما حزب الأمة وحلفاؤه الأنصار، فقد كانوا يرون في الانعتاق من سيادة الإنجليز نوعا من الكفر، وضربا من المحال!! وقد بلغ بهم الهلع من سطوة الإنجليز ما دفع السيد أمين بابكر، رئيس تحرير جريدة النيل، أن يمتنع عن نشر بيان للحزب الجمهوري لمجرد ورود هذه العبارة التي تمس السادة الإنجليز: " إن شر ما رمانا به الاستعمار الإنجليزي، هنا وهناك، هو توهين الثقة في نفوسنا حتى لقد أصبحنا، و ليس أيسر علينا من اتهام بعضنا البعض بالخيانة والتدخل "!! وتمشيا مع هذه التبعية العمياء، قفلت جرائد الوحدة الطريق في وجه آرائنا.. أما جرائد حزب الأمة، فكانت لا تنشر إلا ما يتفق ووجهة نظرها هي في مناهضة وحدة وادي النيل، وحتى هذا لم يكن نشره ممكنا إذا ما ورد فيه ما يشتم منه التعريض بحلفائهم الإنجليز، كما أشرت آنفا.. لم يكن في البلاد غير صحافة الطائفية وأعوان الطائفية، الذين ظلوا يضلعون وراء الطائفية، وحكومتي الاحتلال من إنجليز ومصريين.. ولما كان الحزب الجمهوري يناهض الطائفية بطرفيها، كما يناهض دولتي الحكم الثنائي، لم تتسع صدور رؤساء التحرير لآرائه الموضوعية.. وقد سجلنا موقفا للأخ عبد الله ميرغني رئيس تحرير "صوت السودان" عندما امتنع عن [نشر] بيان من بياناتنا، وكان سبب رفضه على حد تعبيره: "إن الأستاذ الحمامصي –صحفي مصري- انتقد كثرة الأحزاب في السودان!!" أما السيد إسماعيل العتباني فقد كان امتناعه "تضامنا مع زملائه الصحفيين" كما قال!! إزاء هذا العنت، استقر رأينا على أن ننشر آراءنا في كتيبات شهرية، ونشرات دورية.. فكتبنا جوابا لمكتب الاتصال طالبين التصديق لنا بالورق اللازم في يوم 21/1/1946م، وأرفقنا معه البيانات التي نريد لها النشر، وكان من بينها سفر الخفاض، فلم نتسلم ردا!! فأسندت اللجنة للأستاذ محمود مهمة الاتصال بالمستر عيساوي، اللبناني الجنسية، نائب مدير المخابرات.. فاتصل الأستاذ محمود تلفونيا، وقد أطلع الأستاذ محمود لجنة الحزب على ما دار بينه وبين المستر عيساوي في تلك المحادثة.. فأقرت اللجنة أن يرسل له الخطاب أدناه، وكلفت أمين محمد صديق بذلك: حضرة ضابط الاتصال العام مكتب السكرتير الإداري.. الخرطوم بالإشارة إلى المحادثة التلفونية، صباح اليوم، بين المستر عيساوي ومحمود محمد طه بخصوص سفر الخفاض الذي تقدم به الحزب الجمهوري يطلب الورق اللازم لإصداره.. قال المستر عيساوي في تلك المحادثة: " قد وصل منكم طلب بخصوص الورق، فأحيل إلى جهة الاختصاص.. وعلى كل حال، فإنه ليس هناك ورق.. وأما سفر الخفاض فيظهر أنه قد كتبه أناس غير مسئولين، ليضيعوا وقتي ووقت كبار الموظفين بمكتبي!! وعلى أي حال، فإن سكرتير الحزب قد كتب جوابا يسحب فيه هذا السفر!!".. *(1) والذي يبدو، إن المسئولين في نظر المستر عيساوي، إن هم إلا كبار الموظفين.. فإن كان ذلك كذلك، فإن هذا الحزب، والحمد لله، خال منهم.. وهو قد تعمد ذلك عن قصد وتبصر، ولن يسره أن يكون له منهم إسناد وإرصاد.. ونحن لا يهمنا الرد على كلام المستر عيساي هذا، وإنما يهمنا تسجيله، فإنا موقنون أنه لا يعرف إن كنا نحن مسئولين ولمن نحن مسئولون.. وقد طلب عيساوي كشفا بأسماء المسئولين في الحزب، في آخر تلك المحادثة.. والحزب، وإن كان لا يهمه ولا يضيره أن يعرف المستر عيساوي أو لا يعرف المسئولين فيه لأن ذلك من واجبه هو، بيد أنه لا يرى بأسا من أن نحيله إلى جريدة النيل بتاريخ 4/11/1945م، حتى لا يعبث بزمنه النفيس، وزمن كبار موظفيه أناس لا يعرفون له بعض ما نعرف.. ونؤكد هنا للمستر عيساوي، مرة أخرى، أنا سنعفي وقته النفيس ووقت كبار موظفيه من الضياع، سواء مُنحنا الورق لنشر آرائنا أو لم نمنحه.. فعلنا نستطيع الاستغناء عنه.. فمن يدري؟؟ أمين محمد صديق سكرتير الحزب الجمهوري *(1) ادّعى أمين مصطفى التني أنه سكرتير الحزب الجمهوري واتصل بالمستر عيساوي.. وبعد هذا وصل الجواب التالي باللغة الإنجليزية وهذه ترجمته: ب ت ق/عمومي/59 مصلحة المخازن والأسلحة الخرطوم بحري 6 فبراير 1946م أمين محمد صديق سكرتير الحزب الجمهوري قسم الحسابات.. مصلحة البوستة والتلغراف الخرطوم سيدي العزيز: إشارة إلى جوابكم، بدون تاريخ، المعنون للسكرتير الإداري عن طريق ضابط الاتصال العام والخاص بطلب ورق لنشر كتيبات، يؤسفني أن أخبركم أن موقف ورق الطباعة لا يسمح في الوقت الحاضر بالتصديق لكم بأي كمية لها الغرض.. المخلص الصادق شوقي عن مراقب الطباعة وورق الطباعة.. صورة: لضابط الاتصال العام.. إشارة إلى جوابه ب ر و/ 160202 رقم 30/1/46 إزاء هذا الرفض، قررت لجنة الحزب أن تنشر آراءها جهارا نهارا في منشورات دورية، دون تصديق.. وطلبت من العضو منصور عبد الحميد تدبير وسائل الطبع، فوفق لابتكار جهاز بسيط سجلت له اللجنة من أجله عبارات التقدير.. كانت منشورات الحزب تطبع مقابل مبالغ محدودة، ويقوم بطبعها على الآلة الكاتبة أحد الموظفين السودانيين، الذي يعملون بمكاتب الري المصري بالشجرة، على أوراق الشمع ثم يوضع حبر الرونيو فوق اللباد، وتستخلص منه النشرات بالضغط على الورق بواسطة عمود من الخشب أدخل في أنبوبة عجل بسكليت يتحرك بين قائمتين.. كانت هذه العملية البسيطة مصدر إزعاج كبير للحكومة الإنجليزية، في ذلك الوقت.. فصارت تصدر المنشورات من حين لآخر حاثة كبار موظفيها، من إنجليز وسودانيين، لإحكام الرقابة على ما كينات الرونيو.. ولم تتمكن السلطات من معرفة هذه الطريقة، التي كنا نطبع بها المنشورات إلى أن انقضى عهدهم البغيض..