|
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار (Re: mustafa bashar)
|
دائرتان مضيئتان. صار شكلها إسطواني، بسبب تلاحم دائرتي الفضاء والأرض. أحصنة ومعممون. وأنا على سرير جدي. تنساب أنساق دون تدخل شفاهي مني. ذاكرتي ترتبط بهالةٍ واسعةٍ من نور. فلنقل كل ذلك ممكناً. أحصنةٌ مجنحةٌ في سماءِ، ومُعممون بجلبابات بيضاء على أرض. أين أنا؟ صحيح أنهم جعلوني مركز الدائرة التي على الأرض، وعلى نسقها استدارت الدائرة التي في الفضاء. ما مغزى كل ذلك؟ ما شأن جدي بي؟ فهو اختفى من حياتي بعد أن حمل بندقيته ال(رومنجتون)، وامتطى حِصانه. الموت سُنة الحياة وفرضها. جدي أنجّب والدتي، وأخيها حامد الدخري، وأتيت أنا من صُلب أمِي، وغداً يأتي من طرفِي، ما يشير إلى هذا الجد. لا أعتقد أن ذلك يحتاج كل هذا القلق! جمهرة أحصنة في فضاء، أُناس تركوا أعمالهم، وداروا حولي، وحول سرير جدتي وجدي. سعال خافت. حمحمة فرس. صهيل خيول. تصادم حبات مسبحة في أنامل جافة وصلبة. ضربات حوافر على أرض صخرية. نشوة وألم. استغراق في تفاصيل مكان سحيق. بدرة (تالك) منثورة في فراغ. مفاتيح مرمزة ببصّمة صّوت. كلمةٌ تُنّطّق فتتحرك الأرض. تفّتح باباً على جانب الصخر. لغة دخيلة على دماغ. نسقٌ يعبيء وجداني دون تعب. أُحاور من حولي دون مشقة. كأني ألمسهم في قلوبهم، أو أناغي حدسهم. حالة موغلة في نسيان قديم. إيقاع متباعد ومتناوم، إذا أرخيت أُذنيك أدركته، وإذا تناسيته نسيته أذنك، كأنه موجود وغير موجود في آن. هل أذهب مع هذه الهالة؟ أترك زخماً هنا. شائهاً من فرط أكذوبة حياة عشتها، كان الكذب وحده، يسيطر على الأفئدة. يجسد واقعاً. أغادر عالماً مراوغاً ومغفلاً. انكشف وجه آخر من حياة أخرى. حياة هانئة. أجسام نورانية باذخة. تتحرك في جلال، بلا جلبة أو ضوضاء. ابتسامة غطت على حقول كامنة في الأنحاء. نظرة عالقة في شعور. سّمت ماحق للشرور. دثار ناعم، كينونة تنأى، ويرجعها مدار. وأنا بين حالتين كنتهما. روح واحدة وجسد مُسجّى على سرير. داخل أحُجية خالصة مُغلقة بوعيدٍ. ثأر قديم. رمح لاهب. أقواس مكسورة. هزائم لمعارك ما قبل التاريخ. وجوه فضية وخيول من نحاس. دروع صدئة وجروح ناتئة. جو من وعيد. رعب ورهبة، أوجف منه خيفة. أنسّل منه كشعرة. أمحّق حزنه بلمسة. أمّل ورغبة. لحظة مغلقة على نفسها. على سماء من حديد. أظنه إعلان لبداية حدث جديد، أو نهاية موسم سابق لأوانه. عدوى من التبريح. وسط دائرة صنعتها ظروف خارج إطار وعيي ومعرفتي. تسيّدت مجالاً. وحدهم جاءوُني دونما استئذان، ألبسوني زينة ما طلبتها. كسوني حِلّية ما تمنيتها. رصعوا دخيلتي بقلائد من نور. لم يسعفني لنيل هذه اللحظة إلاّ وضوئي. لقد وجدوني مستلقٍ على سجادة سّعف. ومنها ولجت لعالم أو أولجوني له، دون موافقة مني. لا أعرف هل من مصلحتي إني هنا، على سرير جدتي؟ أخشى أن تراني والدتي على هذا النحو، فتوسعني ضرباً. أمي القيّمة على حاجيات جدتي المتوفاة. خالي حامد يجهز حقيبة عرس، ليبتني بأرملة ضابط توفى في الحرب. (فضلو باقي) لم يرعوِ، ما زال يلاعب نهلة. رجل أقرب للموت منه للحياة، ما زالت في جعبته بقية من مراهقة. سعيد المسنوح لن يبتسم له الحظ مطلقاً. سالم عامل المحطة في كأس أخيرة. محجوب الكفيف على حاله. العمدة لم يعد بعد للقرية. قالوا إنه اقتفى أثر حامد الدخري. زهرة برهوم صديقة جدتي، تُوقِد فحماً نباتياً، تُطلق بخوراً عدنياً، تمضغ علكتها، تتزلف لفضلو باقي. تنفخ بالونة أمام وجهها. سلمى عوده، ما زالت في اغترابها داخل وطن عميق. ما زالت تنفح الشحاذ ألفان من الجنيهات، وتستغرب من مجموعة أيدي داخل قصعة طعام! كلهم جاءوني لحظة واحدة. لفح بخور. حاصروني. لا أدري تحت سرير أمي أم فوق سرير جدتي. طاقة انفتحت على سماء رمادية. دخان ضبابي. أوعية تنصّب على شهقة روح. ملّمس جسّد مُدملّج في دِهن عُود. أغطي على نافذة جرح، فيشهق جرح جديد. أحاول أن أحافظ على حالة توق. اشتهاء غير عادي. لوعكة في سرير. لورطة عيب أمام أخ كبير. نور وخّط جبين ليلتي. وهج من حرير. أكتب لهم فلا يفهموني. أغمز عيني، لا أحد يلقي بالاً عليَّ. أمدّ يدي. أسحب ذاكرتي للوراء، أمسح جمجمتي. الحال كما هو. لا أعرف هل كنت راضٍ عن نفسي، أم أنه تم إقحامي في موضوع لا يخصني. صداع ينعقد فوق عينيَّ. بين حاجبيَّ. يروح ويجيء. أضغط جبهتي بإبهامي. أنقلب على جانبي الأيسر. أعود لوضعي الأول. وفجأءة هبطت في أرض فلاة، حينها سمعت أذان الصبح. يدي اليمنى، تقبض على كرات صغيرة متصلة مع بعضها. مسبحة جدي في يدي. كهرمانته؟ أحس بألم يقبض على معصم يسراي. رسغي ألمني ثم زال ألمه. حدوة علقت بيسراي كالسوار. مسبحة وحدوة؟ صحوت على مسبحة جدي، تجري حباتها بين أصابع يدي اليمنى، وحدوة حصانه سواراً على يدي اليسرى. عالم مجنون. كيف اتفق جدي وحصانه، وأورثوني آثارهما؟ بدأت أتفقد نفسي وجسدي. ترك جدي مسبحته الكهرمان، على يدي. هل كان ذلك احتفالاً، لتسليم وتسلم؟ أدواراً كان يشغلها جدي في حياته السابقة. إذا كان الأمر كذلك فبالتأكيد، فإنه أورثني بندقيته العتيقة ال(رومنجتون)، وكذلك ثعبانه الكوبرا الذي يحّرس الزّرع، ويتكّور أمام أكوام الذرة حتى يحين حصادها. قلت ربما أختارني الجّد بالتحديد لأداء مُهِّمة محددة. لماذا كل هذه المخاطرة والعودة من زمانٍ سحيق؟ لم يترك رسالة أو وصية مكتوبة، ربما كان يقصد أن أعيد الحدوة والمسبحة، لغرفة الجدة، لتتواءم مع أغراض هناك. ربما عادت إليَّ بطريقة ما. لعل جدي وحصانه داخل الغرفة. هذه الأيام ما عدت أستغرب شيئاً. كل شيء ممكن إذا أقنعنا الدماغ أن يُوسّع مواعينه قليلاً، ليستوعب ما لم يكن مخصصاً له في سابق الأزمنة. أن يرضى بما يوصفه بأنه خلل. أن لا يحكمنا بقوانينه الباتعة. حفل تنصيب، أو إجراءات تسليم وتسلّم، أخذت زمناً طويلاً. بعد صلاة العشاء وحتى أذان الصبح. يكفي أن يضع مسبحته على يدي اليمنى، وحدوة حصانه سواراً في يسراي. ساعات طويلة بقياس البشر. مليار جزء من الثانية في حسابات كون تليد.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 12-27-20, 01:03 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 12-27-20, 01:45 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 12-27-20, 04:04 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 12-28-20, 03:49 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 12-30-20, 01:01 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | Osman Musa | 12-31-20, 05:48 AM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 01-03-21, 04:56 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 01-03-21, 05:06 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 01-05-21, 09:12 AM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 01-07-21, 10:32 AM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 01-09-21, 03:30 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 01-13-21, 03:35 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 01-17-21, 11:08 AM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | النذير بيرو | 01-17-21, 12:29 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 01-19-21, 05:28 PM |
Re: رواية(عشب لخيول الجنجويد)-(2) مصطفى بشار | mustafa bashar | 01-23-21, 02:42 PM |
|
|
|