مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشباب...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 10:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-14-2020, 03:42 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إلا أن يتغمدنا الله برحمته
    هضم النفس والتواضع: خلق كريم، وخلة جذابة تستهوي القلوب، وتثير الإعجاب والتقدير.

    هو خلق بين خلقين، وقصد بين تفريطين، ووسط بين طرفين.. والممدوح منه ما كان متسما بالقصد والاعتدال؛ لأن الإفراط فيه داع للخسة والمهانة والتفريط فيه باعث على الكبر والعجب.

    وقيل في معناه: هو احترام الناس حسب أقدارهم وعدم الترفع عليهم.
    وسئل الحسن البصري: أي شيء التواضع؟ قال: يخرج المرء من بيته فلا يلقى مسلما إلا ظن أنه خير منه.
    وهذا ما كان يفعله مطرف بن الشخير حيث يقول: "والله ما رأيت أحدا من المسلمين إلا ظننت أنه خير مني: إن كان أكبر مني قلت أطاع الله قبلي وعبده أكثر مني، وإن كان أصغر مني قلت عصيت الله أكثر منه".

    وفي مسند الشهاب عن عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَوَاضَعُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ".

    وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله].

    وقد جاء في كتاب "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله أن أصل هذا الباب مراقبة النفس ومحاسبتها والاطلاع على عيوبها، فمن اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى.
    وقد روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا".

    وقال مطرف بن عبدالله: "لولا ما أعلم من نفسي لقليت الناس".
    وقال بكر بن عبدالله المزني: "لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم، لولا أني كنت فيهم".
    وقال أيوب السختياني: "إذا ذكر الصالحون كنت عنهم بمعزل".

    ولما احتضر سفيان الثوري دخل عليه أبو الأشهب وحماد بن سلمة فقال له حماد: يا أبا عبدالله! أليس قد أمنت مما كنت تخافه، وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين؟ فقال: يا أبا سلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار؟ قال: إي والله إني لأرجو لك ذلك.

    وقد ذكر جعفر بن زيد: أنه راقب صلة بن أشيم ليلة، فصلى الليل حتى كان عند الصبح جلس فحمد الله تعالى بمحامد لم أسمع بمثلها ثم قال: "اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار فإن مثلي يصغر أن يجترئ أن يسألك الجنة".

    وقال محمد بن واسع: "لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد أن يجلس إلي".
    وأثنوا على داود الطائي يوما فقال: "لو يعلم الناس بعض ما نحن فيه ما ذل لنا لسان بذكر خير أبدا".
    وقال أبو حفص: من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات، ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجُرّها إلى مكروهها في سائر أوقاته، كان مغرورا.. ومن نظر إليها باستحسان شيئ منها فقد أهلكها.

    وكل هذا منهم رضي الله عنهم من باب التواضع وهضم النفس، وقد تعلموا هذا من السابقين الأولين من أصحاب النبي الكريم، فقد كانوا أفضل خلق الله وأكثرهم تواضعا لربهم عز وجل:
    جاء في [كنز العمال: 35704] عن الأصمعي قال: "كان أبو بكر إذا مدح قال: اللهم أنت أعلم مني بنفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون".

    وفي تفسير ابن أبي حاتم عن عقبة بن صهبان الهنائي قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن قول الله عز وجل: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}[ فاطر:32] فقالت: يا بني هؤلاء في الجنة، أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له رسول الله بالجنة، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم".. فجعلت نفسها معنا رضي الله عنها وأرضاها.

    وفي معجم الطبراني ومسند أحمد عن مسروق قال: دخل عبد الرحمن "يعني ابن عوف" على أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبدا]. فخرج عبد الرحمن من عندها مذعورا حتى دخل على عمر رضي الله عنه فقال له: اسمع ما تقول أمك، فقام عمر رضى الله عنه حتى أتاها فدخل عليها فسألها ثم قال: أنشدك بالله أمنهم أنا؟ قالت: لا.. ولن أبريء بعدك أحدا".
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنما أرادت ألا تفتح عليها هذا الباب، ولم ترد أنك وحدك البريء من ذلك دون سائر الصحابة.

    التواضع من صفات الصديقين
    ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين، ويدنو العبد به من الله تعالى في لحظة واحدة أضعاف أضعاف ما يدنو بالعمل.
    قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن الحسن بن أنس حدثنا منذر عن وهب: أن رجلا سائحا عبد الله عز وجل سبعين سنة، ثم خرج يوما فقلل عمله وشكا إلى الله تعالى منه واعترف بذنبه، فأتاه آت من الله فقال: إن مجلسك هذا أحب إلى من عملك فيما مضى من عمرك.

    وفي الزهد أيضا عن قتادة: قال عيسى بن مريم عليه السلام: "سلوني فإني لين القلب، صغير عند نفسي".
    وفيه: "كان داود عليه السلام ينظر أغمض حلقة في بني إسرائيل فيجلس بين ظهرانيهم (أكثرها تواضعا ومسكنة)، ثم يقول: يا رب مسكين بين ظهراني مساكين".

    لقد نظر هؤلاء الصالحون الصادقون في حق الله عليهم فعظموه وقدروه، ثم نظروا بعد ذلك في نفوسهم فعلموا عوارها وضعفها وعجزها عن القيام بحق الله؛ فأورثهم ذلك مقت نفوسهم والإزراء عليها، فتخلصوا من العجب ورؤية العمل؛ ففتح لهم باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربهم، وعلموا أن النجاة لا تحصل لهم إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، فإن من حقه أن يطاع ولا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.

    فمن نظر في هذا الحق الذي لربه عليه عَلِم عِلْم اليقين أنه غير مؤد له كما ينبغي، وأنه لا يسعه إلا العفو والمغفرة، وأنه إن أحيل على عمله هلك.. فهذا محل نظر أهل المعرفة بالله تعالى وبنفوسهم، وهذا الذي أيأسهم من أنفسهم وعلق رجاءهم كله بعفو الله ورحمته. حتى قال سيد المتواضعين عليه افضل الصلوات وأزكى التسليم كما في الصحيح: [لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته](رواه البخاري ومسلم).
    تواضع تكن كالنجم لاح لناظر .. .. على صفحات الماء وهو رفيع
    ولا تك كالدخــان يعـلو بنفـسه .. .. إلى طبـقات الجـو وهو وضـيع
    فأقبح شيء أن يرى المرء نفسه.. .. رفيـعـا وعند العالمـين وضيـع
    ---------------------------
    بين الهداية الحقة والالتزام الأجوف
    سمه إن شئت التزاما أجوفا، أو ضعف إيمان، أو قسوة قلب، أو غفلة، أو هداية ناقصة.. فكلها في الحقيقة تعود إلى أعراض واحدة، وعلاماتها متوافقة، ومظاهرها متشابهة. فترى الشخص ظاهره الالتزام ولكنه في أفعاله وواقعه كثيرا ما يخالف هذا الظاهر الطيب.

    مظاهر هذا المرض:
    وقد ذكر الدعاة والمشايخ والعلماء بعض هذه المظاهر لصاحب هذا المرض فكان مما أجملوه:
    ـ "عدم الخشوع في الصلاة، وعدم التبكير إليها، وأحيانا النوم عن الصلاة المكتوبة، خصوصاً صلاة الفجر والعصر. وكثرة التفريط في أداء النوافل من الصيام والقيام والسنن والرواتب.

    ـ عدم الاهتمام بقراءة القرآن وحفظه، مع ترك الأوراد اليومية والأذكار وعدم التألم لفواتها.

    - سوء الأخلاق والمعاملة، وعدم قبول النصيحة من الآخرين، وحب التسيب وعدم الانضباط. والولع بالخصام وكثرة المجاملة، وهذا سبب لنسيان العلم وقسوة القلب.

    - إضاعة الوقت فيما لا فائدة منه، والانشغال بالملهيات، وكثرة الضحك والمزاح، وعدم الجد في أمور الدين والدنيا أحيانا، والسهر إلى ساعات متأخرة من الليل في غير منفعة، وعدم التأسف على ضياع الوقت والعمر.

    ـ التعلق بغير الله سبحانه وتعالى. والاهتمام بالمظهر اهتماماً فوق المعتاد.

    ـ ضعف في أمور الديانة وأخلاق أهل الهدى كإخلاف الوعد، والمزاح بالكذب، وعدم إنكار المنكر. وعدم الورع في الفتوى، والتساهل في الوقوع في الشبهات، وعدم التخلص من رواسب الجاهلية". (ملخص من محاضرة الالتزام الأجوف: للعايد).

    إنه التزام أجوف، أو هداية ناقصة لم يأخذ صاحبها بمجامعها ولا تمسَّك بأهدابها، كما يقول الشيخ علي القرني حفظه الله في أحدى محاضراته:
    "من لم يهتد على الحقيقة ويأخذ بأسباب الهداية، ولم تنهض همته لها، لا يزال قلبه في حضيض طبعه محبوسا منكوسا، راعٍ مع الهمَل، سائمة مع الأنعام، استطاب لقيمات الراحة والبطالة، واستلان فراش العجز والكسل والبلادة".

    ليس مهتديا على الحقيقة:
    "الهداية على الحقيقة" تسر صاحبها وترقيه، وتبشره وتهديه، تنفعه وترفعه، فلا يزال يحلق في سماء المعالي حتى لا ينتهي تحليقه دون عليين برحمة أرحم الراحمين، فمن سار مهتديا على الحقيقة، رجونا له الوصول وإن طال الدجى.
    ولكن كثيرا من الناس مهتد هداية الحيارى، اسم ولا رسم، ومنظر ولا مخبر، وخيال ولا حقيقة..

    فهل يكون مهتديا حقا من يوالي أعداء الله ويتخذهم بطانة من دون المؤمنين، ولو صلى وصام وحج وزكى؟ يكرم من أهانه الله، ويعز من أذله الله، ويدني من أبعده الله، ثم يدعي هداية الله!!

    هل يكون مهتديا حقا من ظاهره الاستقامة، ثم في انهزامية مقيتة وبحجة ضغط الواقع يتراجع عن ثوابت الدين ومسلماته؟
    أما إن الحق لا ينقلب باطلا، ولا الباطل يصير حقا مهما كانت التبعات.

    هل يكون مهتديا على الحقيقة من يهمل حقوق الخلق ويسيء في المعاملات، لا يتقبل النصح ويرى ذلك اتهامات؟! يعيش الفوضى وعدم الانضباط، مضيعا وقته، غير منتظم في درس، أو محاضرة، أو عمل نافع، أو حلقات، ومع هذا فهو منشغل بالملهيات، مغرق في سماع الأناشيد والتمثيليات، سيارته ومكتبه مستودع للأناشيد والطرائف والاحتفالات؛ يحفظها حفظا يفوق حفظ الأحاديث والآيات، حتى إن بعضهم ليذهب مع اللحن يترنم ويطرب، ثم يبكي ما لا يبكيه عند سماع قوارع الآيات، ولربما صاحبها الدف، وترخص في ذلك، فلم يشعر إلا وهو من أهل الأغنيات؟ فالهبوط سهل والارتقاء صعب التبعات.

    عفوا إخوتي: من كتم داءه، قتله، آن لنا أن نتعرف على دائنا ونعلنه لعلنا نتعاون فنصلحه.
    عظم بيننا الاهتمام بالتحسيني والكمالي، وترك الحاجي والضروري، صارت الكماليات عندنا ضروريات، "فنأكل الحلوى ونحن في بلوى" كما قيل، وبعضنا مهتم بمظهره اهتماما يفوق اهتمام البنيات، ألف السطحية والمظهرية، فهو تمثال خشب لا يخيف ولا يرهب، يمني نفسه ويسوف، وقد أمن الهرم كما أمن الصيدَ حمامُ الحرم.
    يد فارغة، ويد لا شيء فيها، فضول بلا فضل، وسن بلا سنة، متساهل في الأمر الخطير، متشدد في الأمر السهل اليسير.

    وبعضنا ـ بل الكثير ـ لم يتخلص من رواسب الجاهلية من صور وقنوات ومجلات، لا يتورع عن المشتبهات، يتهاون بالسنن والمندوبات، ويفرط في الواجبات، جلساؤه قبل أن يهتدي هداية الخيال هم جلساؤه بعدها، مع أنهم أخطر شيء عليه؛ إذ هم أعرف الناس بنقاط ضعفه، ...
    عاداته، أفكاره، اهتماماته هي هي لم تتبدل، لم يزل مُصِّرًا على بعض المال المشتبه، حتى إذا ما تورع عن بعض مال حرام، لم يزل لسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات؛ يشتم ذا ويجرح ذاك ويعدل ذلك.
    أمانيه، حبه، بغضه، عطاؤه، منعه، هي هي، ولاؤه لمصلحته، عداؤه لكل ما يقف في طريقها، نفعي ذاتي، مستصعب مخالفةَ الناس والتحيزَ إلى الله ورسوله.
    أيكون من هذا حاله مهتديا على الحقيقة؟
    كلا إنما هو عش حمامة .. .. عود من غرب وعود من ثمامة، بل غيمٌ حمَى الشمسَ ولم يمطر ولم يكف.

    حقيقة الهداية والمهتدي
    الهداية على الحقيقة.. تحول جذري؛ مظهري ومخبري، والله ما يجدر بحامل الهداية أن يظهر بمظهر يرده الشرع، فلو خالف حامل الهداية، لكان كل مخالف أشرفَ منه، فلطخة في الثوب الأبيض ليست كلطخة في الثوب الأسود كما قيل.

    أنت للهداية لا للتلبيس، إنما التلبيس خلق إبليس. أنت للنور لا للظلمة، ربما زلة أهلكت، وعثرة قتلت، وفائت لا يستدرك، لا يبنى على الصلاح إلا صالح، وكل ما بني على الفساد فهو فاسد، ولن يأتي يوم فيقول مهتد على الحقيقة لإبليس: "رضي الله عنه"! بل نعوذ بالله منه.
    إذا ما الجرح رُمَّ على فساد .. .. تبين فيه تفريط الطبيب

    الهداية ليست كلمةً تقال، بل هي حقيقة ذاتُ تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال، وما حقيقة كخيال.

    الهداية على الحقيقة عبودية مطلقة لله رب العالمين، والعبد المطلق ـ كما يقول ابن القيم في كلام قيم مضمونه في تصرف: لا تملكه رسوم، ولا تقيده قيود، عمله على مراد ربه، ولو كانت راحة نفسه في سواه، ملبسه ما تهيأ، مأكله ما تيسر، شغله ما أمر به في وقته، مجلسه حيث انتهى وخاليا وجد، لا تملكه إشارة، ولا يتعبده قيد، ولا يستولي عليه رسم، حر متجرد، دائر مع الأمر المأمور به حيث دار، يأنس به كل محب، ويستوحش منه كل مبطل؛ كالغيث حيثما وقع نفع، وكالنخلة لا يسقط ورقها، وكلها منفعة حتى شوكها، حزم مع المخالفين لأمر الله، غضب إذا انتهكت محارم الله، فهو لله وبالله، ومع الله، واها له ما أغربه بين الناس! وما أشد وحشته! وما أعظم أنسه بالله وفرحه وطمأنينته وسكونه، والله المستعان، وعليه التكلان!.

    هذا دأب المهتدي حقيقة في السير إلى الله، كلما رفعت له منزلة سار إليها واشتغل بها، حتى تلوح له منزلة أخرى، ولم يزل هذا دأبه حتى ينتهي سيره، فإن رأيت العلماء رأيته بذاته معهم، وفي سمتهم وعلمهم وزيهم، وإن رأيت العباد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين والمحسنين رأيته معهم، وإن رأيت العاكفين الخاشعين المخبتين رأيته معهم:
    كالليث يسرف في الفعا .. .. ل وليس يسرف في الزئير

    الهداية الحقيقية تمثيل للدين في تصريف شئون الحياة، واستخلاف للمهتدين في الأرض، وتبديل للخوف بالأمن، وعد واقع ماله من دافع، إنه وعد الله، ووعد الله حق، ولن يخلف الله وعده، قال الله: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} [النور:55]
    وعد من الله للعصبة المهتدية في كل عصر، وسنة من الله: {ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الفتح:23].
    -------------------------
    أبي بن كعب.. سيد القراء
    أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير القرون وأفضل العالمين.. أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا.. قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونصرة دينه، ونشر رسالته فاعرفوا لهم قدرهم؛ فإنهم كانوا على الحق المبين.

    زكاهم الله في كتابه، وقبل منهم ورضي عنهم، وغفر لهم، وأدخلهم الجنة {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة:100).

    وزكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد لهم بأنهم خير القرون على الأطلاق [خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم].
    هم صفوة الأقوام فاعرف قدرهم .. وعلى هداهم يا موفق فاهتدي
    واحفظ وصــية أحمد في صحبه .. واقطــع لأجلـهم لسـان المفسد
    عرضـي لعرضــهم الفداء فإنهم .. أزكى وأطـهر من غمـام أبرد
    فالله زكاهـم وشـــرف قــدرهـم .. وأحـلهــم بالـدين أعـلى مقـعــد

    والحديث عن الصحابة عبادة، وإحسان، وزيادة إيمان.
    ونعيش هذه اللحظات مع شمس من شموسهم، وسيد من ساداتهم، وعلم بارز من أعلامهم، إنه أبي بن كعب بن قيس الانصاري النجاري صاحب رسول الله وسيد المسلمين.

    لقد برز أبي رضي الله عنه إلى المكانة العليا بين الصحابة، ولكن بروزه لم يكن في الإنفاق كما برز غيره وإن كان من الأجواد المنفقين، وما كان في كتابة الحديث وإن كان من العلماء المعدودين، ولا كان في القتال وإن كان من الشجعان المجاهدين؛ فما فاته مع النبي صلى الله عليه سلم مشهد.
    وإنما كان بروزه ورفعته وتميزه الأكبر في مجال آخر هو الأعظم على الإطلاق.. كان تميزه في كلام الله في كتاب الله في القرآن: في حفظ القرآن، في تعظيم القرآن، في فهم القرآن، في تدبر القرآن، في تلقي القرآن من النبي وتعليمه لغيره من الصحب الكرام.

    والقرآن حبل الله النازل من السماء إلى الأرض، من تمسك به وتعلق به رفعه الله إلى عليين [إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين]..
    وقد تمسك صاحبنا بطرفه، وجعل يترقى ويترقى حتى بلغ منتهاه، ونال مرتبة لم ينلها غيره.. فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه القرآن.
    روى البخاري ومسلم عن أبيٍّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، (وفي رواية مسلم: إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب}) قال أبيّ: وسماني الله لك؟ قال: نعم. قال: وذكرت هناك؟ قال: نعم.. فذرفت عين أبي وجعل يبكي. وفي المسند أن أبيا حدث بهذا الحديث، فقال له عبد الرحمن بن أبزى: وفرحت بذلك؟ قال: وما يمنعني أن أفرح والله تعالى يقول: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.

    إمام في العلم والعمل
    أسلم أبي على يد مصعب بن عمير، وكان رجلا دحداحة يعني ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان أبيض الرأس واللحية كما جاء في سير أعلام النبلاء.
    وشهد بيعة العقبة الثانية والتي قال النبي عليه الصلاة والسلام لأهلها [فإن وفيتم فلكم الجنة].. وقد فعلوا رضي الله عنهم.

    أخذ أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا، وكان رأسا في العلم والعمل.. وشهد مع النبي بدرا وجميع المشاهد، فهو بدري ـ وأهل بدر هم أفضل الصحابة والمقدمون بينهم ـ فنال شرف هذه المنقبة وهي قول النبي لعمر: [وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم].

    لقد جمع أبي الفضائل، ولكن كانت شهرته الأكبر في ارتباطه بالقرآن..
    فقد حفظ القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرضه عليه، وتلقاه منه، وكان يقول: "إني تلقيت القرآن ممن تلقاه من جبريل وهو رطب".

    كان أبي من القلائل الذين جمعوا القرآن في حياة النبي صلوات الله وسلامه عليه.. قال أنس: "جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: "أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت وأبو زيد رجل من الأنصار".
    وكان أحفظَهم أبي، فقد روى أبو داود عن ابن عمر قال: [صلى النبي صلاة فلُبِّس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال نعم. قال: فما منعك؟] يعني أن تفتح علي، وهذه شهادة أخرى من النبي صلى الله عليه وسلم له بالحفظ والإتقان.

    وقد توج هذا الإتقان بأرفع تزكية وأعلاها، فقد شهد له الرسول بأنه أقرأ الأمة؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: [أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أُبيّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينًا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح]..
    وقد عرف ذلك له بين الصحابة حتى قال عمر: "أقضانا علي، وأقرؤنا أبي".
    وأمر النبي الصحابة أن يتعلموا منه ويأخذوا عنه فقال: [استقرؤوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل].

    فهمه وفقهه:
    كان لأبي ارتباط عجيب بالقرآن، فكان يختم كل ثمان، وكان ذا فهم في كتاب الله وصاحب تدبر ومعرفة، سأله النبي صلى الله عليه وسلم مرة كما في صحيح مسلم قال أبي: [قال رسول الله: يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قال: «فضرب في صدري وقال: وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ].

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه ويخصه في هذا الباب.. فقد روى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله: [ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها؟ قلت: بلى، قال: «فإني أرجو أن لا أخرج من ذلك الباب حتى تعلمها، ثم قام رسول الله فقمت معه، فأخذ بيدي فجعل يحدثني حتى بلغ قرب الباب، قال: فذكّرته فقلت: يا رسول الله، السورة التي قلت لي، قال: فكيف تقرأ إذا قمت تصلي؟ فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: هي هي، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه].

    حبه لرسول الله
    كان أبي شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كثير الصلاة عليه، وهو الذي قال له:يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك منها؟ قال: ما شئت، قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير، قال: يا رسول الله، أجعلها كلها لك؟ قال: إذًا تُكفى همك، ويغفر لك ذنبك.

    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادله حبا بحب، فلما أصيب ذراعه يوم الأحزاب كان النبي عليه الصلاة والسلام هو يطببه، وقد كواه بنفسه فبرأ بأمر الله.

    مجاب الدعوة:
    كان أبي عبدا صالحا صاحب عبادة، وكان مستجاب الدعوة.. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال عمر بن الخطاب: اخرجوا بنا إلى أرض قومنا، قال: فخرجنا فكنت أنا وأبي بن كعب في مؤخرة الناس، فهاجت سحابة، فقال أُبيّ: اللهم اصرف عنا أذاها، فلحقناهم وقد ابتلت رحالهم، فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا؟ قلت: إن أبا المنذر دعا الله أن يصرف عنا أذاها، فقال عمر: ألا دعوتم لنا معكم؟".

    وصيته بالقرآن:
    جاءه رجل فقال له أوصني قال: "اتخذ كتاب الله إماما، وارض به قاضيا وحكما، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم، شفيع مطاع، وشاهد لا يتهم، فيه ذكركم وذكر من قبلكم، وحكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما بعدكم".

    وفاته
    اختلف المؤرخون في عام وفاته، فقيل مات في العام التاسع عشر وقيل العشرين في خلافة عمر، وهو الأرجح، وقيل في خلافة عثمان ورجحه الواقدي.
    وعندما توفي ضجت المدينة، وماج أهلها، وقالوا: مات اليوم سيد المسلمين.

    اللهم ارحم أبيًّا، واغفر له، وارض عنه، واجمعنا به في جناتك جنات النعيم.
    -------------------------------------------
    حاسبوا أنفسكم .. قبل أن تحاسبوا
    "الدنيا ليست بدار قرار، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها فيها الظعن، فكم من عامر عما قليل يخرب، وكم من مقيم عما قليل يظعن". (عمر بن عبد العزيز).
    وإن أخوف ما يخاف على المرء فيها، اتباع الهوى وطول الأمل، فإن اتباع الهوى يصد عن الحق وإن طول الأمل ينسي الآخرة.(علي بن أبي طالب).

    والشباب هم أكثر فئة يمكن أن تتعرض للوقوع في طول الأمل، ومحبة البقاء، وتوقع طول العمر؛ إذ هم ما زالوا في بداية حياتهم، ومقتبل أعمارهم، كما يقال، فيدب إليهم داء طول الأمل، ويسرع فيهم عمله، وتصيبهم آفاته وعلله.

    إن الإنسان إذا طال أمله في هذه الحياة، زاد تعلق قلبه بها، وذهل عقله عن إدراك حقائقها؛ فتشغله الظواهر، وتخدعه المظاهر، وتلهيه السفاسف عن إدراك الحقائق، ويشغله طلب الدنيا والعمل لها والتذذ بمتاعها عن مهمته الأساسية ووظيفته الحقيقية، فيبقى في هذه الغفلة ـ ما لم يتداركه الله برحمته ـ فلا يفيق منها إلا مع فجأة الموت "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا".. فإذا رأى عاقبة طول أمله وتسويف عمله نادى بأعلى صوته: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت} ولكن للأسف الإجابة {كلا}.

    أيها الشباب
    إن طول الأمل داء علاجه في دواءين عظيمين:
    الأول دوام محاسبة النفس. والثاني: لزوم ذكر الموت.

    فأما العلاج الأول "وهو دوام محاسبة النفس" فمعناه:
    أن يتصفح الإنسان عمله، وينظر في أقواله وأفعاله وجميع ما يصدر منه أولا بأول.. فإن وجد خيرا محمودا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن وجده شرا مذموما استدركه إن أمكن، وتاب منه واستغفر، وانتهى عن مثله في المستقبل.

    والأصل في هذه المحاسبة في كتاب الله في قوله تعالى:
    . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر:18].
    . وقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:47].
    . وقوله: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}[الكهف:49].
    . وقوله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6].
    . وقوله: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[الزلزلة:6 - 8].
    . وقوله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه}[آل عمران:30].
    . وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}[البقرة:235].
    . وقوله: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[البقرة:281].

    فبهذه الآيات وأشباهها استدل أرباب البصائر على أن الله تعالى لعملهم بالمرصاد، قد أحصاه عليهم كله وعده عليهم عدا، وأنهم موقوفون بين يديه يناقشون الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات واللفظات، فتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة، ومؤاخذة النفس في أنفاسها وحركاتها ومحاسبتها على خطراتها ولحظاتها وخطواتها ولفظاتها وكل أعمالها.

    وهذا فعل الأكياس أهل الفطنة وأصحاب العقول كما أخبر بذلك أفضل رسول عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات: [الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني](رواه الترمذي وحسنه).

    وقد أخبرنا صلوات الله عليه وسلامه أننا محاسبون على كل شيء "كل شيء"، فقال: [لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه].

    فكان لزاما أن يعلم الواحد منا أنه موقوف بين يدي الله ومسؤول، وحق لمن علم أنه موقوف ومسؤول أن يعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا.
    كما قال الفضيل بن عياض لرجل: "كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذًا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله تُوشِك أن تَصِل، فقال الرجل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيل: يا أخي، هل عرفتَ معناه، قال الرجل: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع، فقال الفضيل: يا أخي، مَن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه، ومَن عرف أنه موقوف عرف أنه مسؤول، ومَن عرف أنه مسؤول فليُعدَّ للسؤال جوابًا،... "(حلية الأولياء).

    ولا يمكن أن يكون هذا إلا بالمحاسبة، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا".

    وقال رضي الله عنه: "حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن شغلته حياته، وألهته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة".

    وقد أقسم الله بالنفس اللوامة، أي التي تكثر لوم صاحبها على التفريط في فعل الخير، وتعاتبه على الوقوع في الشر.
    قال الحسن: "لا تلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه، لماذا فعلت كذا؟ ماذا تريد من كذا؟"

    قال مالك بن دينار: "رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا، ألست صاحبة كذا؟ ثم زمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائدا.

    يقول ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقياً حتى يحاسب نفسه كما يحاسب الشريك الشحيح شريكه: من أين مطعمه وملبسه؟".

    صور من المحاسبة:
    قال أنس رضي الله عنه: دخل عمر حائطا "حديقة نخيل" فسمعته يحاسب نفسه ويقول: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين!! بخ بخ!! والله لتتقين الله يابن الخطاب أو ليعذبنك.

    كان يزيد الرقاشي يحاسب نفسه كل يوم ثم يبكي ويقول: ويحك يا يزيد.. من يصوم عنك بعد الموت؟. ويحك يا يزيد.. من يصلي عنك بعد الموت؟. ويحك يا يزيد.. من يتصدق عنك بعد الموت؟.

    وأما الأحنف بن قيس فكان يأتي بالمصباح فيضع أصبعه فيه ويقول: حَس "وهي كلمة تقال عند شدة الألم".. ثم يقول لنفسه: يا حنيف ما حملك أن صنعت كذا يوم كذا؟ وكذا يوم كذا؟.

    وكان الربيع بن خثيم قد حفر لنفسه قبرا في بيته فكان ينزل فيه أحيانا ثم ينادي: "رب ارجعون رب ارجعون".. ثم إذا قام يقول لنفسه: ها قد رجعت فجدي واعملي.

    ثمرات المحاسبة:
    إن للمحاسبة ثمرات كثيرة، وفوائد دنيوية وأخروية، فمن ذلك:
    . الوقوف على نعم الله ومعرفة حق الله على عباده.
    . الانتباه إلى تقصير النفس في أداء شكر الله على نعمه.
    . معرفة علل النفس وعيوبها، والسعي في معالجتها.
    . قطع طريق الغفلة الناتجة عن طول الأمل.
    . صيانة النفس عن الوقوع في الزلل، وسرعة التوبة عند الخطأ.
    . دوام الاستعداد للقاء الله تعالى.
    . تيسير الحساب يوم المعاد.

    فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن ترك لنفسه هواها، وسعى لها في تحقيق مناها، وتركها من غير مؤاخذة ولا محاسبة، دامت حسراته، وطالت في ############ات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته.

    فمن أراد أن يخف حسابه غدا بين يدي ربه فليحاسب نفسه الآن. قال صلى الله عليه وسلم: [الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني](رواه الترمذي وحسنه).

    إسلام ويب...






                  

العنوان الكاتب Date
مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشباب... سيف اليزل برعي البدوي07-08-20, 11:52 AM
  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� عزالدين عباس الفحل07-08-20, 12:03 PM
  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� عزالدين عباس الفحل07-08-20, 12:05 PM
    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-09-20, 12:13 PM
      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-10-20, 10:42 AM
        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-11-20, 12:23 PM
          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-13-20, 12:32 PM
            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-14-20, 03:42 PM
              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-15-20, 01:05 PM
                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-16-20, 01:46 PM
                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-17-20, 12:47 PM
                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-18-20, 03:53 PM
                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-19-20, 02:58 PM
                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-20-20, 05:18 PM
                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-21-20, 03:01 PM
                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-23-20, 00:52 AM
                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-24-20, 01:11 AM
                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-25-20, 01:58 AM
                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-01-20, 01:41 AM
                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-01-20, 12:20 PM
                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-03-20, 03:17 PM
                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-04-20, 02:10 PM
                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-05-20, 02:06 PM
                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-06-20, 02:56 PM
                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-07-20, 12:27 PM
                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-08-20, 01:04 PM
                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-09-20, 01:12 PM
                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-10-20, 01:07 PM
                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-11-20, 03:28 PM
                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-12-20, 05:15 PM
                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-13-20, 01:28 PM
                                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-14-20, 01:58 PM
                                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-15-20, 12:34 PM
                                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-16-20, 02:47 PM
                                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-18-20, 11:36 AM
                                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-20-20, 01:39 AM
                                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-22-20, 00:20 AM
                                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-23-20, 11:50 AM
                                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-27-20, 03:28 AM
                                                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-28-20, 02:22 AM
                                                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-28-20, 10:21 PM
                                                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-30-20, 04:49 PM
                                                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-31-20, 11:16 PM
                                                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-02-20, 00:30 AM
                                                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-03-20, 06:00 PM
                                                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-05-20, 02:42 PM
                                                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-28-20, 02:15 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de