مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشباب...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 09:29 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-15-2020, 01:05 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من الطب الوقائي في السُنَّة النبوية
    الطب الوقائي في هدي النبي صلى الله عليه وسلم يتناول ما جاءت به السُنة من أمْر المسلم بعنايته بسلامة جسده، ومحافظته على البيئة التي يعيش فيها، والوقاية من انتشار الأمراض والأوبئة المُعْدِية، حرصًا منه صلوات الله وسلامه عليه، ليس على سلامة صحة المسلم والمجتمع الإسلامي فحسب، ولكن على عموم البشرية كلها، فإن الأمراض المعدية إذا انتشرت في مجتمع فإنها لا تخصُّ أتباع دين دون دين، ولا تختار إنساناً دون إنسان، ولكنها تؤثر على حياة الناس في المجتمعات كلها، والله عز وجل قال عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107).

    والطب الوقائي في المنهج النبوي يقوم على الوقاية من الأمراض قبل وقوعها، والعلاج منها بعد وقوعها، أما قبل وقوعها، فيكون بالطهارة والنظافة، والمحافظة على البيئة، والطعام والشراب الصحي.. وأما بعد وقوعها فيكون بالتداوي عامة، والحَجْر الصحي مع الأمراض المُعْدية خاصة.

    الوقاية قبل وقوع المرض: طهارة ونظافة البدن والفم، وسنن الفطرة:
    بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة بعيدًا عن حياة المدن والحضارات، ومع ذلك أخذ يُرشد الناس إلى أهمية النظافة والغسل، ومن أبرز مجالات الطب الوقائي في السنة النبوية الطهارة والنظافة للجسد كله، وخاصة نظافة بعض أماكن في الجسد يكثر فيها العرق والميكروبات، بل وجعل ذلك من سنن الفطرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من الفطرة (من سنن الأنبياء): الختان، والاِسْتِحْدَادُ (حَلْقِ العَانَة)، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وقص الشارب) رواه البخاري. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى المحافظة على نظافة وطهارة الفم، فقال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) رواه أحمد، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: " لقد كنا نؤمر بالسواك، حتى ظننا أن سينزل به قرآن".

    وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمان) رواه مسلم. قال ابن الجوزي: "الطهور هاهنا يراد به التطهر". وقال ابن عثيمين: "فهو يشمل الطهارة الحسية والمعنوية". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) البخاري.

    والغسل ما بين واجب ومستحب، فالغسل واجب عند الجنابة وعند الحيض وغير ذلك، ومستحب في العيدين والإحرام وغيرهما، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حدد للمسلم فترة زمنية قصوى للفارق بين الغسلين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حقٌّ على كل مسلم، أن يغتسلَ في كل سبعةِ أيامٍ يوما، يغسل فيه رأسَه وجسَدَه) رواه البخاري.

    الطعام والشراب:
    يظهر الطب النبوي الوقائي في الطعام والشراب من خلال مظاهر كثيرة منها:
    تحريم أكل بعض الحيوانات وشرب ألبانها مثل ذي الناب والمخلب، وأسلوب ذبح الحيوانات الجائز أكلها من خلال التسمية عليها، ونظافة الطعام والشراب كتغطيتهما، وآداب الطعام والشراب كالنهي عن الأكل متكئاً والشرب مِن فيّ السقاء، والحض على تناول بعض أنواع من الطعام والشراب كالتمر وزيت الزيتون، وعدم ملء البطن بالطعام والشراب، فعن المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنِه، بحسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلات يُقِمْنَ صُلبَه، فإن كان لا محالة، فثُلُثٌ لطعامِه، وثُلُثٌ لشرابه، وثُلُثٌ لنفَسِه) رواه الترمذي وصححه الألباني. قال ابن رجب: "هذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت دكاكين الصيادلة ".

    نظافة البيئة من الطب الوقائي النبوي:
    نظافة البيئة أحد أسباب المحافظة على الصحة وهي تدخل ضمن المنهج الوقائي في الطب النبوي، فلم يهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر المسلم بنظافة جسده وثيابه فقط، بل اهتم كذلك بأمره بنظافة البيئة التي حوله، والمحافظة عليها، حتى يعيش الناس في بيئة صحية خالية من الأوبئة والأمراض، ومن ثم فكل أمر يلوث البيئة من حولنا سواء كان يتعلق بالماء، أو الهواء، أو الطريق، فهو مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) رواه البخاري. وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عُرِضت عليَّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت من محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت من مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تُدْفَن) رواه البخاري.

    أما بالنسبة لتلويث الهواء ـ وتلويث البيئة بوجه عام ـ فذلك غير جائز ومنهي عنه، ويدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر، ولا ضرار) رواه البيهقي وغيره.

    التداوي بعد وقوع المرض:
    إذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم تعاليم وتوجيهات فيما يخص الوقاية من الأمراض قبل وقوعها، فإن المنهج النبوي له تعاليمه أيضًا مع الأمراض إذا وقعت، فيأمر بالتداوي والعلاج مع الأمراض عامة، وبالحجر الصحي مع الأمراض المعدية خاصة، فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: كنت عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله؛ أنتداوى؟ قال: (نعم، يا عباد الله، تداووا، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لم يضع داء إلّا وضع له دواء ـ شفاء ـ، غير داء واحد، قالوا: وما هو؟، قال: الهرم) (شدة الكبر في السن) رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.

    الحَجْر الصحي:
    أوضح مجال للطب الوقائي في الصحة العامة هو ما يُعْرَف الآن بالحَجْر الصحي عند وقوع الأوبئة، وهو أهم الوسائل للحَدِّ من انتشار الأمراض الوبائية في العصر الحاضر، وبموجبه يُمنع أي شخص من دخول المناطق التي انتشر فيها نوع من الوباء، والاختلاط بأهلها، وكذلك يمنع أهل تلك المناطق من الخروج منها.

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في عدد من الأحاديث مبادئ الحجر الصحي بأوضح بيان، فمنع الناس من الدخول إلى البلدة المصابة بالطاعون، ومنع كذلك أهل تلك البلدة من الخروج منها، بل جعل ذلك كالفرار من الزحف الذي هو من كبائر الذنوب، وجعل للصابر فيها أجر الشهيد. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ تُورِدُوا المُمْرِضَ عَلَى المُصِحِّ) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: (فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَد) رواه البخاري، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه) رواه البخاري. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف) رواه أحمد، وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال: (أَنَّه كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ) رواه البخاري .

    فائدة: المسلم يعلم أن الأخذ بالأسباب الشرعية لا ينافي التوكل على الله، فلا يترك الأسباب الشرعية فيقع في التواكل والتفريط، وكذلك لا يعتقد في الأسباب فيقع في الشرك، والأحاديث السابقة وغيرها يؤخذ منها إثبات العدوى والحجر الصحي، والأخذ بأسباب الوقاية من الأمراض، ومن المعلوم أنه قد ثبتت أحاديث في نفي العدوى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) رواه البخاري. وقد أزال العلماء هذا التعارض وجمعوا بين النصوص.

    قال النووي بعد أن نقل وجوب الجمع بين الأحاديث التي في ظاهرها تعارض: "ثم المختلف قسمان: أحدهما يمكن الجمع بينهما فيتعين ويجب العمل بالحديثين جميعا، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه، ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع، لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به .. ومثال الجمع حديث (لا عدوى) مع حديث (لا يورد ممرض على مصح)، ووجه الجمع أن الأمراض لا تعدى بطبعها، ولكن جعل الله سبحانه وتعالى مخالطتها سببا للإعداء، فنفى في الحديث الأول ما يعتقده الجاهلية من العدوى بطبعها، وأرشد في الثاني إلى مجانبة ما يحصل عنده الضرر عادة بقضاء الله وقدره وفعله". وقال الشيخ الألباني: "واعلم أنه لا تعارض بين الحديث وبين أحاديث العدوى، لأن المقصود منها إثبات العدوى، وأنها تنتقل بإذن الله تعالى من المريض إلى السليم".

    الصحة من نعم الله عز وجل العظيمة على الناس، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري. وقد احتوت كتب السُنة على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تتعلق بالأمراض وعلاجها، وكتب بعض العلماء كتباً خاصة في ذلك، فلنحرص على صحتنا البدنية والروحية بتطبيق هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حياتنا، فهديه أكمل الهدي صلوات الله وسلامه عليه.
    -----------------------------
    مفاتيح كسب القلوب
    استوقفتني قصة عامل محطة الوقود، للكاتب والمبدع. الدكتور/ خالد المنيف، وكثيرا ما يستوقفني إبداع هذا الكاتب.

    كان هناك عامل في محطة الوقود، دوما ما يثير إعجاب كل عملائه، حيث كان يتذكر اسم كل عميل ويناديه بمجرد دخوله المحطة.
    كان العديد من الناس يعتقدون أن هذا الشاب الصغير يملك ذاكرة مذهلة، ولكن ما كان يملكه هذا الشاب بالفعل هو الرغبة في خدمة العملاء، والميل إلى المبادرة.
    فعندما كان يأتي عميل جديد إلى المحطة كان العامل يسأله عن اسمه، ثم يكتب هذا الاسم على غطاء خزان البنزين في سيارته، وفي المرات التالية تصبح اللمسة الشخصية حين يتذكر العامل اسم العميل بمنتهى السهولة بمجرد فتح خزان الوقود في السيارة فقط!

    بإمكانك أيها القارئ الكريم أن تستشعر أثر ذلك الفعل البسيط، وكيف أن هذا العامل تمكن من أن يكسب ود الناس بمجرد البشاشة وتذكر الاسم، وهذا السلوك يعد ذوقا.
    والذوق كما يقول الدكتور/ خالد المنيف: " حالة من السمو والجمال يرتقي بها الإنسان صاحب الذوق إلى مرتبة عالية في سلم الإنسانية".

    وديننا الحنيف هو دين الذوق والإنسانية، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: " تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" متفق عليه.
    وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات 13).

    ومن الوسائل التي تقوي علاقة المسلم بأخيه: التبسم وطلاقة الوجه، وكما قال ابن عيينة –رحمه الله-: "البشاشة مصيدة القلوب"، وأوصى ابن عمر -رضي الله عنه- ابنه فقال: " بني إن البر شيء هين، وجه طليق وكلام لين"، فالابتسامة: عبادة وصدقة، قال عليه الصلاة والسلام: "تبسمك في وجه أخيك صدقة" (رواه الترمذي)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) رواه مسلم.

    ذلك لأن الناس بفطرتهم يميلون إلى صاحب الوجه البشوش وينفرون دائمًا من صاحب الوجه العابس، فما أهونها من عبادة، وما أجمله من أثر يترك عند من يتلقاها، تطرد وساوس الشحناء، وتغسل أدران الضغينة، وتمسح جراح القطيعة، وبها تتألف القلوب، وعن جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: «ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم، ولا رآني إلا تبسم في وجهي» رواه البخاري.

    وهناك حكمة صينية تقول: (إن الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغي له أن يفتح متجرا)، ويؤكد ذلك ما تقوم به الشركات العالمية والمتقدمة من تدريب موظفيها على التعامل مع الزبائن والعملاء، حيث تكون الابتسامة على رأس تلك التدريبات، وهم بذلك يرجون ثواب الدنيا، فكيف بمن يتخلق هذا الخلق رجاء ثواب الدنيا والآخرة!

    فلنتعلم فن الابتسامة وذوقها، ولننشر فن طلاقة الوجه بيننا وفي مجتمعاتنا، وليكن أسلوبنا مفتاحنا الذي ندخل به قلوب البشر بلا استئذان، وليكن البصمة التي تُميزنا عن غيرنا، فما أجمل أن نكون سببًا في إدخال السعادة على القلوب.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المراجع:
    - قصة من كتاب موعد مع الحياة، للدكتور/ خالد المنيف، الطبعة الثالثة، سنة 2010
    - كتاب ذوقيات لأناقة الروح والسلوك، للدكتور/ خالد المنيف، الطبعة الأولى، سنة 2015

    -----------------------------
    الشباب والقراءة.. أسباب العزوف وسبل العلاج
    في عصرنا الحديث تعددت وتنوعت وسائل اكتساب العلم والمعرفة ما بين وسائل مقروءة ومسموعة ومرئية.. ولكن مع كثرة هذه الينابيع واختلافها تبقى القراءة هي أساس العلم والمعرفة، ومفتاح الرقي والحضارة، وسبب التقدم والتطور، ولا يمكن أن تتقدم أمة أبناؤها قد هجروا القراءة ونبذوا العلم.

    ولما كان الإسلام دين العلم، والعلم ـ كما قلنا ـ أصله القراءة والكتابة، كانت أول كلمة نزل بها الوحي، ونطق بها الشرع هي الأمر بالقراءة والكتابة والتعلم {اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم}(العلق).

    فما هو حال أمة اقرأ مع القراءة؟!
    تتباين الأرقام والإحصاءات الرسمية من مراكز الأبحاث والمنظمات الدولية المعنية بهذا الموضوع، لكنها جميعا تتفق على تدني نسبة القراءة لدى الشباب العربي، فقد خلص "مؤشر القراءة العربي الصادر بالتعاون مع الأمم المتحدة" عن واقع القراءة في العالم العربي، إلى أن العربي لا يقرأ سوى عدة سويعات سنويا. ونشير إلى أن المقصود هنا القراءة غير المنهجية (غيرالدراسية).

    وكشف استطلاع للرأي أجرته "ياهو" للأبحاث، أن ربع سكان العالم العربي، نادرا ما يقرؤون كتبا، ويحتل الكتاب في غوغل المرتبة الـ153 من بين الاهتمامات العربية، وتعتبر كتب التنجيم هي ثاني أكثر الكتب قراءة في الوطن العربي.

    ووفقا لدراسات التنمية الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي في القاهرة، فإن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4 بالمئة من معدل القراءة في إنكلترا على سبيل المثال.

    وأما الفاجعة أن كل ما تطبعه دور النشر العربية مجتمعة ”سنويا” لا يعادل سوى أقل من نصف ما تطبعه إسرائيل عدونا اللدود في نفس الفترة.

    وبالطبع فإن هذه الإحصائيات المحبطة تدلنا على ما وصل إليه حال العقل العربي والشباب بصفة خاصة منهم، وهي دلالة أيضا على ما وصلت إليه الحالة الثقافية في هذه البلاد، ودلالة على ما ينتظرها في المستقبل.

    إننا نستطيع القول إن "أمة اقرأ لا تقرأ"، وأن واقع القراءة العربية ينطبق عليه وصف أزمة، وأن طائفة الشباب ـ والتي هي صلب الحاضر وأساس المستقبل ـ في عزوف كبير عن القراءة المثمرة، وأنهم قد قطعوا كل صلة بها، وحتى علاقتهم بوسائل التعليم ووسائل التواصل الجديدة لا تستغل في جوانبها الإيجابية، وإنما استهواهم جانبها الترفيهي والترويحي فقط، فبقي الشباب دون ثقافة تبني شخصيتهم، وعم الناشئة الجهل بالأشياء البديهية وأبسط المعارف الدنيوية والأخروية.
    نعم .. لا يمكننا التعميم بأن الشباب العربي لا يؤمن بجدوى القراءة، ولكن يمكننا القول أن السواد الأعظم من شبابنا لا يقرأ".

    أسباب الانصراف عن القراءة
    هناك أسباب رئيسة اجتمعت فكان من عواقبها عزوف الشباب عن القراءة، وربما عداؤهم لها، ونحن نحاول هنا معرفة بعض هذه الأسباب، ثم نحاول بعد ذلك معالجتها.. فمن أهم هذه الأسباب:
    أولا: النظام التعليمي: كما تقول "رويدة رفاعي" فإن المشكلة لدى جيل الشباب العربي تبدأ من نظام التعليم المليء بالثغرات والبعيد كل البعد عن منهج التحليل والنقد وإعمال العقل، والتشجيع على المطالعة أو رعاية أي مواهب أخرى، وغالبا ما يتخرج الطلاب بمؤهلات علمية وليس في جعبتهم سوى ما درسوه في الكتب المدرسية والجامعية، والاستثناءات قليلة جدا.
    وقد يبتعد الشباب عن القراءة نظرًا لما لاقوه من عناء ومشقة في قراءة الكتب المدرسية وغيرها؛ فإن الارتطام بصعوبة الكتب وعدم فهمها، في بداية الطلب يولد كرها للقراءة عند البعض، خصوصا وأن الكتب الدراسية المنهجية ليس فيها أي نوع من أنواع الجذب للقارئ والمتعة للمتعلم، وأكثرها حشو مع أسلوب غير مشوق إطلاقا.

    ثانيا: غياب الوعي بأهمية وضرورة القراءة وأثرها على الفرد والمجتمع: وقلة المرشدين الذين يوجهون الناشئة إلى قراءة الكتب النافعة الجيدة التي تستحق الاقتناء والقراءة، وإقرار فضيلة العلم في أبناء المجتمع، وعدم إدراك المغزى والهدف من القراءة وأنها الوسيلة المثلى لتغذية ميول الشباب وتنمية قواهم العقلية وتلبية حاجاتهم النفسية. وهذه ثقافة مجتمعية تحتاج إلى تغيير هائل في الوعي والفهم.

    ثالثا: عدم غرس هذه العادة الطيبة في نفوس الأطفال منذ الصغر حتى يشبوا عليها، فالبيت والمدرسة لم يتعاونا على خلق الميل إلى القراءة وغرس هوايتها في نفوس الأبناء قبل أن ينموها بعد ذلك في مراحلهم العلمية.

    رابعا: كثرة الملهيات وتوفرها في أيدي الشباب من نت، وأفلام، وألعاب الفديو إلخ.. وطغيان وسائل التواصل بما تبثه من مغريات وملهيات تأخذ وقت الإنسان كله، فصرت تبصر طوائف من الشباب عاكفين أمام شاشات التلفاز والفيديو والقنوات الفضائية، مضيعين الساعات الطويلة في متابعة الأفلام والبرامج والمسلسلات. وأصبح المشهد العام في القطارات والمترو ومواقف انتظار الحافلات، متمثلا في إمساك الأشخاص بأجهزتهم الذكية بدلا من الكتاب.
    غير أننا نقول: إنه ليس من الإنصاف إلقاء اللوم على التكنولوجيا وثورة المعلومات على شبكة الإنترنت؛ لأنها أثرت بشكل عام على جميع دول العالم، وليس على العالم العربي وحده.

    خامسا: قد يكون لسهولة وسرعة الوصول إلى الشبكة العنكبوتية والكم الهائل من المعلومات التي تحويها ـ صحيحة كانت أو مغلوطة ـ دور في حالة التكاسل والتقاعس عن البحث في الكتب كمصدر معلوماتي، فالحصول على المعلومة عن طريق النت أسرع وأسهل وأحب إلى الشاب من عناء البحث والتملل من مطالعة الكتب.

    سادسا: المبالغة في أسعار بعض الكتب خصوصا وأن الشباب اليوم يعاني من أزمة مادية.
    سابعا: غياب الحضور الفعلي للندوات والدورات ودورها على تشجيع الشباب وإرشادهم للقراءة.

    ثامنا: ندرة الكتاب الموهوبين، وكثرة الحشو التجاري: فالكتابة موهبة والكتاب الموهوبون اليوم قليلون جدا والمقصود من الكاتب الموهوب هو صاحب القدرة على جذب القارئ، وإيصال المعلومة إليه وإثراء عقله مع إقبال المتلقي وعدم ملله. ولكن الحاصل أن الكتب اليوم أصبحت مهتمة بالحشو التجاري قبل الهدف العلمي الثقافي،فاصبحت أكثر الكتب رواجا كتب الطبخ والتجميل وكتب الغرائب والعجائب والخرافات والأساطير لأنها تحقق مبيعات وإقبال أكثر من غيرها من الكتب، وربما لأنها تحقق المتعة المفقودة والتي لا يجدها القارئ الشاب في الكتب. هذا مع كثرة الكتيبات الصغيرة التي هي في الغالب عبارة عن معلومات متكررة ومعادة طرقت أسماع الشباب كثيرًا، فبمجرد رؤيتهم لكتاب منها يتصفحونه سريعًا ثم يلقون به.

    تاسعا: قلة الحوافز والمكافآت التشجيعية والمسابقات التي تدور حول قراءة الكتب وفهمها وتلخيصها.
    عاشرا: تجاهل الدولة للعلماء والمثقفين وأرباب الفكر وأهل العلم، وضعف مكانتهم الاجتماعية وحالتهم الاقتصادية والمادية، في الوقت الذي يكرم فيه أهل الفن واللعب والتوافه مما يزهد الناشئة في العلم وأهله ويتوجه بهم إلى السفاسف والتوافه.

    الحلول:
    وبعد أن استعرضنا بعض الأسباب التي وقفت حائلاً بين الشباب والقراءة، نورد بعض الحلول التي قد تكون ناجحة لترسيخ مبدأ القراءة في نفوس الفتية وغرسه في ذواتهم، فمن هذه الحلول:

    أولا: يجب علينا أن نعي ونستشعر كأمة أنه لا سبيل لسيادة ولا لنهضة وصعود في ربا المجد إلا عن طريق القراءة ونشر حبها وأهميتها بين أطياف المجتمع وخاصة جيل الشباب. ويجب أن يدرك عموم طوائف المجتمع فوائد القراءة وثمرتها في رفع المستوى الثقافي عند الشخص والأمة.

    ثانيا: غرس هذه العادة عند الأطفال منذ الصغر، فيربون على حبها، وذلك بالحديث معهم عن مكانة وفضيلة الإنسان القارئ والثناء عليه ليسلكوا مسلكه، ويكون ذلك أيضًا بجلب القصص المصورة التشويقية ليتعودوا على حمل الكتب ومطالعتها، وحث الأبناء على قراءة القرآن الكريم وحفظه ورصد الجوائز لذلك، فتصبح القراءة عندهم ملكة منذ نعومة أظفارهم.

    ثالثا: يجب أن يكون هنالك على الأقل مكتبة أسرية في كل بيت وعامة في كل حي، يجب أن يتم غرس ثقافة القراءة وحبها في النشء وتحفيزهم على القراءة في مجال اهتماماتهم، أيضا على الجهات التربوية كالمدارس والجامعات والأندية إقامة مسابقات في مجال القراءة ووضع مكافآت تشجيعية عليها.

    رابعا: تطوير المناهج وتحسين الكتب المقررة في الصفوف الأولية، وتقديم الكتب المنهجية بصورة تحبب الطالب في القراءة سواء من جهة تقديم المعلومة أو إخراج الكتاب المدرسي.

    خامسا: الإعتناء بمكتبة المدرسة وتزويدها بالكتب المتنوعة الجذابة ذات الأغلفة المتميزة – مع الاهتمام بالمضمون – وخاصة في المرحلة الإبتدائية إذ يميل الطفل إلى الصور والمناظر الجميلة.

    سادسا: اصطحاب الأطفال إلى المكتبات ومعارض الكتب، وبذل المال عندما يرغبون في شراء كتاب ما، وتشجيعهم على ذلك .

    سابعا: متابعة ما يصدر من الكتب والحكم عليه وإثراء الساحة بالنقد الهادف البناء الذي يبعد الضعاف عن تسلق ذرى التأليف .

    ثامنا: اختيار الأقران الذين يحرصون على القراءة وإقتناء الكتب واغتنام الأوقات.

    تاسعا: رعاية الدولة لهذا الأمر، ورصد المكافآت والجوائز التشجيعية للعلماء والمثقفين والكتاب المميزين، وإعلاء مكانهم في المجتمع.

    عاشرا: رصد المكافآت على الإنتاج الأدبي وإقامة الفعاليات التي ترعاها الدول العربية، و على وإجراء المسابقات على التأليف الجاد الهادف الممير، وعلى تلخيص الكتب الهامة وإجراء المسابقات حولها، واستغلال معارض الكتب التي تقام كل سنة بتنظيم الزيارات لها والحث على زيارتها.

    كانت هذه نظرة لحالنا مع القراءة ومحاولة لحل هذه المشكلة.. لعل أمة اقرأ تعود إلى القراءة، ولعل شباب العرب والمسلمين يهتمون بالعلم والثقافة، فيتغير واقعنا إلى واقع أفضل، ويكون مستقبلنا أرغد وأجمل.
    --------------------------
    عالم لا يزال منقسما
    عندما يختار الناس عدم الإيمان بالله، فإنهم لا يؤمنون بعد ذلك بلا شيء، إنما يصبحون قادرين على الإيمان بأي شيء" (ينسب إلى جيلبرت كيث تشيسترتون).

    أدى التحول الدراماتيكي نحو الأسوأ في تطور الإنسانية والتقدم المذهل في العلوم والتكنولوجيا إلى إثارة جدال ساخن بين المفكرين والكتاب الكبار في القرن العشرين، والمناقشة حول تأثيرها العميق، على كل من الإنسان والبيئة؛ لا سيما فيما يتعلق الأمر بالدور الرئيسي الذي لعبه الغرب وما زال يلعبه، دورا مثيرا ومحفوفا بالمخاطر.

    من الواضح أنه لا ينبغي أن يكون هناك استهانة بالدور الذي لعبته التكنولوجيا الحديثة - التي نشأت معظمها في الغرب - والتي حققت نجاحات ملحوظة وقدمت خدمة إنسانية للبشرية ككل، في كل مجال من مجالات النشاط البشري تقريبًا.

    مما لا شك فيه، أن "المحرك التكنولوجي نفسه الذي منحنا أجهزة iPhone وخدمات البث قد قلص الفقر المدقع في العالم إلى النصف. نفس تسونامي من البيانات التي أحدثت الثورة في الطب، مع تطور الحديث، تصلنا الأخبار على مدار 24 ساعة في نفس اللحظة من حدوثها. نبصق ونحصل على تاريخنا الوراثي، ونضغط على زر ونصل إلى جميع المعارف الإنسانية، ونبحر في جميع أنحاء العالم على شاشة بحجم ست بوصات.

    وعلى منظور آخر، يمكن للمرء أيضا أن يرى هذا على أنه نعمة مختلطة، ويسأل نفسه عما إذا كان من غير الممكن، في خضم حياتنا الرقمية، أن يكون أحلك وأسرع انتصار لوادي السيليكون هو دمج التقنيات الشخصية التي تحسن كفاءتنا مع التقنيات الشخصية التي تغير إنسانيتنا؟ وما إذا كان لا يزال لدينا سيطرة على هذه الوتيرة السريعة للتطور بحيث نضمن نحن- والحواسيب الفائقة المستقبلية والقوية - توجيه البحث بطريقة نجني فوائد مذهلة ومستمرة من التقدم التكنولوجي مع تجنب المزالق المحتملة؟

    هكذا، وبفائدة أقل بكثير من الإدراك المتأخر من فرانكلين فوير والعديد من العلماء المعاصرين الآخرين، ولكن مع مزيد من التبصر، تناول الحائز على جائزة نوبل ألكسندر سولجينتسين هذا الموضوع ببلاغة في خطابه التاريخي الذي ألقاه أمام جمع غفير في جامعة هارفارد الأمريكية المرموقة عام 1978 - في وقت كانت فيه الحرب الباردة بين الشرق والغرب في ذروتها، وبعد أربعة أعوام فقط من ترحيله من الاتحاد السوفيتي الشيوعي آنذاك إلى الغرب. وأشار أن الدفاع عن الحقوق الفردية في المجتمعات الغربية قد وصل إلى أقصى درجاته بحيث جعل المجتمع ككل أعزل أمام بعض الأفراد، وتم منح الحرية التدميرية وغير المسؤولة مساحة لا حدود لها. ويؤكد أن هذا الميل من الحرية في اتجاه الشر "قد تحقق تدريجياً، لكنه من الواضح أنه ولد في المقام الأول من مفهوم إنساني وخيّر ينص على أنه لا يوجد شر ملازم للطبيعة البشرية. الكفاح من أجل كوكبنا، الجسدي والروحي، معركة ذات أبعاد كونية، ليس مسألة غامضة للمستقبل؛ ولقد بدأت بالفعل. بدأت قوات الشر هجومها. يمكنك أن تشعر بالضغط منها، ولكن الشاشات والمنشورات مليئة بالابتسامات والنظارات المندهشة. لماذا هذا الفرح؟

    سأل الفيلسوف الروسي بعد ذلك كيف نشأت هذه العلاقة غير المواتية للقوات، وكيف تراجع الغرب من مسيرته المنتصرة إلى مرضه (الحاضر)؟ أجاب بالقول إن الغرب وجد نفسه في مثل هذه الحالة ليس بسبب وجود تحولات قاتلة مفاجئة وفقدان في اتجاه تطورها، حيث أنه واصل التقدم اجتماعيًا وفقًا لنواياه المعلنة بمساعدة التقدم التكنولوجي الرائع. بدلاً من ذلك، الخطأ، حسب قوله، يجب أن يكون في الأساس، في أساس الفكر الإنساني في القرون الماضية. وكان يقصد على وجه التحديد النظرة الغربية السائدة للعالم والتي ولدت لأول مرة خلال عصر النهضة ووجدت تعبيرها السياسي منذ فترة التنوير، والتي "أصبحت أساسًا للحكم والعلوم الاجتماعية ويمكن تعريفها على أنها إنسانية عقلانية أو حكم ذاتي انساني: الحكم الذاتي المعلن والمنفذ للإنسان من أي قوة أعلى. يمكن أن يطلق عليه أيضًا مركزية الإنسان، حيث يُنظر إلى الإنسان على أنه مركز كل شيء موجود".

    ونتيجة لطريقة التفكير الجديدة هذه التي أدخلتها عصر النهضة، يقول سولجينتسين "إن الحضارة الغربية أصبحت تأسَّسُ على الاتجاه الخطير لعبادة الانسان واحتياجاته المادية"، وكل شيء ما عدا الرفاهية وتراكم البضائع المادية، من المتطلبات والخصائص الإنسانية ذات طبيعة عليا تبقى خارج نطاق اهتمام الدولة والنظم الاجتماعية، كما لو أن الحياة البشرية لم يكن لها أي معنى متفوق".

    ثم حذر الفائز بجائزة نوبل في الأدب من كارثة تلوح في الأفق والتي كانت مستمرة لبعض الوقت، وهذه هي كارثة الوعي الإنساني غير الروحي وغير الديني. وأوضح ذلك بقوله أنه أثناء المسيرة من عصر النهضة إلى أيامنا هذه، قمنا بإثراء تجاربنا، ولكنا "فقدنا مفهوم الكيان الأعلى الكامل الذي كان يقيد عواطفنا وعدم المسؤولية لدينا" فبالتالي فقط أدركنا أننا محرومون من أهم شيء لدينا: حياتنا الروحية ". ويوضح أنه في الشرق يتم تدمير حياتنا الروحية من خلال تعاملات ومكائد الحزب الحاكم. وفي الغرب، المصالح التجارية تخنق حياتنا الروحية. وبالتالي، فإن الانقسام في العالم "أقل فظاعة من تشبيه المرض الذي يصيب أعضائه الرئيسية".

    في ختام كلمته - التي لا تزال ذات صلة ملفتة للنظر اليوم، بصرف النظر عن حقائق انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وما تلاه من زوال الشيوعية - أدلى سولجينتسين بملاحظة أنه ان لم يكن العالم قد وصل الى نهايته، فقد اقترب من منعطف كبير في التاريخ "مساوٍ لأهمية التحول من العصور الوسطى إلى عصر النهضة"، وإذا أردنا إنقاذ الحياة من تدمير الذات، فيجب أن تكون هناك طفرة روحية، حيث يجب على البشر أن يرتقوا إلى نظرة جديدة لحياتهم الروحية، إلى "مستوى جديد من الحياة بحيث لن يتم لعن طبيعتنا المادية كما هو الحال في العصور الوسطى، ولكن الأهم من ذلك، لن يتم دس كائننا الروحي كما في العصر الحديث". وأكد أن هذا الصعود "سيكون مشابهًا للصعود إلى المرحلة الأنثروبولوجية التالية. لم يبق لأحد على وجه الأرض أي طريقة أخرى الا الطريقة التصاعدية (الارتقاء الروحي)".

    اليوم، ربما أكثر من أي وقت مضى، الإنسانية في خضم موجة من المد والجزر من التغيير. يعتقد سولجينتسين وبعض الكتّاب المبدعون والبارعون الآخرون - مثل يوفال نوح حراري وجوناه غولدبرغ وقبلهم جميعًا، الجزائري مالك بنابي – الحال الراهن هي عرض من أعراض الانتقال إلى المرحلة التالية في تاريخ البشرية.

    الآن، وبعد أن تم تشخيص ورطة البشرية الحالية، فإن السؤال الملح الذي يُطرح بإلحاح متزايد هو كيف يمكن للبشرية أن ترتفع إلى مستوى التحدي الكبير المتمثل في تقديم وصفة طبية لعلاج الأمراض متعددة الجوانب التي تهدد بقاءنا وفي نفس الوقت الانتقال بحكمة إلى الأمام في عالم معقد بشكل متزايد؟

    في كتابه الأخير، حراري يقدم ملاحظة وهو محق أن هناك اليوم حضارة واحدة فقط في العالم. ويوضح أنه قبل عشرة آلاف سنة كانت البشرية مقسمة إلى قبائل معزولة لا تعد ولا تحصى، ولكن مع مرور كل ألف عام، اندمجت هذه المجموعات الصغير في مجموعات أكبر، وتم تكون حضارات متميزة كبرى. بعد ذلك، وبشكل بارز في الأجيال الأخيرة، تم اندماج الحضارات القليلة المتبقية في حضارة عالمية واحدة. وعلى الرغم من استمرار "الانقسامات السياسية والعرقية والثقافية والاقتصادية، إنها لا تقوض الوحدة الأساسية".

    برفضه للأطروحة "المضللة" لـ "تصادم الحضارات"، هو يعتقد أن الجنس البشري بات يفقد ثقته في القصة الليبرالية التي هيمنت على السياسة العالمية في العقود الأخيرة، بالضبط عندما يواجه دمج التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات أكبر التحديات التي تواجهها البشرية من أي وقت مضى. حراري مقتنع بأن "أي قصة تسعى إلى الحصول على ولاء الإنسانية سيتم اختبارها قبل كل شيء في قدرتها على التعامل مع الثورتين في تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية". وفقًا لذلك، يستنتج أنه "إذا كانت الليبرالية أو القومية أو الإسلام أو بعض العقائد الجديدة ترغب في تشكيل عالم عام 2050، فلن تحتاج فقط إلى فهم الذكاء الاصطناعي وخوارزميات البيانات الضخمة والهندسة الحيوية – ولكنها بحاجة أيضا إلى دمجها في سرد جديد ذات معنى".

    من جانبه، فإن جونا جولدبرج، بناء على الأبحاث والنظريات التي قام بها العشرات من علماء الاجتماع والمؤرخين والاقتصاديين، يعتبر الحالة في أمريكا والديمقراطيات الأخرى في خطر لأنهم فقدوا الرغبة في الدفاع عن القيم والمؤسسات التي تدعم الحريات والازدهار. ويقول إنه لكي يتجنب الغرب "الانتحار" ويبقى على قيد الحياة، يجب أن نجدد شعورنا بالامتنان لما قدمته لنا حضارتنا وأن نعيد اكتشاف مُثل وعادات القلب التي أخرجتنا من الوحل الدموي في الماضي، والا سنعود إلى الوحل مرة أخرى". وبعبارة أخرى، فهو يدعو إلى العودة إلى القيم الأساسية المحافظة.

    والأهم من ذلك، أن جولدبيرج يقدم ملاحظة مهمة تم التغاضي عنها "بشكل غريب" في جميع مراجعات الكتب تقريبًا، على الرغم من أنها تشكل الموضوع الرئيسي لاستنتاج الكتاب بعنوان "الرفض خيار"؛ أي هو "سواء كنت تؤمن بالله أم لا، فالحال اليوم هو أن فكرة الله تقلصت في المجتمع وفي قلوبنا". وقد أثر هذا بدوره إلى حد كبير على الأفراد والمجتمعات على حد سواء من تأثير "الخوف من الله"، وهو أن الله يراقبك حتى عندما لا يكون الآخرون كذلك. يمكن تبرير تماماً رؤية غولدبرغ لهذه الفكرة باعتبارها أعظم فحص لرغبة الإنسان الطبيعية في الاستسلام لمشاعر المرء وفعل ما يشعر به بالرضا أو حتى ما يشعر أنه "الصواب"؛ وعلى هذا النحو، فهي "أقوى قوة حضارية في تاريخ البشرية كله". هذا التطور السلبي، كما يوضح جولدبرج، يخلق فرصة لجميع أنواع الأفكار لتغمر فينا، ومن ثم الاتفاق على القول المأثور المعروف والمنسوب إلى جيلبرت كيث تشيسترتون: عندما يختار الناس عدم الإيمان بالله، فإنهم لا يؤمنون بعد ذلك بأي شيء، ثم يصبحون قادرين على الإيمان بأي شيء.

    الخيط المشترك والمتكرر في الأفكار الكبيرة أعلاه هو الاعتقاد بأن الحضارة بلا دين مصيرها النهاية. هذه حقيقة تاريخية مثبتة تم توثيقها على نطاق واسع؛ لذلك أنا على قناعة بأن العالم لا يزال منقسمًا، ولكن ليس بالضبط على غرار خطوط الحرب الباردة لسولجينتسين. لا شك أن القرن العشرين كان مهد ومقبرة جميع الأيديولوجيات. ومرة أخرى، يأخذ التاريخ منعطفًا غير متوقع: آخر ضحاياه، وآخرهم من الماويشيين الأيديولوجيين، هي الليبرالية الآن، التي لم يمض وقت طويل - بعد أن وجهت ضربة قاضية بنجاح لمنافسها الشيوعي - بدت كأنها سوف تدوم إلى الأبد.

    الانقسام اليوم هو بشكل أساسي هو انقسام بين المؤمنين وغير المؤمنين. إذا كان الأمر كذلك، فالسؤال الكبير الذي يجب طرحه هو أمر لا مفر منه: كيف يمكننا أن نجد أفضل السبل والوسائل للعيش معًا في سلام، من خلال التوفيق بين العلم والعقل والإيمان، وبالتالي سد الفجوة المتسعة بشكل خطير بين هذين المكونين في الحضارة العالمية الوحيدة التي توجد اليوم في عالم سريع التغير ومترابط بإحكام؟
    إسلام ويب...






                  

العنوان الكاتب Date
مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشباب... سيف اليزل برعي البدوي07-08-20, 11:52 AM
  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� عزالدين عباس الفحل07-08-20, 12:03 PM
  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� عزالدين عباس الفحل07-08-20, 12:05 PM
    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-09-20, 12:13 PM
      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-10-20, 10:42 AM
        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-11-20, 12:23 PM
          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-13-20, 12:32 PM
            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-14-20, 03:42 PM
              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-15-20, 01:05 PM
                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-16-20, 01:46 PM
                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-17-20, 12:47 PM
                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-18-20, 03:53 PM
                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-19-20, 02:58 PM
                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-20-20, 05:18 PM
                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-21-20, 03:01 PM
                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-23-20, 00:52 AM
                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-24-20, 01:11 AM
                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-25-20, 01:58 AM
                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-01-20, 01:41 AM
                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-01-20, 12:20 PM
                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-03-20, 03:17 PM
                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-04-20, 02:10 PM
                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-05-20, 02:06 PM
                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-06-20, 02:56 PM
                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-07-20, 12:27 PM
                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-08-20, 01:04 PM
                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-09-20, 01:12 PM
                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-10-20, 01:07 PM
                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-11-20, 03:28 PM
                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-12-20, 05:15 PM
                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-13-20, 01:28 PM
                                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-14-20, 01:58 PM
                                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-15-20, 12:34 PM
                                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-16-20, 02:47 PM
                                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-18-20, 11:36 AM
                                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-20-20, 01:39 AM
                                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-22-20, 00:20 AM
                                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-23-20, 11:50 AM
                                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-27-20, 03:28 AM
                                                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-28-20, 02:22 AM
                                                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-28-20, 10:21 PM
                                                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-30-20, 04:49 PM
                                                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-31-20, 11:16 PM
                                                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-02-20, 00:30 AM
                                                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-03-20, 06:00 PM
                                                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-05-20, 02:42 PM
                                                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-28-20, 02:15 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de