الوغد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-21-2024, 09:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-17-2021, 08:23 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوغد (Re: عبد الحميد البرنس)

    بالعودة إلى مداخلة العزيز عثمان موسى الأخيرة، أفادتني السينما كسارد حد أن أكون ممتناً لها على مستويات حاسمة، مثل تفتيت الزمن ومن ثم المزج بين الأزمنة في سياق روائي ما، مما يعطي الانطباع (على الأقل نظريا) بثراء وتعقد واتساع التجربة الإنسانية. وإذا أشرت في سياق سايق، إلى تجربتي أخيراً على وجه الخصوص مع أفلام الغرب الأمريكي، فهذا جزء من طريقتي في الحياة، وقد لاحظت زوجتي إلهام أنّه يأتي عليّ وقت أكون فيه منشغلاُ بشيء واحد بكلياتي، ثم لا أعد الأغلب إليه. أنت تبحث أحياناً عن جوهر تجربة إنسانية ما وتسعى جاهداً كي تلتهم عصارتها، وهذا لا يتأتى في زعمي سوى بالتكرار والنظر عبر مختلف الزوايا إلى هذه التجربة أو تلك.

    ....
    .........

    كانت تشير إلى حوالي الثانية من بعد منتصف ظهر يوم خريفيّ لا شيء يميزه، حين رنَّ جرس الهاتف الأرضيّ، في شقتي.
    ظننت أن المتصل أحد أولئك المنفيين العاطلين الأغلب عن عمل، سوى معالجة الشوق والحنين بالأُنس والقيام بأشياء أخرى كما النميمة، أو حتى البوح وتفريغ ما تراكم مع مرور السنوات من أسى شالّ. إذا بصوت أماندا ماران بون الأليف ذاك نفسه يتناهى، كذلك على غير توقع، بعد مرور فترة طويلة أخرى ممتدة من الغياب؛ ما إن رفعتُ سماعة الهاتف، قائلاً:
    "آلو"؟
    كنت لا أزال حانقاً عليها، بسبب تلك المواقف "المتكررة".
    آخر مرة، غيَّرتُ فيها جلدي. صرت طواعية إلى ما أرادت هي لي أن أكون. كنت آكل أكلها. أتنفس هواءها. أشتم بأنفها. لم أكن أتورع تلك الأيام إذا أرادتْ هي حتى عن!
    تخلّصتُ في إحدى تلك المرات إلى الأبد من زيّ صحفيٍّ محترم بمقاييس القاهرة، إلى أن غدوت بين ليلة وضحاها مسخاً، موضوعاً للتندر في مجالس أولئك المنفيين على مقاهي بورتيج بليس. قالوا: "أصابَ جنونُ المراهقة حامد عثمان".
    لم يشفع لي عندها كل ما قد تقدم. كذلك، رفعتُ السماعة وكان صوتها ذاك آخر ما كنت أتوقع سماعه واليأس أخذ يترسخ منذ مدة. قلت بفتور:
    "مرحبا".
    لم يكن ذلك صوتها المعتاد.
    كان صوتها الآخر المُذيب لبأسِ الحديد نفسه. خفق قلبي. قالت إنها تريد أن تراني "الآن الآن". وبغتة: "ألا تفتقدني يا وليم"؟ أخذتْ حصوني سريعاً في التصدع. كمن يتأهب لملاقاة إهانة أخرى، قلت: "بلى، أفتقدك، يا أماندا". قالت بحنان غريب "ما مقدار هذا الفقد"؟
    وجدتُّني كالمنوَّم، أقول: "كثيراً". قالت كما لو أن الله استجاب لدعاء قديم: "سأحضر إذن في الحال، أحبك. يا إلهي كم أحبك"!
    كانت تلك هي المرة الأولى التي أسمع منها تلك الكلمة منذ أن غزت وحدة حياتي المزمنة خلال احتفالي في ذلك المساء بعيد ميلادي الخامس والثلاثين في شقة جمال جعفر المشتركة مع الصيني: "أحبك". مع تسارع وجيب قلبي هذا، واستسلامي ذاك، آثرت أن أفر من هذا الحبّ، فقلت بصوت أوهنته فترات الصمت المتفاقمة في حياتي خلال تلك الأيام: "ولكن" قطعتْ ترددي متسائلة كمن يمسك بخيوط لعبة تمرَّس عليها طويلاً، قائلةً "ولكن.. ماذا، يا وليم"؟ قلت محتمياً بذكرى مرارة مقالبها الكثيرة التي لا تنفد: "أنا مشغول الآن، يا أماندا". أي لوعة حملها ردها "أفي الأمر فتاة أخرى"؟
    فسارعتُ بالقول:
    "أنا متعب فقط".
    وبعناد وتصميم:
    "لا. سأحضر"!!
    وكذلك، أردفتْ:
    كن في انتظاري".
    قلت: "سأنهي المكالمة، حالاً".
    وبدا صوتها أكثر حزناً ولوعةً:
    "إذن هو الوداع، وليمَ حبيبي"!!
    وافقتْ مكالمتها تلك (لا أزال أذكر ذلك بجلاء تامّ) ما بعد منتصف ظهيرة اليوم الثالث من عطلة سنوية دامت عشرة أيام. منذ اليوم الأول، أخذ البعد عن مشاقّ العمل يسمم حياتي بذكريات الماضي البعيد والقريب على حد سواء. لم يكن ثمة من معين إلى جانبي، سوى النوم لساعات قليلة، القراءة أحياناً، تجرع ما لا يحصى من أكواب القهوة السوداء المرة خلال النهار. التجرع أبداً لا يتوقف من زجاجة ويسكي ماركة "ريد ليبل"، على مدى المساء والليل وحتى الساعات الأولى من الصباح. بدأت الشقة في الأثناء في التحول شيئاً بعد شيء إلى مقلب لا يحتمل للقمامة: رائحة السجائر المحبوسة، أواني الطعام المتسخة وصلت حتى إلى داخل الحمام، بينما ظللت أطفيء أعقاب السجائر المتعاقبة على باطن حذائي البيتي السميك وأقذف بها هنا وهناك دون اكتراث. كانت قشور البصل متناثرة على أرضية الصّالة إلى جانب قشور خضروات أخرى، والملابس المؤجلة للغسيل منذ نحو ثلاثة أسابيع تلوح أينما وقع البصر. لقد بدا المشهد داخل الشقة من قبل أن يرن جرس الهاتف حاملاً صوت أماندا ذاك أشبه ما يكون بمعمل ملائم لتحضير روح شيطانٍ ما تملَّكه السأم. هكذا، عندما وطنتُ نفسي أخيراً على نسيان أماندا ماران بون، هداها الشيطان أن تعاود اتصالها بي مطالبة برؤيتي "حالاً"، في اليوم الذي وصلتُ فيه إلى نقطة اللا رغبة في كل شيء. لقد كنت باختصار ميتاً في عالم ميت.
    حين شارفت على الثامنة مساء، كانت أماندا ماران بون هاتفتني بإلحاح أكثر من تسع مرات. لم أرد على مكالمة واحدة. كنت أترك الجرس يواصل الرنين، إلى أن أسمع صوتها، بينما تترك رسائلها المتتابعة القلقة على جهاز الرد الآلي. كنت أدرك قلة حيلتي وضعفي وهواني المقيم حيال صوتها. كانت تقول عند بداية كل رسالة، متسائلة بنبرة يشوبها شيء من خذلان لا مبرر له: "أعلم أنك هناك، أجبني؟ لن أيأس. ألا ترغب فيَّ؟ أنا أماندا"! بعد التاسعة، أخذتْ تهب رياح عاتية. كما لو أن السماء غاضبة. كان البرق يومض. المطر يتساقط بغزارة، يتوقف فجأة. لم ينفك الندم يعاودني كلما توقف الرنين. لكنَّ المحظور وقع بالضبط في حوالي التاسعة والنصف. كانت طرقات أماندا ماران بون على باب الشقة تحمل في تتابعها الحاد تصميماً غريباً. لا مفر إذن من فتح الباب. بدت مبتلة. في يدها لاحت حقيبة ملابس صغيرة. هناك من داخل عينيها أخذ يومض لدهشتي حبّ أموميّ غامض أقرب إلى حنان لا يتناسب أبداً ورعشة متصلة ظلت تصدر لقرنٍ ربما من بين شفتيها المكتنزتين. لقد بدت في هيئتها العامة تلك أشبه بقارب إنقاذ صغير في يوم عاصف.






                  

العنوان الكاتب Date
الوغد عبد الحميد البرنس04-06-21, 10:19 AM
  Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-06-21, 10:22 AM
    Re: الوغد ابو جهينة04-07-21, 11:46 AM
      Re: الوغد Osman Musa04-07-21, 12:28 PM
      Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-07-21, 08:01 PM
        Re: الوغد elsharief04-08-21, 01:37 AM
          Re: الوغد خضر الطيب04-08-21, 01:50 AM
            Re: الوغد osama elkhawad04-08-21, 05:04 AM
              Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-08-21, 10:52 AM
              Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-09-21, 07:09 PM
  Re: الوغد أبوذر بابكر04-08-21, 11:39 AM
    Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-08-21, 06:28 PM
    Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-10-21, 11:04 AM
      Re: الوغد Ahmed Yassin04-10-21, 11:15 AM
        Re: الوغد خضر الطيب04-10-21, 02:35 PM
          Re: الوغد Ahmed Yassin04-10-21, 03:34 PM
            Re: الوغد صديق مهدى على04-10-21, 05:21 PM
              Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-10-21, 08:15 PM
                Re: الوغد osama elkhawad04-11-21, 04:23 AM
                  Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-11-21, 05:04 PM
                    Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-12-21, 07:56 PM
                      Re: الوغد osama elkhawad04-12-21, 11:45 PM
                        Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-13-21, 08:08 PM
                          Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-14-21, 07:52 PM
                            Re: الوغد Osman Musa04-15-21, 07:42 PM
                              Re: الوغد ابو جهينة04-15-21, 09:41 PM
                              Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-16-21, 01:27 AM
                                Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-16-21, 07:51 PM
                                  Re: الوغد عبد الحميد البرنس04-17-21, 08:23 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de