عوموا الجنيه وأغرقوا المغتربين! محمد التجاني عمر قش في خطوة جريئة أقدمت حكومة الدكتور عبد الله حمدوك على تعويم الجنيه السوداني، بحجة محاربة المضاربات في العملة السودانية، وكبح جماح تجار العملة، بتوحيد سعر الصرف؛ حتى يتحسن وضع الجنيه مقابل العملات الأجنبية، حسب قول المختصين في الشؤون المالية! ولكن العالمين ببواطن الأمور يجزمون بأن ذلك الإجراء هو ضمن مطالب البنك الدولي والمؤسسات المالية العالمية؛ خاصة تلك التي لديها ديون بمبالغ طائلة على حكومة السودان. وأياً كان مبرر تعويم الجنيه فقد استجابت مجموعات مقدرة من المغتربين لنداء الوطن وطفقت تحول ما لديها من أموال عبر المصارف السودانية حتى بلغ معدل التحويلات ما يقارب ستمائة ألف دولار أمريكي في اليوم الواحد. وهذا لعمري مبلغ معتبر من شأنه تحسين الموفق فيما يتعلق بالتدفقات النقدية بالعملات الحرة وبالتالي تستطيع الدولة والمصارف توفير الحد الأدنى المطلوب من النقد الأجنبي، ومن ثم تحريك عجلة الاقتصاد إلى الأمام. ومع إن الوقت لا يزال مبكراً للحكم على هذه التجربة إلا أن ما رشح من فيديوهات تصور حال الناس داخل المصارف السودانية يجعل الإنسان يشعر بالأسى والحزن على هذا البلد الذي ابتلي بجهاز مصرفي مترهل لا يهمه إلا مسمى الوظيفة دون مراعاة لظروف الناس وأصحاب الحاجات الذين لا يطلبون سوى قيمة أموالهم التي أودعوها أو حولوها عبر النظام المصرفي ظناً منهم أن تلك التضحية سوف تحفز القائمين على أمر المصارف حتى يقابلوا حسن النية والحرص على مصلحة الوطن بمزيد من حسن الاستقبال وتذليل الصعاب للمراجعين بحيث يعكسوا انطباعاً جيداً لغيرهم؛ حتى تتغير تلك الصورة النمطية القاتمة ويستمر الناس؛ خاصة قطاع المغتربين، في التحويل عبر النظام المصرفي، وبالتالي تتلاشى ظاهرة الاتجار بالعملة، ويستقر الاقتصاد السوداني ويشعر المواطن بالتغيير الذي يتحدث عنه المسؤولون. ولكن يبدو أن الشعب السوداني يجب عليه الانتظار سنين عدداً، حتى يهيئ الله لهذه الأمة المغلوبة على أمرها كوادر مؤهلة ومدربة من الموظفين والمصرفيين تستطيع التعامل مع المواطن بما يستحق من تقدير واحترام لوقته وحقوقه. ومن المعلوم أن المغترب قد ظل هو البقرة الحلوب، عبر كل الحقب الماضية التي مر بها السودان، منذ أيام جعفر نميري ومروراً بالديمقراطية الثالثة ثم الإنقاذ ومن بعدها حكومة قحت التي وعدت الشعب السوداني بتحقيق الحرية والسلام والعدالة. وثمة سؤال يطرح نفسه هنا: هل العدالة، التي بشرت بها حكومة قحت، تشمل المغتربين أم أنها مقصورة على غيرهم فقط؟ وإذا اكانت الإجابة بنعم، فلماذا لم تفي الحكومة بما قدمت للمغتربين من حوافز، عبر جهاز شؤون العاملين بالخارج، الذي تحدث أمينه العام عن حوافز مغرية للمغربين إن هم حولوا مبالغ معينة عبر المصارف السودانية؟ فقد تحدث بعض المغتربين عما فرض عليهم من مبالغ باهظة من أجل ترخيص سيارتهم التي دخلت السودان بإفراج مؤقت، وعندما راجعوا سلطات الجمارك لتسديد الرسوم فوجئوا بأن عليهم سداد مبالغ كبيرة لإحدى الشركات التابعة لجهاز المغتربين! ألا يكفي أن المغترب الآن يدفع ضرائب مباشرة وغير مباشرة تتمثل في القيمة المضافة، ورسوم تجديد الإقامة ورخصة العمل، في بعض دول المهجر، ويدفع ضريبة تحت مسمى المقابل المالي لإقامة الأسرة، ويدفع ضرائب لحكومة السودان، ويلتزم بإعالة عدد من الأشخاص إن لم نقل أسر من ذويه وأقاربه في السودان، ويدفع مقابل تعليم أطفاله سواء في المهجر أو في داخل الوطن، فماذا تبقى لهذا المغترب؟ وبغض النظر عما ذكر إلا أن معشر المغتربين ما زال يحلم بالعودة إلى أحضان الوطن، ويجد العيش الكريم والرعاية الصحية له ولأسرته، والتعليم المجاني لأطفاله، إلا أن هذا الحلم يبدو بعيد المنال، في الوقت الراهن والمستقبل القريب! وقد بات من المؤكد ألا أحد من أبناء المغتربين سيجد فرصة للالتحاق بالجامعات السودانية حسبما شهدنا من تخبط وإجحاف في قبول الطلاب في الجامعات هذه السنة. وهذا يعني ببساطة أن المغترب، سواء أن حوّل أمواله عبر المصارف أو لم يفعل، فإن الأمر سيان؛ ولذلك على المغترب البقاء حيث هو في دول المهجر؛ لأن الوطن لم يعد يرقب فيه إلا ولا ذمة! إن المبالغ التي دخلت المصارف السودانية بطريقة نظامية خلال الأيام القليلة الماضية كافية لرفع المعاناة عن كاهل الناس، لكن يبدو أن حكومة السيد حمدوك غير مشغولة أو مهتمة بهذا الملف الحيوي، بل كل ما يهمهم هو إيجاد وظائف دستورية لمحاسيبهم، وتدويرهم في المراكز السيادية المرموقة؛ لأنهم لا يستطيعون العيش بمقدراتهم العادية كغيرهم من أبناء الشعب السوداني الكادح، الذي يكابد الأمرين من أجل الحصول على الخبز والغاز والدواء، وقد أضيف إلى ذلك عبئ آخر هو الصرف على التعليم العام والجامعي الذي اعتمدته الدولة كأحد مصادر الدخل المستدامة، وليس كما كان سابقاً كخدمة وحق مكتسب للمواطن ! إن المغترب لا مانع لديه من تحويل مدخراته عبر النظام المصرفي لكن في المقابل يتوقع رفع الظلم وإعطاء الحقوق، والتعامل معه بقدر من الصدق والشفافية والعدالة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة