|
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا (Re: عبدالله عثمان)
|
في رثاء الفقيد محمود محمد الجاك: غادرنا الأخ الحبيب والصديق الغالي، محمود محمد الجاك، الى عالم البقاء والى الرفيق الأعلى... وبرحيله، فقدت الهلالية، إبنا بارا، نادر المثال، وفقدت أنا بعضا من نفسي.... حظيت بمقابلة محمودا أول مرة في عام ٩٣، في إحدى الكورسات الصيفية التي كانت تقام آنذاك في المدرسة الغربية، لكني كنت دائما ما أسمع، قبلها، عن ذلك الطالب المتفوق الخلوق في مدرسة الشرقية ٢ (السلام حاليا) التي كانت تجاور وتنافس مدرستي، الشرقية ٣، والتي سميت في وقت لاحق بمصعب بن عمير. وجدت محمودا كما كان يوصف لي من قبل أترابه، ذكيا، نابها، ووجدته أيضا على خلق عظيم وسريرة نقية. ومنذ ذلك الحين، ربطتني به أخوة وصداقة لم يغيرها مرور الأيام ولا تتابع السنين. كان محمود صبيا وقاد الذكاء، محبا للعلم وللتعليم. كان أكثرنا موهبة وفطنة، كما كان ممن جبلوا على محبة الخير ومساعدة الغير. كنت أزوره في بيته في الفرحاب، في تلك الأيام، في التسعينيات، ونحن ما نزال صبية، وأذهل من عدد الطلبة والطالبات، اللذين كان محمود يشرح لهم على سبورته المنزلية بدون كلل أو ملل، في ذلك البيت الذي لم يكن بابه يحتاج الى طرق، فهو مفتوح دوما للضيوف وللجيران. ومن يتأمل تلك السبورة التي كان محمود، الصبي وقتها، يزينها بخطه الجميل وبعلمه النافع، ما كان ليشك للحظة أن من يقوم عليها معلم متمرس، لكن تلك هي الموهبة والفضل الذي يهبه الله لمن يشاء. عرفت محمودا على مدى سبعة وعشرون عاما، وأقول صادقا، إنني لم أسمع منه قط، في جماعة او على إنفراد، لفظا واحدا خارجا عن حدود الأدب. كان تقيا نقيا مؤدبا ومهذبا. شب بدون صبوة، وحفظه الله من كل جهالة. تفرقت بنا السبل في خواتيم التسعينيات، ومطلع الألفية، إذ ذهب محمود الى جامعة السودان لدراسة الهندسة، بينما سرت أنا في طريق آخر، لكني لم أكن أضيع فرصة زيارة الى الهلالية الا إغتنمتها لزيارة محمود في ذلك البيت الطيب. كنا نتآنس ونتذاكر من العصر الى ان يحين وقت النوم. وكانت تلك الزيارات، على قلتها، مما كنت أتشوق له، وأنا أركب الحافلة قاصدا الهلالية. إتصل بي محمود قبل سبعة سنوات لكي يخبرني بقرب قدومه الى أمريكا. سررت بذلك غاية السرور وكنت على يقين بأنه سوف يجد في هذه البلاد سبيلا ميسرا الى مواصلة دراسته وإستثمار موهبته النادرة. لكن، كما هو الحال مع المهاجرين الجدد، لا بد في الأول من التعرض للسع نحل البحث عن مصدر للدخل من أجل سد الإحتياجات التي لا تتحمل التأخير، لذا بحث محمود عن عمل يبدأ به حياته في هذه البلاد البعيدة، ووفق في ذلك. كان شرط محمود الوحيد في كل وظيفة تعرض عليه، أن تكون خالية من ما هو محرم، إذ لم يكن محمود ممن يفرط أو يبيع بعض دينه بلعاعة من الدنيا. ولقد أكرمه الله بالكسب الحلال الطيب، الذي أعان به نفسه وأهله وآخرون. كان يحدثني بسعادة جمة عن توفيقه في إرسال والديه الى حج بيت الله، وعن سروره بأهله وولده وأصهاره الكرام، وكنت سعيدا بسعادته وما أزال. كان يحلم أيضا أن يتفرغ عما قريب لكي يتعمق في مجال المنطق الضبابي (fuzzy logic)، الذي كان شغوفا به من أيام دراسة الهندسة، لكن أقدار الله الحكيم، أرادت أمرا آخر. محمود لم يكن شخصا عاديا. بل كان نموذجا فريدا لحب العلم والخير. وأنا على يقين إنه نفع بعلمه الآلاف من أبناء وبنات الهلالية في بيته، وفي الكورسات الصيفية، وفي المدارس التي كان يتطوع للعمل فيها. لم يكن يبحث عن كسب مادي ولا غيره، بل كان محبا للعلم ولنشره، ومحبا لمساعدة الآخرين بما وهبه الله له. لذا أرى أنه لا يصح أن نترك إسمه وذكراه عرضة للنسيان، وأنا أقترح من مكاني هذا أن تستحدث مدرستا السلام والمرين جائزة سنوية، بإسم محمود محمد الجاك، للطلاب المتميزين في كل فصل، ممن يجمعون بين التميز الأكاديمي والسلوك الحسن، وأنا كفيل بتجميع التمويل اللازم لذلك. إذ أن ذكرى محمود ينبغي أن تظل خالدة في مجال التعليم في الهلالية الى ما شاء الله، وهذا قليل في حق ما قدمه فقيدنا الغالي. رحمك الله يا أخي الحبيب وجعل الجنة مثواك. بكيتك وبكاك معي كل من عرفك، إذ أن فقدك ليس بفقد واحد "ولكنه بنيان قوم، تصدعا". اللهم أكرم نزل محمود عندك في عليين، وأربط على قلب أهله ومحبيه، وأجمعنا به في جنات النعيم، بفضلك وكرمك. اللهم إنا نشهد أن محمودا كان محبا للخير وحاثا عليه، اللهم تقبل منه ما قدم وضاعفه له أضعافا لا يحصيها عد، وأنت الكريم المنان. اللهم تجاوز عنه وأعفو وأغفر له وأفرغ على أهله صبرا. اللهم إني أشهدك أنه كان يتدبر قولك "يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا" وكان يرجو لقاءك متشوقا وطامعا في لذة النظر الى وجهك الكريم. اللهم إعطه سؤله وأكرمه بما كان يرجو، وزيادة، وأنت المعطي بغير حساب. اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا من بعده، وأجمعنا معه ومع رسولك الكريم عند الحوض في يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتاك بقلب سليم. آمييين. آمييين. د. صديق عمر الصديق عبد الله Xavier University of Louisiana
|
|
![URL](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![Edit](https://sudaneseonline.com/db/icon_edit.gif)
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد الجاك الى الرحاب العلية | عبدالله عثمان | 02-14-21, 07:32 PM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | عبدالله عثمان | 02-14-21, 07:36 PM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | Biraima M Adam | 02-14-21, 08:14 PM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | muntasir | 02-14-21, 08:25 PM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | Mohamed Doudi | 02-14-21, 08:30 PM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | Yasir Elsharif | 02-14-21, 09:38 PM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | Omer Abdalla Omer | 02-14-21, 10:13 PM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | عبدالله عثمان | 02-15-21, 03:43 AM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | محمد الزبير محمود | 02-15-21, 06:01 AM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | عبدالله عثمان | 02-15-21, 12:19 PM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | عبدالله عثمان | 02-18-21, 04:42 PM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | احمد حمودى | 02-18-21, 05:27 PM |
Re: أحزان الجمهوريين: رحيل الأبن محمود محمد ا | عبدالله عثمان | 02-27-21, 04:37 PM |
|
|
|