|
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
من مجموعتي القصصية الاولى: أماندا والأبنوس
***
عطبرة ،، ذات فصل إعتمرتْ فيه المدينة ( كتاحة ) غير مألوفة ، لون أحمر قان و كأن كل تربة البطانة قد حلَقتْ في الجو لتمطر أهل المدينة بهذه الزخات الترابية. تنام في ( حوش ) البيت ، فتصحو و كأن ( بطانية ) من تراب قد إلتحفْتها أثناء نومك ، حتى أن أهل الدار ربما ميَزوك عن غيرك بصوتك ، حيث يبدو شكلك و كأنك تعمل في ( طاحونة ) طوال اليوم. يالها من ذكرى. القبطية ( أم سوسن ) جارتنا ، إمرأة مكتظة اللحم ، قصيرة القامة ، و لكنها لا تخلو من وسامة ، تربط شعرها بمنديل يسميه أهل مصر ( أُوِيه ). كثيرة الكلام ، مشحونة بعواطف متضاربة. فتارة هي رومانسية تتغنى بأغنيات أم كلثوم و تدندن بألحان عبدالوهاب. و تارة أخرى تصب جام غضبها على صنف الرجال و تصفهم بالخونة . و تارة تلعن النساء و تقول أنهم أس المصائب. إمرأة مترعة بالحياة و متروسة بالتجارب ، تنفث دخان سيجارة ( القولد ليف ) و أحيانا ( الكليوباترا ) ، و تسعل طول الوقت ، فنسمعها و نحن رقود على أسرتنا في الحوش نحدق في النجيمات البعيدة. نجوم عطبرة كنت أتخيلها و أنا صغير بأنها غير تلكم التي تسطع في سماء الدامر أو بربر أو الخرطوم ، أو حتى التميراب القريبة. مدينة في غيمة ، و غيمة في مدينة. ( أم سوسن ) كانت تعشق سمرتي و هدوئي. إمرأة في الأربعين و أنا صبي في الحادية عشرة من عمري. لا يكاد يمر يوم دون أن تراني. أصابتني حمى شديدة ذات مرة ، عرفت يومها أن هذه المرأة تحمل بين جنباتها قلبا كبيرا و تحبني كإبنها تماما ، كان أبي يقول لها ممازحا : خديه و أدينا بيتك الملِك بدالو . هرولت بي يومها للمستشفى و هي تقول ربما كان هذا مرض ( السحائي المخيف ) ، من بين فيح الحمى التي تجعلني أفتح عيني بصعوبة، كنت أرى اللهفة و الخوف في عينيها و هي تتحسس جبيني ، و أنا أطوق عنقها بكلتا يدي. لم تعط أسرتي فرصة حتى للذهاب معها . سألني الطبيب ممازحا و الذي طمأنها بأنها مجرد ( إنفلونزا ) : دي أمك ؟ لم أرد على سؤاله ،، لم أجد كلماتا أعبر بها للطبيب عن تعلقي بها. ( أم سوسن ) ،، شخصية مهمة في الحى كله فهي تقرأ الفنجان لجاراتها ، و مستودع أسرارهن ، يستشرنها في كل أمورهن. أقبع إلى جوارها أنظر إلى لون بشرتها الذي يذكرني بعروسة حلاوة المولد. كنت مبهورا بها ،، و هي لا تنفك تقول أمام الكل بأنها تتفاءل بي. رائحتها مزيج من التبغ و رائحة صابون ( لايف بوى ). إن غبت عنها ، تأتي باحثة عني ، فيناديني أخي : الحلبية حقتك جات. فتسحبني من يدي لأجلس قربها في مطبخ منزل شقيقها المهندس بورشة المرمة. أرملة ، لا تزال تجتر الحب الذي كان. قالت لي ذات مرة و هي ترتشف فنجانا من القهوة ، و تقرصني في أذني : أوعك تحب ، و لو حبيت و فشلت ما تحاول تتذكرها تاني ، سامع يا سمارة ؟ عيناها الواسعتان ، و وجهها المكتنز ، صورة لم تفارقني طوال حياتي ، و خاصة عندما أدخل معترك قصة حب صبيانية أيام المراهقة ، و التي أفرغنا أحلامها بين مشاهدة الأفلام الهندية ، و مطاردة بنات الكمبوني ، مرورا بحى ( السودنة ) و ( القيقر ) و ( شارع الرى ). فوزية ، جارتنا ، أحببناها نحن الثلاثة ، أنا و إثنين من أصدقائي ، كان كل واحد منا يحكي قصته مع محبوبته دون أن نذكر الإسم ، و دون أن ندري أن فوزية كانت بطلة كل قصصنا. كانت تملك مقدرة عجيبة على أن تجعل كل واحد منا يحس بأنه ( الأوحد ) الذي يتربع على عرش قلبها. كتبت فيها شعرا ، و أهديته لها مكتوبا على ورقة ضمختها بعطر( سوار دي باريس ) بعد أن سرقت زجاجتهامن غرفة أمي. قالت لي ممازحة : وديها للعطبراوي يغنيها. أصابتني بالإحباط. سمعت من زميلاتها أنها قرأتها لهن و نسبتها لنفسها. إذن تعليقها لم يكن جادا ، شعرت بالفخر . لا أدري من أين عرفتْ ( أم سوسن ) بقصتي مع فوزية ، نادتني ، فدخلت حيث تجلس في المطبخ ، نظرتْ إلي مطولا ، ثم قالت و هي تنفث دخان سيجارتها في وجهي : البت دي أبعد منها ، حتعذبك لو إتعلقت بيها. مرت السنوات ،، و الأحداث ،، و إنتقلنا من عطبرة إلى الخرطوم. ثم إبتلعتنا الغربة في جوفها. و خيال فوزية ،، يزورني من فترة لأخرى. باريس كانت المحطة الثانية بعد الرياض في محطات الغربة الكثيرة. أتسكع على رصيف جادة فوش الراقية. سمعت صوتا يناديني : يا أخ إلتفت ، فوجدت شابا سودانيا أنيقا بلحية قصيرة مقصوصة بعناية ، هندامه يدل على أنه ميسور الحال. تقدمت و سلمت عليه . صافحني بحرارة . تفوح منه رائحة عطر من نوع راق و غال. يعمل في تجارة الجلود . أصر على دعوتي في شقته التي يملكها في هذا الحى الأنيق. ما أن تدخل الشقة ، حتى تحس أنك في بيت بالسودان. الجدران مزينة بالبروش المزركشة ، و الأطباق . ( البنابر ) الأنيقة المنسوجة بخيوط النايلون موزعة بطريقة توحي بأن ست الدار لها لمسة فنان. ( الكليم ) المصنوع يدويا مفروش على أرضية الشقة ، صور ضخمة عن السودان تزين الجدران ، عدة أنواع من ( السبح حتى اللالوب ) تتدلى بجانب الصور . البيت يعبق برائحة الصندل ، و بقايا عطر ( الخُمرة ) لا يزال يراوح يده التي صافحني بها. غاب قليلا ثم عاد ( بصينية الشاى المنعنع ) ، و أطباق صغيرة أنيقة تحتوي على البسكويت و الغُريبة و الكعك ، ما أن تذوقت جزءا من الغُريبة ، حتى خيل إلى أنني أشم رائحة (الحلو مر) تعبق الجو عندما يقترب حلول شهر رمضان ، و دغدغتْ كياني ذكرى العيد في عطبرة و نحن نحشو جيوبنا بالحلويات و الكعك عندما نذهب للمعايدة و ننتظر في إلحاح ( العيدية ). إزدحمتْ ذكريات كثيرة و حديث مضيفي لا ينقطع . شعرت معه بإلفة و دفء( الترحاب ) الصادق. دخلت زوجته و تحيتها تسبقها ، وقفت لأصافحها ، أبقتْ يدي في يديها لبرهة حسبتها ساعات ، أحدق فيها و هي تنظر إلى في دهشة. كانت فوزية بلحمها و دمها. كم هو صغير هذا الكون ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، لم أسمع ماذا يقول زوجها ، و لكن لا بد أنه كان يعرِفني عليها. نظرت إلى فوزية ،، كانت أجمل من ذي قبل ، غير أن وزنها قد زاد عما كانت عليه. لم أجرؤ على النظر إليها ثانية ، و لكنني كنت أحس بنظراتها تلسع جانب وجهي. لم تتحدث كثيرا ،، غير أنها رحبت بي في دارها بصوت خفيض. أنظر إلى زوجها ، و هو يتكلم ، و أنا لا أفهم كلمة واحدة مما يقول ، فقد كان شريط أيامنا الخوالي يمر أمامي ،،،، يوم أن دعوتها للسينما هي و شقيقها الصغير ،، عندماحاولت أن أتجرأ و ألمس يدها ، فسحبتها و هي ترمقني بنظرة تحذير ،، و ليلة عرس شقيقتها حيث تشاجرت ،، بدافع الغيرة ، مع قريبها ( المدلل ) الآتي من الخرطوم و هو يلازمها كظلها ،،، و يوم ودعتها و نحن ننتقل من عطبرة إلى الخرطوم ،، فقد سمحتْ لي لأول مرة أن أضع يدها الصغيرة بين يدي و أنا أحاول أن أقلد الممثل عماد حمدي في إحدى أفلامه الرومانسية ،، و آخر كلماتها بأنها لن تنساني طوال حياتها .... كل هذا مر أمام عيني ،، و زوجها يواصل حفاوته بي و سعادته لرؤية سوداني في هذه المنطقة. وقفت مستأذنا ،، أصر الزوج على أن أحضر للعشاء. وعدته بالحضور و أنا أضمر غير ذلك ،، فقد كانت رؤية فوزية ،، كنافذه مشرعة تنطلق عبرها ريح مزمجرة تعصف بي و منذرة بإجتياحي . طفا خيال ( أم سوسن ) فجأة على سطح ذاكرتي و أنا أسرع الخطى دونما هدف ، إسترجعتُ كلامها ونصيحتها. هزني شوق جارف لها و لجلوسي معها و لثرثرتها و لأيام الصبا. وطفرتْ دمعة عجلى مسحتها قبل أن تنزلق
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوية في استراليا) | علي عبدالوهاب عثمان | 05-28-21, 04:10 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-28-21, 04:12 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | زهير عثمان حمد | 05-28-21, 04:57 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-28-21, 05:00 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | بسمات الشيخ | 05-28-21, 07:09 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-28-21, 07:17 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-28-21, 07:24 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | يحي قباني | 05-28-21, 07:26 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-28-21, 07:54 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علاء سيداحمد | 05-28-21, 11:00 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | بسمات الشيخ | 05-29-21, 03:13 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-30-21, 07:32 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-30-21, 07:36 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | ترهاقا | 05-30-21, 07:58 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-30-21, 08:11 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | ترهاقا | 05-30-21, 08:21 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-30-21, 07:00 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | Khalid Abbas | 05-30-21, 08:18 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-30-21, 08:27 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | بسمات الشيخ | 05-30-21, 02:18 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | بسمات الشيخ | 05-30-21, 04:51 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-30-21, 07:02 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | بسمات الشيخ | 05-30-21, 08:28 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-30-21, 09:47 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | Abureesh | 05-30-21, 10:18 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | بسمات الشيخ | 05-31-21, 02:37 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | Ahmed Yassin | 05-31-21, 03:36 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | معاوية المدير | 05-31-21, 08:23 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | معاوية المدير | 05-31-21, 08:25 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-31-21, 08:35 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-31-21, 08:34 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-31-21, 08:32 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-31-21, 08:44 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | HAIDER ALZAIN | 05-31-21, 01:05 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-31-21, 01:57 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | ابو جهينة | 05-31-21, 01:08 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-31-21, 02:02 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | ابو جهينة | 05-31-21, 09:25 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 05-31-21, 09:52 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | عبدالله عثمان | 06-01-21, 08:25 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 06-01-21, 09:05 PM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | حيدر حسن ميرغني | 06-02-21, 06:18 AM |
Re: أقباط عطبرة ذكريات لا تموت (خواطر عطبراوي� | علي عبدالوهاب عثمان | 06-02-21, 10:03 PM |
اقباط عطبرة ذكريات لا تنسى | Amir Ibrahim | 06-02-21, 03:14 PM |
Re: اقباط عطبرة ذكريات لا تنسى | علي عبدالوهاب عثمان | 06-02-21, 10:09 PM |
Re: اقباط عطبرة ذكريات لا تنسى | علي عبدالوهاب عثمان | 06-03-21, 07:01 PM |
|
|
|